كلما تأملت الآيات العظيمة فى القرآن الكريم عن «الإنسان» ازددت انبهاراً وخشوعا، وكلما تأملت سلوك وأخلاق الإنسان ازددت تعجبا ودهشة!! وخاصة أنه أصلاً لم يكن له أى وجود فى الكون لدرجة أنه حتى لم يكن شيئا مذكوراً على الإطلاق، ثم خلقه الله فى أحسن تقويم وأفاض عليه بالكثير من نعمه، ولكن المحزن للأسف الشديد أن «الجحود» كان هو بمثابة نكران الجميل للخالق الأعظم على فضله ونعمه وتكريمه للإنسان «ولقد كرمنا بنى آدم».. فيا أيها الإنسان لماذا الجحود؟؟!! أقضى الكثير من عمرى أتأمل آيات الله فى القرآن الكريم، ويصيبنى الخوف والرعب عندما أكتشف أن كل الذى يقف بينى وبين الجنة أو النار هو «الموت» فقط، ولأننى أدرك جيداً أنه إذا مات الإنسان قامت قيامته وأن الأعمار بيد الله وأن كل نفس ذائقة الموت أتوقف كثيراً عند آيات القرآن الكريم عن «الإنسان» وصفاته وسلوكه ومصيره، فهو لم يكن موجوداً فى هذا الكون «أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا»، وحتى لم يكن شيئا مذكورا «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً» أى أن الإنسان لم يكن له أى أثر أو وجود أصلاً، ثم أنعم الله عليه بالخلق «الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين» وتنوعت آيات الخلق العظيمة بتفاصيل مختلفة «خلق الإنسان من صلصال كالفخار»، «ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون»، ورغم نعمة الخلق للإنسان من الحق تبارك وتعالى إلا أنه لم يقدرها ولم يشعر بفضلها ولابعظمتها «خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين»، «خلق الإنسان من علق»، وهكذا تتعدد آيات خلق الإنسان فى القرآن الكريم وكلها تؤكد أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأوجده وأبدعه عن تقدير وحكمة ومن غير أصل ولاقدوة، ولايخفى عنا جميعا أن «الخالق» هو اسم من أسماء الله الحسنى بمعنى الذى خلق المخلوقات كلها بذاتها ونوعها بإرادته وحكمته على غير مثال سابق تامة التصوير والتكوين والإعجاز. ∎ نعم الله لاتعد ولاتحصى بعد أن خلق الله الإنسان أفاض عليه بالكثير من النعم «وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها». أعطاه نعمة العينين والبصر والقدرة على الكلام وهو المخلوق الوحيد الذى يتكلم، وصحيح أن هناك لغة مشتركة بين كل الكائنات والمخلوقات مثل النمل والنحل وغيرهما «حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون»، إذن هناك «لغة» بين النمل، ولكن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى يتكلم «ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين» وأنعم عليه بالسمع «إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً» وآيات أخرى كثيرة عن نعم السمع والبصر، ومنح الله الإنسان أعظم نعمة وهى العلم «علم الإنسان ما لم يعلم»، ولقد أبدع الله فى خلق الإنسان عن تقدير وحكمة «الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك»، ليس هذا فقط بل إن إبداع الخالق العظيم وصل إلى قمة غايته عندما أكد «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم» وفى آية أخرى «تبارك الله أحسن الخالقين»، وبعد هذه النعم الكثيرة على الإنسان يؤكد الخالق العظيم «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا».. فكيف قابل الإنسان كل هذه النعم هل بالتقدير والعرفان أم بالجحود والنكران؟!! ∎ الجحود.. والإنسان يحزننى كثيراً أن الآيات التى تتحدث عن «جحود» الإنسان كثيرة جداً فهو جاحد ناكر للعرفان والجميل مستهينا ورافضا لنعم الله لايحمد الله ولايشكره «ولئن شكرتم لأزيدنكم»، لايتحدث إلا عن زوال النعمة وعندما ينعم الله عليه يعطى ظهره ويعرض وينأى بجانبه «وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه، وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض»، والعجيب فى أمر الإنسان أنه إذا أصابه «الضر» يدعو ربه كثيراً وعندما يستجيب له وينعم عليه ينسى ما كان يدعو إليه «وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ماكان يدعو إليه من قبل»، ليس هذا فقط بل عندما ينعم عليه الله لا يعترف بالنعمة ويقول إن عملى وفكرى ومجهودى هو الذى أتى بالنعمة مثل «قارون» «فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم، بل هى فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون»، ثم إن الإنسان لايصاب بالملل من طول مدة دعائه بالخير وإذا مسه الشر فهو يائس محبط كاره للحياة «لايسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط»، وعجيب جداً أمر هذا الإنسان إذا ذاق رحمة من الله يفرح بها وإذا أصابته سيئة بما قدمت يداه كفر وأعرض ونأى بجانبه «وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور»، ويعتقد ويظن الإنسان خطأً أن الله إذا رزقه فقد أكرمه وإذا ضيق عليه رزقه فقد أهانه «فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى أكرمن»، واللافت والمثير للدهشة والتعجب أن الإنسان إذا أصابه الشر يجزع ويخاف وإذا مسه الخير يمنع ويبخل «إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون»، ودائماً يخاف الإنسان من الإنفاق ومن الصدقات والزكاة «قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذن لأمسكتم خشية الإنفاق، وكان الإنسان قتوراً» والإنسان عجول بطبعه لايصبر طويلا «ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً»، ومع جحود الإنسان وإنكار النعم يطغى ويظلم ويتجبر «كلا إن الإنسان ليطغى». ∎ ظلوم جهول على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان كل ماسأله بل وأكثر من ذلك من نعم لاتعد ولاتحصى إلا أن الإنسان فعلاً ظلوم جهول «وءاتاكم من كل ماسألتموه وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار»، أبعد كل هذه النعم تيأس وتكفر «قتل الإنسان ماأكفره»، أبعد أن تتذوق رحمتى تطغى «إن الإنسان لربه لكنود» تأملوا معى الإعجاز الإلهى فى كلمة «كنود» والتى تعنى الكفر بالنعمة وجحودها وعدم شكرها وفى ذلك جحود لرب العالمين لأنه يذكر المصائب فقط وينسى النعم، «وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً» فهو كثير الكلام يجادل فى كل شىء بدون تعمق أو حكمة فهو لم يصدق الحقيقة الإلهية بأن الله هو الذى يحيى ويميت «وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور» وبسبب جهله وظلمه لنفسه حمل «الأمانة» «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً»، ولهذا جاء التأكيد الإلهى «إن الإنسان لفى خسر»، ورغم هذا الجحود يتساءل الإنسان أين المفر؟ يجيبه الخالق الأعظم «أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوى بنانه»، ثم يعاتب الحق تبارك وتعالى الإنسان فى قوله تعالى «يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم، الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك». وبعد.. هذا للأسف الشديد هو «الإنسان» وصدق الله إذ يقول: «قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً».