تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بختام تعاملات اليوم الخميس    تعيين محمد حلمي البنا عضوًا بمجلس أمناء الشيخ زايد    أبو الغيط يرحب بتنظيم أول انتخابات بلدية مباشرة في الصومال    ستة منتخبات تصنع المفاجأة وتُحافظ على شباكها نظيفة في افتتاح أمم إفريقيا 2025    ضياء رشوان: نتنياهو يريد بكل السبل تجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة    فوز ثمين لسموحة على الزمالك في كأس عاصمة مصر 2025    التحقيق مع المتهم بالتعدي على زوجته بالعباسية    القبض على المتهمين بقتل شاب بعيار ناري بالبدرشين    هل على ذهب الزوجة زكاة حال باعه الزوج لشراء غيره مستغلا تقلبات الأسعار؟.. الإفتاء تجيب    «مؤسسة محمد جلال الخيرية» تكرم أكثر من 200 حافظة وحافظ للقرآن الكريم    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيًا نسب تنفيذ أعمال الخطة الاستثمارية للرصف بطريق ترعة الزمر    بعد قرار البنك المركزي بخفض الفائدة.. خبراء: ينعش أسواق المال ويعيد توجيه بوصلة المستثمرين    افتتاح الدورة ال28 من معرض «صنع في دمياط» لدعم صناعة الأثاث| صور    17 حالة انفصال للمشاهير في 2025.. آخرهم عمرو أديب ولميس الحديدي    صالات العرض تستقبل فيلمين جديدين بداية الأسبوع المقبل    انفجار فى ألمانيا ليلة عيد الميلاد يتسبب بحريق هائل فى منشأة صناعية    شبكة أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة بولاية غرب كردفان    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    إسرائيل تتحدى العالم: لن ننسحب أبدًا وسنحمى مستوطناتنا    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    خبير تشريعات: جولة الإعادة أكدت صعود المستقلين وبروز ملامح البرلمان الجديد    اكتب لكم عن رشا : فنانة شابة القاهرة التي تجمع بين التمثيل والغناء    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    العائلة المصرية في برلين: مشاركة إيجابية للجالية المصرية في انتخابات «النواب»    إصابة 6 أشخاص إثر مشاجرة بالشوم والعصي بقنا    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة السابعة النبي‏(‏ ص‏)‏ لم يتدخل ضد المنافقين

تآمر المنافقين‏:‏ وحرية الرأي للمنافقين لم تقتصر علي التصريح العلني والإعلان القولي وإنما تعدت ذلك إلي التصرفات وتدبير الخطط‏,‏ بل والتآمر في أحلك الظروف‏
ولم يتدخل التشريع القرآني إلا عندما جاوزوا الخط الأحمر ووصل تآمرهم الي درجة الإضرار بالدولة في وقت كان الأعداء يحاصرونها من جميع الاتجاهات‏,‏ وذلك في غزوة الأحزاب‏.‏ ونرصد خطواتهم التآمرية في إعلان رأيهم‏,‏ من خلال تسجيل القرآن لها‏:‏
كانت للمنافقين حرية الفساد والدعوة إليه دون عقاب أو مساءلة جنائية وإذا سئلوا عن ذلك أجابوا بكل حرية ان ذلك هو الإصلاح من وجهة نظرهم‏:‏ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون‏(11)‏ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون‏(12)11/2:12‏ وبينما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كان المنافقون في المدينة يفعلون العكس يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويرفضون إعطاء الصدقة‏,‏ ويعلنون موقفهم هذا في جو من الحرية لا نتخيل حدوثه الآن‏,‏ والقرآن يسجل ذلك‏:‏ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف‏67/9‏ وكان المؤمنون في المقابل كما وصفهم رب العزة‏:‏ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم‏71/9‏
وكانت حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل المجتمع الإسلامي لا تتعدي حد النصيحة القولية دون إكراه أو إيذاء ودون تبرؤ من الشخص الواقع في المنكر بل من فعله المنكر‏:‏ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين‏(215)‏ فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون‏(216)215/26:216‏
‏2)‏ كانوا يرفضون الاحتكام للرسول وهو الحاكم الرسمي للمدينة تعبيرا منهم عن عدم اعترافهم بسلطته‏,‏ ويسكت عنهم النبي وينزل القرآن ينعي عليهم تحاكمهم للطاغوت مع أنهم يزعمون الإيمان‏:‏ ألم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلي الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا‏(60)‏ وإذا قيل لهم تعالوا إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا‏(61)61/60/4.‏
‏3)‏ وكانوا يرفضون المثول أمام القاضي الرسمي للدولة‏,‏ بل ويرفضون القانون الذي يسري علي كل فرد فيها‏,‏ ولم يكونوا يرضون بالحكم الإسلامي إلا إذا جاء في مصلحتهم يقول تعالي‏:‏ وإذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون‏.‏ وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين‏,‏ والله تعالي يجعل طاعة التشريع القرآني اختيارا من المؤمن ويقول ما يفيد بأنه ينبغي للمؤمنين أن يسمعوه ويطيعوه‏48/24:51.‏
‏4)‏ وحتي في أوقات الحرب والطوارئ كانت لهم حريتهم الكاملة في القول والعمل ضد الدولة التي يعيشون فيها‏,‏ مع إن الديمقراطيات الحديثة تلجأ للأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية في تلك الظروف‏,‏ ولكن التشريع القرآني كان مع الحرية إلي درجة تستعصي علي المقارنة‏,‏ ونأخذ أمثلة من القرآن الكريم‏.‏
ففي‏(‏ غزوة أحد‏)‏ كانت لهم حرية التقاعس عن القتال‏,‏ ثم يحملون المسئولية في الهزيمة للمسلمين لأنهم لم يطيعوهم في البقاء في المدينة‏,‏ وينزل القرآن يرد عليهم‏:‏ وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون‏(167)‏ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين‏(168)167/3:168.‏
وفي غزوة الأحزاب‏,‏ تجمع المشركون حول المدينة‏.‏ ولم يكن باستطاعة المنافقين الخروج منها فأصابهم الذعر وأصبحوا طابورا خامسا للعدو في الداخل‏.‏
يستهزئون بوعد النبي بالنصر ويدعون لقعود المسلمين عن الجهاد ويتخلفون عن مواقعهم في الحراسة‏,‏ وقد كان المسلمون في وقت عصيب لا نجد أروع من وصف القرآن له‏:‏ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا‏(10)‏ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا‏(11)‏ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا‏(12)‏ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا‏(13)10/33:13.‏
ويقول تعالي يتحدث عن دورهم في تحريض المؤمنين علي عدم القتال والدفاع عن أنفسهم‏:‏ قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا‏18/33‏
وفي ذلك الموقف العصيب ظهرت ثلاث جماعات من المنافقين لكل منها دور تخريبي استدعي أن ينزل القرآن يهددهم ويضع لهم خطا أحمر ليقفوا عنده يقول تعالي لهم‏:‏ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا‏60/33.‏
أي هددهم الله إن لم يكفوا عن اللعب بالنار بأنه سيعطي النبي الأمر بالتصرف معهم بما يستحقون‏.‏
وفي غزوة ذات العسرة تثاقلوا عن الخروج للقتال بحجة الحرارة الشديدة‏,‏ وكانت العقوبة أن حرمهم الله من شرف الجهاد مستقبلا‏,‏ وهذا هو كل ما في الأمر‏,‏ يقول تعالي‏:‏ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون‏81/9.‏ وعقوبتهم في الدنيا هي حرمانهم مستقبلا من شرف الجهاد‏,‏ يقول تعالي للنبي‏:‏ ولا تصل علي أحد منهم مات أبدا ولا تقم علي قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون‏84/9.‏
ومن الآيات نعرف أن الجيش الإسلامي لم يكن فيه تجنيد إجباري‏,‏ وذلك تبعا للدستور القرآني الذي ينص علي أنه لا إكراه في الدين ومن هذا المبدأ كان التطوع بالنفس والمالي هو الطريق الوحيد لتعبئة الجيش المسلم‏,‏ وهذا الجيش المتطوع هو الذي فتح البلاد ونشر الإسلام وهزم أكبر قوتين في العالم وقتها‏.‏ وعن طريق نفس المبدأ لا إكراه في الدين تمتع المنافقون بحريتهم في رفض التجنيد والخروج للقتال سواء كان للدفاع عن المدينة في غزوة الأحزاب أو في الخروج مع المسلمين في حروبهم الوقائية في الجزيرة العربية‏,‏ وكانت العقوبات ضدهم سلبية تتلخص في معني واحد هو الإعراض عنهم‏,‏ بعد أن أخبر رب العزة بكفرهم‏,‏ والله وحده هو الذي يعلم السرائر ولم يعط علمه بالغيب وبما في القلوب لأحد وقد قال تعالي‏:‏ والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض‏25/4.‏
والله تعالي تحدث عن ارتداد المنافقين بعد إسلامهم بالقول وبالفعل وجعل عقوبتهم علي هذه الردة في الدنيا وفي الآخرة بيد الله تعالي وحده‏,‏ يقول الله تعالي‏:‏ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لا ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير‏74/9.‏
ووصلت معارضة المنافقين إلي حد التآمر علي الدولة واتخذ هذا التآمر صورا شتي‏:‏
إطلاق الشائعات خصوصا في أوقات الحرب‏,‏ وقد مر تآمرهم علي المسلمين في محنة الأحزاب في وقت كان الخطر يشمل الجميع‏.‏ والله تعالي قال يهددهم لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم أي كان بينهم مرجفون تخصصوا في الدعاية السوداء بين المسلمين‏,‏ ولم تتوقف تلك الشائعات علي وقت الحرب بل كانت في أوقات السلم أيضا‏,‏ والله تعالي ذكر بعض وسائلهم في التشنيع فقال‏:‏ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏83/4.‏
أي كانوا يذيعون الأسرار وينشرون الأقا ويل والتكهنات دون الرجوع إلي الجهات المختصة‏.‏
وبسبب كثرة شائعاتهم في كل وقت فقد جعلوا المدينة خلية نحل تدوي فيها الأقاويل والتناجي بالأسرار مع كون المدينة مجتمعا مفتوحا يتمتع بأقصي درجة من الصراحة والحرية والسياسية والدينية‏,‏ ولكن التآمر هو الذي أظهر عادة التقول بالشائعات والتناجي للايحاء بأن هناك أسرارا وخفايا ومؤامرات‏,‏ وقد نهاهم الله عن عادة التناجي تلك‏,‏ ولكنهم لم يطيعوا واستمروا فيها عنادا بل كانوا يدخلون علي النبي يحسنون إليه في الظاهر ويسيئون إليه في الباطن‏,‏ ونزل القرآن فيهم‏:‏ ألم تر إلي الذين نهوا عن النجوي ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول‏,‏ حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير‏8/58‏ وبسبب شيوع عادة التناجي فقد انتقلت الي بعض المسلمين في المدينة فقال تعالي للمؤمنين‏:‏ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوي واتقوا الله الذي إليه تحشرون‏9/58.‏ ثم يبين الله تعالي الهدف من ذلك التناجي الذي أشاعه المنافقون‏:‏ إنما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلي الله فليتوكل المؤمنون‏10/58.‏
ثم كانوا يتآمرون علي النبي نفسه‏,‏ يدخلون عليه يقدمون فروض الطاعة ثم يخرجون يكذبون عليه ويتآمرون عليه‏,‏ وينزل القرآن يفضحهم ولكن يأمر النبي بالإعراض عنهم‏:‏ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلا‏81/4.‏
وكان من نتيجة تآمرهم علي المسلمين إيقاع الفرقة والفتنة بينهم‏,‏ ولذلك اعتبر القرآن تخلفهم عن الخروج إلي غزوة ذات العسرة خيرا للمسلمين فقال‏:‏ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين‏(47)‏ لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتي جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون‏(48)47/9:48.‏
ووصل تآمرهم إلي حد الاتصال بأعداء المسلمين من المشركين واليهود وعقد تحالفات سرية معهم ضد حكومة النبي‏,‏ وفضح القرآن ذلك التحالف بين المنافقين واليهود في أكثر من موضع‏.‏ وهذا الاتصال بحكومات معادية خصوصا وقت الحروب يعني الخيانة العظمي في أعين الديمقراطيات الحديثة‏,‏ ولكن حرية الرأي في تشريع الإسلام أباحت هذا وأبطلت مفعوله التآمري‏.‏ يقول تعالي عن اتصالهم بالمشركين وقت الحرب‏:‏ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين‏141/4.‏ أي كانوا يلعبون علي السلم بين الطائفتين‏,‏ وتلك طبيعة النفاق‏.‏ وعن تحالفهم السري مع اليهود يقول تعالي‏:‏ فتري الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشي ان تصيبنا دائرة فعسي الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا علي ما أسروا في أنفسهم نادمين‏52/5.‏
ويقول عن تحالفهم مع يهود بني النضير‏:‏ ألم تر الي الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم‏11/59.‏
ويقول تعالي عن عقوبتهم الأخروية بسبب ذلك التحالف مع أعداء الإسلام‏:‏
ألم تر إلي الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون علي الكذب وهم يعلمون‏(14)‏ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون‏(15)14/58:15.‏
وتآمروا علي طرد النبي والمسلمين من المدينة والامتناع عن الإنفاق علي المؤمنين وكشف القرآن هذا التآمر‏,‏ فقال تعالي‏:‏ هم الذين يقولون لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتي ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون‏(7)‏ يقولون لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون‏(8)7/63:8.‏
وحكي القرآن تفصيلا حيا لبعض أحداث التآمر مثل التجسس‏:‏ وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلي بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لايفقهون‏127/9.‏ ومثل أوكارهم التي يجتمعون فيها للتآمر‏:‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون‏(14)‏ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون‏(15)14/2:15.‏ أي أن الله يترك لهم الحرية للوصول في طريق الفساد الي منتهاه‏.‏
ثم تمكنوا بالحرية التي يتمتعون بها من إقامة مسجد جعلوه وكرا للتآمر وللإضرار بالمسلمين والتفريق بينهم وجعلوه ملجأ لكل متآمر علي حكومة النبي والإسلام‏.‏ فقال تعالي فيهم‏:‏ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون‏107/9.‏
وكان المسلمون يذهبون إلي ذلك المسجد بحسن نية‏,‏ ويبدو أن النبي كان يذهب إليه أيضا‏,‏ وهو لا يعرف ما يدور فيه‏,‏ نفهم هذا من الآية التالية التي نزلت تنهي عن الإقامة فيه‏:‏ لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه‏,‏ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين‏108/9.‏ وعلي خلاف ما ترويه بعض الروايات من ان النبي أحرق ذلك المسجد وهذا يخالف منطق التشريع القرآني فإن الآية بعد التالية تفيد ببقاء المسجد كما هو لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم‏110/9.‏
اكتفي النبي والمؤمنون بمقاطعة ذلك الوكر تنفيذا لقوله تعالي لا تقم فيه أبدا‏.‏ وتلك هي السياسة التي كان يتبعها النبي في سنته مع خصومه داخل الدولة‏,‏ الإعراض عنهم وتركهم يتمتعون بحريتهم في إبداء الرأي بالقول والفعل‏,‏ حتي لو وصل ذلك إلي درجة التآمر‏.‏
وقد يقال أن تلك السياسة لا تجدي في عالم اليوم إذ لابد من اتخاذ تدابير وقائية او تشريعات استثنائية لمواجهة التآمر علي الحرية‏,‏ ولكن القرآن يضع العلاج الأمثل للوقاية من ذلك التآمر‏,‏ وهو المزيد من الحرية‏,‏ ومن التوكل علي الله الذي خلق الإنسان حرا ولا يريد لأحد أن يتحكم في حريته أو يصادرها علي مراحل بسبب التخوف من أشياء محتملة قد تكون مجرد شكوك لدي أولي الأمر‏,‏ وفتح باب الاستثناء والاعتداء علي الحرية ينتهي بالاستبداد المقنع ثم بالاستبداد المكشوف‏.‏
يقول تعالي للنبي‏:‏ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل علي الله وكفي بالله وكيلا‏81/4.‏ فالعلاج هو الإعراض عنهم والتوكل علي الله تعالي وكفي به مدافعا وكفي به نصيرا‏.‏
ثم إن نفسية المنافق تمتلئ بالشك والخوف وعدم الثقة في أحد وعدم الولاء لأحد وذلك يحكم علي تآمرهم بالفشل عند نقطة معينة لا يجرأون بعدها علي استكمال الخطط‏.‏
يقول تعالي عن خوف المنافقين الهائل من المؤمنين‏:‏ ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون‏(56)‏ لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون‏(57)56/9:57.‏
وقد تحالفوا مع بني النضير أن ينصروهم في القتال ضد المسلمين وإذا انهزموا وخرجوا فسيخرجون معهم‏.‏ ونزل القرآن يخبر بذلك التحالف السري وينبئ بأن المنافقين سيتقاعسون عن نصرة اليهود‏,‏ لأنهم يخافون المؤمنين‏:‏ لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لاينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون‏(12)‏ لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون‏(13)12/59:13.‏ أي كانوا يخشون المؤمنين أكثر من خشيتهم من الله‏.!!‏
والمؤمنون كانوا أقوي بالله وبتطبيق شرعه القائم علي أنه لا إكراه في الدين‏,‏ ولذلك نصرهم الله‏.‏ ومن الممكن أن ينصر الله المؤمنين اليوم إذا فهموا الإسلام علي حقيقته‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.