أصبح إعلان أجهزة الأمن مؤخرا وبعد ثورة "30 يونيو"، إلقاء القبض على قيادات جماعة الإخوان أمورا اعتيادية، وسار خبر القبض على قيادة إخوانية يستمد قيمته في وسائل الإعلام من الوزن النسبي الذي يشكله اسم هذه الشخصية بالجماعة. إلا أن خبر إلقاء القبض على محمد طه وهدان القائم بأعمال المرشد العام بعد إلقاء القبض على الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان المحكوم عليه بالإعدام في قضايا تتعلق بالإرهاب وكذلك خبر إلقاء القبض على الدكتور محمود غزلان عضو مكتب إرشاد بديع وصهر المهندس خيرت الشاطر لم يكن مألوفا بين قواعد الإخوان كغيره من الأخبار. فمع إلقاء القبض على محمد طه وهدان -القائم بأعمال المرشد- تتجلى آثار الزلزال الذي تتعرض له الجماعة والذي يكاد ينهي تواجدها بعد قرابة 87 عاما وذلك بفعل الصراع الدائر بين جناحي "أهل الكهف"، والذي ينتمي إليه محمود غزلان من جهة وجناح القيادة الجديدة الذي يتزعمه وهدان من جهة أخرى. وبحسب مصدر إخواني، فإن خبر إلقاء القبض على وهدان أثار علامات استفهام لدى بعض المقربين منه ولاسيما أن أجهزة الأمن لم تكن تلاحق وهدان ولم يكن مطلوبا قضائيا، مشيرا إلى أن كرة الثلج تدحرجت ووجه بعض المؤيدين للقيادة الجديدة اتهامات لجناح "أهل الكهف"، بتسريب معلومات للأمن مكنتهم من إلقاء القبض على القائم بأعمال مرشد الإخوان. وأرجع المصدر خلال اللقاء مع "بوابة الأهرام"، اتهامات أنصار القيادة الجديدة لجناح "أهل الكهف"، للصراع الذي بدا ظاهرا بين الطرفين حول السيطرة على مفاصل تنظيم الإخوان وصناعة القرار بالجماعة خاصة أن جناح "أهل الكهف"، والذي يضم محمود عزت زعيم الصقور بالإخوان ومحمود غزلان ومحمود حسين خرج عن صمته وأصبح يطالب بحقه في القيادة باعتبارهم أصحاب السلطة الشرعية. الصراع الذي أصبح علنيا بين الجناحين أسفر عن حدوث انقسام بين المكاتب الإدارية ال30 للجماعة، حيث أيدت المكاتب الإدارية لشمال وشرق القاهرة القيادة الجديدة في بيانات معلنة، كما انحاز للقيادة الجديدة إخوان الصعيد وإخوان الجيزة. ورغم هذا الانحياز الواضح لقواعد الإخوان ضد مكتب إرشاد بديع الشاطر عزت باعتبارهم المسئولين عن ما وصلت إليه الجماعة في "30 يونيو"، فإن المكاتب الإدارية لمحافظات الدلتا القليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية والبحيرة التزمت بتعاليم السمع والطاعة لجناح "أهل الكهف"، باعتبارهم القيادة الشرعية ولاسيما أن المكاتب الإدارية للدلتا تشكل نسبة مئوية كبيرة من أعداد الإخوان بمصر. كما هيمنت حالة الانقسام على صفوف قواعد الإخوان في الإسكندرية والشرقية ومحافظات القناة بين التباعية لجناح "أهل الكهف"، والانتماء لجناح القيادة الجديدة ولاسيما أن إخوان هذه المحافظات تشكل وزنا نسبيا في الجماعة خاصة أن الإسكندرية والشرقية تضم كل منها مكتبين إداريين تابعين للجماعة. ووفقا لنفس المصدر -الذي طلب عدم ذكر اسمه- فإن خبر إلقاء القبض على محمود غزلان عمق من الفجوة بين الجناحين المتصارعين حيث أصبح جناح "أهل الكهف"، على ثقة في أن مجموعة القيادة الجديدة وراء تسليم غزلان. ويؤكد جناح "أهل الكهف"، -بحسب المصدر- أن القبض على غزلان تم بتسريب معلومات من داخل الجماعة لأجهزة الأمن ولاسيما أن الأمن والإخوان على حد سواء يعلمون أن غزلان لا يشكل وزنا نسبيا في التنظيم الإخواني، وإنما كان يستمد بقاءه في مكتب الإرشاد من كونه صهر المهندس خيرت الشاطر الرجل الحديدي صاحب الكلمة العليا بالجماعة. وأورد المصدر عن أنصار جناح "أهل الكهف"، اتهاماتهم للقيادة الجديدة بتسليم غزلان للأمن خاصة أن الغالبية العظمى من الإخوان وكذلك أجهزة الأمن كانت على ثقة في أن محمود غزلان غادر البلاد قبل "30 يونيو"، كما فعل عند ثورة "25 يناير"، ولاسيما أنه لم يظهر في اعتصام رابعة. أعادت الاتهامات المتبادلة بين الجناحين المتصارعين إلى أذهان قواعد الجماعة حادثة اغتيال القيادي الإخواني السيد فايز عبد المطلب أحد أهم رجال التنظيم الخاص والذي تم اغتياله في 19 نوفمبر 1953. تعود واقعة اغتيال السيد فايز القيادي البارز بالتنظيم الخاص إلى حالة الصراع الداخلي التي شهدتها الجماعة عقب اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا 1949 والتي استمرت إلى ما بعد قيام ثورة "23 يوليو"، بين المرشد العام الثاني حسن الهضيبي وزعيم التنظيم الخاص عبد الرحمن السندي. نجح الهضيبي في استمالة السيد فايز عبد المطلب وهو مهندس ومقاول إخواني وقيادي بارز بالتنظيم الخاص ضد السندي لمعاونته في تفكيك الرابطة العنقودية للتنظيم الخاص الذي قام بسلسلة من الاغتيالات من بينها المستشار أحمد الخازندار ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي وغيرهما من العمليات التي تبرأ منها مؤسس الجماعة حسن البنا. ومع نهاية أكتوبر 1953 وبحسب ما أورده عدد من قيادات الإخوان في كتبهم على رأسهم اللواء صلاح شادي وعباس السيسي وغيرهما، فإن الهضيبي نجح بمعاونة السيد فايز في فك شفرة التنظيم الخاص وقام بدمجه في المكاتب الإدارية للجماعة. وفي 19 نوفمبر 1953 الموافق ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي قام شخص غريب بزيارة لمنزل المهندس السيد فايز عبد المطلب بالعباسية وسلم أخته سيدة صندوقا من الحلوى مهداة له بمناسبة المولد النبوي مع التوصية بعدم فتح أي شخص له غير المهندس فايز. وعندما عاد السيد فايز لمنزله في ساعة متأخرة سلمته أخته الصندوق الذي قام بفتحه وانفجر فيه على الفور لكون الصندوق كان ملغما وأسفر الانفجار عن مصرع السيد فايز وشقيقه الصغير وأصاب أخته بإصابات بالغة. ورغم اتهام الإخوان أثناء تشييع جنازة المهندس السيد فايز لجمال عبد الناصر بالوقوف وراء الحادث إلا أنه وبعد الواقعة بيومين أصدر المرشد العام حسن الهضيبي قرارا بفصل 4 من قيادات التنظيم الخاص كان بينهم عبد الرحمن السندي والذي أقر بعد ذلك بوقوفه وراء اغتيال السيد فايز عبد المطلب. وكشف المصدر الذي تحدثت إليه "بوابة الأهرام"، أن شبح عودة الاغتيالات السياسية الداخلية على الجماعة عادت لتطل برأسها على التنظيم، مشيرا إلى أن أحد القيادات العاقلة نصح الطرفين بالتوقف عن المهازل والصراع على الكراسي لأنه لم تعد هناك جماعة يتصارعون عليها وليس هناك كراسٍ كي يخسروا دنياهم ودينهم من أجلها. وأوضح المصدر أن حاليا ما يدور في رأس شباب الجماعة عبارة حجة الإسلام الشيخ محمد الغزالي والتي قال فيها: "إن الصراع بين الإخوان يتواجد في القيادة العليا أكثر منه في القواعد نظرا لأن القيادات لديها ما تتصارع عليها بينما القواعد تكون أكثر إخلاصا للدعوة وللفكرة وللإسلام". وفجر المصدر مفاجأة عندما أشار إلى أن هناك تيارا ثالثا داخل الإخوان، يتهم الجناحين بالفشل والصراع على "الكراسي"، موضحا أن هذا الجناح غير منظم ويبحث عن قيادة عاقلة تقدم له طرح جديد يمكنهم من مواصلة العمل السياسي وفقا للمعطيات السياسية الراهنة. واختتم المصدر حواره بالإشارة إلى أن هذا التيار يؤكد أن جناح "أهل الكهف"، مسئول عن الصراع بين الإخوان مع القوى المدنية قبل "30 يونيو"، وأن جناح القيادة الجديدة ظل على مدى عامين غير قادر على بلورت رؤية متكاملة وأنه تسبب في نزيف المزيد من الدماء خلال المواجهات مع الأمن.