رحلة طويلة علي درب الزمان, قطعها اسم النبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام. لا تعرف الانسانية اسما للانسان, تهتف به المآذن, عشر مرات, في آذان يتكرر خمس مرات, إلا هذا الاسم المبارك: محمد رسول الله. تقريبا, لا توجد قارة, ولا دولة, ولا مدينة, ولا أي ركن من أركان الدنيا, يخلو من اسم محمد, أو يخلو ممن يؤمنون به, أو ممن يبتهلون باسمه الجميل. احتفل المسلمون, بإسرائه من مكة إلي القدس, وبمعراجه من الأرض إلي السماء, في معجزة خاطفة, خطفت المكان, وخطفت الزمان, وأزاحت ما بين أركان الوجود الكوني كله من عوازل ومن حواجز. أشعر بأنها, كانت عملا ارتياديا اكتشافيا, تلقن الانسان درسا في الانطلاق نحو أبعد الآفاق. كانت درسا عمليا, يقول للانسانية انها قادرة علي أن تتحرر من الضعف, تتحرر من القيود, تتحرر من ضغوط الواقع, تتحرر من الأفكار الصغيرة, وتتخلص من الطموحات المحدودة, وتتمرد علي رتابة الاستسلام لأنماط الحياة الموروثة, وتنتصر علي طغيان التقاليد المألوفة. الإسراء والمعراج, نفس طويل عميق من رئة انسانية تتنفس الأمل, وتهفو إلي تجريب ما هو رائع وما هو بديع, مهما كان بعيدا, ومهما كان محالا أو مستحيلا. الإسراء والمعراج, نظرة إلي البعيد, تقول للانسان ان نور البصيرة يأتي قبل نور البصر, وأن نار التحدي تشعل خير ما في الانسان من فضائل وقدرات. لماذا يقضي الانسان ويحكم علي نفسه, أن يعيش أسيرا بين الخيمة والمرعي؟ فالكون فسيح وسيع, فيه ما يعطي الحياة معناها المتجدد, ويضفي عليها رونق المتعة والاثارة. لماذا يعيش الانسان رهينة محبوسة بين دوران الليل وتعاقب النهار, يصحو مع الصباح ويرقد مع هبوط الظلام؟ فخريطة الزمن, إذا ما تحكم فيها الانسان تحولت إلي تاريخ, وإذا ما تجاسر الانسان علي صناعة التاريخ, يكون قد فتح لنفسه باب الخلود, وهرب بنفسه من قانون الفناء, يفني الجسد, وتبقي الذكري, ويبقي معني الانسان ومحتواه, يبقي بحجم آماله, بوزن طموحاته, بثقل انجازاته, بمساواة صلابته, وبما يعادل اصراره وتماسك إرادته.. محمد... اسم صنع تاريخا... وضمن البقاء في أعلي سجل الخالدين, ما بقيت حياة, وما بقي الزمان.