كالعادة تعج ساحة الحوار المصري بجدال واسع النطاق سرعان ما ينتقل من قضية لأخري تشوبها صراعات فجة نتيجة للطريقة نفسها في إعلان الجهات الرسمية للدولة المصرية لقرارات كبيرة تتعلق بقضايا شائكة بطرق تفتقر الشفافية والمنطق تؤدي غالبا لضياع معالم الحقيقة بين الشك واليقين وبين القيل والقال, وبين مهاترات وفتاوي البعض, وبين تأكيدات وتحليلات البعض الآخر, كل حسب أهوائه ومعتقداته وإيمانه بوجهة النظر التي يقدمها بناء علي ما يقابله من منطق قد يتناسب مع طريقة تفكيره أو يتوافق معها. فما بين الفتاوي الشعبية مرورا بالمواد الإعلامية المطروحة بتوجهات وأهواء مختلفة, والتي تخلق جوا من النزاع كان يمكن أن تتفاداه الدولة بطريقة ملزمة للجميع بتوضيح ما يمكن إيضاحه وتضمين ما يجب تضمينه, في إشارة واضحة للوقوف عند حد ما في تداول القضايا, وإعلان الخبر بعد إعلاء ضمانات كافية تقتل المخاوف وتجنبنا صراعات الفتاوي, ولكن ما ألحظه هو مشكلة واضحة في طرح القرارات وإعلانها بطرق فظة مثيرة للجدل وعاجزة عن كسب الثقة. وتبقي معالم الحقيقة يشوبها القلق في قضية جزيرتي تيران وصنافير اللتين تقعان عند مدخل خليج العقبة بين مصر والسعودية, والمعروف أن الجزر تابعة للسيادة المصرية ولكنهما جزء من المنطقة ج التي تتواجد فيها القوات الدولية, وفي الواقع فالنزاع بين مصر والسعودية علي الجزر لم يتم إنهاؤه من قبل بشكل رسمي وبقي الوضع علي حاله لحين توقيع اتفاقية لتحديد الحدود البحرية بين البلدين في خليج العقبة والبحر الأحمر. وهو ما أعلنته الحكومة المصرية في بيان أصدرته بعد يوم من اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين أكدت خلاله أن قرار اللجنة المختصة بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر, وتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة, مع استخدام أحدث الأساليب العلمية لتدقيق النقاط وحساب المسافات للانتهاء من رسم خط المنتصف بين البلدين بأقصي درجات الدقة, أسفر عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية. فإن كانت اللجنة الفنية أقرت أحقية الملكية في ترسيم الحدود لمصلحة السعودية فإن السيادة المصرية لا تباع ولا يمكن التنازل عنها بل وإن الاتفاقات الإستراتيجية يجب أن تبقيها وتوسع نفوذها من خلال ضمانات كافية تحافظ علي عدم المساس بالأمن القومي المصري. وبالتالي فإن الأمر يتخذ بعدا إستراتيجيا كبيرا, حيث دخلت الجزيرتان من قبل في البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديفيد, ووضعتا ضمن المنطقة ج المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها حتي تضمن إسرائيل أن مصر لن تتحكم بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر, وبذلك أصبحت الجزيرتان تحت إشراف قوات دولية للمراقبة, وللتأكد من امتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية السلام بينهما, ولا يحق لطرف سعودي أو مصري النزول عليهما إلا بعد استئذان القوات الدولية. كما سبق ورفضت إسرائيل بناء هذا الجسر البري الذي يربط بين مصر والسعودية مارا بالجزيرتين لأنها تراه تهديدا لأمنها القومي, كما تعتبره امتدادا للنفوذ المصري علي خليج العقبة كله, لاسيما إغلاق الممر الملاحي الوحيد لإسرائيل علي البحر الأحمر, كما أنه يمنح مصر التحكم المطلق في الملاحة في مضيق تيران, الذي يعد ممرا إستراتيجيا في نطاق المجال الحيوي للأمن القومي الإسرائيلي. وبالتالي فنظرة الحكومة لهذه الخطوة ومع وجود تحالف إسرائيلي تركي الآن, ومع تعالي أصوات الرغبة في انسحاب القوات الدولية من المنطقة تأتي استباقا لما يمكن أن تقوم به إسرائيل من إعلانها السيطرة علي الجزر بادعاء الحفاظ علي مصالحها, فالترسيم المعلن الآن أمام العالم للسيادة علي الجزر بين دولتين فقط هما مصر والسعودية.