جعل الله تعالي الموت حتما علي جميع العباد من الإنس والجان, وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان, كل من عليها فان, ساوي فيه بين الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثي والغني والفقير وكل ذلك بتقدير العزيز العليم. وما يعمر من معمر ولاينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك علي الله يسير فاطر11, فمن امتثل أمر الله تعالي بالصبر علي البلاء كانت مثوبة الله عز وجل له: وإن منكم إلا واردها كان علي ربك حتما مفضيا71 ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا مريم7271 في البداية تقول الدكتورة أمال يس استاذ مساعد الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر, الموت والحياة من سنن الله في خلقه قال تعالي إنك ميت وإنهم ميتون الزمر ايه30 قدر الله تعالي علينا الموت في هذه الحياة ليختبرنا, قال تعالي الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا الملك ايه2, والموت نهاية كل حي لا مهرب منه ولا مفر قال تعالي كل نفس ذائقة الموت عمران ايه185, وقال تعالي أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة النساء ايه78, واذا كان الموت لاحيلة فيهولا مفر منه, لانه النتيجة المحتومة والنهاية المكتوبة للخلائق, فلماذا الخوف منه؟ هل لأننا لم نعد أنفسنا, وغرنا طول الأمل, وظننا اننا قد لمسنا السماء بأيدينا؟ مع أن الموت من الإنسان قريب, والنقص له في كل يوم منه نصيب, أم الحزن علي فراق الأحبة الذين كانوا ملء السمع والبصر من أهل أو أقارب أو أحباب أو أصدقاء نعرفهم حق المعرفة, ولكن اقتضت مشيئة الله تعالي أن يوسدوا التراب وتطوي صفحة أعمارهم, ولكن بقي عملهم شاهداعليهم, وذكراهم العطرة تملأ الحياة أملا واشراقا, رحلوا بأجسادهم وبقيت آثارهم, ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟ لا نملك إلا الصبر والمراد بالصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب وقيل حقية الصبر أن لايعترض علي المقدور والصبر المحمود ما كان بغير سخط ولا جزع بحيث لايقد الأسان صوابه ولا يهذي بلسانه, وعلي الأنسان أن يظهر الرضا بقضاء الله, ويبقي مستمرا علي عادته, أن يعتقد أن ذلك كان وديعه فاسترجعات قال تعالي الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون وقال الرسول صلي الله عليه وسلم ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما امر الله تعالي إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أوجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها إلا فعل الله به ذلك ولنا في السلف الصالح القدوة الحسنة فقد روي أن الرميضاء أن سليم رحمهما الله قالت: توفي ابن لي وزوجي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت, فقدم أبو طلحة فقمت فهيأت له افطاه فجعليأكل, فقال: كيف الصبي قلت بأحسن حال بحمد الله ومنه, فإنه لم يكن منذ اشتكي بأسكن منه الليلة, ثم تصنعت له أحسن ماكنت اتصنع له قبل ذلك حتي أصاب مني حاجته, ثم قلت الأتعجب من جيراننا؟ له أحسن ماكنت أتصنع له قبل ذلك حتي أصاب مني حاجته, ثم قلت الأتعجب من جيراننا؟ قال مالهم, قلت أعير واعارية فلما طلبت منهم واسترجعت جز عوا فقال بئس ماصنعوا, فقلت هذا ابنك كان عارية من الله تعالي وأن الله تعالي قد بضه إليه فحمد الله واسترجع, ثم عدا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره, فقال: اللهم بارك لهما في ليتهما كما روي أن داود عليه السلام قال: يارب ماجزاء الحزين الذي يصبر علي المصائب ابتغاء مرضاتك, قال: جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان, ولا أنزعه عنه أبدا, وقال علي كرم الله وجهه: الصبر من الإيمان بمنزله الرأس من الجسد, ولا جسد لمن لا رأس له, ولا إيمان لمن لا صبر له والصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفأجاة المصيبة, بخلاف ما بعد ذلك فإنه علي الأيام يسلو, ففي الحديث القدسي ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولي لم أرض لك ثوابا دون الجنة واذا كان الفراق مرا, وطعم الصبر مر, فلابد أن يتعهد الإنسان نفسه بالصبر الجميل بحيث لا تخرجه المصيبة عن سمة الصابرين مع توجع القلب وفيضان العين بالدمع, لأن البكاء توجع القلب علي الميت وذلك من مقتضي البشرية ولايتنافي مع الصبر, فعندما مات ابراهيم ولد النبي صلي الله عليه وسلم فاضت عيناه, فقيل له أما نهيتنا عن هذا, فقال: إن الله لا يعذب بدمع العين ولابحزن القلب ولكنه يعذب بهذا وأشار إلي لسانه أو يرحم واشار إلي لسانه, وأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذا كان مع البكاء نوح ورفع الصوت, فمن تجلد علي ما ابتلاه الله به يكتسب خلق الصبر فإن الله يعينه, فقد قال صلي الله عليه وسلم ومن يتصبر يصبره الله أي يقويه ويمكنه من نفسه حتي تنقاد له, ويذعن لتحمل الشدة, فعند ذلك يكون الله معه, وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمنين إن أمره كله خير, وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضرا صبر فكان خيرا له ومما يعين المسلم علي التصبر: استحضار ما أعده الله للصابرين من تكفير السيئات ورفع الدرجات وتكثير الحسنات قال تعالي ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون النحل ايه96, وقال تعالي إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب الزمر ايه10, فما من قربة الإ وأجرها بتققدير وحساب إلا الصبر, وقد جمع الله تعالي للصابرين أمورا لم يجمعها لغيرهم قال تعالي أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون البقرة اية157, فالهدي والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين فما علينا إلا الصبر والدعاء بالرحمة والمغفرة لأحباء فقدناهم, وأن يجعل الجنة مثواهم فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ودعاء المسلم لأخيه حيا كان أو ميتا ينفعه ويرفع درجته, وعلينا أن نقول كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أرسلت إليه إحدي بناته تخبره أن ابنها قبض مات أإسل اليها بقوله إن لله ما أخذ وله ما أعطي, وكل عنده بأجل مسمي فلتصبر ولتحتسب فإن لله وإنا إليه راجعون. يقول الشيخ عبدالجواد الرفاعي من علماء الأزهر للصبر آجر عظيم عند الله سبحانه وتعالي حيث قال الله عز وجل إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب الزمر ايه10, وقال الله سبحان وتعالي واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون النحل ايه127, والصبر كنز من كنوز الخير لا يعطية الله إلا لعبد كريم عنده كما قال الامام الحسن البصروي رضي الله عنه والصبر علي فراق الاحبة من أعظم أنواع الصبر التي يعطي الله من صبر عليها واحتسب عظيم الآجر حيث أنه لا يصبر علي فراق الاحبة الإمؤمن صادق الإيمان ولعظم المصاب عند فراق الأحبة قال الشاعر ثلاث يعز الصبر عند حلولها ويذهب عنها عقل كل لبيب خروج اضطراري من بلاد محيها, وفرقة خلان, فقد حبيب وقال الآخر شيئان لو بكت الدماء عليهماعيني حتي تأذنا بذهابي لم تبلغ المعشار من حقيهما فقد الشباب وفرقة الاحباب, ولما كانت الحياةلا تصفو لانسان ابد الدهر انما هي بين صفو وإكدار كما يقول الشاعر ثمانيه لابد منها علي الفتي ولابد تجري عليه الصمانية سرور, وهم, واجتماع, وفرقه, وعسر, ويسر. ثم سقم وعافية وسنة الله عز وجل في خلقه ان يمتحن صبرهم ليجزهم علي ذلك الآجر قال الله تعالي ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين, الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون سورة البقرة اية157,156,155, وحكي الامام الجوزي عن الاصمعي قال خرجت أنا وصديق لي إلي البادية فضلانا الطريق فإذا نحن بخيمة علي يمين الطري فققصدنا نحوها فسلمنا فاذا بعجوز, ترد السلام ثم قالت من أنتم قلنا قوم, ضلانا الطريق وأنسنابك وقوم جياع قالت تفضلوا حتي أقضي لك ما انتم له أهل, ففعلنا وجلسنا علي فراش ألقته لنا واذا ببعير عليه راكب واذا بها تقول اسألك اللهم بركة المقل أما البعير فبعير ولدي, واما راكبه فليس بولدي, وجاء الراكب وقال يا أم عقيل اجرك علي الله في عققيل, قالت ويحك او مات عقيل قال نعم قالت وماسبب موته, قال ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت إنزل ودفعت له كبشا ونحن مندهشون فذبحه واصلحه وقرب الينا الطعام فجعلنا نتعجب ن صبرها فلما فرغنا قالت: هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله عز وجل شيئا فقلنا نعم: قالت فاقرؤا علي آيات أتعزي بها عن ابني فقرأ احدنا قول الله تعالي وبشر الصابرين, الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون البقرة آيه154, قالت أحقا إنها لفي كتب الله قلنا والله إنها لفي كتاب الله قالت إنا لله وإنا إليه راجعون صبرا جميلا وعند الله احتسبت عقيلا, اللهم اني قلت ما أمرتني به فانجزلي ما وعدتني, ولو بقي أحد البقي محمد صلي الله عليه وسلم لأمته, والحزن علي فراق الأحبة أمر فطري لا دخل للانسان فيه لكن عليه ألا يفرط في الحزن والايقول ما يوجب سخط الله عز وجل فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم عند موت ولده ابراهيم والله ان العين لتدمع والقلب ليحزن وأنا علي فرقك يا ابراهيم لمحزونون ولكن لا نقول ما يغضب ربنا, مات ولد لاحد السلف فعزاه الناس وهو في كرب شديد فلم يكشف ما به حتي جاء الفضل بن عياض رحمه الله فقال يا هذا إريت لو أنك وابنك في سجن فأفرج عن أبنك قبلك أو ما كنت تفرح قال بلي, قال فان ابنك قد خرج من سجت الدنيا قبلك فسر علي الرجل وانكشف همه وقال قد تعزيت, وهكذا نجد أن فراق الأحبة وأن كان واقع لا محال له لقول الله تعالي إنك ميت وإنهم ميتون الزمر ايه35, فالصبر الجميل يوجب لصاحبه عظيم الأجر عند الله عز وجل والجزع لايرد قدر الله ويوجب سخطه فخير الناس من تناول جرعة المصيبة بجرعة صبر رابط دائم :