وسط ما تشهده مصر من أحداث تهدف إلي النيل من الوحدة الوطنية المصرية, يجدر بالهيئات والمؤسسات الثقافية والتعليمية, الحكومية منها والمدنية, أن تقوم بدورها علي خير وجه في التأكيد علي الطابع الأصلي للحياة المصرية بوصفها خالية من العنف والتعصب الديني المقيت, ومجابهة القوي الخارجية والأيادي الخفية التي تهدف إلي العبث بالتجانس الوطني في مصر. وفي ظل الأحداث الأخيرة الطارئة التي أصابت المصريين جميعا لم تعد الجهود الثقافية الرامية إلي رأب النسيج الوطني وتأكيد معاني الوحدة الوطنية, ترفا ثقافيا أو اختيارا بقدر ما أصبحت واجبا يحتمه الانتماء الوطني ومقتضيات الولاء المصري. وفي هذا السياق كانت جهود الهيئة العامة لقصور الثقافة السابقة برئاسة د. أحمد مجاهد علي الحادث الأخير, بمثابة الجهود طويلة المدي لتلافي مثل هذه الأحداث أو تجنب عواقبها الوخيمة, معلنة رفضها وإدانتها لمجزرة الإسكندرية البشعة التي أساءت لكل المصريين. ولم يكن عجيبا في هذا الصدد أن تتصدر إحدي توصيات مؤتمر أدباء مصر الأخير الذي أقامته الهيئة منذ أيام التوصية بتدعيم مشروع الوحدة الوطنية بوصفه مشروعا قوميا جديرا بالاخلاص له, ولم يكن ذلك من قبل الأماني التي لا تجد لها تحقيقا علي مستوي الواقع, وإنما تجسد ذلك من قبل في فعاليات الأنشطة الثقافية والفنية للهيئة, حيث قدمت الهيئة ضمن مطبوعاتها عدة كتب تهدف إلي عرض الثقافة القبطية كجزء حيوي من الثقافة المصرية, وفي هذا السياق صدر كتاب الثقافة الشعبية القبطية لأيوب معوض وكتاب الفولكلور القبطي لروبير الفارس, وكتاب مقدمة في الفولكلور القبطي لعصام ستاتي. كما أولت الهيئة القضية الوطنية اهتماما خاصا في انتاجها المسرحي ضمن ورش المسرح في الأقاليم الثقافية في مراكز التدريب والورش المتخصصة بالمنيا. هذا فضلا عن انتاج فيلمين يؤازران الوحدة الوطنية ضمن أنشطة قصر السينما ويبرزانها في إطار فني يعتمد علي ثقافة الصورة والرسالة غير المباشرة. وقد أصدر د. مجاهد رئيس الهيئة قرارا بإعادة إصدار كتاب الأدب القبطي لمحمد سيد كيلاني ليكون ضمن مطبوعات الهيئة المعروضة في معرض الكتاب القادم. وفي سبيل نشر ثقافة الوحدة الوطنية عبر الصورة الأكثر انتشارا والأسهل تداولا نشرت الهيئة بوسترات دالة ورامزة لهذه الوحدة, وذلك عبر طبع لوحة عدلي رزق الله في بوستر وزع في أنحاء مصر, وآخر لصورة تعانق فيها الهلال والصليب في كنيسة الأنبا بولا. ولايزال أطلس الفولكلور بالهيئة يوالي نشاطه الهادف إلي تغطية الممارسات الشعبية القبطية, وقد أصدر ضمن نشاطه فيلمين احدهما عن مولد ماري جرجس والثاني عن مولد الشهيدة دميانة إلي جانب إصدار قاعدة بيانات عن موالد القديسين. والجدير بالذكر أن اجتماع مجلس إدارة الهيئة وافق علي اقتراح د. مجاهد بأن تكون الملفات المهمة التي تعمل عليها قصور الثقافة في العام المقبل, هما: ملف الوحدة الوطنية, والآخر أزمة المياه, لعل هذا النشاط يكون بمنزلة عزاء واجب لأسر الضحايا المصريين وشجبا ضمنيا لمحاولات زعزعة الوحدة الوطنية التي يمارسها المصريون يوميا قبل أن يتشدقوا بها أملا في القيام بالدور الثقافي اللائق بمؤسسة ثقافية يعول عليها في المرحلة المقبلة.