أكدت الشريعة الاسلامية أهمية الأمن والسلام بين أفراد والمجتمع وبينت كيف السبيل لتحقيق هذه الأهداف سواء من خلال الالتزام بالكلام الطيب الصادق والابتعاد عن كل ما يؤدي إلي إثارة الشحناء والفتن وترديد الشائعات المغرضة التي يكون لها أثر في زعزعة الأمن والاستقرار, ولذلك أكد القرآن الكريم بأنها أشد من القتل مرة وفي الثانية أوضح أنها أكبر من القتل ولذلك كان موقفه إزاء هذا الأمر موقفا حازما حيث قال تعالي: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا حول كيفية تجنيب المجتمع شرور الفتن والقضاء عليها في مهدها كان لنا هذا التحقيق. يؤكد الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن المجتمع الإسلامي يقوم علي ركائز ثابتة تحقق له الصورة التي بينها الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وقوله صلي الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي وكذلك فإن علي أفراد المجتمع أن يكونوا داخل هذا البناء وهو بناء السلام الذي جاء الأمر به في قوله تعالي ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين, ولكي يكون المجتمع بهذه الصورة فإنه علي أفراده أن يتمسكوا بالإيجابيات التي دعا إليها الاسلام وأن يبتعدوا عن السلبيات التي نهي عنها وبذلك يكونون مجتمعا آمنا وسالما لجميع أفراده, ومن شواهد الايجابيات الحرص علي الكلام الطيب الحسن لقوله تعالي: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن وقوله أيضا: وقولوا للناس حسنا ومع الالتزام بالكلام الحسن فإنه علي المسلم أن يبتعد عن أي كلام يثير الفتن والشحناء والبغضاء بين الناس. ومن شواهد النهي عن ذلك ما جاء في قوله تعالي يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب وقوله تعالي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وإلي جانب الالتزام بضوابط العمل الذي يقوم به حيث يجب أن يكون عملا صالحا مفيدا لقوله تعالي واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم, مع الابتعاد في الوقت ذاته عن العمل السيئ استجابة لقوله تعالي ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين وقوله أيضا ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وكذلك فإن ما يجب علي المسلم الالتزام به حتي لا تكون هناك فتنة أن يبتعد عن ترديد الاشاعات المغرضة التي يكون لها مردود في زعزعة الأمن والاستقرار الذي هو سمة المجتمع الصالح استنادا لقوله تعالي ياأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوي بالاضافة للوسائل التي تشيع الأمن والاستقرار في المجتمع وتبعد عنه أعاصير الفتن. ويوضح الشيخ محمد حماية إمام مسجد الرفاعي أن الفتنة إذا عمت أعمت الابصار وأصمت الاذهان عن الوصول للحق ولذلك ذكرها القرآن في سورة البقرة مرتين الأولي والفتنة أشد من القتل وقوله والفتنة أكبر من القتل لأن الفتنة إذا أقيمت لا يحمد عقباها وحذرنا النبي صلي الله عليه وسلم منها في قوله إذا قامت الفتنة فالواقف فيها خير من الماشي والجالس خير من الواقف والنائم خير من الجالس. ويشير حماية إلي أن الفتنة دائما تكون من أعداء الاسلام وخاصة اليهود وحدث هذا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم بعد هجرته إلي المدينةالمنورة وبعد أن ألف بين الاوس والخروج حيث جاء رجل من اليهود فجلس بين رجلين من الاوس والخزرج فذكر أمامها ما كان من حروب وما فعلته الاوس بالخزرج والخزرج بالاوس فتشاتم الرجلان ورفعا السيف ونادي كل منها علي عشيرته فجاء النبي صلي الله عليه وسلم كما حكي أحد أصحابه حيث قال أتي النبي وقد رفعت السيوف علي أسنتها فقال صلي الله عليه وسلم أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم ونزل قوله تعالي يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلي عليكم آيات الله وفيكم رسوله والفتن التي نراها اليوم توعد الله القائمين عليها في قوله تعالي كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وناشد العلماء الذين انحرفوا في زمام الفتن وغرقوا في بحور الغم والهم أن يتقوا الله في علمهم وإعمال الشرع خير من إعمال العقل والنظر خير من العمي والفكر خير من الجهل والشرع الاسلامي فتح الأبواب للعقل والفكر والنظر وعدم إهمالهم لأن العقل مناط التكليف فالمهمل لعقله وفكره كالمجنون والسكران والمهمل لنظره كالأعمي الذي يتخبط في الظلمات فيجب علي العلماء أن يكونوا قادة للحق لا علماء فتنة في الباطل. ويقول الشيخ فكري حسن إسماعيل وكيل وزارة الأوقاف الاسبق: إن ما يقع فيه المسلمون الآن هو المرض الخبيث الذي حذر منه رسول الانسانية صلي الله عليه وسلم عندما قال: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها والقرآن الكريم تحدث عن الفتنة قائلا والفتنة أكبر من القتل, والفتنة أشد من القتل ليؤكد علي خطورة نشر الأكاذيب والأباطيل بين الناس ولقد وقف القرآن من هذا الأمر موقفا شديدا وحازما فقال تعالي في سورة الأحزاب لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا وهاتان الآيتان توضحان أن دعاة الفتنة في الأمة هم شر كبير وأدوات هدم وعلي الدولة أن تقف موقفا حاسما ضدهم ولهذا قال تعالي ملعونين أينما ثقفوا والنبي صلي الله عليه وسلم تنبأ بما يقع الآن في مجتمعات الأمة الاسلامية من فتن جعلت الناس لا يأمن بعضهم بعضا فقال صلي الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وناشد الشيخ إسماعيل الجميع التزام الصدق في القول والفعل والتزام الحيدة بين أصحاب الرؤي المختلفة لأن هذا من شأنه سيكشف للشعب شرور هؤلاء الذين يتخذون من إثارة الفتن والشائعات الكاذبة طريقا لهدم الأمة مشيرا إلي حاجة الأمة إلي ضرورة غرس وبث روح الانتماء في الابناء خاصة ونحن علي أبواب عام دراسي جديد. والاستماع لآرائهم لترسيخ القيم والفضائل في الأمة فيوم أن يكون الانتماء وحب الوطن شعارا للجميع فإن الأمة ستكون أشبه بالجبل الشامخ وتستطيع التصدي لكيد المخربين ودعاة الفرقة. ويتفق معهم الشيخ عبد الغني هندي المنسق العام لحركة استقلال الأزهر في أن المجتمعات الاسلامية تحتاج إلي مزيد من المراجعات في الخطاب الديني الاجتماعي والسياسي فضلا عن التمسك بالقيم والمبادئ والتي أشار الرسول صلي الله عليه وسلم لأهميتها في محاربة الفتن بقوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فالأخلاق تعتبر الحصن الذي يحمي المجتمع من الفتن والتي لا تأتي بمفردها وإنما تشتعل وسط انتشار الكذب والأباطيل والاشاعات ولذلك حذر الاسلام منها في قوله تعالي إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين, مشيرا إلي أن المجتمعات التي تكون أرضا خصبة لاشتعال الفتن لا يوجد بها قانون فمجتمع القانون محصن من الفتن.