ايام قرطاج السينمائية التي افتتحت السبت الماضي بالفيلم التشادي رجل يصرخ وتختتم الاحد المقبل, لاتدور في قرطاج, كل الأحداث والانشطة والعروض تجري في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس وما يتوازي معه ويتعامد عليه من شوارع صغيرة: باريس ابن خلدون, مرسيليا, ويوجوسلافيا, وغيرها علي بعد20 كيلو مترا أو أكثر من مدينة قرطاج الاثرية الشهيرة. هل يدهشك ذلك؟ أدهشني أنا علي الأقل.. فمنذ وصولي إلي تونس الجمعة الماضي لم ار قرطاج, التي يحمل المهرجان أو الأيام اسمها لسبب لا اعرفه, وربما لن اراها إلا السبت المقبل حين ينظمون لنا رحلة بالاتوبيس لزيارتها. الشارع الرئيسي هنا اسمه شارع, والشارع الصغير اسمه نهج وبين الاثنين تتحرك سيرا علي الاقدام لمسافات لاتتجاوز300 متر لتنتقل من حدث إلي حدث, ومن عرض إلي عرض من المسرح البلدي حيث يقام حفلا الافتتاح والختام والعروض الخاصة إلي فندق افريقيا الذي يعد مقر المهرجان ويستضيف النجوم, ومن نزل الهناء الدولي حيث يقيم النقاد, إلي دار عرض ريو أو ابن رشيق أو الكوليزية.. مسافات كلها صغيرة لايمكن ان تتعبك, لكن حذار من الترام الأخضر السريع, الذي يمرق في نهجي مرسيليا وباريس المتوازيين والعموديين علي الحبيب بورقيبة دون سابق انذار والذي كاد يطيح بالزميلة صفاء الليثي, سكرتير عام جمعية نقاد السينما المصريين, بينما كنا نرغي انا وهي ونسير ببراءة الاطفال! يجعلك الترام, والهواء البارد, والحارات المبلطة, والنسق المعماري, لهذه المنطقة التي تعد وسط مدينة تونس, تتذكر وسط الاسكندرية..لكنك عندما تمر بقاعات العرض او تدخلها, تتذكر سينمات وسط البلد القديمة بالقاهرة, فتونس لم تعرف بعد سينمات المولات والفنادق الانيقة.. قاعات المهرجان والعاصمة بشكل عام متواضعة, لاتليق ب قرطاج الذي لايكف القائمون عليه عن التأكيد علي انه اعرق مهرجانات افريقيا والوطن العربي, دورة هذا العام هي الثالثة والعشرون, علما بأنه يقام كل عامين, اي انه انطلق عام1966. وربما لهذا السبب, ولاسباب اخري منها ان تونس لم تنتج هذا العام سوي ثلاثة افلام, قرر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اعتبار2010 عام السينما, والنهوض بكل ما يتعلق بالفن السابع, خاصة التوزيع, عن طريق بناء دور عرض جديدة ومجمعات سينمائية متعددة الشاشات, وفقا لما أكده وزير الثقافة والحفاظ علي التراث التونسي, عبدالرءوف الباسطي, في كلمته خلال حفل افتتاح المهرجان. ويعني ذلك ان تونس ستصبح سوقا كبيرة للافلام علينا غزوها بإنتاجنا وعدم تركها لافلام هوليوود وحدها, فهي المرشحة بالطبع لملء الكم الكبير المتوقع من الشاشات, وما اقوله ليس كلاما انشائيا, لان التونسيين يعشقون الفن المصري فعلا, ويتوقون إليه, وحين وصلت إلي تونس كان الفيلم المصري نور عيني معروضا بحفاوة في احدي القاعات الرئيسية بشارع الحبيب بورقيبة وقد اضاف إليه موزعه عبارة اظنها من اجتهاده تقول: عندما تتحول الشفقة إلي قصة حب جارفة, ولم يتم رفع الفيلم إلا لعرض افلام المهرجان. وفي كل الاحوال يجب ان نهتم اكثر ببعدنا العربي, وننهي الصورة الذهنية التي تكونت عند التونسيين وغيرهم من العرب والتي تتلخص في انهم يحبوننا ونحن لانبادلهم نفس المشاعر, ودليلهم الاثير علي ذلك انهم يفهمون لهجتنا, بل ويتحدثون بها, ونحن لانفعل العكس بغض النظر عن الاسباب التاريخية والفنية المعروفة لذلك.. اما بعدنا الافريقي فله حديث اخر.