أقترح أن يتضمن ميثاق الشرف الإعلامي الذي قدمته الإعلامية الكبيرة والوزيرة درية شرف الدين بندآ ينص على ضرورة أن يحترم المذيع أو المذيعة، الضيف الذي يستضيفونه في برامجهم الحوارية، فقد استفحلت في الآونة الأخيرة ظاهرة قبيحة تتمثل في عدم احترام الضيف وخاصة إذا كان ضابطآ في الشرطة أو القوات المسلحة، وممارسة نوع جديد من الإرهاب الفكري والإعلامي أثناء اللقاء معه. وفي الحقيقة فنحن كنا قد تخلصنا من هذا النوع من الإرهاب الإعلامي بعد تقاعد المذيعة ليلى رستم، والتي كانت مكروهة من جمهور المشاهدين بسبب تعاليها وغطرستها على ضيوفها، ولكن هذه الظاهرة البغيضة عادت هذه الأيام لتطل علينا في قنواتنا الفضائية. فقد شاهدنا إعلاميآ يهدد على الهواء مباشرة لواء بالشرطة أنه يمكن أن ينهي اللقاء معه في أي وقت، وأن الموضوع لا يفرق معه سواء استمر اللقاء أو انتهى، تصوروا مدى هذه الوقاحة، وشاهدنا مذيعآ آخر يحاكم لواء بسبب انتهاء خدمته العسكرية وما قيل عن أسباب الإنهاء، وشاهدنا مذيعة تتحاور بعدم احترام مع الوزير منير فخري عبد النور، وتحاول أن تتهكم على ما يسمى بحكم العسكر وكانت بالطبع تشير إلى المشير السيسي، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة. وليت هؤلاء الإعلاميين كانوا في ثقافة المذيعة السابقة ليلى رستم التي سبقتهم في هذا الأسلوب الإستفزازي لضيوفها، ولكنهم محدودو الثقافة ، ومحدودو القدرات اللغوية، ويتضح هذا جليآ عندما يضطر أحدهم إلى قراءة ورقة أمامه، فتجد أن الضمة تحولت إلى فتحة، والفتحة كسرت بالكسرة، وجمع المؤنث السالم تحولت جيناته الوراثية بقدرة قادر إلى جمع مذكر سالم، ولو سمعهم "سيبويه" لأقدم على الانتحار. معظمهم كانوا ومازالوا صحافيين بالجرائد المصرية وكان هناك المصحح اللغوي ليصحح أخطاءهم، ولكن الرواتب المرتفعة جدآ التي تدفع في الفضائيات جعلتهم يلهثون خلفها حتى أصبحوا مذيعين ومذيعات مع الإحتفاظ بمواقعهم الصحفية في الصحف، وزيادة الخير خيرين، لا مانع، وأذكر أن الأستاذ مرسي عطا الله رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق قرر فصل صحافيي الأهرام الذين التحقوا بالقنوات الفضائية، ولكنه قوبل بحرب عنيفة عليه، ونجحوا في تعطيل هذا القرار حتى خرج مرسي عطا الله من الأهرام، لكنهم بلاشك لن يكونوا إعلاميين محترفين ، بل هم صحافيون يعملون في القنوات التليفزيونية الفضائية، حيث لا يوجد مصحح على الهواء. وصارت برامجهم الحوارية يومية، وأتيحت لهم مساحات زمنية طويلة على الهواء مباشرة ، فكان لابد أن يشغلوها بأية حوارات، ولا أبالغ حين أقول أن بعض هذه الحوارات تتحول أحيانآ إلى ردح إعلاني مع الأسف، تنكشف فيها حقيقتهم وقدراتهم المتواضعة في مجال الحوار لأنهم في الأصل ليسوا مذيعين أو مذيعات بل صحافيون وصحافيات تسللوا من الباب الخلفي للقنوات الفضائية التليفزيونية. وفي لقاء الإعلامية لميس الحديدي ، والإعلامي إبراهيم عيسى مع المشير السيسي، أعتقد أنهما حاولا ممارسة نفس الديكتاتورية الإعلامية مع الضيف الذي تشير كل التوقعات أنه سيكون رئيس مصر القادم، ولعلهما إرتكبا خطأً كبيرآ في حق نفسيهما وفي حق شعبيتهما الإعلامية حين تصورا أنهما يمكنهما ممارسة هذه الديكتاتورية مع رجل قوي مثل المشير السيسي، له شعبية جارفة في قلوب غالبية المصريين والعرب. رجل تحدى عصابة الإخوان، وهزم قادتهم خلال ساعات معدودة ، رجل ترأس جهازآ من أخطر أجهزة الدولة وهو جهاز المخابرات الحربية، ثم تولى قيادة القوات المسلحة المصرية، ورئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، ولا أريد أن أعلق على تفاصيل اللقاء ومفرداته اللغوية ، فالشعب المصري، وكل الشعوب العربية تابعوا هذا اللقاء ، وإمتلأت مواقع التواصل الإجتماعي بتعليقات أجمعت غالبيتها على إستهجان الطريقة التي تحدث بها إبراهيم عيسى، وتحدثت بها لميس الحديدي في هذا اللقاء، وكان هذا أيضآ رأى بعض المفكرين وأساتذة الإعلام في استوديوهات التحليل التي أعقبت اللقاء، لكني سوف أتوقف عند بعض النقاط العامة. نعلم أن المذيع أو المذيعة في البرامج الحوارية عليه أن يتبنى وجهة النظر الأخرى، حفظناها عن ظهر قلب من كثرة ما قيلت، ومن كثرة ما سمعناها، ولكن أن تتبنى وجهة النظر الأخرى ليس معناه أن تنحاز لها ضد رأي الضيف الذي تستضيفه، فأنت على الهواء ويتابعك الملايين، وعندما تعرض وجهة النظر الأخرى المعارضة وتدافع عنها بإلحاح ، مع تغير قسمات الوجه ، ونغمات الصوت، ونظرات العين، أو بمعنى آخر تدافع عنها باستخدام لغة الجسد Body Language، فإنك بذلك لم تعرض وجهة النظر الأخرى بحياد بل كنت مؤيدآ لها ومعارضآ لوجهة نظر ضيفك أمام جمهورك ومشاهديك ومعجبيك، وهذا ليس عدلآ. تذكروا معي عندما بدأت لميس الحديدي حوارها بسؤال مستفز للغاية، أثبت أن المشير السيسي قوي الأعصاب، هادئ، لا ينفعل بسهولة، حين سألته هل كان موقفك يوم 3/7 تخطيطآ منك لتكون الرئيس القادم لمصر؟ بصراحة الطريقة التي صيغ بها هذا السؤال كانت في غاية الوقاحة حيث أنها توحي إلى أن المشير دبر إنقلابآ عسكريآ ليستولي على حكم مصر. تماسك المشير ولم ينفعل ، ولكنه ربما أدرك من الوهلة الأولى للقاء أنه سوف يكون لقاءآ هجوميآ ، فبدأ بعد ذلك يبادلهما الهجوم ، وتخابث الأستاذ إبراهيم عيسى على المشير محاولآ الإيحاء أن السيدة الفاضلة زوجة المشير ربما تكون نسخة من السيدة سوزان مبارك فيما أشيع عن تدخلها في أمور الحكم لمجرد أنها وافقت المشير على ترشحه للرئاسة، ثم عندما حاوره في الكيفية التي أبلغ بها المشير المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتزامه الترشح للرئاسة، وهل كان إبلاغآ أم استئذانآ، وكذلك المراوغة في إستخدام إصطلاح العسكر، ومعارضته قانون تنظيم المظاهرات. ثم عادت دفة الحوار للسيدة لميس الحديدي التي سألت المشير السيسي عن المطالبات بالإفراج عن المقبوض عليهم ، وحقه الرئاسي في العفو عن المسجونين، وكأن لميس صارت صدىً لمؤتمرات الصباحي وما يطرح فيها، والعجيب أنها كانت تقاطع المشير أثناء إجاباته بطريقة مستفزة على الرغم أننا لو عدنا لتسجيلات سابقة لها مع الأستاذ هيكل سنجد أنها كانت تتركه وبمنتهى الاحترام، يتكلم فترات طويلة من دون أن تقاطعه. فلماذا قاطعت السيسي كثيرآ حتى أنه ضج من هذه المقاطعة، وقال لها بلغة حاسمة، هل تريدين أن تسمعي أو تتكلمي أنتي ، لقد أظهرت السيدة لميس الحديدي إحترامآ للأستاذ هيكل بدا كأنه أكثر من احترامها للمشير السيسي، كل هذه اللقطات في الحوار تثبت أن لميس وإبراهيم لم يكونا يعرضان وجهة النظر الأخرى بل ظهر تحيزهم لها ولو من دون قصد. ولا أريد أن أعلق كثيرآ على إجابات السيسي، فقد أفاضت ستوديوهات التحليل في التعليق على كل كلمة وكل حركة ، حتى أن بعضها إستضاف أساتذة الطب النفسي لتحليل حركات الذراعين واليدين وتعبيرات الوجه ونظرات العين، وعمومآ فقد كان السيسي قوي الشخصية ، ذكيآ ، واقعيآ ، لم يقدم وعودآ كاذبة ، ولم يقدم تنازلات على حساب سيادة القانون استجداء لبعض الأصوات التي تتصور أنها يمكن أن تكون فوق القانون. قالوا عنه عسكري الفكر والثقافة ، فتكلم في الاقتصاد وكأنه عالم إقتصادي ، وقدم حلولآ غير تقليدية لمشاكل الفقراء الذين أسماهم المعوزين ، كان يتذكر الأرقام الصعبة بسهولة دون الرجوع إلى الورق الذي كان أمامه ، وتكلم بتوازن وعدم انفعال عن علاقات مصر الخارجية مع أمريكا وأوروبا وإسرائيل والدول العربية والأفريقية. وتحدث بهدوء وحزم عن مشكلة سد النهضة في إثيوبيا، وكان ملفتآ للنظر اللياقة الذهنية العالية جدآ للمشير السيسي حتى أنه أهدى اللقاء كما بدأه دون أن يظهر عليه علامات الإجهاد أو التوتر، رغم أن اللقاء الذي قدم في جزئين على مدى يومين، سجل في جلسة واحدة امتدت لأكثر من خمس ساعات، بينما كان من السهل ملاحظة الإجهاد والتعب على وجهي لميس الحديدي وإبراهيم عيسى. ومن وجهة نظري فإني أعتقد أن المشير السيسي فاز فوزآ ساحقآ في هذا اللقاء، وإطمأننت أن تأييدي للمشير له ما يبرره، أما السيدة لميس الحديدي، والأستاذ إبراهيم عيسى فقد فقدا الكثير من شعبيتهما، وعليهما أن يراجعا طريقتهما في إجراء حوارات مع شخصيات لها وزن كبير في قلوب الناس مثل المشير السيسي.