يواصل مهرجان أيام قرطاج السينمائي'23' عروضه وسط حضور سينمائي وجماهيري كبير يملأ قاعات العرض بالعاصمة التونسية ويعيد اليها الروح بعد أن ابتعد عنها الجمهور بسبب سوء حالتها الفنية أمس كان المهرجان علي موعد مع السينما التونسية تلك السينما التي تؤكد رغم قلة إنتاجها أنها قادرة علي المنافسة والتواجد عربيا وإفريقيا ودوليا, فهي مازالت تنبض بالإبداع, وتبحث دائما عن الموضوعات الجادة والمختلفة وتقدمها بشكل سينمائي راق عميق. ففي قاعة الكوليزي كبري القاعات السينمائية في العاصمة التونسية عرض مساء أمس الفيلم التونسي سامة.. النخيل الجريح إنتاج تونسي جزائري مشترك عام2010, ويشارك ضمن المسابقة الرسمية.. وقد امتلأت قاعة العرض عن آخرها بالجمهور والسينمائيين والنقاد والصحفيين. وفي أول ظهور للسينما التونسية في أيام قرطاج السينمائي'23' بات واضحا أنها تشارك بقوة من أجل المنافسة الحقيقية وليس من أجل الحضور المشرف فقط سواء من حيث الموضوع, أو من حيث الأداء التمثيلي والتكنيك الفني. فقد قدم لنا المخرج وصاحب السيناريو أيضا عبداللطيف بن عمار موضوعا جادا ربط فيه بين الماضي والمستقبل بسلاسة وحرفية شديدتين حيث اختار أن يعيد قراءة التاريخ ليقول لنا إن الأمة العربية لا تتعلم من تجاربها الماضية, مؤكدا أن الخيانة علي مر العصور كانت وستظل دائما هي السبب الأول في تفكك وضياع الوطن العربي. اختار بن عمار معركة بنزرت التي وقعت عام1961 ولم تستمر سوي يومين ونصف اليوم فقط, ولكن راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد تونسي.. هذه المعركة التي دارت بين الفرنسيين والتونسيين الكثيرون منا بالتأكيد لا يعلمون عنها شيئا.. ولكن المخرج إنطلق منها في قراءة المستقبل الذي تحقق بعدها ب30 سنة وهو نفس عمر بطلة الفيلم ليلي واز أو شامة أي عام1991 والتي وقعت فيها حرب العراق.. وكل ما يحدث للعرب من كوارث حتي الآن.. مؤكدا أن كل هذه الهزائم والانكسارات سببها الحقيقي الخيانة!! ففي عام1961 هزم التونسيون في معركة بنزرت بسبب خيانة الهاشمي عباس أحد المجاهدين لصديقه كمال بن محمود عندما رفض أن يفتح له باب بيته وهو مصاب وينزف, وتركه في الخلاء ليهجم عليه الجنود الفرنسيون وهو أعزل ويقتلوه.. وبعدها ب30 عاما حدث نفس الشيء في حرب العراق عندما تركه العرب وحيدا يواجه العالم أجمع. يواصل المخرج قراءة التاريخ والربط بينه من خلال سيناريو جيد ومترابط, وأسلوب فني بسيط ولكنه عميق في نفس الوقت, التأكيد علي أن الأبرياء والمساكين هم دائما وقود الحرب.. وأن التاريخ الذي يكتبه المنتصرون دائما يكون مغايرا للحقيقة.. لأنهم يكتبون ما يريدون أن يقولوه للأجيال وليس ما حدث بالفعل وهو نفس الشيء الذي فعلته أمريكا والعالم الغربي عند احتلالهم للعراق فهناك الكثير من الحقائق أخفاها المنتصرون حتي لا تشوه صورتهم أمام الأجيال!! وقد نجح المخرج في استخدام المناظر الطبيعية لخدمة الموضوع, وكذلك الإضاءة والتصوير والديكور, فكانت كلها عوامل مكملة ومساعدة لتوصيل الرسالة بقوة, بعيدا عن أي صخب أو افتعال.. كما كان المخرج عبداللطيف بن عمار موفقا في اختيار الممثلين ليلي واز, ناجي ناجح, ريم تكشوت, وحسان كشاش, حيث أدوا أدوارهم ببساطة وعمق وفهم للشخصيات بعيدا عن أي افتعال أو مبالغة. تدور قصة الفيلم التونسي سامة.. النخيل الجريح حول حرب بنزرت التي وقعت بين الفرنسيين والتونسيين عام1961 وهزم فيها المجاهدون التونسيون نتيجة الخيانة.. وربط هذا الحرب بما حدث للعراق عام1991 أي بعد30 سنة.. وذلك من خلال شامة الفتاة ذات الثلاثين عاما, والتي تبحث عن عمل لتساعد والدتها المريضة علي العيش, وهي التي استشهد والدها كمال بن محمود في معركة بنزرت نتيجة خيانة صديقه له, وكان عمرها6 أشهر فقط.. وعندما قرأت عن أحد الكتاب بمدينة بنزرت وهو الهاشمي عباس يريد فتاة تنسخ له الكتاب الذي يؤلفه عن معركة بنزرت علي الآلة الكاتبة, تقدمت له وطلبت القيام بهذا العمل وبدأت بالفعل.. ولكنها مع الوقت بدأت تكتشف أن هذا الرجل هو الذي خان بلده وكان سببا في استشهاد والدها نتيجة الجبن والخوف.. وبالبحث تكشف أن ما يريد أن يكتبه هذا الرجل هو تزييف للتاريخ ويغاير حقيقة ما حدث فتبدأ في مواجهته والتصدي له حتي لا يخدع الأجيال القادمة.