ارتفع صوت المؤذن من المسجد القريب حي علي الصلاة لم يكن عم علاء يردد الآذان لا حول ولا قوة إلا بالله ولم يتحرك من علي كنبته الرثة التي اعتاد الجلوس عليها وظل غارقا في صمته وسكونه نادته زوجته المتربعة علي الأرض: يا حج علاء.! تعرف أنه لن يسمعها, ولكنها حاولت, مرتين وبعد الثالثة قاومت تعبها وإرهاقها, نهضت وتوجهت إليه, كان عم علاء مرهقا ومتعبا, بادية عليه أعراض الأمراض التي تكالبت عليه, هزته الزوجة فنظر إليها, رفعت يديها إلي أذنيها في إشارة إلي الصلاة, ابتسم محرجا, سألها: الجمعة أذنت ؟ هزت رأسها أي نعم, قال: لم أسمع. ابتسمت مواسية, مدت يدها, ساعدته علي النهوض, نفض ملابسه من أثر تراب عليها, أخذ عصاه, اتكأ عليها, وبظهر محني بالهموم, وجسد أنهكته الأمراض, ذهب إلي المسجد. جلس قريبا من إحدي سماعات المسجد التي يعرف أماكنها جيدا, لعله يسمع الخطيب الذي طالما تعلم منه أمور دينه, ولكنه شعر بخيبة, لا يسمع إلا همهمة و أصواتا مبهمة استكان راضيا بقضاء الله وقدره, عاد ليغرق في الصمت الذي يلفه في كل مكان, فصحته, رأسماله الوحيد وذخيرته التي ينفق منها ويعيش عليها, بدأت تتبدد وتتسرب من بين يديه, أنهكه العمل الشاق كعامل بناء, علي كتفيه يحمل الطوب إلي الأدوار العليا, وقصعة المونة تركت آثارها علي جسده الذي كان قويا, كان دخله من العمل الشاق قليلا, ولكنه كان كافيا, مع إضافة الرضا إليه, ليستره وأسرته الصغيرة ويلبي حاجاتهم البسيطة, الحمد لله علي نعمة الصحة, ولكن الصحة تتبدد مع الوقت, والأمراض تهاجم الجسد المنهك, والأمراض لا تأتي فرادي, يضعف الجسد وتقل القدرة علي العمل, وتنقطع الجنيهات القليلة, ويقدر الله أن يصاب عم علاء بالتهابات في أذنيه, صبر قليلا علي الألم ثم سارع إلي الطبيب, رغم العلاج فقدت إحدي الأذنين السمع, وضعفت الثانية, وضعفها يزداد يوما بعد يوم, وعم علاء لم يعد يسمع إلا الصمت, فانقطع تواصله مع من حوله, وصار حاضرا كأنه غائب, والحل ؟ سماعة, وثمنها بضع مئات, أو ربما أكثر, من الجنيهات, ولكنه لا يملك من حطام الدنيا شيئا, ربك يدبرها! سمع همهمة المصلين حوله, نظر فإذا هم يرفعون أكفهم يؤمنون خلف الإمام وهو يدعو, رفع كفيه ووجهه إلي السماء.. آمين آمين, يؤمن علي دعاء لا يسمعه, أخذه الحزن ودمعت عيناه, يا رب, أسألك من فضلك, أسألك رضاك والجنة, وفي الدنيا سماعة تعينني علي التواصل مع الناس, علي تبادل الحديث مع زوجتي الطيبة الصابرة, تساعدني علي سماع خطيب الجمعة, ودعائه الصادق إليك, حتي يكون لي نصيب منه, يا رب قيض لي من خلقك من يقدم لي يد العون و المساعدة, ويوفر لي سماعة تخرجني من دوامة الصمت, وتعيدني إلي الحياة. توجه علاء حسنين محمد عبد العليم بدعائه لله آملا أن يستجيب لحالته أحد أصحاب القلوب الرحيمة, و قال إنه يعيش في شارع عبد الحميد مكي بالبساتين في منزل متواضع, و لكنه طوال حياته كان قانعا بحاله راضيا برزقه الذي يسد أوده و أسرته بالكاد, و لكنه القدر الذي أفقده القدرة علي السمع والعمل فبات يعيش حبيسا في دائرة الصمت.