ليس من شك في أن الإصرار علي التطبيق الشكلي للحدود اما أنه يتأتي من الفهم الضيق للدين والوقوف علي الشكل لا الجوهر, الوسيلة لا المقصد, واما يكون كإحدي وسائل المتاجرة بالدين ورفع الشعارات الدينية لتحقيق المكاسب السياسية والوصول الي السلطة والتنعم بنعيمها والتسلط علي الناس باسم الدين لنكون دولة أخري ثيوقراطية تنضم الي غيرها من دول حكمها رجال الدين وأفكارهم فكان مصيرها الضياع والفناء والبعد عن الدين. أما الاصرار علي التعريف الكلاسيكي للعلمانية علي أنها فصل للدين عن الدولة فهو تعريف مبتور وفاسد أسهم فيه دعاة العلمانية أنفسهم بتكراره دون تمحيصه وهو ما استغله طيور الظلام للتبشير بظلامهم في مواجهة العلمانية, ان المجتمع الفاسد هو المجتمع الذي يفصل الدين عن الدولة فكيف ننحي الخير جانبا وندفع بالمجتمع الي أحضان الشيطان. ولكن يوم ندرك أنه لايجب أن نفرض نظاما للاختيار الديني نحكم ونفرق به بين الناس علي أساس اختياراتهم الدينية والمذهبية يوم يشعر الجميع أن مسألة دينهم هي مسألة خاصة كأسمائهم لاتضمن لهم ميزة ولاتحقق لهم تراجعا أمام الآخرين يوم لايتجبر أحد علي أحد باسم الدين ويحتكر الحقيقة الالهية لنفسه ويقيم نفسه متحدثا باسم الله مهما ادعي غير ذلك, يوم لانقول للناس صوتوا لهذا لأنكم بذلك تصوتون للدين ولاتصوتوا لذاك فمصيره النار وبئس المصير فلا يكون الدين مادة للتصويت في الانتخابات وانما البرنامج والعمل الواقعي, وألا نسمح للمتسربلين بعباءة الدين أن ينظروا إلينا علي أننا فاسقون مارقون نعيش في مجتمع من القوانين الوضعية الفاسدة فأين تلك القوانين سواء في مصر او حتي في الهند والصين التي تأمر الناس وتجبرهم علي الفجور والمجون وانتهاك الحرمات وقتل النفس وتعاقب المحسنين وتسجن العادلين وتهين المحترمين. وأن المجتمع الصالح والفالح هو من يقوم علي تنفيذ روح الدين وتحقيق العدل ومعاقبة الظالمين ومكافحة الفاسدين, ويوم ندرك بمسعي واقعي المعني الحقيقي لكلمات ثلاث ألا وهي( المقاصد الحقيقية للدين) واننا لايجب أن نظل ندور ونسعي في دائرة السابقين قد نأخذ منهم القيمة لا التطبيق والفكرة لا الوسيلة لأنهم أبناء زمانهم ونحن من زمان غير زمانهم. وأن القرآن كما قال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إن القرآن حمال أوجه وبالتالي فلا أحد يستطيع ان يحتكر وجه الحقيقة وكما قال أيضا سيدنا علي بن أبي طالب إن القرآن خط مسطور بين دفتين,لاينطق وإنما يتكلم به الرجال, وحين دخل نفر من المؤمنين علي سيدنا علي مدينة العلم كما قال عنه رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم أثناء معركة صفين وقالوا له ان قوم معاوية يرفعون القرآن علي أسنة الرماح ابتغاء التحكيم بالقرآن قال لهم حاربناهم من قبل علي تنزيله واليوم نحاربهم علي تأويله, يجب أن نعترف أن زمان الأولين مليء بالمنغضات وليس كله خير وانما كان الشر والحرب والخديعة والاقتتال باسم الدين لإخفاء مطامع السلطة والدنيا لهم محل ووجود, وأن في هذا الزمان ظهرت وتولدت خلافات الرأي والمذهب وسيادة الحكم الديكتاتوري والقمع المنهجي وحروب بين الأمم ومزورو وواضعو الأحاديث لهم في كل ذلك مذاهب ودروب ولقد قال الامام أبو حنيفة النعمان( كلامنا هذا رأي فمن كان لديه خير منه فليأت به وقال الامام أحمد بن حنبل( لاتقلدني ولاتقلد مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلم كما تعلمنا) وقال ابن القيم الجوزي( في التقليد ابطال لمنفعة العقل لانه انما خلق للتدبر والتأمل وقبيح بمن اعطي شمعة يستضيء بها ان يطفئها ويمشي في ظلام وقال الامام الشافعي( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)( لقد قال الامام محمد عبده:( المسلم الحق هو الذي يعتمد علي العقل في شئون الدنيا كما قال( ليس في الاسلام سلطة دينية سوي سلطة الموعظة الحسنة والدعوة الي الخير والتنفير من الشر وهي سلطة خولها الله لادني المسلمين ينقر بها أنف أعلاهم( كما خولها لأعلاهم يتناول بها أدناهم) وقال الإمام محمد عبده أيضا:(الأمة هي صاحبة الحق في السيطرة علي الحاكم وهي التي تخلعه متي رأت في ذلك مصلحتها فهو حاكم مدني من جميع الوجوه, ولايجوز ان يخلط الخليفة عند المسلمين بما يسميه الافرنج ثيوكرتك اي سلطان الهي لأن الاسلام لايجعل للقاضي أو المفتي أو شيخ الاسلام أدني سلطة علي العقائد وتقرير الاحكام وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء انما هي سلطة مدنية لايسمح لواحد منهم ان يدعي السيطرة علي ايمان أحدهم أو عبادته لربه أو أن ينازعه طريقة نظره اما الفكرة الشائعة عن الاسلام وتوحيده للسلطتين المدنية والدينية فهي خطأ محض ودخيلة علي الاسلام ومن الضلال القول بأن الاسلام يحتم قرن السلطتين في شخص واحد والزعم تبعا لذلك أن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها وان المسلم مستعبد بدينه لسلطات السلطان. ان المسألة لم تعد تتعلق بالعلاقة بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين وانما أضحت في مجال العلاقة بين المسلمين وبعضهم البعض فلو استعرضنا قليلا مما قاله: بعض من فقهاء المسلمين علي سبيل المثال لا الحصر * ان حاتم الحنبلي( من ليس حنفيا فليس بمسلم).( وقال محمد بن موسي البلاساغوني قاضي دمشق( لو كان الأمر لي لأخذت الجزية من الشافعية) *وقال المظفر الشافعي( لو كان الأمر لي لأخذت الجزية من الحنابلة) وقيل لمأمون بن أحمد الهروي: ألا تري إلي الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ فقال حدثنا ابن عبد الله حدثنا عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مرفوعا قال: يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس( يقصد الشافعي) أضر علي أمتي من إبليس.!! ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي أي أننا في هذه الحالة سنكون في خضم مجتمع تكفيري محض عماده الكراهية وعنوانه الحرب الاهلية المدمرة بين جميع طوائفه ومكوناته وتدمير كلي للانسان والأرض والمجتمع وكله باسم الدين والدين الحق منهم جميعا براء ولنكونن مهزلة للملحدين. رابط دائم :