روي الإمام البخاري وغيره واللفظ للبخاري بسنده عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطي رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد الله ثم أثني عليه ثم قال أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أري في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الغني والخير فيهم عمرو بن تغلب فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلي الله عليه وسلم حمر النعم. رواه البخاري والإمام أحمد في هذا الحديث الشريف يقسم رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أنه يعطي الرجل ويدع الرجل والذي يدعه أحب إليه من الذي أعطاه وذكر السبب في ذلك, فمتي كان هذا الأمر؟ وماذا في ذلك من سياسة حكيمة لرسول الله صلي الله عليه وسلم؟ نقول وبالله التوفيق لما استقر المسلمون في المدينة وأذن الله لهم بقتال عدوهم وبدأت مرحلة الصدام في المعارك بدءا من السرايا والغزوات في بدر وأحد والخندق وغيرها وكان النصر حليف المسلمين دائما إلا ما كان في أحد, وتوجت هذه الانتصارات بفتح مكة, وكان المسلمون في هذه الغزوات يحصلون علي بعض الغنائم فكان رسول الله يقسمها وفق ما بينه الله له في قوله: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل.. ولما أتم الله علي المسلمين فتح مكة كان لابد من متابعة المسير إلي من أجمعوا أمرهم علي قتال رسول الله صلي الله عليه وسلم من أهل هوزان, فخرج إليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بمن كانوا معه في فتح مكة وكانوا عشرة آلاف, كما خرج معه ألفان ممن أسلموا من أهل مكة وكان اللقاء في وادي حنين وفي الطريق نظر المسلمون إلي عددهم فاغتروا بهذا العدد الذي لم يكن فيما كان لهم من غزوات حتي قال قائلهم لن نغلب اليوم من قلة وما إن وصل المسلمون إلي هذا الوادي حتي فوجئوا بالنبال تنهال عليهم من كل جانب في منحنيات الجبال وشعابها وطرقاتها فولوا الأدبار هاربين وثبت رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان يركب بغلته وأخذ يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وأمر العباس بن عبد المطلب فنادي: يا معشر الانصار, يا معشر أصحاب السمرة( أي الشجرة) فأجابوا: لبيك لبيك, وعاد من هرب إلي صفوف القتال, وأنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين وأنزل ملائكته فكان النصر للمؤمنين كما قال صلي الله عليه وسلم: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين(25) ثم أنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين وقد من الله علي المسلمين بغنائم كثيرة, فقسمها رسول الله صلي الله عليه وسلم وفق ما بينه الله له واختص حديثي العهد بالإسلام بعدد وافر من الإبل تألفا لهم, ولم يعط الأنصار من هذه الغنائم شيئا فحزنوا لذلك, وقالوا: لقد لقي رسول الله قومه, وهذا معناه أنه سوف يبقي معهم ولذلك لم يعطنا شيئا, وقد نقل سعد بن عبادة هذه الأقاويل لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وربما يسأل سائل فماذا كان من أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم معهم؟ فنقول لما جمعهم إليه سعد بن عبادة أتاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم, فحمد الله وأثني عليه بما أهله ثم قال: يا معشر الأنصار: ما قاله بلغتني عنكم, وجدة وجدتموها علي في أنفسكم, ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة( أي فقراء) فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلي, الله ورسوله أمن وأفضل, ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل, قال صلي الله عليه وسلم أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصدقتم, أتيتنا مكذبا فصدقناك, ومخذولا فنصرناك, وطريدا فآويناك, وعائلا فآسيناك, أوجدتم يا معشر الأنصار في لعاة من الدنيا( أي في شيئ زهيد لاقيمة له) تألفت به قوما ليسلموا ووكلتكم الي اسلامكم, ألا ترضون يا معشر الأنصار, أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلي رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده, لولا الهجرة لكنت امرءا في الأنصار, ولو سلك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الأنصار, اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار, قال: فبكي القوم حتي أخضلوا لحاهم, وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا, ثم انصرف رسول الله صلي الله عليه وسلم وتفرقوا(1) وفي هذا الموقف أقسم قائلا: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أري في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلي ما جعل الله في قلوبهم من الغني والخير فيهم عمرو بن تغلب, يقول عمرو: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلي الله عليه وسلم حمر النعم. فصلوات الله وسلامه علي نبي الرحمة وعلي آله وصحبه.