علينا جميعا أن نعترف بوجود مأزق يتعلق بالاتفاق الخاص بجزيرتي تيران وصنافير, وهو مأزق قابل للتفاقم والتفجر, فهناك قسم لا يمكن تجاهله من الشعب يتمسك بمصرية الجزيرتين, وله مبرراته في ذلك, من وجود حجج وخرائط تتضمن وجود الجزر ضمن السيادة المصرية, وهو ما دفع الحكومة لتبني سعودية الجزر, لتنتقل من موقع المدافع عن حقوق مصر في نظرهم إلي موقع المدافع عن من ينازعهم الأرض, حتي لو كانت دولة شقيقة, أو أنها قدمت وتقدم مساعدات إقتصادية لمصر في وقت أزماتها. تحول الخلاف الداخلي إلي نزاع قضائي, أو إلي استفتاء شعبي وفق نص الدستور سيفاقم من الأزمة, وينقلها إلي الشارع, والبكاء علي اللبن المسكوب بأن الحكومة لم تطرح الأمر علي الشعب وناقشته في غرف مغلقة, ثم فاجأته به لن يحل القضية, فما فات لا يمكن تداركه, ومن الضروري البحث عن ممرات آمنة لحل المشكلة, دون الاصطدام بالشعاب المرجانية الخطيرة في خليج العقبة, فالشعاب والعقبة يمكن أن تقود إلي طريق صعب في توقيت أصعب, ولا مخرج إلا بأحد المسارات الثلاثة. إما أن يرفض مجلس النواب الاتفاق, ويعيده إلي نقطة الصفر لبحثه من جديد علي أسس من الشفافية, وشراكة مجتمعية واسعة في مناقشة قضية تهم عموم الشعب والأجيال القادمة. وإما الإتفاق مع الحكومة السعودية علي سحبه, ونقل الملف إلي التحكيم الدولي الذي ستكون نتيجته أكثر قبولا من اتفاق تم في سرية, وسيتم عرض كل ما هو متاح من وثائق لدي مصر ولم تطرحها وزارة الخارجية, وترك الحكم للخبراء الدوليين. أما الطريق الثالث فهو التوصل لاتفاق جديد مع الحكومة السعودية, وان تتفهم أن الأمر سيكون له آثار سلبية ستنعكس علي العلاقة بين الشعبين, وطرح فكرة أن تتحول الجزيرتان إلي منطقة تجارة حرة عربية, تتقاسم فيه الدول المزايا, وتكون نقطة تجمع وتبادل مصالح ومكاسب مشتركة, وأن تكون للسعودية نفس المزايا لمصر, وترك الأمر علي ما كان عليه قبل الاتفاق. هناك من سيري أن إعادة النظر في الاتفاق يسيء إلي الحكومة, ودليل علي أنها أخطأت أو قصرت, لكن ذلك لا يساوي شيئا أمام ما قد يحدث من ضرر عند المضي في نفس الطريق, ووضع الشعب أمام الأمر الواقع, أو استخدام امكانيات الحكومة الاعلامية وربما الأمنية في تمرير الاتفاق, وهو السيناريو الأكثر ترجيحا, وإن كنت أظنه الأقل نجاحا لجميع الأطراف, فالعبرة بالنتائج, وليس بالقدرة علي فرض الأمر بأي طريقة كانت. الجيد أننا مازلنا أمام فرصة يجب اغتنامها لتجنب بعض المشكلات القابلة للنمو والتعقيد, وإن كنا لم نتعود علي وجود حكومة تتراجع, خاصة في مشكلة فيها أطراف أخري, والطرف هذه المرة له أهمية خاصة, وهو دولة عربية كبيرة لها علاقات متميزة مع مصر, والاتفاق يشمل مشروعات مهمة تحتاجها مصر, لكنها ليست بالضرورة متوقفة علي قضية السيادة علي الجزر, والتي كانت حبيسة الأدراج لعقود طويلة, فلماذا العجلة في أمر خطير كهذا؟ أما إذا تحول الأمر إلي التمسك بالرأي, وتجاهل قطاع من الشعب, أو الاستهانة به, أو محاولة تشويه من يعتقدون بمصرية الجزيرتين, فإنه لن يفيد إلا من يتربصون بمصر, ويقودنا إلي مسار جديد, ولا يمكن التنبؤ بما ستصل إليه الأمور, لكنه في كل الأحوال سيهدر الكثير من الجهد والطاقة, وسيضر بالتماسك الاجتماعي الذي كان يحتاج إلي الكثير من الجهد ليصبح أكثر صلابة, في ظل التحديات الكبيرة والخطيرة علي كل المستويات, ولا نحتاج خلالها إلي جراح ومعارك في الداخل, سيدفع ثمنها الجميع, ولا رابح فيها.