* ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه, إلا أبا بكر, فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة, وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. اسلم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وعمره37 سنة منذ بداية الرسالة بينما سيدنا عمر رضي الله عنه اسلم بعد ست سنوات من بدايتها وكان سيدنا أبو بكر أول من اسلم من الرجال وعاش يجاهد بنفسه وماله في سبيل الدعوة لمدة26 عاما.. * كان الالتقاء الروحي عميقا بين النبي صلي الله عليه وسلم وبين سيدنا أبي بكر قبل الرسالة وعندما علم بنزول الوحي فرح وكان مهيأ لهذا خاصة وأنه قد رأي رؤيا وهو بالشام قبل البعثة المحمدية تنبيء بقرب ظهور نبي آخر الزمان ببلاد العرب.. فذهب مسرعا إلي النبي وقال له: يا أبا القاسم ما الذي بلغني عنك؟ فسأله النبي وما بلغك عني يا أبا بكر؟.. قال: بلغني أنك تدعو إلي توحيد الله وزعمت أنك رسول الله قال: نعم يا أبا بكر إن ربي جعلني بشيرا ونذيرا وجعلني دعوة إبراهيم( بإرسال رسول) وأرسلني إلي الناس جميعا.. فقال سيدنا أبو بكر: والله ما جربت عليك كذبا وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك وصلتك لرحمك وحسن فعالك مد يدك فإني مبايعك.. لذلك قال المصطفي صلي الله عليه وسلم: ما كلمت في الاسلام احدا إلا أبي( رفض) علي وراجعني الكلام إلا ابن ابي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه. * كان المسلمون أقل من الأربعين عندما أشار سيدنا أبو بكر علي النبي صلي الله عليه وسلم أن يجتمعوا في الكعبة ويجاهروا بالدعوة.. فلما وقف وسط الناس يدعو إلي الله ورسوله وثب عليهم المشركون يضربونهم بلا رحمة ويؤذونهم وتصدي عتبة بن أبي ربيعة لسيدنا أبي بكر فضربه بنعلين حتي ورم وجهه واختفي أنفه من شدة الضرب وأسرع اليه أهله من بني تيم وانقذوه من الهلاك وحملوه في ثوب وهم يعتقدون أنه أقرب إلي الموت منه إلي الحياة.. وصاح رجل منهم: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة.. اسعفوه حتي أفاق فكان أول ما نطق به: ما فعل رسول الله؟ فلاموه وعنفوه وطلبوا من امه ان تطعمه أو تسقيه شيئا يرد اليه نفسه فأبي أن يأكل أو يشرب حتي يعلم ماذا حدث لرسول الله قالت أمه: والله ما أعلم بصاحبك.. قال لها: فاذهبي إلي بنت الخطاب( فاطمة اخت سيدنا عمر وقد اسلمت) فاسأليها عنه.. ذهبت امه اليها فلم تجبها بشيء خشية أن تكون عينا من عيون المشركين عليها وعلي رسول الله فقالت فاطمة بنت الخطاب التي كانت سببا في إسلام عمر: ما اعرف ابا بكر ولا محمد بن عبدالله.. فعرضت عليها أم سيدنا أبي بكر أن تذهب معها لتراه وتسمع منه فوجدته صريعا يتأوه من شدة الألم فأشفقت عليه وقالت: إن قوما نالوا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم الله لك.. فكرر سؤاله الذي أخذ يردده منذ آفاق من الإغماء ما فعل رسول الله؟ قالت وهي حذرة من أمه: هذه أمك تسمع!.. فقال: لاعين عليك منها.. قالت:( النبي) سالم صالح.. فسألها: أني هو؟ فأخبرته بأنه في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. فاراد أن يذهب اليه فطلبت امه ان يستريح أولا ويأخذ شيئا من الطعام والشراب حتي يسترد عافيته فأقسم لها بأن لا يذوق طعاما أو شرابا حتي يري رسول الله. انتظرت أمه وفاطمة بنت الخطاب حتي بدأ الليل وسكن الناس واتكأ عليهما حيث لم يقدر علي حمل نفسه ودخل علي رسول الله وهو بتلك الحال فانكب عليه يقبله ورق الرسول لصاحبه رقة شديدة.. فقال له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي.. ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي.. وهذه أمي برة بوالديها فادعها إلي الله وادع لها عسي ان يستنقذها بك من النار. وتكرر هذا المشهد كثيرا فكلما وجد المشركين يأذون النبي حال بينه وبينهم وهو يصيح: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟! فينصرفون عن النبي ويهجمون عليه يضربونه ويجذبونه من شعره بقوة رغم انه ضعيف البنية ولا يتركونه إلا وهو صريعا مغشي عليه. * وعندما أذن النبي للمسلمين بالهجرة إلي الحبشة فرارا بدينهم من العذاب الشديد بمكة.. استعد سيدنا أبو بكر للهجرة وخرج فغضب الأكرمون من قريش لهجرته وتركه مكة.. ولحق به ربيعة بن فهيم المعروف بابن الدغنة وقال له: إن مثلك يا ابا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب( تعطي) المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل( المتعب) وتقري( تكرم) الضيف وتعين علي نوائب الحق فأنا لك جار( حامي) ارجع واعبد ربك ببلدك. طاف ابن الدغنة بأطراف مكة ليبلغ أشراف قريش بأنه أجار أبا بكر فأقروا بجواره له وقالوا له: مره( أأمره) فليعبد ربه في داره يصلي فيها ويقرأ ما يشاء ولا يؤذينا ولا يستعلن( يعلن) به, فإنا نخشي ان يفتن نساءنا وأبناءنا. رفض سيدنا أبو بكر هذا الشرط وبني بفناء داره مسجدا يصلي فيه ويرتل القرآن ويسمع له الناس فيجتمعون اليه.. منهم من يسخر منه ومنهم من يعجب به ويستوضح ففزع المشركون وطلبوا إلي ابن الدغنة أن ينهاه أو يسترد منه ذمته( حمايته) فأبي سيدنا أبو بكر وقال لابن الدغنة: إني أرد إليك جوارك وأرضي بجوار الله عز وجل. * بقي بمكة يدعو للدين الجديد بين القبائل وبين زعمائها وكان يتعرض للأذي فلا يبالي إلا بحماية المصطفي صلي الله عليه وسلم والمسلمين.. وظل يعين الفقراء بماله ويهيئ وسائل الهجرة لمن اراد ويسدد المغارم عن المدينين ويعتق الموالي( العبيد) الذين يسامون سوء العذاب في سبيل الله.. وكان أشهر عتقائه سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه الذي كان عبدا عند الطاغية أمية بن خلف الذي عذبه مقيدا في الصحراء لإسلامه فكان يقول: أحد أحد.. فمر به الرسول صلي الله عليه وسلم وقال له وهو يتألم: ينجيك أحد أحد وأخبر النبي أبا بكر ان بلال يعذب في الله.. فذهب سيدنا أبو بكر واشتراه بعشر أوقيات من الذهب واعتقه.. فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد( جميل) كانت لبلال عنده فدافع الله تعالي عن سيدنا أبي بكر من فوق سبع سماوات وأنزل قوله سبحانه: وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي صدق الله العظيم [email protected]