من17 يناير1991 ومع خروج أول طلقة وسقوط أول قنبلة.. وعلي أزيز طائرات ودوي مدافع تحرير الكويت, إلي17 يناير2012, وقبل أيام من احتفال المصريين بثورتهم العظيمة في25. عبر هذه الرحلة الممتدة علي مدار21 عاما فقد الاهرام المسائي ستة من أخلص رجاله الذين غادروا دنيانا وهم يؤدون واجبهم علي أكمل وجه, وكأنه كتب علي هذا المكان الذي ولد تحت النيران, ورضع في شهوره الأولي من خراب ودمار الحرب أن يقدم الضحايا سنة بعد سنة. تجربة قاسية وعنيفة, عاشها جيل من افضل أجيال الصحافة المصرية.. ارتضي ان يعمل ليلا ونهارا, بنصف أجر وربما بدون أجر احيانا علي غير ما تقول به قوانين العمل الدولية التي تحتم مضاعفة الأجر.. ومرت السنون علينا طويلة نعدها عدا.. نشكو همومنا لبعضنا.. ولا نري الشعر الأبيض يتسلل إلي رءوسنا.. وما أكثر ما سطرنا من الأحزان علي فقيد خطفه الموت من بين ايدينا ومريض ابعده المرض وأضناه الألم, وأعياه السهر. رحم الله زملاءنا مصطفي بشندي, ومحمد عبدالغني, وعرفة محمد, ومأمون محمود, وسمير عبدالرحيم, وعمنا نبيل ابراهيم. فقد كانوا بيننا, ولكنهم الآن في جوار ربهم.. سنظل نبكيهم كما نبكي سنوات طويلة من الفساد دمرت أكباد وقلوب وكلي ملايين المصريين هم منهم! عرفة محمد.. عاش وحيدا... ومات وحيدا علي الباب قالوا لي: إن عرفة محمد مات.. لم أصدق ما سمعت.. تسمرت قدماي.. فرت دموعي دون أن أدري.. في سنة ذاق آلام المرض ألوانا وفي لحظة غاب وارتاح, وترك لنا العبرة والعظة. كنت أشفق عليه في مرضة وأتعذب لألمه, الذي كان يدفعه للصراخ والهروب من المستشفي. وقبل أن يموت بأيام كنت أزوره في المستشفي.. وقفت علي باب غرفته للحظات, ظنا مني أنني أخطأت الحجرة, أو أنه تم نقله إلي غرفة أخري, لأن الذي كان يرقد امامي لم يكن عرفة الذي أعرفه.. فقد وجدت مريضا مستسلما لمرضه يستعد لاستقبال لحظة النهاية, بل كان ينتظرها بفارغ الصبر حتي تريحه من عذابه وغدر الدنيا به! لم أعد أتخيل أنني لن أري عرفة يمسك سماعة التليفون ويتكلم بصوت هامس لا يسمعه أحد. فالبرغم من غيابه الطويل في فترة المرض لكنني لم أفقد الأمل في أنه سيعود بظله الخفيف وإشراقة وجهه, وابتسامته العذبة, وأخلاقه الرفيعة التي لم تنل منها أحقاد مهنة الصحافة.. ولكنه لم يعد ولم يترك له في هذه الدنيا إلا سيرته الطيبة! لقد كان عرفة من أولئك الذين يطمئن اليهم قلبك, وينشرح لهم صدرك وتقبل عليهم دون قلق أو تردد, ويجبرك علي احترامه, ويدفعك إلي أن تفكر ألف مرة قبل أن تقول كلمة ربما تؤذي إحساسه المرهف. علي مدار ما يقرب من16 عاما عرفته إنسانا طيبا, نقيا, وصحفيا وكاتبا ومؤلفا مبدعا, وموهوبا لم يفكر في يوم من الايام ان يسلك طريقا ملتويا أو معوجا طمعا في مال أو شهرة. وفي ساعات الليل الطويلة ب الأهرام المسائي كنت أجلس اليه في لحظات الصفاء وأسأله: لماذا لم تتزوج حتي الآن؟ فكان يبتسم ابتسامة رقيقة ويقول لي بصوت خافت: أشعر بأنني غريب في الدنيا فلماذا أتزوج وأعذب آخرين معي؟ كانت إجابته كافية وشافية, ولكنني كنت أقول له: لابد أن تتزوج فيقول: إن شاء الله. في صندوق خشبي عاد عرفة إلي العدوة في محافظة المنيا وحيدا, وكأن إقامته في هذه الدنيا لم تكن أكثر من حلم ليلة صيف. كنت أمشي خلف الجثمان شاردا في مأساة إنسان أعجزه مرضه عن أن يواري جسد ابويه التراب ولحق بهما بعد شهور قليلة.. ولكن أهالي قريته الكرام استقبلونا نحمل جثمانه علي ابواب القرية وقاموا بالواجب معه كما قاموا به مع أبويه. محمد عبدالغني.. جبل هزه المرض كثيرون لم يروا فيه غير جبل لم تنل منه الحياة مهما تكن قسوتها ومهما تشتد آلامها, فقد كان محمد عبد الغني زهرة متفتحة أذن لها الربيع, ووجها باسما لم تنقبض عضلاته حزنا في يوم من الأيام والذي لم يعرفه الكثيرون أن هذا الجبل كان ينهار باكيا إذا ما رأي دمعة في عين طفل وإذا ما سمع شكوي مظلوم وإذا ما رأي رجلا أو شيخا أتي عليه الزمن وإذا شعر أنه تجاوز.. وما رأيته يوما تجاوز في حق إنسان. إذا ما خلا إلي نفسه تفضحه عيناه, وتكشفه دموعه وتعلن عن قلب رقيق بين ضلوع أشد رقة تحنو علي الجميع. فجأة وفي أيام معدودات سقط محمد عبدالغني المولود في1962/12/2 وغاب عنا لم يعد بمقدورنا أن نراه يفتح علينا الباب ويقف يداعبنا ونداعبه, بكلمات يغلفها الود, غالبا ما كان ينهيها جريا إذا ما حدثه أحد عن صحته وشياكته وتحقيقاته خوفا من الحسد. قبل ساعات من هجوم المرض عليه قابلته مصادفة في مصعد مؤسسة الأهرام وكان ضاحكا ومتفائلا كعادته وقال لي عبارة تنساب دموعي كلما تذكرتها لأنها كانت أملا لم يتحقق, قال لي نفسي أكون رئيس تحرير داعبته وضحكنا, وفي اليوم التالي رأيته حزينا مهموما, يسرق الخطوات إلي خارج مبني الأهرام, تسمرت قدماي وسألت نفسي, ماذا حدث؟, هذا ليس محمد عبدالغني الذي أعرفه لم يطل تفكيري وتوهاني وجريت خلفه, أسأله: مالك يا محمد.. إيه الحكاية.. دي أول مرة أشوفك في هذه الحالة.. رفع وجهه فشعرت انني أراه لأول مرة.. فقد كساه الحزن ونال منه الإعياء ورد علي متحاملا: أنا تعبان شوية.. الضغط عالي حاولت التخفيف عنه وتمنيت له الشفاء.. وما أن أدرت ظهري حتي هاجمني هاجس غريب, فقد شعرت ولا أعرف سببا لشعوري هذا أن هذه هي آخر مرة أري فيها محمد عبد الغني. ساعات بعد هذه المقابلة عرفت من زميلنا علي النويشي أنهم نقلوه إلي المستشفي في حالة سيئة, ذهبت إليه وأنا أعرف أنني لن أراه ولن أسمعه لأنه في غيبوبة وتمنيت وأنا علي باب غرفة العناية المركزة أن يفيق من غيبوبته ولو لدقائق ولكن قدر الله نفذ, ولم أره إلا وهو جثة هامدة انخلعت لها قلوبنا جميعا عندما تحركت السيارة وهي تنقله إلي مثواه الأخير.. في تلك اللحظات كنت أدعو ألا تغيب عنا السيارة حتي لا يتركنا محمد عبدالغني ولكنه تركنا نعيش علي ذكري سنوات طويلة من عمرنا قضيناها نقتسم الألم والأمل وحصل خلالها علي جائزة التفوق من نقابة الصحفيين عام2000 لأفضل سلسلة تحقيقات والتي جاءت تحت عنوان: محنة ضمير.. وأزمة أمة.. إضافة إلي كتابين هما: ملوك اقتصاد القيم وجمال حمدان.. عبقرية ضد الانحناء. رحل محمد عبدالغني في4 مايو2005, تلك هي الحقيقة التي لا تقبل الشك وسط دموع من عرفوه وأحبوه وافتقدوه ولم يطيقوا النظر إلي مكتبه الخالي حين كان يجلس في هدوء وسلام ورضاء بما قسمه الله له. وإذا كان العزاء لأسرة محمد عبدالغني وأبنائه مروان وندي ورضوي وزوجته زميلتنا في مكتب سوهاج نيفين مصطفي وأصدقائه وقرائه فالشكر كل الشكر لرجال المهام الصعبة علاء ثابت رئيس التحرير ومحمد عبدالباري, ومحمد حسان, وأحمد مختار, وأحمد العرابي الذين لا يتأخرون لحظة عن أداء الواجب في أي وقت من ليل أو نهار إنهم رجال تقضي علي أيديهم حوائج الناس. مصطفي بشندي.. فاعل خير في شوارع القاهرة عاش مصطفي بشندي حياته القصيرة مشغولا بهمين لاثالث لهما هما عمله, وحوائج الناس, من أهل قريته في جزيرة المساعدة بمركز الواسطي محافظة بني سويف وغيرهم, لذا لم يكن غريبا أن يكون مشهد جنازته مهيبا يوم أن رحل عن دنيانا في الخامس من ديسمبر عام2003. كنا نسهر معا حتي الصباح..يصعد من المطبعة ليمسك بالورقة والقلم ليكتب موضوعا أو رؤية, ثم يفتح درج مكتبه ليجمع أوراق مريض يسعي لأن يحصل له علي قرار بالعلاج علي نفقة الدولة, أو شهادات ومؤهلات طالب يبحث عن فرصة عمل, أو طلب مساعدة من فقير أغلقت كل الأبواب في وجهه..يجمع كل ذلك في ملف كبير وينطلق الي الشوارع مع بدء ساعات العمل في المؤسسات الحكومية, ليقضي حوائج الناس, قبل أن يستقل القطار في الرحلة اليومية من القاهرة الي بني سويف والعكس..وكان كثيرا مايعود من رحلته إذا ما وقعت عينه علي موضوع أو وجد مايستحق أن يكتبه ويصوره. عرفنا الزميل مصطفي بشندي سكرتير تحرير الأهرام المسائي الذي ولد في1958/3/16 خارج نطاق التعاملات الرسمية وبعيدا عن برتوكولات العمل, فقد كان إنسانا طيبا يتمتع بأخلاق القرية المصرية بشهامتها ورجولتها وأصالة معدنها وصراحتها التي لاتخشي في الحق لومة لائم. في شهوره الأخيرة تبدل مصطفي بشندي,وانطفأت شعلة النشاط والحماس, وخفت الصوت الذي كان مرتفعا, وتراجعت الأحلام, وظهر الوجه الحزين الذين يعكس جسدا مريضا أنهكه الإعياء..دخل المستشفي لإجراء جراحة لزراعة الكبد..فما أقل من أن يقدم له زملاء الأهرام يد المساعدة التي كانت ممدودة لكل صاحب حاجة وبذل الزميل ياسر الكحكي كل مافي وسعه لتجري العملية بأسرع ما يمكن ولكن القدر لم يمهله وجسده لم يكن علي استعداد لقبول عضو جديد. التحق بشندي كما كنا نناديه ب الأهرام رسمياعام1990 بعد تخرجه في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام1980, ثم نتقل ل الأهرام المسائي مع أعداده الأولي في عام1991.. وحتي رحيله عن دنيانا تاركا ثلاثة أولاد هم أحمد وعبد الرحمن ومروة. مأمون محمود.. قلب كبير.. وكبد عليل مأمون محمود.. ابتسامة مشرقة.. وقلب ينبض بالحياة.. وجسد يمتليء بالنشاط.. ولسان حلو.. كل ذلك كان كافيا لأن يتنقل بين الملاعب كحكم شهد له الجميع بالكفاءة.. وكصحفي عرفته كل الأوساط الرياضية بالمنصورة بالحيادية والشفافية ونظافة اليد. كان يأتي إلينا في أيام المباريات التي تسند إليه بالقاهرة سريعا.. يصافحنا ويجلس بيننا لدقائق يكتب فيها نتائج جولته اليومية.. شخصية بسيطة متواضعة.. لم يحاول في يوم أن يضغط بما يكتب من أجل أن ينال مباراة هنا وأخري هناك. هذا الشاب الأنيق لا يمكن أن تتصور أنه سيسقط أسيرا للمرض, وسيكون حبيس غرفة صغيرة في مستشفي بالقاهرة أو المنصورة أو في منزله يعاني وحده آلامه وأوجاعه.. فالخبر نزل علينا كالصاعقة.. مأمون مريض ونقلوه للمستشفي.. كان يعرف أن كبده لا يتحمل كل الجهد الذي يبذله ولكنه أصر علي أن يصارعه فغلبه وجعله طريح الفراش لسنوات.. وعندما كان كبده يشفق عليه ويقوم ولو بجزء بسيط من وظائفه كان يقف علي قدميه ويتصل بي ويقول لي إنه سيكتب هذه المباراة أو تلك, وقد كنت سعيدا بما يقول.. حتي عندما كان يعجز عن الإمساك بقلمه كان يملي ما يريد علي زوجة وفيه شجاعة هي الآن رشا النجار زميلتنا في الاهرام المسائي. وكان مأمون محمود من أولئك الذين لا أريد أن أراهم يتألمون علي فراش المرض, ولكنني شعرت ذات يوم أن النهاية اقتربت, فأسرعت إليه في مستشفي السلام الدولي برفقة زميلي محمد القوصي, وبكينا معا علي باب غرفته قبل أن نتماسك وندخل عليه بوجهين مبتسمين.. ووجدنا مأمون الذي لا نعرفه.. رأينا جسدا نحيلا.. واصفرارا علي الوجه الذي كان يعج بالدموية.. اصطنعت ابتسامة وقلت له: الدوري علي الأبواب وستكون أول حامل راية في مصر يقف الموسم بأكمله فابتسم ابتسامة من يشعر بالنهاية, ويدرك أن ما يقال درب من دروب المستحيل, ولكنه تمسك بالأمل شهورا طويلة حتي لقي ربه وترك مسحة حزن لا تفارق كل من عرفوه وتعاملوا معه. مأمون محمود ولد في الأول يناير1966 بقرية الديرس مركز أجا بمحافظة الدقهلية وبدأ حياته الصحفية وهو طالب بكلية التربية جامعة المنصورة حيث عمل بجريدة المنصورة وانتقل للعمل في الاهرام الرياضي ومع أول عدد ل الاهرام المسائي التحق كمراسل لمحافظة الدقهلية بترشيح من نصر القفاص رئيس القسم الرياضي في ذلك الوقت.. وأحب مأمون التحكيم فأدار مباريات في الدوري الممتاز لكرة القدم وترشح للشارة الدولية ولكن المرض كان له بالمرصاد. كما عمل مأمون معدا ومذيعا بالقناة السادسة ببرنامج المحكمة الرياضية بجانب عمله في إذاعة وسط الدلتا كمعلق رياضي. نهاية رحلة مأمون محمود جاءت مؤلمة.. فشل كبدي في عام2007 انتهي إلي إصابته بخلل بالجهاز المناعي استمر علاجه4 سنوات حتي توفاه الله في13 مارس2011. وترك ولدين هما مازن14 سنة في الصف الثالث الاعدادي والذي التحق بمدرسة براعم الحكام ليكون خلفا لوالده.. وزياد11 سنة بالصف السادس الابتدائي ويعشق كرة القدم. سمير عبدالرحيم.. عملة نادرة من صعيد مصر سمير عبدالرحيم من أولئك الأشخاص الذين تحبهم وترتاح لهم من أول مرة.. رجل من العملات النادرة في هذا الزمان, فهو معجون بطيبة الإنسان المصري الأصيل وكرمه وشجاعته وأصالته.. رجل مخلص ووفي إلي أبعد الحدود يصل الليل بالنهار جريا وراء موضوع أو تصريح أو متابعة أو حادثة أو صورة في فترة كان العمل الصحفي فيها شاقا ومكلفا وليس بسهولة تكنولوجيا هذه الأيام, ولكنه أحب العمل وتفاني في سبيله ولما لا وقد أصر عليه في سن متأخرة. دخل الأهرام المسائي من بوابة جديدة تماما علي عالم الصحافة الرياضية عندما تبنت الجريدة فكرة النشر الموسع لدوري القسم الثاني لكرة القدم فعمل مراسلا بأسيوط سعيدا باللف علي الملاعب أيام المباريات والتدريبات.. كنا نتسابق كاتب هذه السطور ومحمد صابر ومحمد القوصي وحاتم قرامان وأحمد إبراهيم ومحمد صيام وعمرو مخلوف لتلقي رسائله عبر التليفون الثابت حيث لم يكن المحمول وصل إلي مصر في أوائل التسعينيات. ومن الرياضة وجدت أعماله صداها علي كل صفحات الأهرام المسائي من الحوادث إلي التحقيقات إلي الفن والثقافة بموضوعية وشفافية عرفه بها بكل مواطني أسيوط خاصة بعد احداث عزت حنفي في النخيلة وحوادث الإرهاب والأمن المركزي في صعيد مصر وسيول درنكة. ولد الزميل سمير عبدالرحيم في عام1955/1/30 والتحق بالعمل في جريدة الأهرام المسائي عام1992 ووافته المنية في13 إبريل عام2004 وكانت رحلة عطائه مثمرة علي مدار15 عاما وترك لنا ابنه وائل سمير ليكمل المسيرة من بعده. عم نبيل.. الأهلاوي حبيب الصحفيين لم أكن أعرف قبل كتابة هذه السطور أن اسمه نبيل إبراهيم عبد العال عامر..فقد كنا نعرفه ونناديه باسم واحد وهو عم نبيل..ولم يكن هذا من فراغ ولالفارق السن فقط ولكن أيضا لأنه استطاع في شهور قليلة أن يكتسب حب كل شباب الأهرام المسائي الذين كانوا في بداية حياتهم, حتي أنه كان يشاركنا عن حب الألقاب التي نطلقها علي بعضنا فيقول لزميلنا المحرر البرلماني حامد محمد حامد عندما يراه جالسا في تركيز يتابع مباراة في كرة القدم: أنت قاعد تحت القبة..وكان يقول لزميلنا محمد عبد المقصود: كلم ياحفار وهو ما كنا نطلقه علي واحد من أفضل محرري الشئون الخارجية في مصر. عم نبيل المولود في31 مارس عام1948 كان رجلا من الزمن الجميل لم يتغير ولم يتلون, ولم ينس القيم والمباديء في زحام حياة المدينة وصخبها, وضجيج مهنة الصحافة وضغطها, وقليلا ما كنت أراه حزينا, عبوس الوجه, وعندما كنت أسأله عن السبب أدرك أن هموم غيره تقلقه وتؤلمه, أما هو فلا يريد من هذه الدنيا شيئا. كان يستقبلني علي الباب مبتهجا بعبارة لاتفارق خيالي في حياته ومماته ألا وهي: انت حبيبي.. لم يكن مافي يده له بل للآخرين يبذله غير مبال بشيء حتي أنه كان يستقبل ضيوف المكان دون أن يعرفهم ويقدم لهم الواجب دون أن ينتظر المقابل من هذا أو ذاك,حتي أنه في يوم من الأيام كسر كل القواعد ووضع في دولابه بعض المأكولات الخفيفة, يوزعها علينا دون أن يبالي كم أعطي وكم أخذ, وكان يقول جملة واحدة فقط: أنتوا بتسهروا وبتجوعوا ولازم تاكلوا وعم نبيل له تاريخ طويل مع الأهرام بدأ عام1974 وحتي خرج علي المعاش في31 مارس عام2008.. وكم وصل الليل بالنهار في مؤسسة الأهرام غير مبال بسهر أو تعب. لم يعترف باجازة ولم يستسلم لمرض ولا لاجازة عارضة بل أنه في يوم وفاته في الثاني من يناير عام2010 كان يريد أن يأتي إلينا..وقال سأذهب زحفا ولكن القدر لم يمهله ورحل تاركا معنا ابنه السيد نبيل الذي يذكرنا به كما ترك رصيدا كبيرا من حب كل الذين عرفوه في عمله وفي سكنه..ولما لا وهو الذي صرف مكافأة نهاية الخدمة في أعمال الخير لمدين أراد أن يقضي دينه وأرملة تريد أن تزوج ابنتها مفضلا ذلك علي أداء فريضة الحج. رحم الله عم نبيل الأهلاوي الصميم, الذي كات يوزع ما في دولابه ابتهاجا بفوز الأهلي, خاصة في مباريات القمة مع الزمالك, وأسكنه دارا خيرا من داره, وأمتعه بما ضنت به الدنيا عليه.