مازلت لا أدرك مفهوم سياسات الدولة في تغيير الأفراد مع الإبقاء علي نفس المنظومة الفاشلة, التي لا تضيف جديدا ولا تنجز وعيدا, فما أشبه الليلة بالبارحة, رغم اختلاف العصور والأشخاص, إلا أنه من الواضح أن عجلة التاريخ ترجع إلي الخلف لتسرد لنا دائما أحداثا مشابهة, ربما تتغير فيها بعض المعالم الطفيفة التي لاتكاد تصل حد الاختلاف الملحوظ. ولكن النهاية واحدة, فجميعها باءت بالفشل, فلا فارق بين حكومة اسماعيل الحالية التي هي نفسها في الغالب حكومة محلب مع بعض التغييرات الوزارية البسيطة, وإن كان ميزها أداؤه الشخصي قليلا, ولكنها تضمنت العديد من الوزارات التي لم تبتعد كثيرا عن حكومة الببلاوي المرتبطة برموز النظام السابق لمبارك وحاشيته الفاسدة في التخبط والإسقاط, ولا حكومة نظام السوابق والفاشية الدينية من حيث الغباء والفشل, والتي تتفق جميعا علي اللامبالاة وانعدام المسئولية فجميعها سارت بمبدأ أذن من طين, وأخري من عجين. ورغم جميع الادعاءات المتوالية من الحكومات لفكرة السعي لتحسين حالة الاقتصاد المصري المتهاوي, إلا أننا لم نشهد ولو محاولة واحدة للاعتماد علي الكفاءات والمختصين أو لاستدعاء خبراء الاقتصاد والاستماع لمقترحاتهم لبناء رؤية اقتصادية شاملة للخروج من الأزمة, أو علي الأقل النظر لتجارب الدول الأخري التي تعسرت وعاشت أوضاعا مشابهة ثم استطاعت القفز من دوامة الغرق في أوقات قياسية, ولكننا مازلنا نسير بخطي قديمة متكررة, أثبتت فشلها بمضاعفة حجم الأزمات وزيادة العجز والديون. فمنذ بداية أزمة الجنيه المصري, وانخفاض سعره بشكل غير مسبوق أمام الدولار في السوق السوداء, ومع تفاقم الأزمة, تبدو الحكومة عاجزة عن مواجهتها بالشكل الأمثل, ويظهر علي قراراتها الكثير من التخبط, لا سيما أنها بعد أن فرضت قيودا مشددة علي الإيداع والسحب, اضطرت إلي إلغاء تلك القيود, وقرر البنك المركزي, إلغاء الحدود القصوي المقررة للإيداع والسحب النقدي بالعملات الأجنبية, بالنسبة للأفراد الطبيعيين, وأعلن البنك المركزي, في بيان صحافي مقتضب, أن الإجراء تيسيرا علي الأفراد الطبيعيين في تعاملاتهم مع البنوك, ويأتي ذلك القرار بعد أن كان البنك المركزي قد حدد سقف السحب والإيداع اليومي بعشرة آلاف دولار50 ألف دولار بالنسبة للإيداع أو السحب الشهري. وفي تقرير صادر مؤخرا كشف عن ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي2015 2016 م إلي167.8 مليار جنيه, أي ما يعادل8.1% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل132 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام السابق عليه. ولمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد انتشرت أنباء قوية حول قيام البنك المركزي بطباعة30 مليار جنيه, لسداد أجور الموظفين بالقطاع الحكومي, الأمر الذي حذر منه خبراء الاقتصاد, حيث أبدي البعض قلقه الشديد من خطورة ذلك, إذ إن أي نقود تتم طباعتها دون غطاء يهدد بانهيار قيمة العملة وحدوث التضخم وارتفاع الأسعار, خاصة بعد أن أعلنت وزارة المالية عودة التعامل بعملة الجنيه الورق, وهو ما اعتبره البعض دليلا قويا علي طبع البنك المركزي نقودا جديدة. لذلك فإن اللجوء إلي طبع نقود دون وجود غطاء, سيؤدي إلي انخفاض القيمة الشرائية للجنيه بصورة كبيرة, وارتفاع مستويات التضخم, مما سيؤدي إلي ارتفاع كبير في الأسعار, ومزيد من الانهيار للعملة المصرية, وهو الأمر الذي نعاني منه منذ فترة السبعينيات عندما لجأ الرئيس السادات إلي طبع مليارات الجنيهات, وتكرر نفس الأمر إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير, لذلك لابد من وجود رؤية تتضمن حلولا فورية لتحسين وزيادة الإنتاج والتصدير, وعودة حصيلة السياحة إلي معدلاتها السابقة, وتشغيل المصانع المعطلة, ما يسهم في مواجهة التضخم والبطالة وزيادة النمو الاقتصادي, وتخفيف العبء عن كاهل المواطن البسيط وإرضاء الشارع المصري.