استقرار أسعار الذهب محليًا بعد ارتفاع عالمي 36 دولارًا    ننشر أسعار الأسماك والخضروات والدواجن.. الأحد 24 أغسطس    45 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «طنطا - دمياط».. الأحد 24 أغسطس    الضرائب العقارية تجمع 1.5 مليار جنيه حصيلة ملاهي الحفلات خلال عام    فأغشيناهم فهم لا يبصرون، حصيلة مرعبة لقتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي ب"نيران صديقة"    الرئيس الفنلندي: صبر ترامب بدأ ينفد بشأن التسوية الأوكرانية    تفوقت على زوجة ميسي وبيكهام، رقم لا يصدق في عدد متابعي جورجينا بعد خطبتها من رونالدو (صور)    ضبط كيان تعليمي بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين بالجيزة    خلافات مالية وراء اعتداء صيدلى على عامل خلال مشاجرة فى أبو النمرس    حظك اليوم الأحد 24 أغسطس وتوقعات الأبراج    "سيد الثقلين".. سر اللقب الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده    في ذكرى المولد النبوي.. أفضل الأعمال للتقرب من الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم    لقطة انسانية.. تامر حسني يحرص على الغناء لطفلة مصابة في حفله بمهرجان مراسي (فيديو)    "في الظهور الأول لوسام".. كولومبوس يتلقى الهزيمة من نيو إنجلاند بالدوري الأمريكي    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. كليات التجارة و التربية ومعاهد الفني الصحي المتاحة تجاري 3 سنوت (قائمة كاملة)    تحذير خطير من تأثير الملح على الدماغ وعلاقته بالموت المفاجئ    مصر تنافس بقوة في جوائز LMGI العالمية عبر فيلم "Fountain of Youth" للمخرج جاي ريتشي    إعلام فلسطيني: سماع دوي انفجارات ضخمة جراء تفجير روبوتات مفخخة في مدينة غزة    سعر اليورو اليوم الأحد 24 أغسطس 2025.. العملة الأوروبية بكام الآن؟    «روحي سميتها بيروت».. محمد رمضان يفاجئ جمهوره بأغنية عن لبنان (فيديو)    انتشال جثمان طفلة من أسفل أنقاض منزل بسمنود بعد انهياره الجزئي    شديد الحرارة ورياح.. بيان من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة جنوب مخيم المغازي وسط قطاع غزة    ملف يلا كورة.. تغريم الزمالك.. صفقة كهربا.. وأزمة السوبر السعودي    شيكابالا يتحدث عن.. احتياجات الزمالك.. العودة لدوري الأبطال.. ومركز السعيد    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدتين بالخليل ومدينة قلقيلية    حكام مباريات يوم الإثنين فى الجولة الرابعة للدورى الممتاز    في 12 مقاطعة ب موسكو.. الدفاع الروسية تُسقط 57 مسيرة أوكرانية    تنسيق المرحلة الثالثة، الأخطاء الشائعة عند تسجيل الرغبات وتحذير من الرقم السري    «عقلي هيجراله حاجة».. حسام داغر يكشف سبب وفاة الممثل الشاب بهاء الخطيب    مروة ناجي تتألق في أولى مشاركاتها بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية    محمد رمضان يحيي حفلًا غنائيًا بالساحل الشمالي في هذا الموعد    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اندثار بعض الوظائف.. والحل التوجه لمهن جديدة    تصل كييف خلال 6 أسابيع.. إدارة ترامب توافق على بيع 3350 صاروخا بعيد المدى ل أوكرانيا    خسوف القمر الكلي.. مصر على موعد مع ظاهرة فلكية بارزة في 7 سبتمبر.. فيديو    انقلاب سيارة محملة بالزيت على الطريق الدولي ومحافظ كفر الشيخ يوجه بتأمين الطريق    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    خلال اشتباكات مع قوات الأمن.. مقتل تاجر مخدرات شديد الخطورة في الأقصر    مصرع طفل وإصابة 2 آخرين في انهيار حائط بسوهاج    في المباراة ال 600 للمدرب.. ويسلي يفتتح مسيرته مع روما بحسم الفوز على بولونيا    رسميًا.. موعد المولد النبوي 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة للقطاع العام والخاص والبنوك    لا صحة لوقوع خطأ طبي.. محمود سعد يوضح تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    تاليا تامر حسني: التنمّر ليس مزحة.. إنه ألم حقيقي يدمّر الثقة بالنفس (فيديو)    «المصري اليوم» في جولة داخل أنفاق المرحلة الأولى للخط الرابع ل«المترو»    مستثمرون يابانيون: مصر جاذبة للاستثمار ولديها موارد تؤهلها للعالمية    وزير الإسكان يتابع موقف عدد من المشروعات بمطروح    برشلونة يقلب تأخره لفوز أمام ليفانتي بالدوري الاسباني    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    محافظ شمال سيناء يوجه بتشغيل قسم الغسيل الكلوي للأطفال بمستشفى العريش العام    إحالة المتغيبين في مستشفى الشيخ زويد المركزى إلى التحقيق العاجل    «أوقاف المنيا» تعلن بدء احتفال المولد النبوي غدًا الأحد 24 أغسطس    تعرف على استعدادات تعليم كفر الشيخ للعام الدراسي الجديد    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    حصاد الأسبوع    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبد الرحيم الحميلي‏..‏ كروان الصعيد
نشر في الأهرام المسائي يوم 31 - 08 - 2010

ارتبط اسم الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلي بالصعيد‏,‏ ففيه ولد‏,‏ وفيه نشأ وفيه قضي عمره كاملا‏.‏ فقد ولد الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلي في قرية بني حميل بمحافظة سوهاج‏
‏ اسمه بالكامل محمد عبدالرحيم محمود عمر العمراني الشريف الحسيني‏,‏ وهي عائلة تحققت من نسبها الذي ينتمي إلي نسل سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏ وقرية بني حميل هذه تابعة لمدينة البلينا محافظة سوهاج‏.‏
والقرية التي ولد بها الشيخ تتميز بميزتين كبيرتين‏,‏ الأولي أنها مليئة بأضرحة أولياء الله الصالحين‏,‏ ويبلغ عدد الأضرحة في قرية بني حميل‏365‏ ضريحا‏,‏ بعدد أيام السنة‏,‏ وهو ما يجعل أهلها يعتقدون أنها مباركة علي مدار العام‏,‏ رغم أنها قرية فقيرة من بين أفقر ألف قرية في مصر‏.‏
وهكذا فإن قرية بني حميل تعيش في جو من الموالد طوال العام‏,‏ بالإضافة إلي المولد الكبير في القرية والذي يتوافد عليه الضيوف من كل مكان في صعيد مصر‏,‏ بل إنه يشهد توافد زيارات من وجه بحري‏,‏ خاصة الإسكندرانية ذوي الأصول الصعيدية‏.‏
ويقام مولد بني حميل الكبير دائما يوم أربعاء وهو ليلة واحدة يكون غالبا في شهر أبريل‏,‏ رغم الجمع الغفير من الناس الذين يزورونه‏,‏ ويحييه عادة كبار المداحين‏,‏ ومن أهم مظاهر المولد أن الأهالي يفتحون جميع البيوت في هذا اليوم لاستقبال الضيوف‏,‏ لا فرق بين غني أو فقير‏.‏ حتي إن أهالي القرية يسمون هذا اليوم‏'‏ يوم المضيفة‏'.‏
ويتجاوز يوم مولد بني حميل كونه مولدا تقليديا‏,‏ حيث يحاول الأهالي إضفاء طابع اجتماعي عليه‏,‏ فيقام في هذا المولد سباق للخيل‏,‏ بالإضافة إلي سباق في لعبة العصا‏'‏التحطيب‏',‏ وكذلك المزمار البلدي ورقص الخيل‏.‏
في قلب هذه الأجواء نشأ الشيخ عبد الرحيم‏,‏ فكان طبيعيا أن تتجه موهبته البارزة في الغناء إلي الإنشاد والمديح‏,‏ غير أن هذا لم يكن هو السبب الوحيد وراء تعلقه بالمديح‏,‏ فقرية بني حميل قريبة من مراكز محافظة قنا‏,‏ الزاخرة بالموالد الكبيرة‏,‏ وعدد من أولياء الله الصالحين‏,‏ وعلي رأسهم مولد سيدي يوسف أبو الحجاج في الأقصر‏,‏ والذي يتسابق المداحون في إحيائه من كل محافظات الجمهورية‏,‏ وهكذا كان الشيخ الحميلي يخرج من منزله‏,‏ ليزور الموالد‏,‏ ويستمع إلي المداحين‏,‏ ليتحدد مصير حياته مبكرا‏.‏
علي عكس كثير من المداحين لم يتلق الشيخ محمد عبد الرحيم تعليما أزهريا‏,‏ حيث لم تتنبه أسرته إلي موهبته المبكرة‏.‏ وقد دخل الشيخ المدارس العمومية‏,‏ شأنه شأن الآلاف من الأطفال‏,‏ لكنه غيرهم‏,‏ خرج من المدرسة بعد أن حصل علي الشهادة الابتدائية‏,‏ فقد اكتفت أسرته بهذا القدر لضيق ذات اليد‏.‏ غير أن خروجه المبكر من المدرسة كان له أثر إيجابي تمثل في فرصة لوقت أكبر يقضيه الشيخ في عالم الموالد‏,‏ الذي نمي لديه موهبته كمداح وإحساسه كصوفي‏.‏
وعلينا هنا أن نفتح قوسا لنشير إلي أن اكتفاء الشيخ بهذا القدر من التعليم لم يجعله يتجه كلية إلي المدح الشعبي‏,‏ فإلي جانب مدائحه الشعبية‏,‏ أنشد الشيخ عبد الرحيم عددا من قصائد كبار الصوفية‏,‏ واللافت هو تمكنه من اللغة العربية التي كان يحبها حبا جما بحسب شهادة ابنه أحمد‏,‏ فقد كان هو الذي يتولي تعليم أبنائه مبادئ النحو والصرف‏.‏
في سن مبكرة لمعت موهبة الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلي‏,‏ وبدأ اسمه في الانتشار والذيوع‏,‏ وبعد أن كان واحدا من جمهور المداحين في ليالي الموالد‏,‏ أصبح هو واحدا من أهم من أحيوا تلك الليالي‏,‏ كان ذلك في سبعينيات القرن العشرين‏,‏ ومع انتشار أجهزة الكاسيت المعروفة في الصعيد باسم أجهزة‏'‏ التسجيل‏'‏ انتشرت عادة تسجيل الحفلات والليالي‏,‏ وهكذا ظهرت شرائط كاسيت للشيخ الحميلي لكنها غير مجهزة‏,‏ فهي عبارة عن تسجيل‏'‏ حي‏'‏ غير صاف وغير دقيق‏,‏ وهو ما جعل الشيخ يفكر في التوجه إلي‏'‏ بحري‏'‏ حيث يمكنه تسجيل تلك الشرائط‏.‏
لم يتوجه الشيخ إلي القاهرة لإحياء حفلات سيدنا الحسين والسيدة زينب‏,‏ حيث لم تتوافر له إقامة في القاهرة‏,‏ فاتجه إلي الإسكندرية‏,‏ ويمكننا أن نعتبر الإسكندرية هي نقطة انطلاق الشيخ الحميلي‏,‏ ففي الثغر يوجد العديد من أهالي الصعيد خاصة أبناء محافظة سوهاج‏,‏ وكثير منهم حافظ علي المذاق الجنوبي في كل تفاصيل حياته بدءا من الملابس وليس انتهاء بالذوق الفني‏.‏ وهكذا كانت ليالي الشيخ في الإسكندرية هي المدخل إلي شهرة الشيخ التي لمعت في القاهرة‏.‏
نزل الشيخ إلي العاصمة‏,‏ وبدأ في تحقيق حلمه بالإنشاد في الحسين والسيدة زينب‏,‏ بالإضافة إلي تسجيله عدة شرائط كاسيت لعدد من الشركات التي تبيع إنتاجها في العتبة والحسين‏,‏ وكان أبرز تلك الشرائط ما ينشد فيه الشيخ‏'‏ قم في الدجي‏',‏ رغم أنه لم يكن أول شريط للشيخ إلا أنه كان الأشهر والأهم‏.‏
لكن قلب الشيخ ظل معلقا طوال الوقت بالجنوب‏,‏ ولذلك كانت إقامته الدائمة وإقامة أسرته في قرية بني حميل‏,‏ وكلما تقدم به العمر قلت الأيام التي يقضيها خارج الصعيد أو بمعني أصح خارج قريته التي ظل ملتزما بإحياء مولدها ولم يتخلف عنه طوال حياته‏.‏
وبمناسبة القرية والأسرة فإن الشيخ محمد عبد الرحيم كان يقيم وزنا كبيرا لحياة الأسرة‏,‏ وظل حريصا طوال حياته علي أن يتعلم أولاده تعليما حضاريا‏,‏ وأن يصبحوا من ذوي الشأن في المجتمع‏,‏ ولذلك تزوج الشيخ مرة واحدة وأنجب سبعة أبناء درسوا جميعا في كليات الصيدلة والهندسة والتربية والحقوق‏,‏ ومازال له ابنان في الثانوية العامة‏,‏ وإذا سألت نجله الأكبر ماذا ترك لكم الوالد فسيجيب‏'‏ علمنا حب الله‏,‏ وكره الحرام‏,‏ واتباع الدين‏'.‏
والشيخ الحميلي كان متصوفا بالطريقة‏,‏ وكان متعلقا ببيت الله الحرام‏,‏ وبحب رسوله‏,‏ ولم يكن يفوت أي فرصة لزيارة الأماكن المقدسة‏,‏ فحج مرتين‏,‏ واعتمر إحدي عشرة مرة‏,‏ وكان يفضل اللون الأخضر باعتباره لون عمامة الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏
وكان الشيخ الحميلي له مريدون وأحباب علي مستويات اجتماعية عالية‏,‏ ومنهم د‏.‏ أبو حبيب ابن قريته وأستاذ الجامعة‏,‏ الذي يصف أداء وحياة الشيخ فيقول‏:‏ الشيخ الحميلي غصن طيب من شجرة وارفة الظلال‏,‏ اصلها ثابت وفرعها في السماء‏,‏ إنها الشجرة المحمدية‏,‏ الشيخ الحميلي بلبل غرد في سماء المدح فأسر القلوب‏,‏ كان رحمه الله صاحب صوت ملائكي‏.‏ حين تسمعه تصفو نفسك‏,‏ وتحلق بعيدا في التجلي الصوفي‏.‏ إنه بحق قيثارة المدح وترنيمة الشوق‏.‏ وهب للمدح حياته كلها فأعطاه الله حب الملايين‏,‏ فما من حفلة إلا وتجد محبيه حوله‏,‏ يرتقي بهم إلي معارج النور فيخلعون عن أنفسهم حب الدنيا‏,‏ ويهيمون في محبة الله ورسوله‏,‏ فلا يشعرون بالوجود حولهم‏.‏ عندها ينعدم الزمن بالنسبة إليهم وتنعدم في داخلهم‏'‏ الأنا‏'‏ فلا يرون إلا صورة المحبوب تتجلي عليهم بالنور والصفاء‏.‏ ويختتم الدكتور شهادته قائلا‏:‏ رحم الله شيخنا و مولانا الشيخ محمد عبد الرحيم كروان الصعيد الذي كان يفتح بيته دوما للفقراء والمساكين‏.‏
رحم الله الشيخ محمد عبد الرحيم الحميلي‏,‏ المعروف باسم كروان الصعيد‏,‏ والمعروف كذلك باسم‏'‏ أبو طار‏',‏ نظرا لأنه حمل طار المديح صغيرا وتعلق به طوال حياته‏,‏ والذي رحل في قريته بني حميل منذ عامين‏,‏ تحديدا في الثالث من أبريل عام‏..2008‏ وربنا يرحم الجميع‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.