قال الكاتب اللبناني الكبير الأستاذ طلال سلمان مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير إن الصحافة العربية تعيش سلسلة لا تنتهي من الأزمات وأن الاتجاه نحو السوشيال ميديا ألحق الضرر بها وأن الصحافة المصرية تعيش حالة فوضي واضطراب بعد إصدار الكثير من الصحف الفاقدة للمهنية وغير القابلة للاستمرار وأضاف في حواره لالأهرام المسائي هاتفيا أن الصحافة الصفراء تلجأ لانتهاك الحياة الخاصة للمواطنين وشدد علي أن تحول الصحفي إلي ناشط سياسي يؤثر بالضرورة علي أدائه المهني, وحذر من أن العدو الإسرائيلي سيرسم خريطة المنطقة مادام استمر حكامنا العرب متخاصمين وغارقين في مشاكلهم وإلي نص الحوار: تعرضت السفير للتوقف عن الصدور3 مرات بقرارات حكومية والرابعة لأسباب مادية ثم أعلنتم إغلاقها وتراجعتم مؤخرا عن هذا القرار. ماهي كواليس تلك التوقفات؟ الحقيقة لقد أقدمنا علي خطوة التوقف عن الصدور بسبب الصعوبات المالية التي ترهقنا, ثم تراجعنا عنه استجابة لنداء الناس.أما في الماضي فقد توقفت السفير مرة واحدة, عند دخول قوات الردع العربية إلي لبنان ولأسباب تتصل بموقفها السياسي المتمثل بالتعاطف مع المقاومة الفلسطينية. وهل ذلك التوقف لأن السفير تساند المعارضة أكثر من الموالاة؟ تعتز السفير بكونها صوت الذين لا صوت لهم وهي بالتالي جريدة الناس, وهذا ما يحدد موقفها من الحكم كما من المعارضة. وكنا دائما أقرب إلي الناس.. أي إلي المعارضة بما يتجاوز الموقف الحزبي أو الولاء لهذا الطرف أو ذاك. لكن هناك من قال إن تمويل السفير يأتي من حزب الله, فهل هذا صحيح؟ هذه نكتة, السفير مع المقاومة ضد العدو الإسرائيلي منذ اليوم الأول لصدورها. وكان هذا الموقف طيلة وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان... وهي وقفت مع المقاومة اللبنانية للعدو الإسرائيلي قبل ظهور حزب الله أيام كان هناك شبان وشابات من أحزاب وطنية يتصدون لهذا العدو( الحزب القومي, الحزب الشيوعي الخ..). وليس صحيحا بالمطلق أن حزب الله الذي تعتز السفير بأنها وقفت مع جهاده من أجل التحرير, وكرمت شهداءه, يمول أية مطبوعة. وعلاقة السفير مع قيادته ومجاهديه علاقة تقدير واحترام متبادل.أما شائعة التمويل فهي تستهدف الحزب كما تستهدفنا في كرامتنا وتحاول المس بمصداقيتنا واستقلالنا وموقفنا المبدئي من المقاومة جميعا. ولماذا إذا اختصكم حسن نصر الله بلقاءات خاصة؟ اللقاءات مع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله, الذي نعتز بكفاءته القيادية وتضحياته الجسيمة كانت تتم عند مفاصل مهمة خلال المعركة من أجل التحرير, ثم بعد حرب تموز2006 لاستخلاص الدروس من هذه المواجهة البطولية لجيش العدو الذي اضطر إلي الخروج من ارض لبنان مهزوما بفضل المقاومة. الحديث عن أزمة السفير يأخذنا لسؤال حول رؤيتك للصحافة العربية في الوقت الحالي؟ لا شك أن الصحافة العربية عموما تعيش سلسلة لا تنتهي من الأزمات, وأنا أعني تحديدا الصحف الخاصة, أما الصحف الحكومية أو شبه الحكومية فخارج البحث. ولذلك فإن الصحف الرسمية, سواء المملوكة من الحكومات مباشرة أو بصيغة مموهة أو بأخري, هي خارج هذا الموضوع, فلها من يرعاها بالمال والإعلان والورق والمبيعات.أما الصحف الخاصة والتي تعتمد علي ما ينفقه عليها أصحابها فهي تعاني من تحكم شركات احتكارية بالاعلان, وفق سياسات تعتمدها.. وليس مألوفا في لبنان مثلا أن تنشر الصحف إعلانات بصفحات عديدة مواساة بفقيد أو تهليلا لعودة صاحب السمو سالما, أو تبريكا لعروسين من الطبقة المذهبة. بعد تمدد الصحافة الإلكترونية مؤخرا هل تعتقد أن الصحافة الورقية إلي زوال؟ وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ألحقت بالصحافة المكتوبة أذي عظيما. لأنها تبث الأخبار مأخوذة من الصحف والإذاعات والمرئيات علي مدي الساعة( مع الصور), وتضيف التعليقات, وتفتح المجال لتبادل المعلومات في اللحظة..وكل ذلك مجانا فتغني الناس عن الصحف خصوصا أنها تبث طوال ساعات النهار والليل كل ما تصل إليه أيدي القائمين عليها. صار المطلوب إعادة النظر في مادة الصحف بحيث تعتمد علي السبق الصحفي والتحليل والتحقيق, وليس الأخبار, متحملة خسارة قطاعات واسعة من قرائها, وخسارة بعض نصيبها من الإعلان.ويجب أن تعيد الصحافة خلق وظيفتها ودورها في خدمة مجتمعها.. وفي كل الحالات فإن قلة من الصحف التي يحميها ممولون كبار يمكنها أن تستمر مادامت كانت وسيلة لدعم مصالحهم. أما الصحف الخاصة فلا مستقبل لها إلا إذا توافرت لها قوة دعم مالي لا بد أن يكون لأصحابه أهداف قد تتضارب مع مصالح الناس ومطالبهم.. اللهم إلا إذا نجحنا في إنشاء شبكة حماية من قرائها أنفسهم.. وهذا حلم بعيد المنال. لكن الصحافة متهمة بأنها أصبحت تعتمد مؤخرا علي مواقع التواصل الاجتماعي وتنقل معلومات مغلوطة وتنتهك الحياة الخاصة للمواطنين. ألا تعتقد أن هذا يؤثر علي أدائها؟ ليس كل الصحافة.. هناك بعض الصحف الصفراء, وهذه خارج حديثنا. وكيف تري تحول بعض الصحفيين في الفترات الأخيرة إلي ناشطين سياسيين؟ هذه حالات فردية. طبعا قد تلوح أمام الصحفي المعروف فرص لدخول النادي السياسي ولكن ذلك لا بد أن يتم علي حساب مهنته. فتلك مهنة أخري لا علاقة لها بالصحافة. في رأيك.. ما الذي يميز الصحافة اللبنانية عن غيرها؟ ما يميز الصحافة في لبنان أن هامش الحرية مفتوح, وهذا يتصل بالصراع السياسي المفتوح دائما في هذا الوطن الصغير الذي تتعدد الاتجاهات السياسية فيه, ويؤثر عليه المحيط الذي طالما اعتبر في الماضي, صحافة لبنان منبرا ممتازا لإيصال موقفه أو برنامجه إلي شعبه ذاته أو شعوب الجوار ودوله. وكيف تري حال الصحافة في مصر بعد قيام ثورتين؟ الصحافة المصرية تعيش حالة اضطراب بعدما شهدنا إصدارات عديدة يقف خلفها ممولون( أفرادا أو شركات)... إلي جانب المؤسسات التي كان يملكها الاتحاد الاشتراكي السابق وقد تحررت من التحزب ولكنها لا تزال رسمية بصيغة أو بأخري.. حتي حين يعارض بعضها فهو إنما يعارض أشخاصا وليس يعارض النظام. وكيف تري تعددية وسائل الإعلام ووضع الصحف القومية في مصر الآن؟ هناك فوضي صحفية عارمة في مصر. صحف كثيرة متعددة اللون, ربما أكثر مما يجب, وبعضها غير مؤهل للاستمرار, ثم هناك عيب قاتل يضر بها يتمثل في الضعف البنيوي للغة الكثير من كتابها والكثير الكثير من مخبريها. اللغة حجر الأساس في الصحيفة وانتشار الأخطاء النحوية أو اللغوية يدمر علاقة أجيالنا بلغتهم الأم. وما سر علاقتك الوطيدة بالكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل؟ ليس في الأمر اسرار, أنا من جيل ساهم الأستاذ هيكل كمهني مميز وككاتب قدير يملك خزينا من المعلومات والأسرار و الاعترافات, وقدرة مميزة علي التحليل والاستنتاج, في صنع وجدانه.وعلي هذا فقد تعددت اللقاءات معه في القاهرة, وفي برقاش أحيانا وفي بيروت كلما جاءها.. وكان كل لقاء فرصة ممتازة لإغناء ذاكرتنا السياسية ولغتنا وفهم أفضل للتاريخ. وكيف تراه ككاتب وسياسي؟ إنه أستاذ كبير, بل أنه صحفي القرن وهو مدرسة فريدة في بابها.. وسعيد الحظ من عاش في عصره, وتثقف من كتاباته, وحاور ذاكرته المميزة التي تكاد لا تهمل أحدا أو خبرا أو تفصيلا يمكن أن يكون له تأثيره في الحدث. الحديث عن الأستاذ هيكل يأخذنا للحديث عن انطلاقتك المهنية. فكيف كانت بدايتك الصحفية؟ وماهي التحديات التي واجهتك؟ بدأت من بير السلم, محرر تحت التمرين ومصحح, فمخبر, فمحقق, فريبورتر, نجح في إجراء لقاءات ومحاورات مهمة, ثم مدير تحرير, فرئيس تحرير.. هذا قبل السفير ثم كل ذلك في السفير لا سيما في البدايات. هل لدي طلال سلمان أعداء في ظل تعرضه السابق للأغتيال؟ ليس لي أعداء بالمعني الشخصي ولله الحمد. لكن هناك من يعتبرني خصما نتيجة الاختلاف في الموقف السياسي. وباختصار, فأنا أعتبر من تسامح مع العدو الإسرائيلي خارج البحث. هل تتلقون اليوم تهديدات من أي طرف تكتبون ضده؟ لا نتلقي تهديدات, بالمعني المباشر لكن المسئولين في دول الذهب الأسود يقاطعوننا ويمنعون السفير من الدخول إلي دول الجيرة والخليج. لو انتقلنا للشأن العام كيف تري خارطة الشرق الأوسط الكبير بعد كل الصراعات التي ظهرت اخيرا في سوريا واليمن والعراق وليبيا وسقطت في تونس ومصر؟ سيرسم خريطة منطقتنا غيرنا, وبالذات العدو الإسرائيلي, مادام استمر القادة العرب غارقين في مشكلاتهم, متخاصمين في ما بينهم, غنيهم يحاول إذلال فقيرهم. وشعوبهم مستبعدة عن القرار. وماذا عن واقع اللبنانيين اليوم؟ ومتي نري رئيسا في لبنان؟ لا يعلم إلا الله متي سيكون لنا رئيس للجمهورية في لبنان. وهي ليست حالة فريدة, لكننا اعتدنا عليها بعدما غابت أو غيبت الدول العربية التي كانت ترعي لبنان وتساعده علي حفظ استقراره. وكيف تقيم دور قطر الذي تلعبه في لبنان؟ قطر غائبة عن لبنان والحمد لله. وكيف تري قرار الجامعة العربية الأخير باعتبار حزب الله منظمة إرهابية؟ إدانة حزب الله بوصفه منظمة إرهابية اغتيال لشرف الأمة. كيف ندين من قدم آلاف الشهداء وفرض علي العدو الإسرائيلي الخروج صاغرا من الأرض اللبنانيةالمحتلة. نتمني علي الله أن يهدي المتسرعين في إصدار الأحكام.