أكثر ما يميز أيام قرطاج السينمائية, وأكثر ما ينتقص مهرجاناتنا, خاصة القاهرة الدولي: البعد الإفريقي, والاهتمام بالقارة السمراء التي نعيش فيها, والتي اكتشفنا خلال أزمة منابع النيل الأخيرة كم أهملناها ونسيناها وتركناها لأصابع عربية تلعب وتعبث فيها, وهذا البعد الذي تحرص عليه إدارة قرطاج دائما, يتم إبرازه بشكل واضح خلال هذه الدورة الثالثة والعشرين لالأيام التي تختتم الأحد المقبل, وكأنها رسالة تبعث بها تونس للعالم ملخصها أن انتماءها الإفريقي لا يقل أهمية عندها عن الانتماء العربي إن لم يزد. هذه الرسالة كانت شديدة الوضوح خلال حفل الافتتاح البسيط الذي احتضنه المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة السبت الماضي, حيث تم تقديم فقرة غناء لمطربة لبنانية, وأخري لمطرب غيني, وكان الرائع أنه تم الجمع بينهما في نهاية الحفل في فقرة واحدة جميلة ومؤثرة للغاية, فيما يشبه العناق العربي الإفريقي الذي لا تخفي دلالاته علي أحد. كما تم اختيار فيلم رجل يصرخ من تشاد, الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان الأخير, للافتتاح, وتم اختيار السيناريست والمخرج السنغالي جوزيف جاي راماكا عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية, والمخرجة الكاميرونية أوسفالد هالادليوات في لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الوثائقية والمسابقة التونسية للأفلام القصيرة. وهناك أربعة أفلام إفريقية في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة: دولة العنف للمخرج خالو ماتابان, وشيرلي آدامز لأوليفر هرمانوس من جنوب إفريقيا, وفتي الروح للمخرجة هاوا إيسومان من كينيا, وإيماني لكارولين كاميا من أوغندا. وتضم المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية ثلاثة أفلام من القارة السمراء هي: أماكن مقدسة لجان ماري تينو من الكاميرون, وعالم من العلاقات لمانثيا ديوارا من مالي, ودموع الهجرة لألاسان دياجو من السنغال, فضلا عن ثلاثة أفلام إفريقية في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة, ومثلها في قسم سينما العالم, وفيلم واحد في قسم اكتشافات. وبالإضافة إلي ذلك كله خصصت أيام قرطاج قسما كاملا لإلقاء نظرة قريبة علي سينما جنوب إفريقيا بعرض11 فيلما, وقسما آخر لتكريم اسم نجم بوركينا فاسو الراحل سوتيجي كوياتيه بعرض ستة أفلام شارك في بطولتها. إنه برنامج يشعر من يتابعه أنه إزاء مهرجان يقام في قارة إفريقيا, بينما يشعر من يتابع برامج مهرجاناتنا بأنها مقامة في أمريكا الشمالية أو أوروبا, دعك من الأفلام والنجوم والسينما كلها, فكر فيما يمكن أن يلاقيه هذا الاهتمام من امتنان إفريقي, وما يمكن أن يسفر عنه من تعاون مشترك ومن اطمئنان تونس الكامل إلي مصالحها في القارة السمراء, فمتي نتحرك؟ متي نستقل القطار الذي ينتظرنا بكل الصبر, علما بأن أصدقاءنا السمر لن يتحركوا به أبدا إلي الأمام إلا بنا ومعنا!!