السكري في إجابته علي السؤال الكبير كيف انزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان؟! نواصل اليوم نشر المقال الثالث للأستاذ أحمد السكري الوكيل العام لجماعة الإخوان, والذي نشره في جريدة صوت الأمة في التاسع عشر من نوفمبر1947, ويحمل فيه الرجل علي صديق عمره حسن البنا متهما إياه بأنه ناكر للجميل وانتهازي, ويشدد السكري علي مواقف البنا من حزب الوفد خاصة بعد خروج الأخير من السلطة, ووجوده في صفوف المعارضة, ويرفض السكري هذه الطريقة التي تعامل بها البنا مع الحزب الذي منح الجماعة حرية لم تحصل عليها في أي عهد سابق... والي نص المقال. ذكرنا في مقالنا السابق يوم:16 نوفمبر الجاري, كيف إتصل رجال المخابرات والدعاية البريطانية بالإخوان.؟ وكيف حاولوا أن يدفعوا إلي أحمد السكري أثناء زيارتهم الأخيرة له في منزله مبلغ عشرين ألفا من الجنيهات, وكيف رفض بكل إباء أن يمد يده إلي أعداء الوطن والإسلام, وألقي عليهم درسا قاسيا لن ينسوه, وكانت هذه آخر مقابلاتهم. وذكرنا كيف أنهم حين فشلوا في أساليب الإغراء عمدوا إلي الاضطهاد والتنكيل والانتقام وطلبوا من الحكومة القائمة وقتذاك أن تضيق الخناق علي الإخوان, فقبض علي أحمد السكري وأودع سجن الأجانب وكم كنت ولله الحمد فخورا بهذا التنكيل إذ كنت أول من سجن في هذه الدعوة المباركة ثم أفرج عنه وأبعد إلي دمياط ونقل الأستاذ البنا إلي قنا, وألغيت رخصة مجلة الإخوان الأسبوعية وأغلقت مطبعتهم بالشمع الأحمر, وصودرت الجوالة وحرمت الاجتماعات تحريما تاما, وحوصر الشعب في أنحاء البلاد ومنعت الإعانات المالية التي كانت تصرف من وزارة الشئون ومجالس المديريات والمجالس البلدية لنواحي النشاط في الشعب كمدارس تحفيظ القرآن الكريم والأندية الرياضية والمستوصفات... إلخ. وكممت الأفواه فما كنت تحس للإخوان حركة أو تكاد تسمع لهم صوتا, وهدد الموظفون من الإخوان وشرد الكثير منهم, إلي غير ذلك من ضروب الاضطهاد والعنت, وبعد ثلاثة شهور وأنا والأستاذ البنا مبعدان عن القاهرة توسط بعض العقلاء وأقنعوا دولة حسين سري باشا الحاكم العسكري بسلامة موقفنا فأصدر أمره بإعادتي أنا والأستاذ البنا إلي القاهرة ولم نمكث سوي شهر واحد وأعقبه أمر آخر بالقبض علينا معا يوم16 أكتوبر سنة1941 م(25 رمضان) وأودعنا معتقل الزيتون وقام بالعمل أثناء الإعتقال الأخ الكريم الدكتور إبراهيم حسن, الوكيل الثاني, فأدي واجبه خير أداء كما سنفصله في حينه. وفي يوم13 نوفمبر من السنة نفسها أفرج عنا فعدنا إلي عملنا ولكن ظل التضييق الاضطهاد العام علي أشده, وأذكر أننا قابلنا في أحد الأيام سعادة الأستاذ حامد جودة بك وكان وقت ذلك وزيرا للتموين وقال لنا إن الإنجليز هم الذين طلبوا سجنكم واضطهادكم.. فقلت له لا شك أنكم تعلمون أن الإنجليز عرضوا علينا أموالا طائلة قأبيت أن أمد إليهم يدا بل بذلت لهم النصح وبينت لهم الوسائل المشروعة لإرضاء الشعب عنهم وذلك بإعادة حقوقه اليه وعدم اضطهاد الأحرار, وكنت أفهم أنهم سيسلكون السبل القويمة التي فيها مصلحتهم, فقطع علي الكلام قائلا: إن هذا سر حنقهم عليكم, فلو كنت طاوعتهم وقبلت ما يعرضون, لما خشوا بأسكم وسلطوا عليكم جام غضبهم..!! إستمر الحال علي ما كان عليه من اضطهاد وتضييق وحصار وشل كل حركة ونشاط من حركات الإخوان في جميع البلاد إلي أن استقالت حكومة سري باشا وجاءت حكومة الوفد سنة1942 م. وأحب هنا قبل أن أتناول موضوع( الأخوان والوفد) أن أشير إلي هذه التهم والأضاليل التي يموه بها الأستاذ البنا علي الإخوان الذين يسألونه عن الخلاف الذي بيني وبينه, والذي دفع به إلي تصرفه الجائر وإحداث هذه القنبلة في صفوف الجماعة, فهو يستعمل أساليب مختلفة في إختلاق مبررات تصرفه وتعسفه, ويختلق لكل فئة ممن يسألونه لونا خاصا من التمويه والتعمية حتي إذا ما ألح عليه السائلون ثار ونفر, وأهدر وزمجر, وفصل وحذر, ثم أدبر واستكبر. ومن أهم هذه الأساليب التي يبرر بها تصرفه( أن أحمد السكري يميل إلي الوفد وهو صديق للوفديين ووفي لرجال الوفد, ونحن نريد أن نحارب الوفد والوفديين لأنهم أعداؤنا ويجب القضاء عليهم, وقد طلبنا إلي أحمد السكري أن يطعن في الوفد ورجال الوفد ولكنه أبي ولم يقبل). فإذا ما سأله سائل: ولماذا نريد أن نحارب الوفد الآن ولمصلحة من تقوم حرب أهلية بين أبناء الأمة في الوقت الذي يتطلب توحيد الصفوف في محنة الوطن الحاضرة بل وما الذي أفادته الدعوة من محاربتنا للوفد وتأييد العهد الحاضر.. الخ. فض المجلس ثائرا أو فر من المناقشة إلي( جدول الأعمال). لهذا أري من واجبي أن أسرد للإخوان خاصة والرزي العام عامة, موقف الإخوان أيام حكم الوفد وموقف الأستاذ البنا نفسه من رئيس الوفد ووزراء الوفد ورجال الوفد أيام أن كانوا في الحكم وحالة الإخوان بعد خروج الوفد من الحكم إلي الآن, وموقف الأستاذ البنا نفسه من رئيس الوفد بعد خروجهم من الحكم, ليقارن الناس بين الموقفين. ويطبقوهما علي أبسط مباديء الإسلام بل أبسط مباديء الرجولة والشرف, ثم أترك لهم بعد ذلك أن يستنبطوا السر الدفين الذي حدا بفضيلته إلي هذا التناقض المفاجيء, وإذا أوعزهم الأم رإ لي الإستزاده من الإيضاح, قدمت اليهم الدليل العملي الذي ليس بعده تبيان ولا إفصاح.!! علي أني فوق هذا وذاك سأمر في بياني علي بعض أمور تتعلق بالأستاذ البنا مرا خفيفا زيادة في الإشفاق عليه مكتفيا بالحقائق الدامغة التي أعتقد أن فيها الكفاية لمن أراد أن يذكر أو أراد دليلا, حتي إذا ما اضطرني إلي الإفصاح افصحت ولا يجد بعد ذلك للإشفاق سبيلا. جاءت حكومة الوفد سنة1942 م وحالة الإخوان كما ذكرت علي أشد ما القوا من عنت وإرهاق, كما كانت حالة البلاد عامة مضطربة أشد الاضطراب, فجيوش المحور تطرق بقسوة أبواب مصر الغربية, وطائراته تصلي البلاد نارا وسعيرا والإنجليز كالذي مسه طائف من الجن من شدة القلق والانزعاج, يبطشون وينكلون غير مبالين, وكل حر وراءه العيون والأرصاد, وكلما تقدمت جيوش المحور شبرا في الأراضي المصرية كلما جن جنونهم وزاد بطشهم وطغيانهم. وبين الحين والحين كانت ترد إلينا الاخبار بما يدبره لنا الإنجليز وما يضيقون به علينا.. إذن فما العمل وهل نظل هكذا مقيدين مغلولين محاصرين..!! جعلنا نفكر( أنا والأستاذ البنا) كثيرا في الأمر, وأخيرا لاحت لنا بارقة.. أن حكومة الوفد قد تولت الحكم الآن, ولنا في الوفد رجال شجعوا دعوتنا في كثير من الأقاليم, فسعادة المغازي باشا رصد في وقفيته مبلغا شهريا قسمه لكل من شعبتي المحمودية وشبراخيت, وسعادة محمد باشا الوكيل وأنجاله الأعزة أمدوا الدعوة وشجعوها في دمنهور, والمغفور له سعادة عبدالواحد باشا الوكيل من كبار أعيان مركز المحمودية( بلدنا أنا والأستاذ البنا) وعبدالحميد بك الوكيل نائب المحمودية نفسها, يشجعانها ويؤيدانها وهما موجودان الآن بالقاهرة, فما المانع إذن أن نتحدث معهم في الأمر ليتحدثوا بدورهم إلي صاحب المقام الرفيع رئيس الحكومة ويشرحوا لرفعته حقيقة دعوتنا وسلامة مقاصدنا وموقف الإنجليز منا ليرد عنا كيدهم وافتراءهم ومعاكستهم لنا في نشر مبادئنا الكريمة.!! أخذ الأستاذ البنا يستحثني لسرعة الإتصال وتجلية الأمر ودرء المكائد التي تتواتر الأخبار بتدربير الإنجليز لها للتطويح بالدعوة ورجالها. قابلت عبدالحميد بك الوكيل, وتحدثت إليه في الأمر, ثم قابلت المغفور له والده سعادة عبدالواحد باشا رحمه الله, وهما بدورهما تحدثا إلي صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا رئيس الحكومة, فاستدعانا انا والأستاذ البنا حيث شرحنا له الموقف بأكمله, وكيف يكيد لنا الإنجليز ويلفق رجالهم إلينا من تقارير باطلة واتهامات يراد بها التنكيل بنا وهدم دعوتنا الإسلامية الخالصة, وحضر هذه المقابلة سعادة عبدالواحد باشا عليه الرحمة والرضوان ونجله الفاضل عبدالحميد بك, وفضيلة الشيخ محمد البنا وسعادة سليم زكي. فكان رد رفعة النحاس باشا أنه رجل مسلم وأنه يحرص علي مباديء الإسلام ويشجع الدعوة إليها بكل قوته وأنه سيرد عنا كيد الإنجليز ويساعد علي نشر دعوتنا مادمنا عليها عاملين, فشكرنا له كريم شعوره, وانصرفنا بعد أن وعدنا بألا يأخذ بمانسب إالينا من تهم في التقارير التي ترد اليه من البوليس السياسي إلا بعد أن يحقق معنا فيها, فشكرنا لرفعته أيضا هذه الروح الكريمة العادلة وفي ليلة24 رمضان سنة1361 ه وكانت الشعب جميعها مغلقة, أرسل صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا في طلبنا أنا والأستاذ البنا فذهبنا إليه في منزل صاحب المعالي فؤاد سراج الدين باشا( وزير الزراعة وقتذاك) وبحضور معاليه ومعالي المغفور له صبري أبو علم باشا وفضيلة الشيخ محمد البنا وكبار رجال الداخلية, بدأ رفعته التحقيق معنا في تقارير رفعت إليه ضدنا, واستمر التحقيق عدة ساعات. وأترك القاريء قليلا ليقرأ بنفسه ما خطه قلم الأستاذ حسن البنا نفسه في مجلة الإخوان بعددها الصادر يوم12 يولية سنة1943 م. في الصفحة الخامسة السطر الخامس من العمود الثالث عن نتيجة هذا التحقيق وموقف رفعة النحاس باشا منه قال الأستاذ البنا..! (ولست أنسي ليلة24 رمضان إذ شرفنا بزيارة منزل صاحب المعالي فؤاد سراج الدين باشا وقضينا مع رفعة الرئيس ثلاث ساعات أو تزيد, وتناول الحديث الإخوان ودعوتهم وموقفهم, كان فيها يحاكم المسائل بروح القاضي العادل والمحقق المنصف حتي انقشعت الغشاوة وظهر وجه البراءة مشرقا) نعم كان رفعة النحاس باشا كما يقول الأستاذ يحاكم المسائل بروح القاضي العادل والمحقق المنصف فانقشعت غشاوة هذه الاتهامات, وخرجت وخرج الأستاذ البنا متأثرين بهذه الروح الإسلامية الكريمة, وحقق رفعته وعده وأمر في الحال بفك الحصار عن الشعب في أنحاء البلاد, ومنح الإخوان الحرية الكاملة في نشر دعوتهم, ورفع بذلك الكابوس الذي جثم علي صدور الإخوان ثلاث سنوات طوالا..!! وإلي لقاء, ليري القاريء كيف سارت دعوة الإخوان ونشرت رايتها في كل مكان, وتحققت بقية مطالبنا, وكيف كان يشيد الأستاذ البنا برفعة رئيس الوفد ورجاله في عهد حكومته إشادة مسجلة نضعها أمام القاريء وندع له المقارنة بين الحالين, والموازنة بين الموقفين, ليشهد كيف كان تقلبه بين العهدين..! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل, احمد السكري