هل يوجد علي الأرض من هو أكثر جدلاً من الإنسان "وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً"، أو من يفوقه استعجاله "خلق الإنسان من عجل"، أو من يفوقه في ظلمه وجهله "إنه كان ظلوماً جهولاً".. الإجابة بالطبع لا.. وهذه الثلاثية القاتلة تجعل الإنسان بعيداً عن الحق، وغير قادر علي السير في ركابه.. تخيل إنساناً يجادل، وهو علي عجل، وفي الوقت ذاته هو جاهل وظالم، ماذا تكون النتيجة سوي الضلال المبين.. وفي القرآن الكريم آيات عديدة تشير إلي صفة أخري من صفات هذا الإنسان بتركيبته الغريبة، وهي صفة العند.. وقد كان منطقياً أن يميل الإنسان إلي اتباع النصح والإرشاد عندما يكون جاهلاً، غير أن بني البشر لديهم ميل آخر، وهو العناد والإصرار علي الضلال.. في سورة الأنبياء يشير المولي سبحانه وتعالي إلي بعض ذلك "وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم"، وأيضاً "بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون"، وفي سورة العاديات "إن الإنسان لربه لكنود ، وإنه علي ذلك لشهيد"، فالجهل والإعراض والظلم للنفس كلها معوقات من معوقات الهداية والاهتداء إلي الحق. وعلي الرغم من إشارة المولي سبحانه وتعالي في آيات عديدة إلي جهل الإنسان وعدم علمه بما ينفعه، فإن الإنسان عادة ما يجادل في ذلك ، ويري نفسه أعلم العلماء، وأكثر المخلوقات حكمة، وسداداً في الرأي.. هل رأيت جهلاً مركباً أكبر من هذا.. إن حالنا أشبه بتوصيف شاعر عربي قديم ، حين قال "أعمي يقود سفيهاً لا أباً لكمو... قد ضل من كانت العميان تهديه".. فالناس لا تري الحقيقة، وإن رأوها يعرضون عنها، وأن ذهبوا إليها جادلوا فيها "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين"، وإن ظهر لهم الحق أنكروه" وإذا تتلي عليه آياتنا ولي مستكبراً كأن لم يسمعها، "وإذا لم يستطيعوا الجدال أصموا أذانهم" وجعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي أذانهم وقراً".. وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يستجاب له".. "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي".... اللهم لا تجعلنا من القاسية قلوبهم، ولا تجعل جهلنا يطغي علي رغبتنا في الهداية، ولا تجعل رغبتنا في اللجوء إليك يحجبها الجهل بمقامك، والغفلة عن آياتك.. اللهم آمين.