في تواصل تناولنا لكتاب وجدي زيد عن التعليم و مستقبل مصر انتهينا في المقالة الأولي إلي الرابطة القوية بين التعليم والاقتصاد. وهو ما جعل الدول المتقدمة- وعلي رأسها إنجلترا- تفطن لخطورة القضية التي لم تشغلهم الحرب العالمية الثانية عن مواجهتها في استشراف للمستقبل لا يقدر عليه إلا أولو العزم من الدول, بعدما سارت أمريكا و ألمانيا و اليابان في ذات السياق الذي اختزل أساس الإصلاح في التعليم التكنولوجي و الفني من خلال ثلاث قضايا بأسئلة. حيث يتعلق السؤال الأول بالعمر المناسب لانتقال الطالب من التعليم العام إلي الفني والثاني عن قياسات الاختيار والثالث يتعلق بالإطار السياسي لتطور هذا النوع من التعليم في ظل مبادرات المجتمع المحلي. والواقع فقد يأتي الرد منطقيا حيال وضعنا من منطلق كم المدارس الفنية التي أنشئت بعد ثورة2591, و حتي مشروع مبارك- كول مرورا بمثيله( دوم بوسكو) الإيطالي بالاسكندرية, بيد أن المتابع للقضية برمتها يجد أنها انتهت إلي عشوائية في النتائج تتفق وعشوائية التناول. فالمعروف علميا وفقا لكتاب د/ زيد أن أهم توجه حيال تبني هذه القضية هو ضبط إيقاع العلاقة بين التعليم العام الذي ينبغي أن يشغل ثلث مجموع الطلاب تاركا الثلثين للتعليم الفني, وكلما ازدادت مساحة التناسب العكسي كان إيقاع العلاقة مثمرا للمرجو منه من نتائج. ولكي يتحقق هذا الأمر فعليا يلزم الوقوف علي إجابات محددة للأسئلة المحورية سالفة الذكر, حيث تمحورت إجابة السؤال الأول علميا حول سن الحادية عشرة حتي يؤتي التدريب ثماره, مع ضرورة إلغاء اختبارات القدرات التكنولوجية المتعلقة بالسؤال الثاني لكون المستهدف لم يشب عن الطوق بالشكل الذي يؤهله نفسيا للتحول التعليمي تجت ضغط القياسات والاختبارات. بيد أن الرأي عندي أن هذا الأمر قد يتعارض عندنا اصلا مع مبدأ إلزامية التعليم الأساسي الذي تواجه به الدولة قضية التسرب و ما يستتبعها من تضخم حجم الأمية. ولعل هذا يدفعنا نحو السؤال الثالث لارتباطه بالإطار السياسي حيث اليد العليا فيه لخطة الدولة التي يلزم تواؤمها مع أي طرح مستقبلي حيث لا تعارض بين مستقبل الفرد والدولة, وهو ما يفسر معني أن يتمثل الفصل شكل الدولة ليصبح تناول المشكلات وأسلوب حلها تعميقا لذلك المفهوم في تواؤم المصالح. هذه الجزئية تحديدا تمثل لدي وجدي أبو زيد مضمونا لأربع قناعات مرتبطة بالتعليم بعامة كركيزة للنهضة الحقيقية بحيث تصبح ديمومتها ضمانا للنهضة الصناعية الحقيقية بشقيها الرئيسيين وهما التعليم والاقتصاد. في حين تتواكب مع ما سبق قناعاتان أخريان بحكم ثورة الاتصالات وهي كون التعليم ليس الضمان الأوحد لاستمرار نهضة الدول المتقدمة بل و أيضا لبقاء الدول( المتخلفة/ النامية). حيث باتت هذه الأخيرة تعاني من تهافت مستوي أبنائها المهني مما جعلها مرتعا خصبا للخبرات المدربة من الدول التي تأسست منطلقاتها المهنية علي أسس التعليم النهضوية كالهند والصين, ولتأتي فيما نري اتفاقيات التجارة العالمية وقوانين الحماية الفكرية لتضمن لتلك الدول بقاء تجاوز بالعلم الاحتلال الاستيطاني بالجيوش. الأمر الذي يبين خطورة عدم الأخذ بأسباب التعليم بعامة والتكنولوجي/ الفني علي وجه التخصيص عسانا نستطيع بلوغ الغاية بمواءمة النظرية والتطبيق والتي تمثل رابع تلك القناعات.. وللحديث بقية.. أستاذ الحضارة المصرية بكلية الآداب و مدير التعليم الدولي بجامعة الإسكندرية