أن تمتلك ثروة فأنت شخص محظوظ، وأن تتمكن من مضاعفتها وزيادة حجمها خلال سنوات قليلة فإنك تضمن بذلك مستقبلا آمنا تستفيد فيه من تلك الثروة لفترة أطول، هذا لو كنت فرداً فماذا لو كانت تلك الثروة ملكاً لدولة إصطفاها الله ليمنحها من خلالها عدة ثروات وليست ثروة واحدة. هذا هو حال بحيرة السد العالى التى تكونت بعد بناء السد العالى ويبلغ طولها 500 كيلو متر منها 350 كيلو مترا داخل الحدود المصرية، هذه البحيرة التى قال عنها البعض صمام الأمان الغذائى لمصر، وتحدث البعض الآخر عن مخزونها الذى لا ينفد، وسماها آخرون بحيرة الأمل. بحيرة الأمل تحيا على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما طالتها بعض الأيادى العابثة التى قضت على حلم تنميتها وتحقيق أقصى استفادة منها، وسواء كان الإضرار تم عن عمد أو بدون قصد فالجريمة واحدة والآثار لم تتغير. تساؤلات عديدة عن الإنتاج الحقيقى للبحيرة وأين تذهب خيرات بحيرة السد، وكيف تعامل المسئولون مع هذا الملف الشائك وعن تأثير سنوات الاستثمار عليها وعدم تحقيق الدولة للمكاسب المنتظرة منها حتى الآن، علامات استفهام عديدة طرحناها على المدير التنفيذى لإدارة بحيرة السد العالى التابعة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية المهندس محمود حسيب فى حوار أفصح فيه عن كل ما يجيش بصدره بحكم تاريخ عمله بالهيئة وعلاقته بالبحيرة التى عاصر سنوات تدهورها، مشيراً أكثر من مرة إلى احتياجها لاهتمام الدولة ككل وليس المحافظة فحسب، كانت البداية من إجمالى إنتاج البحيرة خلال عام 2014 والذى تحدث عنه المهندس حسيب. - 19 ألف طن أشرت إليها كإنتاج إجمالى للبحيرة خلال العام المنصرم. هل يمثل حجم الإنتاج الحقيقى للبحيرة؟ فى البداية لابد من الإشارة إلى أن إنتاج البحيرة ينقسم إلى نوعين الأول هو الإنتاج الفعلى للبحيرة، والثانى هو وارد الموانىء الذى يتم حصره من خلال إحصاء رسمى ويعتد به نظراً لحساب كل شىء فيه بالموازين وإثبات كل الأرقام بالورقة والقلم، علاوة على التصاريح الموجودة لنقل الأسماك، أما عن الإنتاج الحقيقى للبحيرة فهذا بالطبع ليس الإنتاج الفعلى نظراً لوجود نسبة تهريب للأسماك قاربت 6 آلاف طن بخلاف ال19 ألف طن وارد الموانىء. - أزمة تهريب أسماك بحيرة السد العالى طويلة الأمد ومستمرة لا تتغير. فمتى تنتهى؟ القضاء على التهريب يحدث بعد القضاء على أسبابه أولاً، فالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية هى الإدارة المركزية المشرفة على كل المسطحات المائية فى الدولة، وكانت منوطة بهذا الدور تجاه بحيرة السد حتى عام 2002 عندما صدر قرار وزارى نقل تبعية البحيرة من هيئة الثروة السمكية إلى هيئة تنمية بحيرة السد العالى، حيث كانت تقوم بحملات تفتيش ومراقبة مستمرة عليها لضبط المهربين المخالفين كمراكب الصيد التى تعمل دون ترخيص وتزيد على طاقة واستيعاب للبحيرة، ولكن خلال الفترة من 2002 إلى 2010 لم يكن هناك أى رقابة على مخالفات الصيد خاصة مخالفة الغزل الضيق التى لا تترك مجالاً للأسماك حتى تبقى وتنمو بدلاً من صيدها. ولا أنكر أن التهريب كان موجوداً قبلها ولكن كانت دوريات التفتيش والمراقبة تقضى على مخالفات الصيد مما كان يضاعف من حجم إنتاج وارد الموانىء، والدليل أنه فى عام 2002 كان الوارد يزيد عن 25 ألف طن رغم أن نسبة التهريب كانت تعادل نصف الوارد تقريباً أما بعد ذلك فخرج الإنتاج مرة 7 آلاف طن ومرة 9 آلاف وأقصاها كان 11 ألفا. - لكن التهريب مازال موجوداً حتى الآن؟ لكن نسبته انخفضت كثيراً وكله مثبت بالأوراق ، حيث تم تكثيف مأموريات البحيرة والجبل، الأمر الذى ظهر تأثيره على القيمة الإجمالية وفارق الإنتاج خلال العامين الماضيين 2013- 2014 حيث بدأ الصيادون فى الالتزام قليلاً بمعايير الصيد، خاصة أن تلك المأموريات ركزت على أدوات ومعدات الصيد لأنها أساس مشاكل البحيرة، وفى النهاية يتضح الفارق من نسبة التهريب الممنوع التى قاربت ال30%، ولكن فى النهاية المسألة تتطلب قبضة من حديد. - خلال الفترة من عام 2002 حتى عودة تبعية البحيرة لهيئة الثروة السمكية ماذا تغير فيها؟ تغير فيها الكثير للأسف للأسوأ، هيئة تنمية بحيرة السد دمرت البحيرة، وأنا مسئول عما أقوله، لأن هيئة الثروة السمكية كانت أدرى بشغلها فمثلاً البحيرة كانت تحتوى على سمك بلطى نيلى أصيل إقتصادى وأنواع أخرى غير اقتصادية لا يتعدى وزنها 250 جراما أما الآن فبات النوع الأول يصارع من أجل البقاء وقضى علي نسبة كبيرة منهما بسبب مخالفات الصيد وانهار المخزون السمكى وأصبح يحتوى على أصناف عديدة غير اقتصادية بعدما كان السمك البلطى النيلى الأصيل يُعطى سعر أعلى سواء للصيادين أو فى التصنيع أو فى عملية التجارة نفسها، وقد كان نسبتها من قبل تتراوح ما بين 60% 70% من الإنتاج وباتت لا تصل إلى 30% من وارد الموانىء والباقى أحجام لا يزيد وزنها عن الكيلو. كما أن هيئة تنمية البحيرة لم تنفذ القانون بشكل صارم حيث من المفترض أن يكون هناك شكل معين للغزل لتحتوى كل 50 سم على 8 فتحات كبيرة بدلاً من 14 فتحة صغيرة فى المُخالف، بخلاف أعداد المراكب التى كانت تصل إلى 4000 مركب بدلاً من 3100 كانت تتصارع على الصيد من خلال طرق صيد مخالفة سريعة كالصعق بالكهرباء واستخدام أنابيب البوتاجاز بعد أن كان لكل مركب مسافة محددة للصيد مثل تقسيم أفدنة الأراضى لا يجوز لأحدهم التعدى على مسافة تخص آخر، وذلك حتى عادت البحيرة لتبعية هيئة الثروة السمكية بإجمالى إنتاج 9 آلاف طن ونسبة تهريب 5 آلاف، علاوة على العمولات المرتفعة حيث كان يتم تحصيل مبلغ 630 جنيهاً بدلاً من 250 على كل طن وكانت صفيحة الملوحة ب16 جنيهاً ولكنها انخفضت الآن إلى 6 جنيهات. - هيئتان تتبعان وزارة واحدة ويحدث بينهما كل هذا التداخل والتضارب. من المسئول عن ذلك؟ قرار نقل التبعية كان خاطئا تماماً، حيث كانت هيئة تنمية بحيرة السد من قبلها تتعاون مع هيئة الثروة السمكية من خلال توريد لانشات ومعدات تساعد فى حملات شرطة المسطحات المائية، كنا نطلب ورشة أو ونشا لعمل مأمورية كانت يستغرق بعضها 10 أيام، حيث كانت تنتشر على طول مسافة 700 ألف كيلو متر على شاطىء البحيرة حيث الأماكن التى يعمل فيها الصيادون حتى نشب الخلاف فى 2002، وبعد عودة البحيرة لتبعية الثروة السمكية فى 2010 ورغم امتلاك هيئة تنمية البحيرة المعدات واللانشات اللازمة والتى كلفتها الدولة ملايين من أجل البحيرة ترفض تسليمها للثروة السمكية بلا مقابل حيث تطلب 3000 جنيه فى الليلة الواحدة لاستخدام لنش واحد أى مأمورية ليوم واحد، وليس مثل ذى قبل عندما كانت هناك مأموريات معايشة تستغرق بضعة أيام، كله كان ببلاش ودلوقتى لأ والرد دائما ملكمش عندنا لانشات ، فنحن نشبه إتنين أخوات متخانقين تحكمنا وزارة واحدة توفر لأحدنا والآخر لا ، ولا أعلم لماذا لا يتم توحيد الإدارة بدلاً من إمتلاك واحدة للخبرة وأخرى للإمكانيات لكن شغلها غلط . - ماذا تحتاج هيئة الثروة السمكية لإحكام قبضتها على البحيرة؟ إحنا متكتفين وإمكانياتنا قليلة ، لذلك نحتاج إضافة لللانشات التى نمتلكها حالياً لانشات هيئة تنمية البحيرة التابعة لوزارة الزراعة والتى تقف دون عمل وتوشك على الصدأ والتلف دون استخدامها رغم أنه تكلفت ملايين من أجل البحيرة، وأوجه سؤالى لهيئة تنمية البحيرة ماذا فعلت منذ 2010 حتى الآن، وهل يمكن لرئيس الهيئة أن يرصد لنا تحركات هذه اللانشات خلال هذه الفترة، وماذا عن طاقم الموظفين الذين يعملون فيها، وما الهدف من تركها دون عمل رغم اقتراب انتهاء تراخيصها ما دام يمكن الاستفادة منها، والأهم من كل ذلك كيف تنتظر وزارة الزراعة حتى الآن دون إيجاد حل، فهل هم فى غفلة أم أن المعلومة تصل دائماً بعد تغيير الوزير فيعيد من يأتى بعده الكّرة، ولا أعلم إذا كان محدش فاهم حاجة ولا محدش عايز يفهم . أنا أتعهد أنه فى خلال عام واحد بعد استلام هذه اللانشات أن يصل إنتاجها إلى 40 ألف طن وينتظر الجميع أجود خيرات البحيرة بداية من حجم الإنتاج ونوعيته وحال الصيادين وحجم التجارة وزيادة المصانع وحتى أسعار البروتين الحيوانى وتوفير فرق العملات بعد تقليل نسب الاستيراد وكله فى النهاية فى صالح المستهلك البسيط بس تتوفر لنا الإمكانيات بدل الخراب اللى احنا فيه . - هل يساهم غلق بحيرة السد فى حل أزمة قلة إنتاجها؟ لا يمكن منع الصيد عشوائياً دون ترتيب مسبق ومحكم يضمن عدم المساس بها أثناء فترة التوقف، كما يمكن لها أن تتغير ولا تلتزم بفترة محددة خلال العام ولكن قد تكون الفترة من مارس إلى مايو هى الأمثل نظراً لكونه أعلى موسم للصيد مما لا يترك الفرصة للزريعة ولا فائدة من إغلاقها بعدها، لأن الصيادين سيكونون قد قضوا عليها قبل موعد الغلق. أما عن البعد الاجتماعى ومراعاة حال الصيادين خلال هذه الفترة فأطمئن الجميع أنهم آمنون حيث إن متوسط عددهم يصل إلى 12 ألف صياد يُخصم عن كل كيلو سمك 7 قروش بدلاً من قرش ادخار لهذه الفترة التى من المفترض أن يتوقف فيها النشاط، ولكن لابد من تأمين مكان الصيادين المتسكنين وهم حوالى 3100 صياد لأنهم أصحاب مكان وإذا منعت أصحاب المكان يجب تأمينه حتى لا يأتى صيادون غرباء ويتعدون على أماكنهم، لذلك لابد من اختيار التوقيت السليم وتأمين كل الإجراءات لتحقيق أقصى استفادة من غلق البحيرة، وذلك من خلال تضافر جهود مباحث التموين وشرطة المسطحات المائية ومخابرات حرس الحدود التى يكفى معرفة الصيادين لمشاركتها فى الحملات ولو مجرد كلام لتنفيذ الأوامر فوراً، وتأمين كمين أبوسمبل وكمين طريق العلاقى قبل 20 يوماً على الأقل من وقف عملية الصيد وغلق البحيرة وعدم السماح بمرور أى مراكب أو معدات أو أنابيب بوتاجاز. - كيف كان تأثير السنوات الأولى لثورة 25 يناير على بحيرة السد؟ منذ عام 2011 وحتى 2014 لم تُغلق البحيرة، وكان هذا الوضع الأنسب لها نظراً للانفلات الأمنى الذى كانت تعانى منه الدولة بأكملها، كما أن انشغال الجهات الأمنية بعد ذلك بما فيها شرطة المسطحات المائية التى كانت تستدعى أفرادها فى مهمات أخرى جعل من وجود الصيادين فيها أفضل الحلول لتأمينها لأنهم يحافظون على أماكنهم ولم يكونوا ليسمحوا بدخول أى غريب. - وماذا عن العام الحالى هل سيتم إغلاقها؟ ما زال التفكير مستمراً فى هذه المسألة ولكننى أكرر إذا أردنا إغلاقها لابد من توفير الشروط اللازمة لضمان نتيجة واضحة ومنع الصيد الفعلى فى البحيرة، خاصة أننا على مشارف انتخابات برلمانية ستنشغل فيها الجهات الأمنية فى الوقت الذى يتزامن مع الفترة المزمع إغلاق البحيرة خلالها. - هل تشارك التماسيح بنصيب فى مشكلة إنتاج البحيرة؟ عدد التماسيح ثابت، فمن المفترض أن الطبيعة تحافظ على معدل معين للنمو ولكن لا أخفى أنها تسبب مشاكل للصيادين، خاصة أنها تماسيح مقيمة تأخذ من إنتاج البحيرة وتضر بغزل الصيادين وتقوم بقطعها فى كثير من الأحيان وهى تكلفة كبيرة تضر بهم، ولكن الصياد بيتعامل معاه بما أن البيئة لا تسمح بصيدهم. - ماذا عن مصير مصنع تغليف وتعبئة الأسماك؟ هناك العديد من التغييرات الواجب إجراؤها فى نظم الإدارة الحالية وأعلم أن المحافظ لديه النية لتشغيله من جديد حرصاً على العمالة، ولكن أقول لإدارة المصنع لا يمكن التعامل مع الصيادين بالفكر الحالى الذى يتمسك بالتعامل وفقاً للنظام القديم والأسعار السابقة وإلا مش هيشتغل وتزيد معدلات التهريب مرة آخرى. - بحيرة السد العالى قبل وبعد الاستثمار. كيف تغيرت؟ دخول الاستثمار فى البحيرة كان عملية نصب واحتيال ليس إلا، بالطريقة والكيفية التى تمت بها عمليات الاستثمار، حيث حصل المستثمرون على المجرى الملاحى للبحيرة ظناً منهم أن هناك أعدادا ضخمة من الأسماك فى هذه المنطقة رغم أنها بمثابة صحراء جرداء، لذلك بعد اكتشافهم الوضع كان لابد من تعويضهم فكان من خلال مسطحات البحيرة التى تنقسم لما بين عدد من الجمعيات منها مصر أسوان، والجمعية النوبية، وأسوان الأم، وأبناء أسوان وغيرها حيث كان يتبع الصيادون لكل جمعية ليدخل المستثمرون بينهم على صورة سماسرة أو وسطاء بين الصياد والتاجر رغم عدم فهمهم لعمليات الصيد وتجارته وتصنيعه، حيث كانت البحيرة المتضرر الأول فى هذه العملية، هذا هو استثمار البحيرة الذى أدى إلى لجوء الصيادين للتهريب ولكن الحمدلله ألغينا الإستثمار بعد عودة تبعية البحيرة لهيئة الثروة السمكية وعاد الوضع لما كان عليه. - ليطلب المهندس محمود حسيب قبل ختام الحوار الحديث عن مشروع المرابى السمكية الطبيعية بالبحيرة حيث قال عنها: الفكرة تقوم على إنشاء مربى سمكى فى أطراف الأخوار لتنمية السمك البلطى النيلى دون التدخل بأى تغذية خارجية، حيث تتغذى هذه السمكة على الهائمات الدقيقة سواء النباتية أو الحيوانية بالمياه، والبحيرة غنية بها طبيعياً خاصة أن هذه الأطراف لا يستفاد منها الصياد لأن إنتاجيتها ضعيفة. ويقوم بعدها بإحضار صافى إنتاج البحيرة عن عامى 2013 و2014 وإجمالى المضبوطات خلال العام الماضى، مشيراً إلى أن هذه الكميات المضبوطة سواء من موازين أو غزل مخالف أو اسطوانات أو مواتير أو أسماك فإنها تعادل ما كانت الهيئة تضبطه فى مأمورية واحدة لمدة سبعة أيام، وضرب مثلاً بعدد المراكب التى تم ضبطها خلال عام 2014 والتى تقدر ب15 مركباً فى حين كان عدد المراكب المخالفة فى إحدى الضبطيات قبل 2002 يصل إلى 70 مركباً تم نقلها على عبارة، لينهى حديثه كما بدأه بطلب تدخل عاجل من الدولة لإنقاذ ثروة قومية لاتخص أسوان وحدها.