حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم علي يواصل سلسلة مقالاته الإخوان والانتهازية السياسية‏(3)‏

كان اشتعال الحرب العالمية الثانية نقطة تحول‏,‏ في تاريخ العالم ومصر والإخوان المسلمين‏.‏العالم قبل الحرب يختلف عن العالم أثناء الحرب‏,‏ والعالمان يختلفان عن الخريطة الجديدة
التي تشكلت بعد نهاية الصراع العالمي الدموي الذي أسفر عن سقوط ملايين الضحايا‏.‏
بعد نهاية الحرب اختلفت كل الأوضاع‏,‏ ولن يتأتي فهم حقيقة التغيير الذي حدث بمعزل عن إدراك طبيعة سنوات الحرب نفسها‏.‏
ماذا حدث في العالم؟ وماذا حدث في مصر؟ وماذا حدث للإخوان؟
عالم ما بعد الحرب‏,‏ يختلف جذريا عن العالم قبل الحرب‏,‏ والأمر لا يقتصر علي الدول والشعوب التي خاضت المعارك وتعرضت لمآسيها‏,‏ فقد امتد زلزال التغيير ليشمل كل الجوانب‏:‏ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏.‏
لم تكن مصر بمنأي عن رياح التغيير‏,‏ وكان اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر تعبيرا عن عمق المتغيرات التي تنتظرها مصر‏,‏ وعن الأزمة التي يواجهها النظام‏,‏ بعد أن ظهرت قوي واتجاهات وأفكار جديدة‏,‏ لا ترضخ للمنظومة السائدة قبل الحرب‏.‏
لقد استثمر حسن البنا سنوات الحرب ليصعد بجماعته‏,‏ فتزايد أعضاؤها وأنصارها‏,‏ وتضاعفت مقارها وشعبها‏,‏ وتحول الإخوان إلي قوة لا يمكن تجاهلها في المعادلة السياسية الجديدة بعد نهاية الحرب‏.‏
كان الإخوان مطالبين بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة‏,‏ فالأوضاع السياسية‏,‏ الداخلية والخارجية‏,‏ تتطلب إيقاعا جديدا‏,‏ وتنظيما قادرا علي مواجهة التحديات‏.‏
لقد تحرك الوفد بعد نهاية الحرب‏,‏ ونشط الشيوعيون‏,‏ وبدا القصر الملكي مصمما علي الاستمرار في إحكام سيطرته‏.‏ وفي ظل هذا المناخ‏,‏ أعلن الإخوان عن عقد مؤتمر شعبي‏,‏ في القاهرة وسبعة مراكز رئيسية في الأقاليم‏,‏ خلال شهر أكتوبر‏1945,‏ لمناقشة القضية الوطنية ومطالبها‏,‏ والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية‏,‏ فضلا عن الأوضاع التنظيمية والفكرية للجماعة‏.‏
أقر المؤتمر النظام الأساسي الذي تم اعتماده في المؤتمر الخامس سنة‏1939,‏ مع إدخال بعض التعديلات التي تتماشي مع التطورات‏,‏ فقد تم توزيع السلطة بين المرشد ومكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية‏,‏ كما تم إنشاء قسم الخدمات الاجتماعية والخيرية‏,‏ مع إحالة سجلاته لوزارة الشئون الاجتماعية‏,‏ للحصول علي معونات من الحكومة‏.‏ وبقدر ما يعبر هذا التوجه عن اتساع نشاط الإخوان‏,‏ فإنه ينم عن الخوف والقلق من جراء التقلبات السياسية‏.‏
قرر المؤتمر تغيير المسمي من‏'‏ جماعة الإخوان المسلمين‏'‏ إلي‏'‏ هيئة الإخوان المسلمين العامة‏'‏ ويكتسب هذا التغيير الشكلي أهميته عند إدراك أن مفردة‏'‏ الهيئة‏'‏ خلال هذه المرحلة التاريخية كانت ترادف معني الحزب‏.‏
وإذا كان البنا قد أعلن في المؤتمر الخامس أن الإخوان هيئة سياسية‏,‏ فإنه لم يعترف بأنه يقود حزبا سياسيا‏,‏ لكن مؤتمر‏1945‏ شهد تحولا ملموسا‏,‏ وأكد عمليا أن الإخوان قد أصبحوا حزبا سياسيا‏,‏ لكن الإشهار الحزبي غير المباشر لم يكن يعني الانخراط الكامل في منظومة الحياة الحزبية المصرية‏.‏ وبمعني آخر فإن الهدف الحقيقي من هذا التوجه هو التمتع بالامتيازات الحزبية التقليدية‏,‏ دون تحمل ما يترتب علي ذلك من واجبات وأعباء‏.‏
ومثلما كان مؤتمر سنة‏1945‏ نقطة تحول في مسيرة الإخوان المسلمين‏,‏ علي المستويين التنظيمي والحركي‏,‏ فقد كان بداية تحول سياسي‏,‏ علي المستويين الفكري والعملي‏.‏
لقد حدد البنا في المؤتمر رؤية سياسية واجتماعية مثلت الأساس العام الذي التزم به الإخوان عبر عقود عديدة تالية‏,‏ والهدف الأول والأسمي هو إقامة الحكومة الإسلامية‏,‏ التي تحترم فرائض وشعائر الإسلام‏,‏ وتحرم الموبقات‏,‏ وتؤسس التعليم من منطلق إسلامي‏,‏ يعلي من شأن اللغة العربية والقيم الأخلاقية‏.‏
لم تتراجع فكرة الخلافة الإسلامية‏,‏ وهي الركيزة السياسية الأولي في حركة الإخوان منذ التأسيس‏,‏ لكنها تحولت إلي هدف استراتيجي بعيد المدي‏,‏ ويتم تنفيذه عبر مراحل‏,‏ من خلال تكاتف الحكومات الإسلامية في الأقطار المختلفة‏,‏ لأن إعادة الخلافة بشكل مباشر ودون تمهيد‏,‏ لا تبدو ممكنة في ظل المتغيرات الكثيرة التي حلت داخليا وإقليميا ودوليا بعد نهاية الحرب العالمية‏.‏
لقد أفاد الإخوان من سنوات الحرب‏,‏ وحققوا نجاحا لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه‏,‏ لكن البنا يدرك جيدا أن الساحة تتسع لقوي أخري تزاحمه علي قيادة الساحة السياسية المصرية والتأثير في مسارها‏.‏ نجاح الإخوان لا يعني أنهم منفردون بلا شريك أو منافس‏,‏ ولكي تكتمل ملامح الخريطة‏,‏ لابد من التوقف أمام القوي الأخري‏,‏ والتأمل في طبيعة علاقة الإخوان مع هذه القوي‏:‏ القصر الملكي‏,‏ الجيش‏,‏ الوفد‏,‏ أحزاب الأقلية‏,‏ الشيوعيون‏.‏
كانت نهاية الحرب بداية لمرحلة‏,‏ وكانت حرب فلسطين سنة‏1948‏ نهاية وبداية‏:‏ نهاية لسنوات ما بعد الحرب العالمية العاصفة‏,‏ وبداية لمسار جديد ذي تحولات لا تقل خطورة‏.‏
قرب نهاية الحرب العالمية‏,‏ وبعد أن استقرت الأحوال العسكرية علي الجبهة لصالح الانجليز‏,‏ بادر الملك بإقالة حكومة النحاس التي تشكلت في أعقاب حادث فبراير‏1942,‏ وسرعان ما تخلي حسن البنا عن علاقة المودة مع الوفد‏,‏ والتي دامت طوال حكم الوفد‏(‏ فبراير‏1942‏ الي اكتوبر‏1944)‏ حصل فيها علي مكتسبات كبيرة‏,‏ وتحولت الجماعة خلالها من‏(500‏ شعبة إلي‏1500‏ شعبة‏)‏ وزاد عدد الجوالة خلالها من‏(2000‏ عضو إلي‏4500‏ عضو‏)‏ توجه البنا علي الفور بانتهازيته المعهودة إلي التعاون مع القصر الملكي عبر أحزاب الأقلية التي تحظي برعاية فاروق ضد حزب الوفد‏.‏
لقد سعي البنا كثيرا لتتاح له فرصة مقابلة الملك فاروق‏,‏ وعندما تم اللقاء بينهما‏,‏ بوساطة من يوسف رشاد‏,‏ الطبيب الخاص للملك‏,‏ أعرب مرشد الإخوان عن رغبته في التعاون الكامل غير المشروط مع الملك‏,‏ وأكد أنه يكن لصاحب الجلالة كل الحب والمودة والتقدير‏.‏
وقد تجسد تعاون البنا مع السراي من خلال تأييد الإخوان للحكومات غير الشعبية التي تحظي برضا الملك‏,‏ وبعد تعيين الزعيم السعدي إبراهيم عبد الهادي رئيسا للديوان الملكي‏,‏ في فبراير‏1947,‏ تمت دعوة حسن البنا‏,‏ للمرة الأولي‏,‏ لحضور إحدي الولائم الملكية‏,‏ ولعب رئيس الديوان الجديد دورا بارزا في تدعيم الروابط والعلاقات بين الملك ومرشد الإخوان‏,‏ من منطلق أن المشترك بينهما هو العداء الأصيل للوفد من ناحية‏,‏ والحد من تغلغل انتشار الشيوعية من ناحية أخري‏.‏
وتتمثل بعض ثمار التعاون في التسهيلات التي تم تقديمها للإخوان للحصول علي ترخيص بإصدار صحيفة يومية‏,‏ وشراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية التي تقل عن أسعار السوق بنسبة تتراوح بين‏20‏ و‏30%,‏ كما حصل جوالة الإخوان علي امتياز يتيح لهم حرية الحركة واستخدام معسكرات الحكومة‏,‏ ومنح الإخوان قطعا من الأرض لإقامة المباني والمشاريع الخاصة بهم‏,‏ كما قدمت لهم إعانات مالية من وزارتي المعارف والشئون الاجتماعية‏.‏
كان الدعم الحكومي للإخوان‏,‏ بإيعاز من السراي‏,‏ يقابله تأييد إخواني لحكومات القصر‏,‏ وهو ما يتجلي بوضوح في تأييد الإخوان لحكومة إسماعيل صدقي الديكتاتورية‏,‏ ومباركة معاهدة صدقي بيغن التي تعرضت لرفض شعبي جارف‏.‏ واللافت للنظر أن إسماعيل صدقي‏,‏ الذي كان حاسما في منع المظاهرات‏,‏ قد سمح بمظاهرات إخوانية في مارس‏1946,‏ تعلن عن تأييد الملك والحكومة‏,‏ وتهاجم الوفد والحركة الوطنية‏.‏
وفي إبريل‏1946,‏ كتب حسن البنا في مجلة الإخوان المسلمين‏,‏ كلمة عنوانها‏'‏ الرجال السبعة‏',‏ يطالب فيها رموز الحياة السياسية المصرية بمساندة حكومة صدقي في مفاوضاتها‏.‏ وكان هؤلاء السبعة هم‏:‏ مصطفي النحاس‏,‏ علي ماهر‏,‏ محمود النقراشي‏,‏ الدكتور محمد حسين هيكل‏,‏ مكرم عبيد‏,‏ حافظ رمضان‏,‏ عبد الرحمن الرافعي‏.‏
وفي السياق نفسه‏,‏ نشرت المجلة الخطاب الذي أرسله البنا إلي الملك فاروق‏,‏ ويقول فيه إن صاحب الجلالة هو موضع الأمل ومعقد الرجاء لوادي النيل وأبناء العروبة وشعوب الإسلام‏.‏
ولقد احتفل الإخوان بعيد ميلاد الملك وعيد الجلوس‏,‏ وفي الحادي عشر من فبراير‏1948,‏ يوم ميلاد الملك‏,‏ نشرت جريدة الإخوان صورة كبيرة للملك داخل برواز‏,‏ يعلوها عنوان‏:'‏ الملك فاروق‏',‏ وقالت ما نصه‏:'‏ اليوم تطلع شمس العام الثامن والعشرين‏,‏ للشاب الصالح فاروق الأول‏,‏ ملك وادي النيل‏'.‏
وإذا كان الملك ورجاله يرون في الإخوان أداة لخدمة مصالح القصر ومطامعه‏,‏ فإن الإخوان بدورهم قد رأوا في تأييد الملك وسياسته وسيلة مهمة للحصول علي الدعم والتمتع بحرية الحركة‏.‏ لم تكن العلاقة بين ندين متكافئين‏,‏ وقد دفع الإخوان وحسن البنا شخصيا‏,‏ ثمنا فادحا لتوهم العلاقة علي غير حقيقتها‏.‏
الإخوان وضباط الجيش‏:‏
كانت مرحلة الحرب العالمية‏,‏ وبخاصة بعد حادث فبراير‏1942,‏ هي البداية الحقيقية للاتصال بين الإخوان المسلمين وضباط الجيش المصري‏,‏ الذين أعلنوا عن سخطهم واستيائهم من الإهانة التي لحقت بالملك فاروق عندما حاصرت الدبابات الانجليزية قصر عابدين‏,‏ وأجبرته علي تعيين مصطفي النحاس رئيسا للوزراء‏.‏
نشط الإخوان في تجنيد ضباط الجيش وضمهم إلي صفوف الجماعة‏,‏ مع ترتيب لقاءات سرية مع حسن البنا‏.‏ ومع تعدد الروايات واختلافها‏,‏ فإن الإجماع قائم علي ارتباط جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان‏,‏ من خلال الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرءوف‏,‏ أو عن طريق الشيخ أحمد حسن الباقوري‏.‏ وخلال مرحلة الارتباط هذه‏,‏ أسهم عبد الناصر في تدريب أعداد كبيرة من العناصر الإخوانية‏.‏
ولا يقتصر الأمر علي جمال عبد الناصر وحده‏,‏ فثمة صلات أخري مع عدد غير قليل من الضباط‏,‏ منهم خالد محيي الدين وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وحسين الشافعي‏.‏ وإذا كان العداء للوفد والحركة الشيوعية قد جمع بين الإخوان والقصر‏,‏ فإن الرغبة المشتركة في مقاومة الاحتلال الانجليزي هي التي وثقت الروابط بين الضباط الوطنيين وجماعة الإخوان‏.‏
ولم يكن هؤلاء الضباط الوطنيون يخفون إعجابهم بما تتسم به الجماعة من انضباط يقترب من الروح العسكرية التي تربوا عليها‏.‏ وكان النظام الخاص هو المكان الأكثر ملاءمة لهؤلاء الضباط بحكم تخصصهم العسكري وانضباطهم والتزامهم بالسرية‏,‏ حيث يتم القسم والبيعة في غرفة مظلمة‏,‏ ويظهر المسدس والمصحف لتأكيد الولاء‏,‏ ثم يتولي الشيخ سيد سابق مسئولية تلقين الدروس في اللغة العربية والثقافة الإسلامية‏.‏
ما الذي حال دون المزيد من التطور الايجابي في العلاقة بين الضباط وجماعة الإخوان؟ ولماذا تراجع الكثيرون منهم عن حماسهم القديم‏,‏ وبحثوا عن ملاذ سياسي وفكري آخر‏,‏ قبل أن يتشكل تنظيمهم الخاص المستقل ؟‏!‏
ربما تكون بداية التراجع في العام‏1946,‏ عندما اكتشف الضباط انتهازية الإخوان خلال اندفاعهم في تأييد حكومة إسماعيل صدقي الرجعية الديكتاتورية التي لا تحظي بثقة الشعب والضباط الوطنيين‏,‏ وحيث بدأ الإخوان في ممارسة العنف والقيام بعمليات إرهابية جزئية‏,‏ كما أن عاملا ثالثا لا يمكن إهماله يتمثل في الصدمة الأخلاقية للضباط نتيجة الاتهامات الموجهة ضد عبد الحكيم عابدين‏,‏ صهر المرشد‏,‏ وتأييد البنا غير المبرر له‏(‏ وهو ما سنأتي علي ذكره في مقالات قادمة عندما نتحدث عن انتهازية البنا داخل الجماعة‏).‏
لقد أدرك عبد الناصر أن الطريق الإخواني لا يلائم طموحه‏,‏ ولذلك سعي إلي تحويل ولاء الضباط إلي التنظيم الذي شرع في تأسيسه دون ارتباط بقوي أخري‏:'‏ الضباط الأحرار‏'.‏ ولا يعني هذا أن نفوذ الإخوان قد انتهي وتبخر‏,‏ لكن المؤكد أنه تراجع ولم يعد يواصل الصعود‏.‏
الإخوان وتوتر العلاقة مع والوفد‏:‏
لم يكن الوفد‏,‏ حتي إقالته في أكتوبر سنه‏1944,‏ يري في الإخوان إلا جماعة دينية محدودة التأثير علي الصعيد السياسي‏,‏ أما المرشد حسن البنا فشاب طموح يحلم بمقعد في البرلمان‏,‏ ولا يعدو احتواء هذا الشاب وترويضه بالأمر العسير‏.‏
وفي المقابل‏,‏ كان البنا يري في الوفد منافسا هو الأخطر في الشارع السياسي‏,‏ ذلك أنه الحزب الذي ورث الثورة الشعبية التي قادها زعيم الوفد الأول سعد زغلول‏,‏ ثم انتقل ميراث الزعامة والشعبية إلي خليفته مصطفي النحاس‏.‏
اتسمت العلاقة بين الوفد والإخوان بالتجانس والتنسيق خلال الحرب‏,‏ وإذا كان الوفد قد ربح صمت الإخوان وتجنب المشاكل التي قد يثيرونها في أجواء لا تحتمل التوتر‏,‏ فإن الإخوان كانوا الطرف الأكثر إفادة من الصفقة الضمنية مع حكومة الوفد‏,‏ فانتشروا في القاهرة وكثير من الأقاليم‏,‏ وتمتعوا بحماية الحكومة الوفدية ودعمها‏.‏
اختلفت الحسابات والمعايير بعد نهاية الحرب‏,‏ واندفع الإخوان إلي الارتماء في أحضان السراي وحكومات الأقلية‏,‏ وهو ما يعني بالضرورة الابتعاد عن الوفد ومناصبته العداء‏.‏ وإذا كان الوفد قد اتخذ موقف المعارضة من حكومتي النقراشي وصدقي‏,‏ فإن الإخوان قد أيدوا الحكومتين‏,‏ وباركوا السياسة القمعية التي انتهجها إسماعيل صدقي‏,‏ وطالت بعض قيادات ورموز الوفد‏.‏
توترت العلاقة بين الوفد والإخوان‏,‏ وتبادلا الهجوم الحاد‏,‏ ووصل الصراع إلي ذروته في يوليو‏1946,‏ في مدينة بور سعيد‏,‏ المعروفة بولائها التقليدي للوفد‏.‏ تحول الصدام بين الوفديين والإخوان إلي العنف‏,‏ وألقي أنصار الإخوان ثلاث قنابل‏,‏ مما أسفر عن مقتل أحد الوفديين وإصابة العشرات‏,‏ وهو ما أدي إلي تجمع الوفديين في ثورة غضب مضاد‏,‏ وأشعلوا النار في دار الإخوان والنادي الرياضي‏,‏ وحوصر المرشد العام حسن البنا‏,‏ حتي أفلت بصعوبة‏.‏
وقرب نهاية أغسطس‏1946,‏ نشرت صحيفة‏'‏ صوت الأمة‏'‏ الوفدية هجوما عنيفا ضد الإخوان ومرشدهم‏,‏ وقالت إن البنا يتعرض لهتافات معادية أثناء زياراته للأقاليم‏,‏ ويصفه المتظاهرون بأنه صنيعة الانجليز‏,‏ وأطلقت الصحيفة عليه اسم الشيخ حسن راسبوتين‏,‏ في إشارة إلي المشعوذ الروسي الشهير‏.‏
وقد اعتمدت الحملة الوفدية ضد الإخوان علي عداء الجماعة للديمقراطية‏,‏ واعتمادها علي تشكيلات شبه عسكرية‏.‏ وعلي الرغم من محاولات التوفيق بين الوفد والجماعة‏,‏ فقد استمر العداء‏,‏ ووصفت صوت الأمة البنا بأنه حكومي أكثر من الحكوميين‏,‏ ونقراشي أكثر من النقراشيين‏.‏
ولقد كشف البنا عن السر الحقيقي في عداء الجماعة للوفد‏,‏ فقد كتب في مايو‏1947,‏ في جريدة الإخوان‏,‏ يستنكر الهجوم الوفدي علي جماعته‏,‏ ويري أن الوفد يعيش بعقلية قديمة‏,‏ متصورا أنه الأمة‏,‏ وأن الأمة هي الوفد‏.‏ وهاجم البنا موقف الحزب من إسماعيل صدقي‏,‏ قبل أن يصل إلي جوهر الخلاف‏,‏ وهو تمسك الوفد بالنظام السياسي والاجتماعي الغربي الممسوخ المشوه‏,‏ بينما يراهن الإخوان علي اختيار الأمة للوضع الرباني السليم‏.‏
الإخوان واليسار‏:‏
شهد اليسار المصري‏,‏ بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ ازدهارا واسعا علي المستويين النظري والحركي‏,‏ وقد وجدت البرامج والشعارات التي طرحها الشيوعيون‏,‏ اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‏,‏ صدي ملموسا عند الطبقات الفقيرة وشرائح من الطبقة الوسطي‏.‏
ومع ازدياد نشاط المنظمات اليسارية‏,‏ السرية غالبا‏,‏ تولت جوالة الإخوان مهمة تعقب أعضاء هذه التنظيمات والإبلاغ عنها‏,‏ ووصل الأمر بالبنا إلي التصريح بان أحد اهداف جمع الإخوان للسلاح هو التصدي للخطر الذي يمثله الشيوعيون‏,‏ وكان التحالف مع الغرب مقبولا عند المرشد شريطة التنسيق في مواجهة الأخطار الشيوعية التي تهدد المنطقة‏.‏
وعندما بدأ إسماعيل صدقي‏,‏ سنة‏1946,‏ حملته الشهيرة ضد القوي الوطنية والتقدمية‏,‏ واعتقل المئات من المثقفين والطلبة والعمال‏,‏ وأغلق عشرات الصحف والمجلات المعبرة عن مختلف الاتجاهات‏,‏ سارع الإخوان بتأييد حملته القمعية المعادية للحريات‏,‏ ونشرت الصحيفة الإخوانية الرسمية أن الظروف تحتم ذلك الإجراء‏,‏ لأن سلامة المجتمع وحرية الأمة تفوق كل شيء‏!‏
لقد سعي الإخوان دائما إلي استثمار الشبح الشيوعي‏,‏ في إطار من التهويل والمبالغة‏,‏ لاحتواء الملك وإرهابه من الخطر الذي تمثله الشيوعية‏,‏ وطالب حسن البنا‏,‏ في لقاء مع بعض أعضاء السفارة الأمريكية‏,‏ بتكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكيين لمكافحة الشيوعية‏.‏
وفي يوليو‏1946,‏ نشرت مجلة‏'‏ الإخوان المسلمون‏'‏ مقالا مهما عنوانه‏'‏ الإخوان المسلمون في مصر بين الوفد والشيوعية‏',‏ وكشفت المجلة عن مرتكزات العداء الإخواني للشيوعية‏:‏ إنهم يأتمرون بأوامر موسكو والإخوان يأتمرون بأوامر الله‏,‏ والشيوعيون دعاة إلحاد وكفر وفساد اخلاقي أما الإخوان فدعاة إيمان وعقيدة دينية وسمو اخلاقي‏.‏
ولقد تجسد الصراع بين الإخوان والشيوعيين في مجال الحركتين الطلابية والعمالية‏,‏ وحقق الشيوعيون نجاحا وسط العمال يفوق ما حققه الإخوان‏,‏ وهو ما يمكن تبريره في إطار الوعي بالشعارات الاجتماعية والاقتصادية التي رددها الشيوعيون‏,‏ في مواجهة الإطار الفضفاض غير المحدد للشعارات والمبادئ الإخوانية‏.‏
ولم يختلف الأمر كثيرا في الجامعة‏,‏ حيث انتشر النشاط الشيوعي في الأوساط الطلابية‏,‏ وأسهموا بدور بارز في لجنة العمال والطلبة التي قاومت ديكتاتورية صدقي‏,‏ في الوقت الذي تحالف فيه الإخوان مع الحكومة غير الشعبية‏,‏ وخرجت مظاهرات طلبة الإخوان في الجامعة لتشيد بصدقي‏,‏ وتردد الآيات القرآنية التي تحض علي طاعته‏!.‏
ومن الناحية الفكرية‏,‏ فقد رأي الإخوان أن التعاليم الإسلامية تغني عن المبادئ الاشتراكية المستوردة‏,‏ لكنهم لم يتطرقوا إلي مناقشة تفصيلية لطبيعة الرؤي الاشتراكية التي تتمثل في الإسلام كما يفهمونه‏.‏
الإخوان والانتهازية الداخلية‏:‏
أغلب الانشقاقات التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين‏,‏ بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ مرتبطة بالمواقف السياسية غير الشعبية التي تبناها البنا‏,‏ في تحالفاته غير المبدئية مع حكومات الأقلية التي لا تحظي بالاحترام الشعبي‏,‏ وبخاصة حكومة إسماعيل صدقي‏,‏ التي مارست جميع أشكال القمع والاضطهاد‏,‏ وحظيت بتأييد ودعم الإخوان‏,‏ نكاية في الوفد من ناحية‏,‏ وانحيازا للملك وتوجهاته من ناحية أخري‏.‏
في الخامس من مايو‏1946,‏ وتحت عنوان‏'‏ هذه الجماعة تهوي‏',‏ نشرت جريدة‏'‏ الوفد المصري‏'‏ استقالة جماعية من شعبة الإخوان في زفتي‏,‏ مذيلة بتوقيعات المستقيلين‏,‏ كما نشرت بيانا من أهالي‏'‏ أبو قير‏'‏ يستنكر موقف الجماعة من القوي الوطنية‏,‏ وأتهموا الإخوان بأنهم نقراشيون صدقيون‏,‏ في إشارة إلي محمود فهمي النقراشي وإسماعيل صدقي‏.‏ ويطالب البيان بحل تشكيلات القمصان الصفراء المتهمة بالسلوك الفاشي‏.‏
ونشرت الصحيفة الوفدية بيانا من مؤتمر النقابات لعمال الشركات والمؤسسات الأهلية‏,‏ يعلن فيه أن اللجنة الوحيدة الممثلة لهم هي اللجنة الوطنية للعمال والطلبة‏,‏ ويستنكر ما تفعله جماعة الإخوان من مؤامرات ضد اللجنة‏,‏ وتكوين لجنة وهمية لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم‏,‏ ويسعون إلي عرقلة العمل الوطني‏.‏
وبعد يومين‏,‏ في السابع من مايو‏,‏ نشرت الجريدة الوفدية‏,‏ استقالات واحتجاجات من الإخوان المسلمين في بلبيس ومحرم بك والعريش والسويس وكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول‏.‏
لقد دفع الإخوان ثمن مواقفهم المؤيدة لحكومات غير شعبية‏,‏ وتمثل الاستقالات المتتالية تعبيرا عن الاختيار الخاطئ الذي تبناه حسن البنا‏,‏ وحقق من خلاله عديدا من المكاسب‏,‏ دون انتباه إلي رد الفعل المضاد من القواعد الإخوانية‏.‏
لكن الانشقاق الأكثر أهمية‏,‏ في هذه المرحلة‏,‏ كان نتيجة أسباب أخلاقية‏,‏ وليس سياسية‏,‏ ترتبط بالاتهامات الموجهة إلي صهر البنا‏,‏ عبد الحكيم عابدين‏.‏
تمتد جذور فضيحة عبد الحكيم عابدين إلي نهاية عام‏1945,‏ حيث نقل بعض الإخوان‏,‏ ومنهم أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد‏,‏ إلي البنا أن سكرتيره العام وزوج شقيقته عبد الحكيم عابدين‏,‏ يستغل سلطته في انتهاك حرمة البيوت وأعراض الإخوان‏.‏
بشكل سري‏,‏ كلف البنا الدكتور إبراهيم حسن بالتحقيق فيما يثار‏,‏ وقبل الوصول إلي نهاية التحقيق‏,‏ عرف أغلب أعضاء الجماعة بأمر التحقيق السري‏,‏ وتقدم الدكتور إبراهيم باقتراح يقضي بفصل عبد الحكيم عابدين من الجماعة‏,‏ وهو ما رفضه البنا‏,‏ وقرر تشكيل لجنة جديدة من كبار أعضاء الجماعة لتقصي الحقائق‏!.‏
كانت الاتهامات مشينة وخطيرة‏,‏ وبخاصة أن السلوك الأخلاقي الملتزم هو أهم الدعائم التي تقوم عليها جماعة الإخوان بشعاراتها الإسلامية‏,‏ وأصر كثير من الإخوان علي فصل عابدين‏,‏ وبخاصة أن أحد الشاكين قد وصفه بأنه راسبوتين الجماعة‏!.‏
كان المنطقي أن يرضخ البنا لرأي الأغلبية‏,‏ فقد صوت مكتب الإرشاد بأغلبية ثمانية أصوات مقابل صوت واحد لصالح قرار الفصل‏,‏ لكن البنا فاجأ الجميع بقرار عرض الأمر علي الهيئة التأسيسية لإعادة التحقيق‏,‏ وهو القرار الذي فهم منه أنه يهدف إلي التأثير علي هذه الهيئة‏.‏
لم ترق مناورات البنا لكثير من أعضاء وقيادات الجماعة‏,‏ وقدم الدكتور إبراهيم حسن استقالته احتجاجا في‏27‏ أبريل‏1947,‏ وكان قد سبق هذه الاستقالة قرار من البنا بإيقاف أحمد السكري وكمال عبد النبي والدكتور إبراهيم حسن من مزاولة حقوق عضوية الهيئة التأسيسية‏.‏
كان لموقف البنا أثر سلبي‏,‏ وهيأ لانشقاق جديد‏,‏ حيث أعقب خروج الدكتور إبراهيم حسن‏,‏ خروج أحمد السكري‏,‏ أحد أهم الرموز في تاريخ الجماعة‏.‏
ترجع أسباب خروج السكري إلي علاقة الجماعة بالوفد‏,‏ واعتراضه علي سياسة البنا في تأييد حكومة إسماعيل صدقي‏,‏ وهو ما أدي إلي إضعاف الحركة الوطنية وإثارة الشكوك حول حقيقة الإخوان‏.‏
كان السكري من المطالبين بالتنسيق مع الوفد‏,‏ وكان حسن البنا يضع شرطا مستحيلا وهو تبني الوفد لمبادئ الجماعة‏!.‏
ومن ناحية أخري‏,‏ لا يمكن إهمال العامل الشخصي في الانشقاق الكبير‏,‏ فقد كان السكري يشعر بأنه أكبر من أن يكون نائبا لرئيس الجماعة‏,‏ ويعتقد أن البديل هو تقسيم السلطة بينه وبين المرشد‏,‏ بحيث يتولي السكري الزعامة السياسية‏,‏ وينهض البنا بالجانب الدعوي‏.‏
جاء رد البنا بإحالة الخلاف إلي الهيئة التأسيسية‏,‏ لمساءلة السكري وإصدار قرار بفصله‏.‏ وعلي الرغم من العلاقة التاريخية الممتدة بين البنا والسكري‏,‏ فقد رأي حسن البنا أن يضحي بالصداقة العميقة حتي ينفرد وحده بالسلطة داخل صفوف الجماعة‏.‏
وبينما كان البنا يسعي جاهدا إلي التحكم في إيقاع الخلاف حتي لا يؤثر علي مكانة الجماعة وشعبيتها‏,‏ لجأ السكري والدكتور إبراهيم إلي صحيفتي صوت الأمة الوفدية والجماهير اليسارية‏,‏ ونشرا مقالات عنيفة ضد البنا‏,‏ وصلت إلي درجة اتهامه الصريح بالعمالة لإسماعيل صدقي والنقراشي‏,‏ كما اتهماه بالغدر‏,‏ والتلويح بأنه يتقاضي أموالا من الإنجليز‏!‏
لقد تحول أصدق أصدقاء الأمس القريب إلي أعداء ألداء‏,‏ ولمكانة الرجلين المنشقين في تاريخ الجماعة‏,‏ لم يكن سهلا أن يتم التغاضي عن الاتهامات التي نشراها‏,‏ وتركت أثرا ملموسا في صفوف الجماعة‏,‏ وكانت أحد العوامل المهمة التي مهدت لإصدار قرار الحل في نهاية عام‏1948‏ في العدد القادم نروي القصة الكاملة لأزمة السكري مع البنا علي خلفية الاتهامات التي وجهت لعبد الحكيم عابدين وننشر النصوص الكاملة لرسائل السكري بخط يده للتعرف علي جذور الانتهازية السياسية لدي الإخوان‏,‏ والي أين أوصلتهم‏,‏ واوصلت معهم المجتمع المصري‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.