لايختلف اثنان أننا في عصر المعارف ورقي الفكر الإنساني خاصة في تطلعاته إلي ما وراء الطبيعة, ومع ذلك لم تبلغ الأمم في أخلاقها مابلغته في معارفها وفكرها, فقد انصرفت عقول الناس إلي المخترعات ولم تنصرف إلي صلاح النفوس و فسار العقل في اتجاه مضاد لاتجاه النفس, ثم انتشرت المفاسد وساءت الأخلاق وانحرف السلوك ولم يعد الإنسان ينعم بما حققه العقل, حتي إن بعض الناس أوشك أن يلعن عصر المعلومات, والبعض الآخر يتمني عودة الماضي عندما كانت الأخلاق بوصلة الرقي والتقدم, فقد كانت الأخلاق لدي الأفراد عنوانا علي مكانته بين الناس, كل واحد حريص علي الصدق والأمانة والعفة وحسن معاملة الآخر, فانسحبت هذه الأخلاق علي المجتمع فكان كما كان الأفراد وغلبت علي المجتمع روح التعاون والألفة والتفاني في آداء الواجب وأصبح المجتمع أشبه بالآلة الضخمة التي تتناغم تروسها وحركتها فتؤدي دورها المنوط بها كأفضل مايكون..! فماذا أصاب الناس؟! اضطربت حياة المجتمع اضطرابا أصابها في مقتل, فتسرب الخلل شيئا فشيئا حتي استفحل واسعظم الداء علي المداوي,,انحرف التعليم وشوهت التربية انحرافا وتشويها أفرز مؤهلات دراسية ليست علي مستوي المؤهل, فمنذ بدايات المراحل التعليمية والتلميذ يري ألوانا من خداع النفس للنفس, وأشكالا من الدجل المدرسي سواء أكان من إدارة المدرسة أم من المدرسين لا فرق, ثم تفشت تجارة الدروس الخصوصية, فنصبوا لها بورصة الدرجات والتقييم, وأقيمت سرادقات العزاء للأخلاق الفردية التي كانت سمة من سمات الأفراد وهي الصدق والأمانة والعفة وضبط النفس, فتكونت لدينا النفوس التي صهرتها ظروف خاصة, فأصبح كل منا ينظر إلي المجتمع من خلال نفسه هو, فانتشرت الأقنعة والناس يعلمون أنهم يخدعون الناس, فهذا رجل أعمال نال الشهرة والتكريم والوجاهة الاجتماعية ثم يكتشف الناس أنه من الخارجين عن القانون, وهذا عالم كبير وصل إلي أرقي المناصب الأكاديمية ثم يفتضح أمره فلا هو عالم ولا هو كبير وأن رسالته نهبا سطا عليها في غفلة غياب الأخلاق والخلل المصاب به المجتمع في كل شئونه..!! وهكذا أصيب الناس بالازدواجية مابين الحقيقة والقناع, وبين هذا وذاك ظهرت طائفة النقادين الذين إذا كتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون...!! حتي المناصب العليا في الدولة أصابها ماأصاب القاعدة فهذا وزيرمرتش وآخر نهاز وذاك لم يحصل علي درجته العلمية بكفايته البحثية بل علي العكس هو أصلا لا يملك ملكات البحث أو قدرات المنهج العلمي,وليت الخلل عن هذا الحد بل ساد مجتمع المحروسة أولئك النفر الذين يبالغون في تقويم أنفسهم فهم يرون أن( أم الدنيا) لن تنهض إلا بهم ولن تتقدم إلا بعلمهم, وقل بيننا من يجاهربمعرفة نفسه علي حقيقتها ويضعها في مكانها الحقيقي..!! وكأنمجتمع( أم الدنيا) الذي كان مضربا للأمثال للزائر والمقيم علي السواء أصبح خادعا لنفسه ومخدوع بنفسه إلا من رحم الله تعالي وقليل ماهم..!! ومن المضحكات المبكيات أن مصرامتلأت بحمعيات الخير والاصلاح وكل أشكالالعمل الخيري, وازدحمت الطرقات والمجالس بأصحاب المظاهر الدينية كما يسمونه ا وملامح التقوي والورع,ومع ذلك لانجد خلقا حميدا في الشوارع والمدارس والجامعات والمصالح الحكومية, حتي دورالعبادة أحيانا لم تسلم من الخلافات والعداوات والخصومات..!! إن الأخلاق الاجتماعية لم ترتق بالقدرالذي يوحي بالصلاح والطمأنينة والأمان و لأن الأخلاق الفردية لم ترتق بالقدر الذي يعين علي صلاح المجموع, ومع ذلك كلنا نشكوا الجهل وننعي الفقر ولعوز, ونتحسر علي التعليم والثقافة ونلعن القائمين علي الصحة والإعلام, ومع ذلك,لم نتعاون ولم نفكر تفكيرا جماعيا لانتشال المجتمع من مستنقع التخلف الذي أغرق حياتنا جميعها, ولكن أصبحنا كلنا خبراء في وصف العيوب وتصنيفها وصب اللعنات علي المسئول والحكومة, ولم نسع في عمل واقعي علي بساط الاصلاح والعلاج, وخرجنا جميعا إلا مارحم ربي نطالب الحكومة بعمل كل شيء واصلاح كلشيء وناصبناها العداء وقذفناها بكل مايخطر ولايخطر علي الخاطر من قذائف!! إنه الخلل الاجتماعي الرهيب الذي عجزت أمامه الحكومات السابقة وربما اللاحقة, لانها لم تتناول أسباب الداءالدفين ولم تهتد إليه فتستأصله من منبته, فتراكمت الأخران والهموم وعز الدواء الأصل حتي الأحزاب لم يلحظ لها الناس دورا يذكر في( تذكرة العلاج) اللهم إلا صراع هناك داخل الحزب الواحد علي لاشيء, أو بين الحزب والحزب الآخر علي القربي إلي ذي السلطان, حسبنا أن نطالع بنودالاصلاح علي الورق التي سطرها كل حزب لنفسه, ولكن بعيدا عن هذه الأوراق فالجهل والمرض والفقر شهود عدل أمام محكمة التاريخ..!! إن غياب التعاون الجمعي لاتخفي علي الناظرين( العام والمتخصص) فإ ن المشهد في انهيار لاندري أوان اعتداله, وماتزال الأزمات تتلوها الأزمات حتي بات الحالة المصري ميؤوسا منها وأصبحت مصر تقريبا سرادق عزاء هو الأضخم في تاريخها لا ندري متي ينفض..! إن المشهد جد خطير والعبء ينوء بحمله أولو القوة..إن القادم لقيادة أم الدنيا إن لم يبدأ بإصلاح الأخلاق فلن يجدي علاجا ولو استقدمه من أعظم بيوت الدواء والخبرة.. فإن الأصل في النفس الإنسانية حب التعاون والتعايش مع الآخرين, وأن الفرد حلقة في مجتمع إن صلحت صلح المجتمع,علي القادم لقيادة المحروسة أن يعيد بناءالنفوس وتربية الرأي العام حتي يسود الشعور بوفاء الدين نحو الوطن و الأجيال, وإن لم يبدأالبناء ولعلاج بهذاالأساس سيظل الهدم وستظل الفوضي والاضطرابات والاحتجاجات والمطالب التي استفحل أمرها بحق وبغيرحق..إن القادم لقيادة مصر الهرم والتاريخ عليه الاصرار علي إعادة الشعور ب( نحن) بدلامن هذه الفردية الطاغية القاتلة التي أصابت مصرفي تاريخها ومكانتها وعزها وشموخها, فأصحبت أضحوكةمن أضاحيك الدنيا والتاريخ والمسئول لايستحي من نفسه متبجحا أمام الرأي العام من أنه ممن يحسنون صنعا,,إنه الاستبداد الفردي والحكرومي الذي أمات في النفوس الشعور ب(نحن) وحل محله الشعور بالحقد والسخط علي الحاكم وتابعيه, ولم تعدالناس تشعر أنها بلادهم..!! فهل نأمل في زلزال اجتماعي يدمر أسباب التخلف ويمهد لبناءالمجتمع علي أسس جديدة تعيد الأخلاق المصرية الأصيلة ويغير وجه المستقبل؟!..بناء يعيد اكتشاف المصري لنفسه فيشعر أنه وجه من وجهي عملة مصرية( المواطن/ الحكومة) فتسود بينهما علاقة الكل بالكل وتوجيه الأعمال نحو الوفاء للوطن, وقبل ذلك وبعده يعيد المسئول تعديل موقفه نحو المساواة ومحاربة الرذائل ويختفي الوزير والموظف حتي تقدر الأخلاق حيث كانت وممن كانت, فإن القيمةالحقة للأخلاق أنها تصدر عن نفس سوية تعشق الخير ولاتري غير الفضيلة, فيستقيم الناس ويعتدل المجتمع, فتتزايد مكانته وتعلو همته ويكتب في سجل الخالدين من صنع خيرا لأمته, فالأخلاق تجعل النفس تري بينها وبين كل الناس نسبا وصهرا,فما أحوجنا إلي التربية الصحيحة وتعاليم الدين الصحيحةحتي تستطيع النفوس حمل الأمانة للبلاد والعبادنرجو أن يكون..!! ( ولنا عودة إن كان في العمر بقية)