بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على اندلاع شرارة الأزمة السورية فى منتصف مارس 2011، وبينما تجرى جولة ثالثة من المفاوضات بين النظام وأطراف من المعارضة فى جنيف هل يمكن القول إن الصراع على وشك التسوية؟ وأن هناك أملا فى أن تفضى مفاوضات جنيف الحالية إلى حلحلة للموقف الحدى الذى تتخذه الأطراف المتصارعة فى الداخل؟ وهل يمكن القول إن القوى المنخرطة فى الصراع قد أنهكت من طول أمد الصراع وتكاليفه الباهظة ماديا ومعنويا،وأننا بصدد مرحلة حصاد لثمار الاستثمار الضخم من جانب تلك الأطراف فى الصراع الدائر فى سوريا بما قد يصل بنا إلى مسار تهدئة جدي؟. فى الواقع كانت آخر مرة التأمت فيها أطراف من المعارضة مع ممثلى النظام لأول مرة للتفاوض حول إيجاد حل للأزمة كانت فى مطلع العام 2012 فى جولة جنيف الثانية، وقد فشلت تلك الجولة نتيجة المواقف الحدية للطرفين ليس حول تحديد مسار التسوية، ولكن حول أولويات قضايا التفاوض، حيث تمسكت المعارضة بأولوية البت فى هيئة الحكم الانتقالية التى نص عيلها بيان جنيف الأول، وتمسك النظام بأولوية مناقشة محاربة الإرهاب فى سوريا، وبإمعان النظر فى أولوية كل طرف نجد أن كلا منهما لا يرى وجودا للآخر فى مستقبل سوريا، حيث إن تمسك المعارضة بهيئة الحكم الانتقالية كان مضمونها تنحية الأسد من السلطة، وكانت أولوية النظام فى مناقشة مكافحة الإرهاب والمقصود منها قطع الطريق على أى تفاوض، حيث لا يفرق النظام بين كافة الفصائل المسلحة المناوئة له على الأرض أو المعارضة السياسية باعتبارهم جميعا إرهابيين. المهم إن المفاوضات قد فشلت، كونها فى حقيقتها لم تكن سوى اختبار من جانب الأطراف المختلفة المنخرطة فى الصراع لمراكزها، وما يمكن أن تحصل عليه من مكاسب جراء استثمارتها فى الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا، وكون سوريا قد استحالت إلى محرقة كبرى فإن الطمع فى مكاسب شبه كاملة لأى طرف يكاد يكون مستحيلا، فضلا عن أن تكلفة التسوية القائم على نصف مكسب لم تكن مقنعة لكافة الأطراف الداخلية والخارجية، فإن العودة إلى السلاح لمحاولة تحقيق ما لم تحققه السياسة كان هو المسار البديل، حيث كلما فشلت المفاوضات استعرت نار الحرب واشتعلت جبهاتها على الأرض فى سوريا. لكن منذ جنيف الثانية شهدت الأزمة عددا من التفاعلات بالتأكيد لا تجعل من جنيف الثالثة كسابقتها، فبداية بدأت إيران بضخ مزيد من الميليشيات الشيعية المتطرفة فى الصراع لمساندة النظام السورى وحماية مصالحها، وفى مقابل ذلك ضخت السعودية بالتعاون مع تركيا وقطر مزيدا من الاستثمارات العسكرية لتحسين موقع الفصائل التى تدعمها على الأرض، مما عرض النظام وحلفاءه الإقليميين إلى خسائر أدت لفقدانه عددا من مواقعه الاستراتيجية، وهنا تدخلت روسيا عسكريا فى الصراع وحالت دون سقوط كان وشيكا للنظام السورى على يد الفصائل التى ائتلفت برعاية سعودية وتركية وقطرية، هذا مع تحالفات إقليمية ودولية تشكلت لمواجهة تزايد خطورة تنظيم داعش الذى يتمدد بين العراقوسوريا. إلخ. هذا المشهد الإقليمى المعقد والمتداخل بصورة غير مسبوقة أنتج فى الأخير قرار مجلس الأمن 2254، الذى يعد تجسيدا لإرادة قوى دولية وإقليمية غير مكتملة لتسوية الأزمة كون القرار غير ملزم، كما أنه حمل فى طياته صيغا أقرب إلى اختبار جديد لنوايا الأطراف فى تسوية الأزمة، والأسوأ أنه اختبار ممتد لستة أشهر من المفاوضات، وهو ما تشهد جنيف بداياته حاليا، والحقيقة أن أيا من الأسباب التى أدت لفشل مفاوضات جنيف السابقة لاتزال حاضرة اليوم، لا سيما أن آلة الحرب تسير فى اتجاه معاكس، كما أن طرفى الصراع المتفاوضين فى جنيف هما الحلقة الأضعف فى الصراع الدائر الحالى، وفعليا تبقى الكرة فى ملعب الفرقاء الإقليميين والدوليين متناقضى المصالح وغير الراغبين فى مكاسب جزئية وهو ما يخفض منسوب التفاؤل بما ستنتجه المفاوضات عند حدوده الدنيا.