لم تفلح سياسة الإساءة في شارع ثم الاعتذار في حارة. وسقط جزء كبير, كاف لكشف الحقيقة, من قناع حكومة حزب المحافظين الذي يخفي حقيقة النظرة إلي المسلمين وحقوقهم مقارنة بغيرهم. لم ينس المسلمون بعد سلوك رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ووزير دفاعه مايكل فالون, في البرلمان أمام الكاميرات علي مرأي الملايين. فمن أجل فوز مرشح المحافظين الملياردير اليهودي زاك جولدسميث علي مرشح العمل المسلم صادق خان في انتخابات عمدية لندن, وصفا المسلمين الملتزمين بدينهم بالتطرف. وضربا مثالا علي تطرف خان بعلاقته بالداعية المسلم سليمان غاني الذي اتهماه بالتطرف ومساندة تنظيم الدولة الإسلامية داعش. لم تفلح إستراتيجية المحافظين اليمينيين, وفاز خان بأغلبية ساحقة, ما يعني أن اللندنيين, وغالبيتهم الكاسحة من غير المسلمين أيدوه. لم يجد كاميرون, الذي حماه قانون البرلمان من المحاسبة القضائية بتهمة تشويه صورة الداعية المسلم, من الاعتذار. لكنه اعتذار جاء باهتا ولم يطلع عليه سوي آلاف لأنه عبر بيان مكتوب. وقال مجلس مسلمي بريطانيا أن غاني أصبح ضحية بريئة لهجوم معادي للإسلام والمسلمين علي عمدة لندن, ويجب أن يعتذر حزب المحافظين عن هذا أيضا.. ندعو كلا من رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يقدم هذا الاعتذار في البرلمان أيضا. صم كاميرون أذنيه عن دعوة مجلس مسلمي بريطانيا بضرورة تقديم الاعتذار في المكان ذاته الذي وجهت فيه تهمة دعم الإرهاب. يحق للمسلمين أن يتساءلوا: ماذا لو كان غاني يهوديا تعرض لسلوك معاد للسامية؟.. ألا يجب علي المحافظين أن يفتحوا تحقيقا شاملا مستقلا في تفشي العداء للإسلام والمسلمين, كما فتح زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربن, تحت ضغط المحافظين وأنصار إسرائيل في بريطانيا, تحقيقهم في العداء للسامية؟. تجاهل المحافظين, وزعيمهم كاميرون, لمطالب المسلمين يعزز شعورهم باللامساواة. وتفرض المقارنة نفسها. فعدد المسلمين, حسب أحدث تعداد سكاني, يقترب من2.8 مليون مسلم يشكلون4.8 في المائة, ما يجعلهم أكبر من إجمالي عدد معتنقي الديانات الأخري غير المسيحيين مجتمعين. أما عدد اليهود فهم حوالي264 ألفا يشكلون نصف من الواحد في المائة. وتقول رابطة مسلمي بريطانيا إن حملات المحافظين الإعلامية والسياسية ضد المسلمين تشيطن وتشوه سمعة واحد من بين كل8 ثمانية من سكان لندن. وتعتبر الرابطة أن مجريات حملة انتخابات عمدية لندن ونوعية الممارسات السياسية خلالها تكشف مشكلة أعمق في مجتمعنا تتجاوز الصراع علي منصب قيادة إحدي أهم عواصم العالم, هي ترسيخ الإسلاموفوبيا( التخويف من الإسلام والمسلمين) في محاولة لكسب الأصوات. مثل هذا السلوك, الذي يخالف الكلام الكثير المعلن عن الإقرار بأن الإسلام دين يلقي الاحترام ومعتنقيه لهم كل الاحترام والحقوق كالآخرين, سوف يكون له بلا شك عواقب سلبية تؤثر علي مسلمي لندن, كما تحذر الرابطة. لم تكد عاصفة غضب المسلمين, وكثير من غير المسلمين, علي سقوط القناع عن سياسات المحافظين, تهدأ, حتي أثارت الشرطة عاصفة أخري. ففي مانشستر, التي يسكنها حوالي240 ألف مسلم يشكلون قرابة9 في المائة من سكان المنطقة, كررت الشرطة خطأ كاميرون. حشدت الشرطة800 متطوع للمشاركة في تدريب يستهدف اختبار درجة الاستعداد في حالة وجود هجوم انتحاري مشابه للهجمات التي أعلن تنظيم داعش عنها في أوروبا. كتاب سيناريو التدريب, المستوحي من هجمات باريس وبروكسل, اسندوا إلي أحد المتطوعين مهمة أداء دور انتحاري إرهابي مسلم يردد الله أكبر خلال تفجير نفسه. ونفذت بروفة الهجوم المرسوم في مركز تسوق شهير في مانشستر, وشاهدها الكثيرون. وبمجرد الانتهاء من التدريب, هبت عاصفة من الانتقادات التي احتجت بأن تفكير الشرطة وسلوكها ينطوي علي رؤية عنصرية تصور كل المسلمين علي أنهم إرهابيون في حين أن الإرهابي قد يكون أي شخص غير مسلم. وحذرت الانتقادات من أن تدريب الشرطة, التي يفترض أنها تحتاج إلي أغلبية المسلمين الساحقة المعتدلة في مواجهة التطرف, يكشف عن أنها لم تسلم من التأثر بالصورة النمطية المسيئة للمسلمين. في البداية, راوغت الشرطة, وتحدثت عن حسن النية, ومحاولة جعل سيناريو التدريب أقرب ما يكون إلي الواقع وأشبه بعمليات تنظيم الدولة الإسلامية التفجيرية الانتحارية. لكنها, تراجعت, تحت الضغط, وقالت في بيان رسمي إنها بعد التفكير في الأمر, نقر أنه لم يكن من المقبول استخدام هذه العبارة( الله أكبر) مباشرة قبيل التفجير الانتحاري المفترض, والتي تربط جهارا التدريب بالإسلام. وتقر الشرطة بأن استخدام هذه العبارة كان سوء تقدير خاصة وأنها لم تكن ضرورية في جعل التدريب أكثر واقعية, كما أريد, وأنها تنطوي علي احتمال تقويض العلاقات المجتمعية العظيمة( الممتازة) التي نتمتع بها في مانشستر الكبري. ويضيف البيان نحن نقر بالإساءة التي سببها ذلك ونعتذر عنها. هدأت العاصفة, هذه المرة أيضا, لكن تأثيرها السلبي لدي المسلمين لم ينجل. وتساءلوا: هل من الممكن أن تخطئ الحسابات والتقديرات في التعامل مع أمر يهم إسرائيل واليهود مثلا؟ يقول مجلس مسلمي بريطانيا إنه لو أرادت حكومة المحافظين إثبات صدق موقفها المعلن من المسلمين, فعليها أن تبرهن, بالأفعال وليس حلاوة الألسنة, أنه لا تساهل, علي السواء, مع العداء للسامية والعداء للإسلام والمسلمين, الذي أصبح سرطانا ينخر في مفاصل قطاعات من الطبقة السياسية والإعلامية وطال سلوك الحكومة الرسمي.