كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. - عن السائب بن يزيد- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين من غنائم هوازن فأفشي القسم في أهل مكة من قريش وغيرهم فغضب الأنصار, فلما سمع ذلك النبي- صلي الله عليه وسلم- أتاهم في منازلهم ثم قال: من كان ها هنا ليس من الأنصار فليخرج إلي رحله, ثم تشهد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وحمد الله عز وجل ثم قال: يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم علي الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله قلوبهم الإسلام ثم قال:يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم, أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والنعم والبعير وتذهبون برسول الله- صلي الله عليه وسلم- فلما سمعت الأنصار قول النبي- صلي الله عليه وسلم- قالوا: رضينا فقال النبي- صلي الله عليه وسلم- أجيبوني فيما قلت فقالت الأنصار: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلي النور ووجدتنا علي شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل فقال النبي- صلي الله عليه وسلم- أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك ومكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لو قلتم هذا لصدقتم فقالت الأنصار بل لله ولرسوله المن والفضل علينا وعلي غيرنا ثم بكوا فكثر بكاؤهم فبكي النبي- صلي الله عليه وسلم- معهم ورضي عنهم فكانوا بالذي قال لهم أشد اغتباطا وأفضل عندهم من كل مال أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا استسلمت الكثير من القبائل في الجزيرة العربية إلا بعض القبائل ومنها هوازن وثقيف بالطائف فلقد أعلنتا الحرب علي المسلمين وخرج الرسول لملاقاتهم في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة فيما عرف بغزوة حنين باثني عشر ألفا من المسلمين ويضم الجيش الكثير ممن أسلموا حديثا بعد فتح مكة وقد أعجبت كثرة الجيش وعدته المسلمين ووصلت إلي حد الغرور حتي قال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فانهزم المسلمون في بداية المعركة وكان درسا عظيما في أن الكثرة لا تغني شيئا دون التسلح بسلاح العقيدة والإيمان إلا أن ثبات الرسول- صلي الله عليه وسلم- حول الهزيمة إلي نصر فأخذ ينادي ويقول: أيها الناس, هلموا إلي وكان ممن نادي عليهم الأنصار فقال: يا معشر الأنصار, فقالوا لبيك يا رسول الله, أبشر نحن معك وغنم المسلمون مغانم كثيرة في هذه المعركة وقسم النبي الغنائم ولم يعط الأنصار منها شيء لأنه وزعها بكاملها علي المؤلفة قلوبهم وهم الذين أسلموا حديثا فغضب الأنصار وقالوا إذا كانت الشدة فنحن ندعي ويعطي الغنائم غيرنا فلما سمع النبي ذلك أتاهم في منازلهم فبين لهم أن مسلكه معهم في توزيع الغنائم قام علي تقدير إيمانهم وإخلاصهم وذكرهم بمنة الله عليهم بالإيمان وأثني عليهم وأظهر حبه لهم وكان مما قال: يا مشعر الأنصار, أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا, وتذهبون بمحمد صلي الله عليه وسلم تحوزونه إلي بيوتكم؟ قالوا: بلي يا رسول الله رضينا وبكوا تأثرا بكلمات رسول الله وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- معهم ورضي عنهم وكانوا بالذي قال لهم أشد فرحا وأفضل عندهم من كل مال.