أرسلت الأممالمتحدة بحثاً بعنوان "تخصيص تريليونات للتنمية المستدامة لا يتطلب مصادر اضافية"، كتبه "أخيم شتاينر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة". وتنشر "بوابة الأهرام" البحث كما هو مرسل من كاتبه: "إن اقتصادنا العالمي المعقد قد حقق الكثير من الانجازات الحسنة، لكنه وللأسف لم يتضمن اي من الدلالات التي ترمز إلى ما نعني به: "نظافة أفضل ". فمن تغير المناخ إلى الحاجة إلى مجتمعات شاملة ومستدامة، وفي غياب حتى أصغر تلك الدلالات قد أدى إلى الاستثمارات التي ساهمت بتدهور النظم الطبيعية والحيوية التي يعتمد اقتصادنا عليها. إن الجنون، كما يقال، يكمن في اعتماد الاسلوب ذاته مرارًا وتكرارًا، في حين نتوقع نتيجة مختلفة. فنحن وبكل بساطة لا يمكننا الاعتماد على 'نهج الاعمال والاقتصاد والتجارة المعتمد حاليا" لبناء التنمية المستدامة. نحن نحتاج، بدلا من ذلك، على اعتماد "نهج للأعمال غير اعتيادي" لإيجاد واستثمار ما يقدر بنحو 90 تريليون دولار، بدءًا باللحظة وحتى 2030 لتأسيس البنية التحتية الحيوية في البلدان التي يتم تحديث اقتصاداتها. سنحتاج أيضا الى عشرات التريليونات سنويا للاستثمار في بناء قدرات الناس، والملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تمثل المصدر الرئيسي للعمالة. للوصول إلى هذا الهدف، سوف نحتاج إلى سد فجوة واسعة جدا. اذ تقدر لجنة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية الفجوة التمويلية السنوية للبلدان النامية بحوالي 2.5 تريليون دولار على الأقل. ففي حين أصبح التمويل العام نادرا في كل مكان، خاصة بعد الأزمة المالية وما نتج عنها من ازمات اقتصادية مؤخرا، لا يزال يعد رأس المال الخاص وفيرا. غير ان الحقيقة المؤلمة، رغم ذلك، هو أن 1 في المائة من الاستثمار المؤسسي موجه لتطوير البنية التحتية، وجزء صغير فقط يناسب معايير التنمية المستدامة. يعد توفير التمويل من أجل التنمية المستدامة في عام مثل عام 2015، بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بالمناخ، موضوع بالغ الأهمية والطموح. اذ ان تسليط الضوء على "الابتكار والحلول السياسية" من خلال الوثيقة التي اطلقها برنامج الاممالمتحدة للبيئة العام المنصرم تحت عنوان "التحقيق في تصميم نظام مالي مستدام" وقد تم تسهيل عملية الوصول اليها من اجل استخدام أوسع، يدل بوضوح على أن هناك فرصة لتجاوز التحديد المعترف به لعبارة "موارد إضافية لتحقيق التنمية المستدامة"، بهدف تطوير ملامح النظام المالي الدولي لتلبية احتياجات اقتصاد شامل ومستدام في القرن 21. التحقيق الذي اطلقه برنامج الاممالمتحدة للبيئة، في كلمة واحدة، هو مبادرة عالمية جديدة لاستكشاف اي من الاحتمالات الابرز لاحداث التغيرات في المشهد الاقتصادي الدولي: هل هو إعادة تشكيل النظام المالي العالمي بحيث يلعب دورا فعال في تمويل التنمية المستدامة. لقد اجتمعت الحكومات في أديس أبابا الأسبوع الماضي في دعوة للالتزام بتنفيذ إطار عالمي لتقديم التمويل والمساعدة للتنمية المستدامة.وقد اعتبر نطاق اطار العمل العام مثيرا للإعجاب حيث سلط الضوء على العديد من الطرق المبتكرة لتحسين استخدام التمويل العام والخاص، بما في ذلك الصناديق متزايدة المدخرات المحلية في البلدان النامية التي ستتفوق في نهاية المطاف على التدفقات المالية الدولية التجارية. ولكن ليكون أكثر فعالية، يحتاج اطار العمل إلى نهج متكامل ونظامي. كما ان المؤسسات المالية التقليدية، على سبيل المثال، لا تزال مترددة في تمويل التحول إلى الطاقة الشمسية، على الرغم من انخفاض التكاليف، لا سيما عندما يرى الممولون المخاطر الناجمة عن التصميم السيئ للسياسات والأسواق التي تخدم الفقراء. هذا الخوف من الاستثمار يمكن الحد منه من خلال اعتماد مجموعة من الابتكارات التي لم تكن مسبقا مترابطة. ومن تلك الابتكارات توزيع تكنولوجيا الطاقة الشمسية، الذي يسمح لأنظمة رأس مال أصغر حجما أن تمتلك من قبل العملاء والمجتمعات المحلية والمؤسسات الصغيرة. ويمكن تثبيتها على أسطح المنازل. بالنسبة للأسر في البلدان النامية، إضافة إلى هذه التقنية الجديدة، يمكن للعملاء ايضا دفع مبالغ منخفضة التكلفة، وصغيرة الحجم في أي مكان تقريبا على هذا الكوكب. هذا يتيح للعملاء الأكثر فقرا الاستثمار وفقا لامكاناتهم، مما يلغي الحاجة للائتمان والشيكات والعقود المكلفة. كما ان التكنولوجيا اتاحت حشد مصادر التمويل عبر الانترنت وسهلت التعامل المباشر بين العملاء وفتح الأسواق المالية بشكل كبير دون الحاجة للبنوك والمؤسسات المالية والوساطات الأخرى. ان كل من هذه الابتكارات مثير للاهتمام، ولكن عندما نصل الامور بعضها ببعض قد نرى واقعا جديدا مع إمكانية تعزيز واسع النطاق للطاقة النظيفة يقدر بمئات المليارات من الدولارات. الطاقة، ما هي الا احد الامثلة لكنها تعتبر كاساس للاستثمارات الأخرى التي تشجع على أعمال جديدة، وتوفر فرص العمل وتعزز الاقتصادات المحلية، فضلا عن توفير الطاقة الكهربائية التي يمكن أن تحسن التعليم، والصحة، والبيئة المحلية. وكنتيجة لذلك كله، يمكن تأمين فرص تجارية ووظائف جديدة. كما ان التمويل هو ذاته يعد كإمكانية لاحداث تغيير منهجي شامل. ان البلدان النامية، على وجه الخصوص، تدرك أن التمويل هو أكثر من مجرد قطاع عادي. اذ يعتبر التمويل نظام يخدم احتياجات التنمية الوطنية من خلال الاستثمار في اقتصاد مستدام شامل. من خلال هذا المفهوم للتمويل، تصبح المصارف المركزية اكثر فعالية من نظرائهم في الدول المتقدمة، الذي يركزون على الاستقرار المالي والنقدي وسلامة السوق. فالبنك المركزي في بنغلادش، على سبيل المثال، يوفر إعادة تمويل للبنوك لتوفير القروض لتعزيز الاقتصاد الريفي والمشاريع الخضراء، في حين تبنت سلطة الخدمات المالية في اندونيسية "خارطة طريق للتمويل المستدام". كما ترأس البنك المركزي في كينيا عملية تشجيع الخدمات المالية من خلال انشاء قاعدة مشتركة ساهمت في نمو مالي شامل. ويمكن لهذه الإجراءات أن تكون سبيلا لتطوير نظام مالي سليم يتم وضعه بشكل صحيح في إطار السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع التي بدورها تدعم الجهود المبذولة لتحقيق الأولويات الوطنية. ان حشد التمويل من أجل التنمية المستدامة ليس مجرد مسألة الحصول على المزيد من المال. ان توجيه التمويل على نطاق واسع يتطلب منا اعتماد اساليب ذكية من خلال الابتكارات التي يجب دمجها بعضها ببعض لإحداث التغيير المنهجي المنشود في العلاقة بين التمويل ونتائج التنمية المستدامة. "كيف يمكننا تحقيق التنمية المستدامة" هو السؤال ذاته حول كيفية توفير تريليون دولار. ان ادراك كيفية توجيهه استثماراتنا في العقود المقبلة قد يحدد مصيرتسع مليار شخص يحتاجون الى الهواء والمياه والتربة النظيفة من هذا التاريخ وحتى منتصف القرن.