استعدادا لشم النسيم ..رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات الجامعية    سعر الدينار الكويتي اليوم الأحد 5-5-2024 مقابل الجنيه في البنك الأهلي بالتزامن مع إجازة عيد القيامة والعمال    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    وزيرة إسرائيلية تهاجم أمريكا: لا تستحق صفة صديق    تشكيل ليفربول المتوقع ضد توتنهام.. هل يشارك محمد صلاح أساسيًا؟    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثي سير منفصلين بالشرقية    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    الإسكان تنظم ورش عمل حول تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    ماكرون يطالب بفتح مجال التفاوض مع روسيا للوصول لحل آمن لجميع الأطراف    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    فيديو.. شعبة بيض المائدة: نترقب مزيدا من انخفاض الأسعار في شهر أكتوبر    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    كرة طائرة - مريم متولي: غير صحيح طلبي العودة ل الأهلي بل إدارتهم من تواصلت معنا    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    شوبير يكشف مفاجأة حول أول الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الزراعة: حديقة الأسماك تستعد لاستقبال المواطنين في عيد شم النسيم    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    حدائق القاهرة: زيادة منافذ بيع التذاكر لعدم تكدس المواطنيين أمام بوابات الحدائق وإلغاء إجازات العاملين    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    السيطرة على حريق التهم مخزن قطن داخل منزل في الشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    تامر حسني يدعم شابا ويرتدي تي شيرت من صنعه خلال حفله بالعين السخنة    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    وزير شئون المجالس النيابية يحضر قداس عيد القيامة المجيد ..صور    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورباتشوف قال لطارق عزيز‏:‏ لوضربتم لا تأتي إلي زاحفا
علي بطنك وبعد الضربة الأمريكية رفض مقابلته

التاريخ الأمريكي *‏ التاريخ عند العرب تقدم سريع نحو الخلف بحيث يصبح الماضي ارفع شأنا من الحاضر بينما يصبح التاريخ عند الأمريكيين جزءا من الذاكرة بحيث يصبح اليوم أهم من الأمس هل تري أن أمريكا امة تتنكر للتاريخ أم أنها لا تهتم به كثيرا ؟
‏**‏ التاريخ عند الامريكيين لا يتقدم نحو الأمام فقط‏,‏ بل يمضي سريعا نحو المستقبل‏,‏ وهذا اكاد اجده عند اغلب شعوب المنظومة المتقدمة والمنتجة في العالم‏,‏ في حين ان تاريخنا يتقدم فعلا وبسرعة مذهلة‏,‏ ولكن نحو الوراء‏,‏ فهناك جدلية خفية بين الرؤيوية والماضوية‏,‏ هذه الجدلية التي قلت بها قبل ربع قرن من الزمن‏,‏ وقد سخر منها بعض الزملاء التقليديين الذين كانوا ولا يزالون في كهوف انتولوجية وخنادق ايديولوجية‏!!‏ المهم‏,‏ انني أري ان المدارس الامريكية في قراءة التاريخ برغم تنوعها‏,‏ الا انها ترفد يوميا الذاكرة الامريكية بما هو جديد‏..‏ ولكن المشكلة ليست عندها بقدر ما اجده في كيفية استفادة المؤسسات من تلك القراءات‏,‏ وهي قراءات متنوعة تمتد من اقصي حالات اليمين الي اقصي ادوار اليسار‏..‏ وتتنوع فيها المناهج‏..‏ وينبغي علي القراء العرب ان يكونوا اذكياء في قراءة ما يكتبه الامريكيون عنا بالذات‏..‏ واري ان هناك تواريخ ممتازة وتنتج برفقتها تواريخ مزيفة‏..‏ ولكن برغم تطورها‏,‏ الا ان المدارس البريطانية تعد صاحبة ثراء في المعلومات والتحليلات الامبريقية للتجارب الجزئية وهذه نقطة خلاف جذرية مع الامريكان الذين تختلط عندهم الحالات‏,‏ في حين تعتمد المدارس الفرنسية علي الرؤي الكلية ودراسة الظواهر الكبري‏..‏ اما الالمان‏,‏ فيؤكدون في مدارسهم علي الفلسفات الجدلية والركون دوما الي النصوص‏..‏ ان الامريكيين تختلط عندهم المفاهيم ايضا‏,‏ بحيث لا يمكنك ان تقف علي ارضية واحدة‏,‏ اذ سرعان ما تجعلك تهتز لتقفز الي مكان آخر يمكنك من التحرك علي ارضيته لفترة من الزمن‏!‏ ومن خلال تجربتي المتواضعة المقارنة‏,‏ اجد ان الامريكيين لا يمكنهم الاعتماد علي ما يقوله كل المؤرخين اذ انهم يعتمدون رأي عدد محدد منهم علي عكس الاوروبيين الذين يحرصون حرصا كبيرا علي ان يكون دليلهم وخبيرهم ومستشارهم عددا متنوعا من المؤرخين
وماذا عن قراءة العرب للتاريخ ؟
‏!‏ ان العرب لا اجدهم قد استفادوا البتة من كتاباتهم التاريخ ولا اقول قراءاتهم له‏,‏ لأنهم لم يعرفوا غير السرد والنقل والتكرار لمجرد سلسلة أحداث او تركيب فقرات او سير أشخاص‏..‏ انهم يسحبون التاريخ إليهم ليعيشوا معه‏,‏ وليس باستطاعتهم ان ينتقلوا الي مسرح التاريخ زمنا ومكانا ليتفاعلوا مع الاحداث من اجل تشكيل فهم معين وانهم لا يقرأون التاريخ من اجل بناء ذاكرة تاريخية تساهم في معالجة الحاضر وبناء المستقبل‏..‏ بل يتشدقون به من اجل التفاخر او التناحر او الاحياء او اشباع رغبات السلطة سواء كانت سلطة دولة ام سلطات مجتمع‏..!!‏
‏*‏ قدم المؤرخ الماركسي الراحل ها وارد زين في كتابه الشهير التاريخ الشعبي للولايات المتحدة رؤية مختلفة للرواية الرسمية التاريخ الأمريكي سواء فيما يتعلق بالهنود الحمر أو الحروب كما اهتم زين بالحراك الاجتماعي والطبقات في روايته للتاريخ الأمريكي هل تمتلك أمريكا تاريخين متناقضين أم ان هناك أمريكتين أم ان الأمر يتصل بتاريخ رسمي واخر بديل ومن يملك حق كتابة التاريخ ؟ وكيف لقاريء مهتم بالتاريخ الأمريكي ان يمحص الروايات التاريخية ويؤكد صحتها ؟
‏**‏ بالرغم من اختلافي مع النهج الفلسفي والايديولوجي والعقائدي لهاوارد زين‏,‏ الا انني احترم أعماله جدا‏,‏ وقد حظيت بالاطلاع علي اغلبها‏,‏ بل وقرأت بعض اشهر كتبه خصوصا وانه يفضح بمبضعه ومنهجه ليس التاريخ الامريكي‏,‏ بل السياسات الامريكية التي مارستها الولايات المتحدة الامريكية في القرن العشرين‏,‏ ويضئ جوانب حقيقية من التفكير بسياسة القوة الأمريكية الذي اتبع علي امتداد حياة الادارة الامريكية‏..‏ وربما اختلفت مع هذا المؤرخ الامريكي في رؤيته للعالم‏,‏ ولكن من دون شك فهو ينهج نهجا فاضحا في التاريخ‏..‏ وربما اختلفت معه ايضا في عملية اختياره لوثائق دون اخري‏,‏ لكنه من دون شك يعد مؤرخا صاحب ثقة ورؤية وربما صادف تعتيما وانزوي بعيدا لبعض الوقت‏,‏ لكنه زرع في طلبته وجيل كامل علي امتداد ثلاثين سنة منذ العام‏1950‏ وحتي العام‏1980‏ افكارا غاية في الاهمية والوضوح‏..‏ انني مع الرجل في منهجه وادواته في نشر الوثائق والنصوص الخفية‏,‏ لكنني لست مع المؤرخ هاوارد زين من خلال اطلاعي علي بعض مؤلفاته وقراءتي بعض تواريخه وارائه التي تأخذ لها الطابع الشخصي‏,‏ فهو ينطلق من زاوية واحدة ولا يريد الا الرجوع اليها وقبل ان اعلق علي رؤيته للتاريخ الشعبي للولايات المتحدة الامريكية‏,‏ فقد كتب البروفيسور زين في موضوعات عديدة اهمها نشره للاوراق الشخصية للسيد جوراديا في الكونكرس في عمل توثيقي من الدرجة الاولي‏,‏ وله كتاب المؤيدون الجدد لمبدأ الاسترقاق كما وحرر كتاب فكر التعامل الجديد‏,‏ وكتب كتابه عن فيتنام‏:(‏ منطق الارتداد‏)‏ او‏:‏ الانسحاب‏,‏ وكتاب التمرد والديمقراطية‏,‏ وكتاب السياسات في التاريخ‏..‏ ونشر كتاب‏:‏ اوراق البنتاجون‏:‏ مقالات نقدية‏,‏ وكتاب امريكا ما بعد الحرب‏,‏ وكتاب‏:‏ العدالة في حياة كل يوم‏..‏ وجاء اخيرا كتاب التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الذي نشره عام‏1980‏ وبيع منه اكثرمن مليون نسخة‏,‏ من هنا ارجع الي سؤالك‏,‏ فامريكا لا تمتلك تاريخين ولا مسلكين في التاريخ‏,‏ بل انها تمتلك تاريخا واحدا‏,‏ ولكنه تاريخ متلون ومتنوع بين الانقسام والانسجام‏,‏ وبين الاكفهرار والنضوج‏..‏ وعلي اشد ما يكون التلون والتنوع‏,‏ فليس كل التاريخ الرسمي لامريكا له مسارات صائبة‏,‏ وليس كل تاريخها الاجتماعي علي ما يرام‏!‏ لقد مرت امريكا بفترات سياسية زاهية عدت خلالها مثلا أعلي للعالم‏,‏ وخصوصا ايام الرئيس ولسن عند مطلع القرن العشرين عندما كانت لم تزل تستلهم مبادئها الاولي في الحرية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب في الاستقلال وصنع الارادة الوطنية‏,‏ ولكنها اتخذت لها مسارات متباينة اثر تفاقم الخطر الشيوعي كما كانت تصفه واندلاع الحرب الباردة اثر تقاعس اوروبا الغربية اثر الخاسر والمنتصر فيها لما بعد الحرب العالمية الثانية‏..‏ وكانت اليابان هي الاخري تلم شعثها من اتون تلك الحرب الفاصلة‏,‏ في حين دخلت الصين في عزلة الثورة الثقافية علي يد ماوتسي تونغ‏..‏ ان مشاريع الولايات المتحدة السياسية في العالم جعلها عرضة للنقد الصارم من قبل شعوب العالم واحراره‏,‏ وخصوصا‏,‏ بعد ان غدت السيدة الامبريالية الاولي في العالم لما قبل حرب فيتنام وما بعدها‏..‏ وكان عليها ان تسلك سلوكا معتدلا اثر سياسات الوفاق بينها وبين الاتحاد السوفيتي من طرف وبينها وبين الصين من طرف آخر‏..‏ ولكنها مضت الي حيث انتصرت علي الاثنين اثر سقوط الاول وتغيير الثاني‏..‏ كما كان عليها ان تنتبه الي سياساتها في الشرق الاوسط التي مالأت علنا فيها اسرائيل وخططها‏,‏ ولكن مضت الي ان تعلن انها ستجعل الشرق الاوسط واحة سلام‏,‏ ولكنها نقلته من بؤرة انقلابات امريكية الي ساحة هزائم ازاء اسرائيل‏..‏ ثم احرقته بالحروب الاقليمية مباركة التيارات الدينية المتشددة‏,‏ لكي تجد نفسها ونفسه هو فريسة لما تسميه اليوم ب الارهاب‏,‏ ولكن مشروعاتها في كل من افغانستان عام‏2002‏ والعراق عام‏2003‏ قد ادخلتها طورا جديدا من التاريخ‏..‏
‏*‏ هذا عن التاريخ الرسمي فماذا عن تاريخها الشعبي؟
‏**‏ تاريخها الشعبي‏,‏ لا يمكنني فصله البتة عن تاريخها الرسمي‏,‏ ذلك ان الاثنين قد تنوعا تنوعات واسعة‏,‏ فالشعب الامريكي يتركب من اصول واعراق متباينة‏,‏ ولكن الثقافة الامريكية نفسها ترتبط ارتباطا عضويا بالتاريخ الرسمي الجديد‏,‏ فلا وجود لأي تاريخ شعبي امريكي بمعزل عن الارادة السياسية التي تعبر عنها اعلاميات امريكية‏..‏ ولم تبق الا اصوات نشاز من هنا وهناك تخالف كل ما هو سائد‏..‏ لقد كانت حركة السود تمتلك تاريخا من النضال ومفعما بالالام والحرمان نتيجة التهميش والاقصاء‏,‏ ولكن تحللت تلك الحركة وذابت بعد مصرع زعيمها مارتن لوثر كنج‏..‏ اما ما تبقي من بقايا الهنود الحمر‏,‏ فهي قلة ضئيلة في بحر من السكان المختلطين المهاجرين الذين يعبرون عن قوتهم في ظل علم الولايات المتحدة الامريكية‏..‏ وثمة تيارات سياسية معارضة لا تمثل حقيقة الرأي العام‏,‏ منها تيارات لجاليات ولوبيات واحزاب تنتمي الي اليسار او الي هذا الطرف او ذاك من المجتمع‏,‏ عقائديا وسياسيا وثقافيا‏..‏ واستطيع القول بأن كل مؤرخ لديه القدرة والمنهج والآليات والمادة العلمية‏..‏ له الحق في ان يدلي بدلوه في مسارات التاريخ الأمريكي الحديث‏,‏ وهو تاريخ ربما تقل فيه الترسبات القديمة‏,‏ بل تنعدم منه بقايا العصور الوسطي‏..‏ وهو يحاكي الدولة في كل تطورها وسياساتها التي تتناقض هي نفسها من عهد لآخر‏,‏ ولكنها انتصرت بعد ان رسمت لها دستورا وخلقت منها آلة تعمل من تلقاء نفسها‏..‏ ولكن هذا لا يمنع من فضح ما يكمن في الشرائح الأخري‏,‏ وخصوصا‏,‏ في المجتمع الذي اعتقد انه لا يمكن له ان يحيا ابدا‏,‏ من دون هذه الدولة التي تطورت بشكل خارق علي مدي مائتي سنة فقط من التاريخ الحديث‏.‏
‏*‏ قدم ستيفن كنزر في كتابه مائة عام من العنف قراءة سوداوية للتاريخ الأمريكي الحديث‏.‏ هل تري ان أمريكا‏-‏ تاريخيا امة نشأت من رحم العنف وإذا كان ذلك صحيحا فما هي برأيك أسباب العنف الأمريكي الداخلي الذي ظهر في الحرب الأهلية واضطهاد السود والهنود الحمر وظهر خارجيا في مئات الغزوات الأمريكية بدءا من المكسيك وليس انتهاء بالعراق؟
‏**‏ لم اطلع علي هذا الكتاب‏,‏ اذ ان الكتب الخاصة بتاريخ الولايات المتحدة الامريكية وغير المدعومة من قبل شركات عالمية لا تنال نصيبها من الانتشار‏..‏ واذا كان كندز مؤلف هذا الكتاب قد قدم قراءة سوداوية للتاريخ الامريكي الحديث‏,‏ فهذا امر ليس بغريب ابدا‏..‏ ان امريكا في حالها التاريخي مثل حال بقية الدول القوية في نشأتها وتطورها الامبريالي‏..‏ أي أن ثمن كل القوة في الخارج صراع في الداخل من اجل تحقيق اهداف لا تعد ولا تحصي‏..‏ وانني اعتقد ان أي امبراطورية كبري في التاريخ لا يمكنها ان تعيش وتزدهر الا بعد صراع داخلي طويل في تاريخها‏..‏ التاريخ الامريكي ملئ بالفجوات القاحلة والمساحات السوداوية‏,‏ ولكن ذلك امر طبيعي لدي المؤرخين الحقيقيين الذين يعتقدون كما ورد ذلك عند توينبي بأن عامل التحدي والاستجابة قد تمثل بالارض البكر التي بلغ الصراع فوقها شأوا كبيرا ليس من اجل البقاء‏,‏ بل من اجل التقدم‏..‏ كلنا يعرف تاريخ الولايات المتحدة الامريكية الملئ بالمنجزات الكبري‏,‏ ولكن بنفس الوقت كان ذلك قد تبلور كله عبر وسائل شريرة وغاية في العنف والقسوة‏..,‏ فضلا عن انتكاسات متلاحقة‏.‏
وتشكل ظاهرة الكساد التي تجتاح امريكا اليوم انتكاسة‏,‏ ولكنها مرحلية ستتجاوزها امريكا عاجلا ام آجلا‏..‏ ان التاريخ الامريكي لم يزل يعبر عنه بقرارات واحداث وعناصر غاية في الغرابة والسذاجة معا‏,‏ مقارنة بما ادركه واعرفه جيدا من التاريخ الاوروبي الحديث‏..‏ انني لا يمكنني ان اصبغ التاريخ الامريكي بقراءة سوداوية‏,‏ ولكنني من دون شك اجد فيه محطات من السذاجة والتقصير‏,‏ واجد ان قرارات امريكية قد اتخذت وطبقت وهي في غاية الغرابة‏..‏ لا شك‏,‏ ان التاريخ الامريكي‏,‏ بلا ركائز يقوم عليها نظرا لحداثته في الاصل اصلا‏..‏ وانه حافل بالقهر والاوجاع والالام والسياسات العقيمة والمآسي‏..‏ سيقول التاريخ في المستقبل مثلا ان احداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ قد صنعت شرخا كبيرا في التاريخ الامريكي‏..‏ وسيقف المؤرخون في المستقبل ليكتشفوا جملة من العوامل الخفية التي عصفت بالتاريخ وهزت كلا من الدولة والمجتمع معا‏!‏ ان اخراج الصراع ونقله من الداخل الامريكي الي الخارج الامريكي لا يمكننا تفسيره علي نحو بدائي‏,‏ بل انني اعتبره حالة من تطور القدرة في ان تبرز القوة العالمية عضلاتها علي العالم‏..‏ وهذا هو حال كل الامبراطوريات علي امتداد التاريخ‏..‏ فلا غرابة ان نجد الولايات المتحدة تنطلق من هنا وهناك ليس عبر البحار والقارات‏,‏ بل عبر الفضاءات والمجرات الشمسية مهما كانت الاثمان‏..‏ ولا ادري امن حسن السياسات ام من اسوئها ان تدفع بالمزيد من التضحيات من دون اثمان‏,‏ ولكن من اجل ان تثبت صحة تجربتها او بلادتها‏!‏
‏*‏ لماذا يفشل العرب دائما في قراءة التاريخ الأمريكي ويحصرونه فقط في الرئاسة وانتخاباتها الموسمية ولم نقرأ إلا دراسات قليلة للغاية حول التاريخ المؤسساتي لأمريكا ؟
‏**‏ مع كل الاسف ليس لدينا نحن العرب سواء من الاقدمين في القرن العشرين ام من المحدثين في القرن الواحد والعشرين أي منهج ورؤية علمية ليس في قراءة التاريخ الامريكي‏,‏ ولكن في قراءة كل التواريخ البشرية‏..‏ انهم لا ينطلقون نحوه بروح حيادية وموضوعية لتقييمه وبكل ما حفل به‏,‏ بل لا يدركون حتي اكبر مفاصله اذ انهم ينطلقون اليه بروح الخصم الذي يحمل ابشع صورة في العالم كله‏!‏ ان العرب لا يدركون او يفهمون تاريخهم بكل تنوعاته وتناقضاته‏,‏ فكيف بهم سيدركون التاريخ الأمريكي برغم ضعفه وهزاله ؟؟ ثمة دراسات نادرة نقف عليها بين حين وآخر حول التاريخ المؤسساتي او ترجمة بعض الاعمال في هذا الباب‏..‏
ان العرب لم يتمكنوا ابدا من فهم التاريخ الدستوري الامريكي والثقافة السياسية الامريكية ولم يدركوا طبيعة عمل المؤسسات‏..‏ بل ولم يعرفوا سيرورة القوانين الامريكية التي ارساها جورج واشنطن قبل اكثر من مائتي سنة‏..‏ فكيف بهم يدركون اساليب التعامل مع هذا الذي يتلاعب بمصائرهم في كل لحظة تاريخية‏!‏ والمشكلة ان الامريكان انفسهم لا يتنازلون ابدا لمعرفة طبائع المجتمعات في العالم‏,‏ بل يتعاملون معها حسب اساليبهم وحسب ثقافتهم الجديدة‏,‏ فيقعون في اخطاء لا تعد ولا تحصي‏!‏ وهنا استطيع ان اثبت هذه المفارقة للتاريخ‏,‏ ذلك ان الامريكان يتعاملون مع العالم‏(‏ وخصوصا في الشرق الاوسط‏)‏ حسب ثقافتهم الدستورية وسياساتهم وخططهم دون التنازل لمعرفة اساليب المجتمعات المعنية‏,‏ مقارنة بالعرب مثلا الذين يتعاملون مع الامريكان من خلال وجهات نظرهم وقناعاتهم التي اكتسبوها عبر خمسين سنة مرت من العلاقات السلبية‏!‏ فلا الدولة في امريكا بقادرة علي فهم المجتمع العربي ولا هذا الاخير بقادر علي فهم الدولة الامريكية‏!‏ ومن المؤسف ايضا القول بما اورده المؤرخ الامريكي مايكل كامن في كتابه‏(‏ ماكينة تعمل من تلقاء نفسها‏:‏ الدستور في الثقافة الامريكية‏)‏ وهو ينقل ان الامريكيين يتفاخرون كثيرا بالدستور من جهة‏,‏ ولا يهتمون باطار دولتهم من جهة أخري‏!‏ كما يؤسفني ايضا ان اقتطف ما قاله المؤرخ الراحل نيقولا زيادة في واحدة من محاضراته التي استمعت اليه فيها بالجامعة الامريكية ببيروت‏:‏ ان العرب يكرهون امريكا كراهية عمياء‏,‏ ولكنهم لا يعرفون عنها شيئا‏..!!‏ لقد نجحت ثقافات عدة في العالم الحديث في معرفة التاريخ المؤسساتي الامريكي كونه اضخم تاريخ يحرك سياسات اكبر دولة اليوم‏,‏ ولكننا العرب لم نزل لا ندرك اولويات التعامل مع هكذا دولة بمؤسساتها الضخمة لا سياسيا ولا اعلاميا‏!‏
نحن وأمريكا
‏*‏ كيف يمكن ان نقرأ التاريخ الأمريكي المعاصر وفق نظريتك في المجايلة وما هو الجيل الحاكم الان في المشهد الامريكي؟
‏**‏ حسب قاعدة نظرية الاجيال نفسها‏,‏ فالجيل الذي يحكم اليوم في المشهد الامريكي هو الجيل الذي تأهل وتكون اثر الحرب العالمية الثانية لثلاثين سنة‏,‏ وقد انتهي توا في حلقته الاخيرة من الثلاثين سنة الماضية عام‏2009‏ ان قادة امثال‏:‏ بل كلينتون وجورج بوش الابن وآل جور وكولن باول ورامسفيلد واولبرايت وامثالهم‏,‏ قد غادروا المشهد التاريخي مع نهاية العقد الاول من القرن‏21,‏ أي بين‏2007‏ 2009,‏ وسيستعد المشهد نفسه لاستقبال جيل جديد من القادة الجدد الذين سيكون اغلبهم من مواليد تقع بين‏1965‏ 1975,‏ وان بقي هناك في المشهد بقايا جيل سابق فسيذوب مع الزمن‏..‏ وستأخذ المرحلة التاريخية الجديدة لجيل جديد كان قد تأهل في الثلاثين سنة الاخيرة من القرن العشرين‏.‏ وعليه‏,‏ يمكنني القول بأن جيل مطلع القرن العشرين هو الذي تمثل برمز الرئيس ودرو ولسن لجيل‏19191889,‏ وان جيل ما بين الحربين العظميين قد تمثل برمز الرئيس روزفلت لجيل‏1919‏ 1949,‏ وان جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تمثل برمز الرئيس جون كيندي‏1949‏ 1979,‏ وان جيل ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي قد تمثل بالرئيسين جورج بوش الاب والابن‏1979‏ 2009..‏ وعليه‏,‏ فنحن بانتظار ثلاثة اجيال قادمة علي امتداد القرن الواحد والعشرين وستتبلور لها رموزها وتراكيبها التاريخية‏,‏ وهي‏:‏ جيل‏2009‏ 2039,‏ وجيل‏2039‏ 2069,‏ وجيل‏2069‏ 2099,‏ وستكون تلك هي قفلة للعصر السابع بعد ميلاد السيد المسيح‏(‏ ع‏),‏ وقفلة للعصر الخامس من ميلاد نبي الاسلام محمد‏(‏ ص‏)‏ واوصي الاجيال القادمة بمتابعة هذه السلسلة علي القاعدة الفلسفية التي بنيتها حسب نظرية سلاسل الاجيال‏,‏ وستشهد لا محالة مصداقية التراتبية الزمنية التي تتحكم فيها نسبية الاشياء والبعد الخامس من المعاني‏,‏ والمعاني التاريخية بالذات‏.‏
‏*‏ بعيدا عن فكرة الاجيال كيف تقرأ الورطة الأمريكية في العراق ومن المسئول عنها؟
‏**‏ يبدو ان العالم كله قد اقتنع بالورطة الامريكية‏,‏ ولكن البيت الابيض لم يعترف بأي ورطة‏!‏ اعتقد ان الامريكيين لم يكونوا يتخيلون ان العراق منزلق خطير‏,‏ ولكن من جانب آخر‏,‏ يبدو واضحا ان الامريكيين انفسهم قد صنعوا بأنفسهم هذا المنزلق لأهداف بعيدة المدي‏..‏ هناك من يتهم السياسة الامريكية بالسذاجة‏,‏ او من يتهمها بالفجاجة‏,‏ هناك من يقول بأن امريكا تعرف ماذا تفعل‏,‏ وما الذي تريد التوصل اليه‏..‏ وهناك من يكتب بتقارير واضحة عن المأزق الامريكي في العراق‏,‏ وخصوصا‏,‏ تلك التي تتضمنها تقارير الواشنطن بوست‏,‏ وهناك من لم يزل ينتظر انجلاء الموقف‏..‏ في حين يشتد التمرد بشكل كبير في المناطق المعلقة والمعابر الفاصلة بين اطراف العراق‏..‏ هناك فوضي داخلية لم يعرفها العراق ابدا منذ ازمان طوال‏,‏ وهناك تناقضات اقليمية متداخلة مع تلك الفوضي سواء كانت مع السياسة الامريكية ام ضدها‏..‏ وهناك ازمة دولية ازاء العراق‏,‏ وانا لا استثني لا الاطراف المحلية‏,‏ ولا الاقليمية‏,‏ ولا حتي الدولية في صناعة هذا المأزق الذي يسمونه ب الورطة‏.‏ وتسألني من المسئول عنها ؟ اجيب وبصراحة تامة‏:‏ السياسة الامريكية في العراق نفسها التي لم تعرف كيف تتعامل مع العراق اثناء الحرب‏,‏ ولا كيف تتعامل مع العراق في الايام التي اعقبت الحرب‏,‏ ولا كيف تتعامل مع العراق وهو خارج من اوزار الحرب‏..,‏ ولا حتي وهي تعلن عن مغادرة جيوشها اراضيه‏,‏ ولم تعرف كيف تتم السيطرة علي واقع جديد بدأ الانفلات فيه منذ لحظة السقوط التاريخية لنظام صدام حسين‏,‏ وازداد الانفلات يوما بعد آخر حتي وصل الامر الي انعدام السيطرة‏,‏ مع مؤسسات منهارة‏,‏ ونخبة سياسية كانت معارضة للنظام السابق‏,‏ تتولي الان امر البلاد‏,‏ وهي بلا خبرة لا في ادارة المؤسسات‏,‏ ولا في ادارة الامن ومعالجة الازمات‏,‏ ولا في السياسة الداخلية ولا الخارجية هناك احزاب مرتبطة بجهات خارجية‏,‏ مع ميليشيات ومرتزقة‏!‏ هناك دستور يتضمن بنودا تقسيمية غير موحدة لكل ابناء الشعب العراقي‏!‏ باختصار‏,‏ هناك سياسة امريكية مضطربة في العراق وقد عاني منها اغلب العراقيين‏,‏ وسيعاني من جرائها الجميع في قابل الايام والسنين‏.‏
‏*‏ مازلت اتساءل حول الدور الأمريكي في الأزمة العراقية منذ الثمانينات والحرب مع إيران ؟
‏**‏ لك ان تقرأ الفصل الخاص بالعراق الذي خصصته لكتابي تفكيك هيكل والصادر لأول مرة عام‏2000,‏ ففيه تفصيلات واضحة عن العلاقات العراقية الامريكية منذ نشوئها لما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي تداعيات حرب عاصفة الصحراء‏1991‏ وبضمنها سنوات الحرب المأساوية بين العراق وايران‏.‏ لثماني سنوات‏1980‏ 1988‏ لقد كان التدخل الامريكي بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي عام‏1979‏ ضمن محورين اساسيين للشرق الاوسط اولهما في افغانستان التي سقطت بيد الاتحاد السوفييتي في الايام الاخيرة من عام‏1980,‏ وثانيهما في العراق الذي دخل في حرب مع ايران اثر تفاقم الصدام السياسي والاعلامي بين الطرفين عام‏1980‏ واحتدام ازمة الرهائن الامريكيين في طهران علي عهد الرئيس جيمي كارتر‏,‏ ولم تنته الازمة الا بمجئ رونالد ريجان‏.‏ ان مجرد ولادة نظام ديني في ايران والتفرج علي تقهقر الشاه هو تغيير جذري في المنطقة‏,‏ لم يخل ابدا من مباركة امريكية
كيف والعداء كان معلنا ؟
ان مجرد ولادة قوة دينية من نوع آخر في افغانستان لمحاربة السوفييت وولادة ظاهرة ما سمي بالافغان العرب وبن لادن‏,‏ لم يخل من مباركة امريكية‏!‏ وان مجرد ابقاء الحرب الاقليمية مستعرة بين بلدين جارين قويين هما العراق وايران يشكل ضربة قوية للمنطقة كلها‏..‏ وان مجرد اللعب علي حبال الطرفين ضمن خطط حقيقية ام وهمية فهو تخطيط مسبق لابقاء اشتعال الحرب كي تأكل قوة المنطقة اكلا‏..‏ وان مجرد تسليح العالم لكل من الطرفين بأفتك انواع الاسلحة وصولا الي الاسلحة المحرمة هو دور مرسوم لاضعاف المنطقة وتفكيكها‏..‏ وصولا الي غزو الكويت‏1990‏ وتحريرها عام‏1991..‏ الخ‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.