(اصحي يافايقة.. اصحي يا حبيبتي الفجر اذن).. هكذا تستيقظين دوما علي صوت أمك كي تذهبي للعمل.. تستيقظين طاردة بقايا النعاس من عينيك.. ترفعين البطانية من فوق جسدك تلك البطانية الصوفية التي أخذتها أمك من الجمعية الشرعية لكفالة اليتيم.. تسألين أمك هل يوجد أحد في الحمام؟. تخبرك أن اخوتك نائمون.. تقفين أمام باب الحمام تطردين بعض الدجاجات النائمة داخله.. تدخلينه مسدلة خلفك الستارة الموضوعة بدلا من الباب.. وقتها تلعنين تلك الظروف التي صاحبة موت أبيك.. خروجك من المدرسة, ذهابك للعمل في جمع البرتقال وبيع بعض أثاث البيت لعلاج أمك من الأزمة الربوية التي ألمت بها.. تمسحين دمعتين كادتا تغزوان خديك.. تتنهدين حامدة الله علي حالك.. ها أنت تنتهين من تغسيل وجهك.. تنادين علي أمك المشغولة بتحضير الفطار لك أقصد سلق بيضة وجدتها بين الدجاج.. تستفسرين منها عن البنطلون الجينز الذي اشتريته أمس من السوق, لتشعري معه بالدفء والطمأنينة خاصة بعدما تمزق جلبابك من يومين ورأيت العيون تلتهم جسدك البض.. تجدينه وسط ملابس أختك الصغري خضرة التي دارته عنك كي تلبسه أمام صديقاتها بالمدرسة بدلا من الفستان الوحيد الذي تحيكه مرتين شهريا.. تلبسين البنطلون تحت جلبابك البني الداكن المرقع بقطعة من القماش الأسود تحت إبطيك.. تلملمين خصلات شعرك الحريري تحت إشارب اسود يضفي جمالا فوق جمالك.. تقولين في نفسك ألم يكفهم عمري ليأخذوا ملابسي.. تسمعين صوت عمك الصادق تاجر البرتقال يستعجلك لأن السيارة التي ستأخذكم للحقل قد أتت.. تهرولين إليه قاضمة آخر لقمة بيدك.. صوت أمك يتبعك بالدعاء أن يريح الله لك البال ويرزقك بابن الحلال.. تصعدين السيارة النصف نقل بأنفاس تلهث.. يأخذ بيدك عمك الصادق وعيناه معاتبة لك.. تقعدين في آخر السيارة تسندين ظهرك علي جسدها المعدني.. تشعرين بلسعة برد تتسرب داخل جسدك.. تنفخين في يديك.. تشعرين ببعض الدفء.. تبحث عيناك عن السيد بن عمك الصادق.. لا تجدينه.. تودين أن تسألي عنه لكنك لا تستطيعين خوفا من افتضاح أمر حبكما كما حذرك.. تضعين رأسك بين فخذيك تفكرين في السيد هل مريض؟.. هل مسافر؟.. أم.. لاتعرفين أين هو.. إنه يخبرك دوما أين سيذهب.. لماذا هذه المرة؟ سؤال يلتهم جميع خلايا مخك.. ترفعين رأسك ربما وجدت إجابة في عين والده الصادق.. تتراجعين عن فكرتك فالصادق بجوار السائق منذ أن تحركت السيارة.. تعيدين رأسك بين فخذيك تستدعين كلامه الحلو ووعوده التي قطعها علي نفسه بأن ينتشلك من الفقر أنت وأهلك.. تتنهدين ساءلة نفسك متي سيتحقق هذا الحلم؟.. تقف السيارة أمام رأس الحقل.. تقفزين منها.. تتلفتين حولك ربما تلمحين إجابة لسؤالك أين السيد؟ في عيون الآخرين... يهتف عمك الصادق هيا يا رجال.. تجدين في بقية كلامه إجابة للسؤال, فالسيد مبيت بجوار صناديق جمع البرتقال.. تلك الصناديق التي ستحملينها فوق رأسك.. تستردين وعيك بمن حولك.. الضحك بين الجميع بنات وشبابا.. السخرية من طول المسافة التي ستمشيها البنات حاملات صناديق البرتقال.. تصلين إلي الحقل.. ترحب بك أنفاس السيد وعيونه الهامسة إليك وحشتيني.. تجيبينه بإبتسامة رقيقة تخبره انك أيضا تشتاقين إليه.. يبدأ الشباب في تبديل ملابسهم خلف الأشجار... يصرخ عمك الصادق فيهم ليسرعوا.. تسمعين الشباب يقولون فيما بينهم وهم قادمون إن ابن عمك الصادق الكبير هو سبب الخير الذي يعيشون فيه.. منذ سفره إلي إيطاليا والصادق تحول من ريس أنفار إلي تاجر كبير للبرتقال.. تكتشفين أن السيد لم يقص عليك هذه القصة من قبل.. تلتفتين إليه.. تجدينه بجوار والده يحددان أقصر طريق لحمل البرتقال من الأرض إلي الجسر حيث السيارة.. يبدأ الشباب في تسلق شجر البرتقال تتساقط البرتقالات من بين أيديهم علي الأرض ليجمعها آخرون في صناديق.. تحمل الصناديق إلي الصادق لوزنها علي ميزان يسمي الطبلية.. صندوقان فوق رأسك وزنهما فوق السبعين كيلو جراما.. تسيرين خلف أقرانك.. تهتز قدماك في بداية الأمر لطول المسافة التي تصل لكيلو متر بين أغصان البرتقال.. يلوح أمام عينيك الطريق والسيارة الموضوعة داخلها بضعة صناديق.. يرفع عنك السائق الصندوقين وعيناه تكادان تأكلان جسدك.. تسرعين من أمامه لكن كلماته تلحق بك انك جميلة حرام ان تعملي فأنت خلقت لتكوني ست الستات.. تبتسمين ابتسامة ممزوجة بالحسرة.. ليست تلك المرة الأولي التي تسمعين فيها تلك الكلمات.. السيد أول من غزا أنوثتك بتلك الكلمات.. كنت تلاحظينه يتابعك بالنظرات, يتودد إليك, وقف أمامك كعبد أمام سيده يتعبد في جمالك.. امسك يديك وهو يرفع تلك الصناديق هامسا لقلبك لم يقل لك أحد من قبل: إن عينيك أجمل ما في الوجود.. تسحبين يديك من بين يديه.. يهمس ثانية لك انه سيجعلك ست القرية.. منذ تلك اللحظة تفكرين فيه.. يزداد تقاربكما.. تتقدمين نحو الصناديق لترفع فوق رأسك مرة أخري وأخري.. تضعين عينيك الجميلتين في الأرض كلما تقتربين من السائق الذي مازال يلاحقك بالنظرات والكلمات, فقلبك مدينة محصنة لايملك مفتاحها سوي شخص واحد.. بين الأشجار تسمعين شخصا يبسبس عليك.. تلتفتين إليه.. انه السيد.. تدخلين معه بين الأشجار.. يمسك يديك هامسا في شفتيك بأجمل كلمات الحب.. تبتعدين عنه قائلة ماذا تفعل؟, يعتذر إليك فالشوق قد غلبه.. تجلسين جواره.. تسألينه متي سيأتي ليطلب يدك من أمك, يصمت قليلا.. تكرري السؤال.. يده تقترب منك, تداعب أنوثتك, تنظرين إليه بابتسامة كعادتك.. ترتمين فوق الأرض مستسلمة سابحة بفستان الزفاف.. يراودك عن نفسك.. لحظتها تنتفضين مبتعدة عنه.. قائلة له بعد الزواج.. تنظفين جلبابك من حشائش الأرض ومما تتعلق به.. تعيدين ربط الإشارب كما كان.. تهرولين نحو الصناديق.. يصل إلي أذنيك صراخ عمك الصادق لتأخرك تشعرين بنظرات الجميع تلاحقك تتعثر إحدي قرينات السوء ساقطة علي الأرض بصناديق البرتقال. تلاحقها النظرات البعض مشفق والآخر يبحث عن قطعة من الجسد تروي شهوته, يعنفها الصادق بأقذر الكلمات.. تمسح دموعها ململمة البرتقال مرة أخري بالصناديق.. تساعدينها لترفع الصناديق فوق رأسها.. ترين جلبابها تلون بلون الدم من علي ركبتها.. لكن الفقر يقودها متحملة الآلام وحرارة الشمس الساقطة فوق رأسها.. الساعة تقترب من الثانية ظهرا.. يحضر لكم السيد طعام الغداء.. تترددين في البداية فكل يوم تشعرين بعد تناول الطعام بنار تكوي صدرك وأحيانا كثيرة لا تستطيعين النوم من الحموضة.. الجوع والتعب يجبرانك علي الأكل.. تطمئنين علي قدم زميلتك.. تبتسم إليك قائلة انها تعودت علي ذلك.. تدنو منك يافايقة لتخبرك أن السائق عبدالفتاح معجب بك ويريد.. تضعين يديك فوق فمها معللة أن اخوتك لا يزالون صغارا.. تقولين في نفسك من عبدالفتاح هذا؟ أنا سأصبح سيدته.. قريبا سيأتي السيد طالبا يدي وأصبح سيدة الجميع.. تربت علي كتفك اليمني هامسة لك يافايقة بلاش تتعلقي بالحبال الدايبة.. تصمتين... ها هو الصادق يدنو منكم طالبا السرعة في تناول الطعام فلابد من الانتهاء اليوم لأن غدا فاتحة السيد علي بنت الحاج فهمي تاجر البهائم الشهير.. تنجرف دمعة في مجري خديك.. ها هو الحلم يتسرب من بين يديك.. الآن تبحثين عن السيد تلمحينه هناك في منتصف الحقل يأكل.. تهرولين يافايقة نحوه تقفين أمامه.. يمد يده إليك بقطعة لحم.. ترمينها علي الأرض صارخة في وجهه مبروك عليك ياسي السيد بنت الحاج فهمي.. يحاول تهدئتك.. يضع يده علي شفتيك ليسجن صراخك.. تبعدينه بيديك.. يسقط مرتطما بجذع شجرة.. تفيض من رأسه الدماء.. تصرخين.. تصرخين.. يهرول إليك الجميع.. يلتفون حولك مستفسرين عما حدث.. تشيرين إلي السيد.. ينظرون إليه.. صوت سيارة الشرطة يتقدم نحوك.. لاتسمعين سوي صدي صوت أمك قائلا:( اصحي ياخضرة.. اصحي يا حبيبتي الفجر اذن).. أيمن وهدان أسنيت كفر شكر