الشائعة ظاهرة اجتماعية قل أن يخلو منها مجتمع.ولذا فإن أكثر المجتمعات طهرا, وأشد الأزمنة نقاء وصفاء شهدت ظهور الشائعة وما يترتب عليها من آثار سلبية. ولا أدل علي ذلك من ظهورها في زمن النبي صلي الله عليه وسلم. وقد رصد السياق القرآني ظهور الشائعة وانتشارها واستهدافها الأنبياء والمرسلين, ونهي المسلم عن أن يكون بوقا ناقلا لها يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها الأحزاب/.69 كما رصد السياق القرآني خطورة الشائعة,ووجه إنذارا شديد اللهجة للمنافقين ومرضي القلوب والمشيعين للأخبار الكاذبة إن لم يكفوا عن هذا الأذي: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا الأحزاب/60-.61 وقد نبه القرآن الكريم رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام بعد الهجرة إلي المدينة إلي خطورة القوي المناوئة من اليهود والمشركين,وأنه سيقع منهم إفساد متعدد الوجوه يأخذ شكل الإرجاف والجدل وتسويق الشائعات, ونبههم إلي ضرورة الاستعداد لمواجهة تلك الحملات ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور آل عمران/.186 وقد تبين لنا من دراسة هذه النماذج والتجارب أن أوقات التحول من حال لآخر, وما يصاحبها من أزمات وانتصارات وانكسارات تمثل بيئة خصبة لرواج الشائعات فمع تعاقب الأحداث وسرعتها,وعقد المعاهدات, وخروج السرايا,وحدوث الغزوات, كان يحدث أن يتعمد البعض إساءة فهم الأمور, وأن يتربص البعض بالمسيرة النبوية فيروج الشائعات هنا وهناك. ومما لاشك فيه أن مصر الآن تمر بمرحلة حرجة دقيقة,تحول من حال لآخر, وأحداث متلاحقة,وأزمات متصاعدة,وتربص بمصر من كل جانب, وحركة مضادة تحاول عرقلة الدور الريادي لمصر. وضع الرسول صلي الله عليه وسلم تصورا لمواجهة هذا الداء الخبيث والشر المستطير الذي نسميه الشائعة, وهو تصور علينا محاكاته والاستفادة منه, وتمثل أدواته وأساليبه. أولا:الإعلام عن الخطط والسياسات, حيث أرسي النبي صلي الله عليه وسلم مبدأ إطلاع الناس علي الخطط والسياسات قبل حدوثها بوقت كاف حتي لا يحدث فراغ في المعلومات يؤدي إلي انتشار الشائعات.فقد أعلم الرسول صحابته في المرحلة السرية من تاريخ الدعوة بالهجرة إلي المدينة:فقد قال لأبي ذر الغفاري وهو من السابقين إلي الإسلام إني قد وجهت إلي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب ثانيا:معالجة الظواهر المعبرة عن سوء الفهم. كان يحدث أحيانا أن يفهم البعض أمورا علي غير ما قصده الرسول, أو يدرك أمرا إدراكا لا يستقيم مع روح الإسلام ومبادئه,عند ذلك كان النبي لا يدع هذه المواقف تمر دون أن يوضح للناس ما خفي عليهم أمره حتي لا تسري الشائعات بينهم. ثالثا:التصدي السريع للشائعات.علمنا رسول الله أن نتصدي للشائعة( علي وجه السرعة حتي لا يتفاقم تأثيرها السلبي) عن طريق الإعلام الصادق: في غزوة حنين وزع الرسول غنائمها علي المسلمين واهتم بالمؤلفة قلوبهم,فإذا البعض يقولون يعطي قريشا ويحرمنا وكثر القيل والقال- وغضب الأنصار فعطاء رسول الله شرف.فجمعهم الرسول وخطب فيهمألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاه والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلي رحالكم. لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار, ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار.فبكوا وقالوا:رضينا برسول الله حظا وقسما. وطعن البعض في تولية أسامة بن زيد إمارة جيش يخرج لغزو الشام, واستكثروا عليه ذلك,وهو لم يتجاوز العشرين,وقال البعض يستعمل هذا الغلام علي المهاجرين الأولين لم يدع الرسول الفرصة تمر دون أن يشرح,وعلي وجه السرعةأنه بالإمارة لخليق,وأن أباه من قبله بالإمارة لخليق,فاستوصوا به خيرا فأنه من صالحيكم. رابعا: إرساء قواعد المهنية الإعلامية. وضع الإسلام قواعد الممارسة الإعلامية التي تكفل توافر المعلومات الصادقة.قال تعالي وجئتك من سبأ بنبأ يقين سورة النمل/.22 ونوه الرسول إلي ضرورة ألا يتحرك الإعلامي أو ناقل الخبر من دوافع غضب أو حقد علي من يتحدث عنهم فقد قال لزيد بن أرقم وهو ينقل مقولة السوء التي قالها عبد الله بن أبي يا غلام لعلك غضب عليهوأشار القرآن إلي ضرورة التزام المتحدثين بعدم سخرية البعض من الآخر يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن الحجرات/.11 كما أمر الإسلام بضرورة مراعاة الصالح العام عند استخدام قنوات الإعلام فنهي القرآن الرسول عن الوجود بمسجد الضرار الذي هدمه لإلحاقه الضرر بالمجتمع وإشاعة الكفر وإحداث الفرقة بين المسلمين خامسا:عدم التعجل في الحكم علي الأحداث: وجه القرآن الكريم أولئك الذين يأخذون بظواهر الأمور قبل التحقق منها فينشرونها إلي ضرورة أن ترد الأمور إلي أصحاب المعرفة وأصحاب الأفكار القوية الواضحة وإلي المسئولين فإنهم أدري وأعرف ببواطن الأمور وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم النساء/.83 كما أمر القرآن بضرورة التحصن من الأخبار الكاذبة التي تؤدي الي بلورة رأي عام علي أساس غير سليم, والتثبت من مصداقيتها يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين الحجرات/.6