صدق أو لا تصدق.. مصر أنفقت حوالي مليار جنيه ما بين مخصصات مالية مباشرة وأصول تتمثل في أراض لبناء الجامعة وميزانية لبنائها لتمويل دراسة بضع عشرات من الطلاب لنيل درجات الماجستير والدكتوراة من الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا بمدينة برج العرب بالاسكندرية ضمن مائة طالب هم كل الطلاب المقيدين بها! هذه خلاصة الموضوع باختصار شديد, والتي تشير إلي إهدار جسيم في المال العام وراءه سيل متدفق من المخالفات المالية والإدارية ارتكبه المسئولون في الجامعة بمعرفة وتحت إشراف رئيس الجامعة المستقيل الدكتور أحمد بهاء الدين خيري, وتفاصيل هذه المهزلة سأوردها بالتفصيل في السطور التالية. فقد تم إنشاء الجامعة وتدبير مواردها من الخزانة العامة وقبول عدد100 طالب في الدراسات العليا للحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراة, احتفل منهم فقط10 من شباب العلماء بالحصول علي درجة الماجستير ضمن الدفعة الرابعة التي تخرجت العام الماضي2013, والدفعة الثانية من حملة الدكتوراه وعددهم6 آخرين. الجامعة التي أنشئت بموجب اتفاقية مشتركة بين البلدين تم توقيعها يوم26 مارس2009 وصدر بها قرار رئاسي رقم149 مع التحفظ بشرط تصديق مجلس الشعب عليها, والتي نصت علي أن يعمل الطرفان المتعاقدان وفقا للقوانين واللوائح الداخلية بكل منهما وفي حدود مخصصاتها المالية السنوية, بغرض تشجيع التعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين مصر واليابان, استنادا علي مبدأ ملكية الحكومة المصرية للجامعة ومبدأ الشراكة بين الطرفين. الجدير بالذكر في هذا الشأن عدم تصديق مجلس الشعب علي الاتفاقية حتي وقت كتابة هذه السطور بكل ما يعنيه هذا من عدم استكمال جانب رئيس من الجوانب التي تتعلق بوضع الجامعة القانوني رغم بدء الدراسة بها من2010( حيث وردت الاتفاقية للمجلس بتاريخ2009/5/31 تحت رقم65 وأودعت مكتب المجلس بتاريخ7 يونيو من نفس العام مضبطة رقم119 الفصل التشريعي التاسع دورة الانعقاد الرابع من دون أن يتم التصديق عليها), وهو ما يفقدها أي أثر قانوني لها بدون هذا التصديق, والملاحظ أن القرار الجمهوري قد صدر مستندا في ديباجته للفقرة الأولي من المادة151 من دستور جمهورية مصر العربية, علما بأن هذه الفقرة تخص المعاهدات التي لا تحمل ميزانية الدولة التزامات مالية, ومع ذلك اشترط المشرع الدستوري أن يتم تصديق مجلس الشعب علي هذه الاتفاقيات بعد مناقشتها مناقشة مستفيضة بندا بندا حتي يكون لها قوة القانون, بينما كان الأولي بالتطبيق هو الفقرة الثانية من المادة151 والتي تخص كافة الاتفاقيات التي تحمل موازنة الدولة التزامات مالية, ولذلك اشترط المشرع موافقة صريحة من مجلس الشعب علي هذه الاتفاقيات لما لها من آثار مالية علي الموازنة العامة للدولة. إلا أن واضعي الاتفاقية لم ينفذوا لا شروط الفقرة الأولي ولا الثانية من المادة151 وبهذا تصبح هي والعدم سواء. وقد أدرك رئيس الجمهورية الأسبق هذا الأمر فتحفظ علي شرط التصديق وهو وفقا لما استقر عليه فقه القانون الدولي, أن الاتفاقيات يوقف تنفيذها طالما كان عليها تحفظ علي شرط دستوري لم تستوفيه وهو التصديق, وبهذا يتبين مخالفة المسئولين عن الجامعة لمعظم القوانين السارية في الدولة بالمخالفة للاتفاقية نفسها, وعلي سبيل المثال وليس الحصر تقضي اللائحة الخاصة بالجامعة اليابانية والتي لم تقرها أي جهة معنية( وزارة المالية ووزارة التعليم العالي) بمنح عضو هيئة التدريس بالجامعة اليابانية( الأستاذ المساعد) حتي درجة أستاذ رواتب تترواح بين25 ألف جنيها شهريا حتي42 ألف جنيه شهريا, علما بأ نرئيس الجامعة كان يتقاضي46 ألف جنيه شهريا, إضافة إلي أنها منحت بعض الإداريين رواتب بلغت25 ألف جنيه شهريا ومثال ذلك( نبيل عبدالحميد المدير السابق لمكتب السفير فايزة أبو النجا وقت توليها مسئولية وزارة التعاون الدولي, والذي يشغل منصب مدير الإدارة المركزية لرئيس الجامعة اليابانية ويبلغ من العمر67 عاما), علي الرغم من صدور فتوي قانونية من المستشار القانوني لوزارة التعليم العالي بفسخ العقد المبرم معه لمخالفته للقانون, بموافقة وزير التعليم العالي الجديد الدكتور وائل الدجوي علي فسخ العقد إلا أن السفير فايزة أبو النجا التي عينها الدكتور حسام عيسي وزير التعليم العالي السابق عضوا لمجلس الأمناء, رفضت تنفيذ قرار الوزير مدعية أن الوزير ليس له أي دخل بالجامعة, ولا يحق له التدخل في شئونها! وبهذا تحولت الجامعة اليابانية إلي دولة داخل الدولة, وهي الكيان الذي ولد سفاحا ولم يثبت نسبه حتي الآن لعدم استيفائه الشرط الخاص بتصديق مجلس الشعب علي اتفاقية إنشائها. دبرت موارد الجامعة خلال العامين الماليين2011/2010 و2012/2011 من صندوق تطوير التعليم التابع لمجلس الوزراء وقطاع العلاقات الثقافية والبعثات بوزارة التعليم العالي بلغت19 مليون جنيه, و23 مليون جنيه بالترتيب, وهو ما يؤكد تبعية الجامعة للحكومة المصرية وضرورة تطبيق اللوائح المالية عليها باعتبارها جامعة حكومية. وبناء علي موافقة وزير الإسكان وقتها تم تخصيص14 عمارة بالحي السكني الثالث بمدينة برج العرب لاستخدامها كمقر مؤقت للجامعة وسكن للطلاب وأعضاء هيئة التدريس, ومساحة200 فدان بمنطقة الجامعات بالمدينة لإنشاء المقر الدائم للجامعة بنظام نقل الأصول وتوفير مبلغ450 مليون جنيه من صندوق تطوير التعليم لإنشاء وتجهيز الجامعة. بدأ تشغيل برنامج الدراسات العليا بالجامعة عام2010 بتسجيل100 طالب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه هم كل طلبة الجامعة حاليا علي أن يبدأ تشغيل الكليات للطلاب الحاصلين علي الثانوية العامة اعتبارا من.2014 نصت الاتفاقية علي أن يعمل الطرفان وفقا للقوانين واللوائح الداخلية بكل دولة وأن تدار الجامعة من خلال مجلس أمناء يعين رئيسها ونائبه. تم تشكيل مجلس أمناء الجامعة بتاريخ2010/1/27 برئاسة د. يسري الجمل وزير التربية والتعليم الأسبق وعضوية7 أعضاء عن الجانب المصري, بخلاف الجانب الياباني. ثم صدر قرار رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة رقم87 بتاريخ2011/5/9 بإنشاء الجامعة اليابانية دون التطرق إلي تحديد ماهيتها أو طبيعتها وما إذا كانت( حكومية, خاصة, أهلية) وكذا اختصاص مجلس الأمناء, وهو الأمر الذي ترتب عليه فيما بعد إطلاق يد رئيس الجامعة للتصرف في شئونها من دون أية ضوابط, وارتكب مخالفات بالجملة رصدتها هيئة الرقابة الإدارية في تقريرين مفصلين, وكذا الجهاز المركزي للمحاسبات, ونشرت تفاصيلهما في الصحف وهو ما أدي إلي قبول استقالة رئيس الجامعة ومنعه من دخول أي منشأة من منشآتها, وحل مجلس الأمناء بقرار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التعليم العالي السابق الدكتور حسام عيسي بتاريخ2013/12/30, وتعيين قائم بأعمال رئيس الجامعة مكانه هو الدكتور سعيد مجاهد, ورئيس جديد لمجلس الأمناء هي السفيرة فايزة أبو النجا. تصور العاملون في الجامعة أن صفحة الفساد المالي والإداري قد طويت إلي غير رجعة وأن مرحلة جديدة أفضل بدأت, وسط حالة من التفاؤل بفترة خالية من المخالفات, لا سيما بعد إعداد حسام عيسي مشروع قانون أكثر من رائع لتقنين وضع الجامعة, لضبط الآداء القانوني بها وتطبيق اللوائح والقوانين بغرض وقف النزيف المتعمد للمال العام. ذهبت هذه التصورات أدراج الرياح في أول اجتماع عقدته أبو النجا للجانب المصري من مجلس الأمناء, حيث بدأت الاجتماع بتقرير اتفاقها منفردة مع الجانب الياباني بعدم الاعتداد بمشروع القانون الذي أعده الوزير والخبير القانوني حسام عيسي بنفسه ووافق عليه الجانب الياباني بعد مشاورات طويلة حتي يتم تقنين وضع الجامعة وتلافي المخالفات الصارخة التي أوردتها الأجهزة الرقابية في تقاريرها المتوالية وبما لا يضر بمصالح العاملين في الجامعة من أعضاء هيئة تدريس وإداريين, وبما لا يتعارض مع أحكام القوانين واللوائح السارية في الدولة والتي يتم تطبيقها علي باقي الجامعات المصرية. علما بأن الجانب الياباني يحترم كافة القوانين السارية في اليابان فيما يخص شئونه, ولا يحاول التمرد عليها مثلما حاولت السفيرة أبو النجا في أولي خطواتها في الجامعة المفترض أن تكون إصلاحية وليس العكس عندما ادعت أمام أعضاء المجلس أن الجامعة ليست في حاجة إلي قانون, وأن الاتفاقية في حد ذاتها قانون, وهو ما جعل الجانب الياباني يصدق سيادتها لتضيع مجهودات حسام عيسي علي مدي3 أشهر في صياغة هذا القانون بكلمة واحدة منها. اللائحة الداخلية المعيبة للجامعة والتي اعتبرتها أبو النجا المصدر الوحيد للتشريع داخل الجامعة, والتي انتقدتها الأجهزة الرقابية بشدة ورفضتها وزارة المالية لمخالفتها كافة القونين واللوائح السارية في الدولة وفقا لتصورات أبو النجا تقضي بإطلاق يد مجلس الأمناء في التصرف في كل شئون الجامعة المالية والإدارية دون الرجوع لوزير التعليم العالي الذي تتبعه الجامعة, وحتي فيما يتعلق بتجديد تعيين أعضاء مجلس الأمناء, متجاهلة بذلك حقيقة أن الوزير هو من قام بتعيينها في هذا المنصب, في واقعة أشبه ما تكون بالانقلاب علي الشرعية, ومحاولة الاستقلال والاستحواذ علي الجامعة وهو ما يهدد مستقبل الجامعة بطلابها والعاملين بها بمصير مظلم بسبب تحدي قوانين الدولة. فمن يأخذ علي أيديهم قبل أن يتمكنوا من إغراق هذا الصرح العلمي الهام. علما بأن عناصر الفساد مازالت موجودة داخل الجامعة بقوة وفاعلية بمن فيهم من تورط في تسهيل جريمة رشوة, وردت تفصيلا في تقرير الرقابة الإدارية, وأبطالها أمير كامل واصف صاحب شركة أجهزة طبية ومعين مستشار بالجامعة بأجر يومي قدره1200 جنيه, ود.عمرو الطويل عضو هيئة التدريس بالجامعة. أتصور أن الموقف جد خطير ويحتاج إلي تضافر جهود كل المسئولين وليس وزير التعليم العالي وحده حتي يتم تطهير الجامعة تماما من كل أذناب الفساد.