لم يعد التفكير في حال التعليم ببر المحروسة ترفا لموائد المنتديات و لا حكرا علي المسئولين الذين أثبتت محاولاتهم في معظمها قصورا في فهم أبعاد المنظومة بشكل تكاملي, الأمر الذي جعل من تلك المحاولات مع إخلاصها حالة تجريبية تأثرا علي ما يبدو بمفهوم المدرسة التجريبية الذي ساد منذ عدة عقود و لم يحقق الغرض منه. بيد أنه هناك من الخبراء الذين مارسوا التعليم عمليا لا نظريا كما ساعدتهم خبرات العمل علي الإطلاع علي أفضل السبل للخروج من شرنقة التضارب المقيت لنظم العملية التعليمية في مصر, بعدما اتسع الخرق علي الراتق و صار كل حزب فيها بما لديهم فرحين, من هؤلاء الخبراء الدكتور وجدي زيد الذي دفعه ضميره المهني و الوطني إلي تقديم كتاب صغير المبني عظيم الفائدة حيال التعليم و مستقبل مصر ضمنه أمرين أساسيين الرؤية الواقعية و الخطة العملية. و رغم كونه أستاذا للغة الإنجليزية بآداب القاهرة و عمل أستاذا و مستشارا ثقافيا في عدة دول عربية و أجنبية فإنه لم يحصر نفسه في الإطار النظري للتخصص الضيق بل تعداه بذلك الكتاب إلي طرح متكامل في ستة فصول تبنته كليته من خلال مؤتمر مصغر, كنواة لتجمع أكبر يتفق و جلل الخطب الذي نلمسه فيما وصل إليه لدينا عصب تقدم الأمم و هو التعليم.. و هو ما سوف نعرض له في هذه المعالجة قبل أن نقدم تعليقاتنا علي الحدث برمته كتابا و مؤتمرا. و يعرض الكتاب في فصوله الأربعة الأولي مفردات الرؤية المناط تناولها حيث يقدم فصله الأول خلفية تاريخية لا تقوم علي السرد التاريخي بل يشي عنوانها بالمضمون و الحرب في التعليم. و رغم كون العنوان صادما فإنه يؤكد وجهة النظر المعاكسة بمعني مدي خطورة أن يتولي الوافد الجديد علي سدة الحكم سواء أكان من الداخل أو الخارج مقاليد أمور التعليم ليخرج الوطن من التاريخ أو يغير وجهته بعد التأكد من التحكم في ذاكرته المعرفية. و قد استمر الكاتب في عرض النماذج و الأمثلة حيال هذه القضية لا سيما في العصر الحديث, فإذا كان الأحرار قديما هم المتعلمون و حدهم علي حسب تعبير الكاتب- فإن شواهد الانتصارات العسكرية التي ساقها الكتاب منذ القرن التاسع عشر و حتي التقرير الأمريكي الشهير أمة في خطر لتؤكد أن النصر الحقيقي في المواجهات العسكرية كان حليفا للتعليم بمدرسيه لا للجيوش بجنودها التقليديين. أما ما يتعلق بتقرير أمة في خطر فما يعنينا فيه أن الدولة الكونية العظمي قد اعتبرت نفسها في حالة حرب غير معلنة حتي تقيل تعليمها من عثرته, قابلها رد فعل خارجي علي قدر أهل العزم..!! فالدول المتخلفة لم تستوعب المراد منه و الدول المتقدمة كألمانيا و اليابان أخذوه بمحمل الجد في السياق التنافسي الشرس نحو السيادة و الريادة. و من ثم رصدت الميزانيات للمعالجة العملية سعيا للهدف المنشود, و الفارق جد شاسع بين الرصد المقنن للميزانية و بين تحديد نسبة مئوية من الناتج القومي عندنا بما يجعل التعليم رهنا بمدخلات اقتصادية غيبية لا تقيم خططا محددة, لكونها مرتبطة بمستوي الناتج الذي يعاني بالضرورة بحكم تخلف التعليم و مخرجاته بما يعني ديمومة الدوران في دوامة ما أنزل الله بها من سلطان.. و للحديث بقية.. ( إشراقات السعدي49): إن لم تستطع إقامة العدل, فليس أقل من ألا تظلم..