السكري في إجابته عن السؤال الكبير: كيف إنزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان؟ نشرنا في الحلقة السابقة بيان السكري للإخوان في كل مكان وبقعة من بقاع الأرض, والذي أوضح فيه وكيل أول الجماعة حجم الديكتاتورية والانتهازية التي كان يتمتع بهما حسن البنا, واللتان كانتا من أهم أسباب سقوط الجماعة بالإعلان عن حلها من قبل حكومة محمود فهمي النقراشي, وما تبع ذلك من مقتل النقراشي علي يد الجماعة, ورد حكومة إبراهيم عبد الهادي بقتل البنا نفسه ليحدث ما توقعه السكري من انهيار للجماعة بسبب سياسات البنا. واليوم نبدأ في نشر عدد من المقالات التي نشرها السكري ما بين12 نوفمبر1947, و7 مايو1948, تحت عنوان واحد دار حول سؤال كبير:( كيف انزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان؟) في هذه المقالات يشرح السكري كيف بدأت الدعوة علي يديه, وكيف جند البنا طفلا في الثانية عشرة, وحتي مبايعته إياه علي السمع والطاعة بعد شعبة الإسماعيلية. ويروي وكيل أول الجماعة قصة صعود البنا, وعلاقاته بكبار السياسيين ودعمه للملك وأحزاب الأقلية علي حساب معاداته لحزب الوفد, وكذا علاقة الشيخ المؤسس بالإنجليز والقصر. والي المقال الأول. شهد الرأي العام في مصر وغيرها من الأقطار بدء نشوب معركة عنيفة بيني وبين الأستاذ حسن البنا, ولقد أدمي قلب كل مسلم ما اضطررت لنشره من المخازي الأليمة والتصرفات الشائنة, التي لم يكن ليخطر علي بال إنسان أن يمثل دورها رجل نصب نفسه للدعوة الإسلامية الكريمة, وتسارع الناس إلي الإجماع عليها والالتفاف حولها معلقين عليها أعظم الآمال. ولقد ذكرت في بياناتي السابقة أني ما اضطررت لخوض هذه المعركة إلا بدافعين خطيرين: الأول: أن الرجل الذي تعاون معي وتعاونت معه في نشر هذه المباديء الكريمة والنضال عنها حتي الموت, هو الذي تنكر لها, وغره متاع الحياة الدنيا وزخرفها, وانزلق في السياسة وانخدع بزيف أهلها, ثم تنكر لي لا لشيء إلا إلحاحي عليه بالنصح, ومحاولتي تقويم ما أعوج وإصلاح ما فسد, وتحت ضغط فئة معينة من رجال السياسة الذين حيرهم موقفي الصلب أمام مطامعهم وإغرائهم, بدأني بالعدوان والبادي أظلم, وأصم أذنيه عن مطالبتي بتحكيم الإخوان أصحاب الشأن في الدعوة, واستبداده وحده بالأمر دونهم, تجاهلا لهم وإعراضا عن الحق الواضح وأحكام الإسلام. والثاني: إن هذه الدعوة ومن يعمل تحت لوائها أمانة في أعناقنا سنسأل عنها يوم يقوم الناس لرب العالمين, فأصبح لزاما علي أن أوضح للجميع حقيقة ما يجري فيها الآن, وأبين لهم الحق أبلج ناصعا مجردا من الزيف والشعوذة, حتي يروا الحق حقا فيتبعوه والباطل باطلا فيجتنبوه, والإسلام كما حرر العقل البشري من قيود الاستسلام المطلق للقادة والمرشدين, والانقياد الأعمي لأهواء رجال السياسة والدين, أمر بالثورة علي من حاد عن الحق أو خرج عن الطريق القويم مهما قوي بأسه وعظم شأنه وعلا بنيانه وهذا نبي الإسلام العظيم صلي الله عليه وسلم يقول فيما يروي عنه ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الأيمان). ولا يجوز للمؤمن أن يقتصر في ثورته علي الباطل بمجرد الإنكار بقلبه إلا إذا عجز تمام العجز عن استعمال اليد واللسان بل استمع إلي قوله عليه السلام:( سيد الشهداء حمزة: ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). ولعلك اقتنعت أن الدعوة حجة علي صاحبها, وأن مقاومة الإمام الجائر واجبة إن حاد وضل, مهما كلفتك من تضحية ولو بحياتك التي تحرص عليها. أما السكوت بعد اليأس من إصلاح علي المنكر, فهو منكر, والتستر علي الجرائم اشتراك فيها, لا ينجو صاحبه من غضب الله وسخط الناس. ولقد شرحت أسباب الخلاف الحقيقية, والتي منها هذا الفساد الخلقي التي سارت به الركبان, وتستر عليه الأستاذ البنا, وسكت عنه ورضي به بعد أن قامت الأدلة عليه واعترف هو به اعترافا تاما. ولعمر الحق كيف يتفق هذا وشأن رجل أو قوم يدعون أنهم يريدون نشر الإسلام, وكيف يتسني لهم أن يطهروا غيرهم قبل أن يتطهروا أو يصلحوا الناس قبل أن يصلحوا أنفسهم( فاقد الشيء لا يعطيه!.) كما يقول المناطقة والفقهاء!. كما ذكرت في بياناتي السابقة أيضا أن من أسباب هذا الخلاف تخبط الأستاذ البنا في السياسة تخبطا أنساه حقوق الدعوة ومبادئها, وانزلق بها إلي مهاو كنا نستعيذ بالله منها, مما خيب آمال الناس في هذه الدعوة وظنوها سلعة تباع وتشتري, وأرجوحة بين أيدي العابثين.. وسأترك المسائل الخلقية الأن جانبا لأريح أنوف الناس من روائحها الخبيثة, وأبدأ منذ اليوم بالحديث مختصرا عن تطورات الدعوة وكيف كانت علي المحجة البيضاء والنهج الواضح المستقيم, وكيف عزت وقويت, وكانت شوكة حادة في جنوب الطغاة والمستعمرين حتي قوي شأنها وعز سلطانها وخشي الجميع بأسها وصولتها وكادت تصل إلي الهدف المنشود, ثم كيف تأرجحت وتذبذبت وساءت سمعة الإخوان في كل مكان رغم هذا الطبل الأجوف والدعايات الزائفة التي يموه بها الأستاذ البنا علي الناس, وكيف أخذت الدعوة في التدهور والانحلال بسبب تصرفاته وتخبطه المستمر, وإني بحمد الله علي يقين تام أن الله سيعيدها سيرتها الأولي قوية نقية علي أيدي الأطهار الصادقين الذين طوح بهم الأستاذ البنا لوقوفهم في وجه نزواته وشهواته, والله ولي الذين آمنوا وليعلمن نبأه بعد حين.. وسيتناول حديثي المجمل أطوار الدعوة: أولا: منذ نشأتها حتي قيام الحرب الأخيرة. ثانيا: نحن والإنجليز وحكومة سري باشا. ثالثا: نحن والوفد. نحن والعهد الحاضر يقصد حكومة النقراشي باشا نشأة الدعوة: لا أظنني بحاجة إلي الإفاضة في هذه الناحية, لما علمه الناس من تفصيلاتها, سواء عن طريق المذكرات التي تنشرها جريدة الإخوان بقلم الأستاذ البنا, أو عن طريق مانشرته الصحف الأخري في هذا الموضوع. لقد وطئت أقدام المستعمر الغاصب أرض الوطن سنة1882 م, وكان كل همهم في ذلك اليوم المشئوم أن يقتلوا في الشعب روح الوطنية والحماس ويقضوا علي المباديء الإسلامية الكريمة ويحولوا بين الناس وبين تعاليم دينهم القويم, مما أشاع الضعف والانحلال في الأمة وأنساها معظم معاني العزة والكرامة التي يهتف بها الإسلام حتي إذا نشبت الحرب العالمية الأولي1914 ووضعت أوزارها سنة1918 م, هبت الأمة عن بكرة أبيها علي قلب رجل واحد, تطالب باسترداد حريتها المسلوبة, وكرامتها المهددة, وكانت ثورة وكانت دماء, شعر الغاصب أنه أمام قوة شعبية صاخبة, حسب لها ألف حساب, وجعل يحاول ما وسعه الجهد والحيلة, أن يخمد أنفاسها, ويشيع الفرقة والخلاف بين أبنائها, فخضع لإغرائه بعض المفتونين, وصارت الكتيبة الشعبية السياسية تشق طريقها لتحرير الوطن ونيل حقوقه المغصوبة, وكان لا بد أن تسير بجوار هذه الكتيبة السياسية دعوة تعمل من جانبها علي تقويم الخلق, وتربية الشعب علي أساس الدين الخالص, والعمل الدائب علي مجد الإسلام. وفي بلدة المحمودية علي ضفاف النيل العظيم, ارتفع صوت سنة1920 م ينادي بالتمسك بتعاليم الدين والرجوع بالمجتمع المصري إلي مبادئه الخالدة, فانضم إليه نخبة من الرجال الأطهار, وكونوا فيما بينهم جمعية تدعو إلي هذه المباديء والتعاليم, واختاروا أحمد السكري رئيسا لهذه الجمعية, والذي عرف بعد ذلك الشيخ حسن البنا مواليد1906/10/15 م وكان يافعا ولمح فيه الذكاء والفطنة واختاره سكرتيرا لهذه الجمعية, حتي إذا صلب عوده, وتخرج بعد بضع سنين في مدرسة دار العلم1927 م وعين مدرسا بالإسماعيلية, اتفقوا علي تكوين شعبة أخري للإخوان بها, وانضم إليهم المغفور له الشيخ حامد عسكرية, وتعددت فروع الجماعة, فآثر أحمد السكري أخاه الشيخ حسن علي نفسه وبايعه بالرئاسة العامة ودعا الناس إلي مبايعته... سارت الدعوة حثيثا, وأقبل الناس عليها أفواجا, بعد أن أبانت برنامجها واضحا جليا, أنه الإسلام, ومباديء الإسلام, وجمع الناس علي تعاليم الإسلام. نقل الشيخ حسن إلي القاهرة, وأنشأ المركز العام بها, ولحق به أحمد السكري, وفتح الله القلوب لهذه الدعوة المباركة, ودعونا إلي عقد مؤتمر عام سنة1938 م بسراي آل لطف الله, حيث ألقي الأستاذ البنا أول خطاب جامع له, نشرته مجلة النذير في عددها رقم35 المؤرخ في17 ذي الحجة1357 ه, وضح فيه منهج الإخوان وكيف نشأوا, وذكر في صفحة12 من العدد المذكور, أن من خصائص دعوتهم البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان, حتي لايطمس لونها الصافي لون آخر, وحتي لايحاول أحد منهم أن يستغلها أو يوجهها في غير الغاية التي نقصد إليها...!! كما ذكر في صفحة15 أن ميدان القول غير ميدان الخيال, وميدان العمل غير ميدان القول....الخ ثم قال في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان ثلاثمائة كتيبة... اطلبوني أن أخوض بكم لجج البحار واختم بكم عنان السماء وأغزوا بكم كل عنيد جبار فإني فاعل وصدق رسول الله القائل ولن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وإني أقدر لذلك وقتا ليس طويلا!! وأظن القاريء يسائل نفسه حين قرأ للشيخ حسن البنا هذا الكلام منذ تسع سنين, ماذا فعل الشيخ حسن البنا وقد كان لديه عقب حكومة الوفد مباشرة ألف وخمسمائة شعبة لايقل متوسط الشعبة الواحدة بما فيها القاهرة والأسكندرية عن مائتي شخص وهو يقول دائما أن لديه أكثر من أربعين ألف جوال كذا سيقدم منها علي زعم جريدته عشرة آلاف كتيبة أولي لفلسطين المجاهدة, ويقول ان لديه نصف مليون من الإخوان العاملين غير مليون ونصف علي زعمه من المنتسبين. أقول لعل القاريء يسأل نفسه: أين هذه القوة العددية...؟ وأين هذه الأرقام السطحية...؟ وماذا فعلت لخير هذا الوطن المنكوب...؟ بل ماذا حققت من مباديء هذه الدعوة التي دعونا الناس إليها...؟ اللهم لاشيء غير ممالأة الأعداء ومناوأة الأحرار والتهاون في حقوق الوطن, والتقلب في أحضان رجال السياسة, رغم الإلحاح الذي كان يلحه أحمد السكري والتقارير المسجلة والتي كان يهيب به فيها إلي تحقيق ميثاق5 ربيع الأول سنة1360 ه 1941 م, والذي عاهدت الناس فيه علي مطالبة الحكومة بعد الحرب مباشرة بتحقيق الأهداف الإسلامية, وغيرتها بهذا الطبل الزائف الذي خدع الناس, ولم يقدم لهم أملا أو يروي لهم غلة. وإلي لقاء.