كما يذكرنا القرآن الكريم بلحظات وأوقات مرت وأزمنة مضت, لم يكن للإنسان فيها ذكر ولا وجود, وعلي العاقل أن يسأل نفسه: من الذي جعل للإنسان ذكرا ووجودا؟! لقد كان الإنسان قبل فضل الله حفنة من تراب; ثم أنعم الله وتفضل علي حفنة التراب فسواها; ثم نفخ فيها من روحه, قال تعالي: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين( ص/72). وبعد أن تفضل الله تعالي علي الإنسان فخلقه وجعل له ذكرا ووجودا بين ووضح له مهمته في هذا الوجود, فقال الله تعالي: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( الذاريات/56). ويصنف القرآن الكريم الناس حسب استجابتهم لهدي الله وتوجيهه إلي قسمين, ويرسم لذلك صورتين, يمكن من خلالهما تفسير مظاهر التناقض التي نراها في هذه الحياة: الصورة الأولي: توضح الإنسان حين يتخلي عن هدي الله وتوجيهه, حين يتخلي الإنسان عن الإيمان وعن مهمته في هذا الوجود, وهي مهمة العبودية الخالصة لله رب العالمين. ويمكن الوقوف علي أهم ملامح هذه الصورة من خلال الآيات التالية: إن الإنسان لظلوم كفار( إبراهيم/34). إن الإنسان لربه لكنود( العاديات/6). إن الإنسان لفي خسر( العصر/2). والحديث عن الطاغية الظلوم الكفار الخاسر الهلوع الكنود حديث عن الإنسان حين يترك لنفسه وهواه, حين يستبد به الشيطان في غيبة الإيمان. وبعد هذه الأوصاف الذميمة يعرض القرآن لنا الصورة الثانية المضيئة. الصورة الثانية: وهي صورة الإنسان حين يؤمن, ويظهر عليه أثر الإيمان في أقواله وأفعاله وجميع أحواله. وتظهر الآيات القرآنية هذه الأوصاف الطيبة بوضوح; كما في قوله تعالي: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون( الأنفال/2). وما يعقلها إلا العالمون.. وما يذكر إلا أولو الألباب.. فاعتبروا يا أولي الأبصار