فى كل يوم تغلق قناة فضائية أو تهدد بالغلق، وبسبب ما تخشاه النظمة السياسية العربية من تنامى الثورات العربية، يعاد النظر حاليا فى كل قوانين ولوائح البث ليس فى مصر بل فى الدول العربية كلها. وتعد الفضائيات العربية هى أكثر من تضرر مما يسمى بثورات الربيع العربى، فلأول مرة فى تاريخ الفضائيات العربية والتى تجاوز عددها 750 قناة عربية فى نهاية العام الماضى تصدر قرارات بحجب وغلق قنوات عربية فضائية لأسباب سياسية، وكأن هذه الثورات قد جاءت بانتكاسة على قنوات فضائية كثيرة، وأن من استفاد هو بعض القنوات التى نجحت فى اللعب على كل الأطراف. وتكاد لا تخلو دولة عربية من حالة مماثلة لما حدث لقنوات الفراعين ودريم وما يهدد قنوات مثل أون تى فى والتحرير وغيرهما. ويبدو أن غلق الفضائيات لأسباب سياسية سيكون هو الظاهرة الملفتة للنظر فى هذا العام الذى قد تشهد فيه مصر غلق لقنوات جديدة تضاف إلى القائمة مع الفراعين ودريم. وعلى المستوى العربى كانت الصورة أشد قتامة، فقد أغلقت السلطات السورية قناة الرأي لصاحبها مشعان الجبوري والتي تبث إرسالها من ريف دمشق. وأوقفت القناة بثها وكتبت عبارة: ( تم إيقاف بث قناة الرأي لأسباب خارجة عن إرادتنا). وكان صاحبها مشعان الجبوري قد هرب من العراق إبان الرئيس الراحل حكم صدام حسين إلى سوريا فاحتضنه حافظ الأسد ومنحه الحرية في التحرك السياسي والإعلامي فأنشأ صحيفة أسماها الاتجاه الآخر، عرفت بجرأتها وولائها للنظام السوري لكنه واجه حربا من النظام بسبب شكوك فى ولاءه خصوصا وأنه بدل انتماءاته أكثر من مرة إذ كان مواليا للقذافى واعلن حداد القناة اثناء مقتله وفى يوليو من العام الماضى 2011 قضت محكمة القضاء الإداري فى مصر برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة، بإغلاق 14 قناة فضائية كانت تابعة لنظام القذافي، وتبث على القمر المصري نايل سات بعد أن تقدم عدد من المحامين الليبين والمصريين بدعوي في القضاء الإداري دائرة الاستثمار ضد القنوات التابعة للنظام الليبي الحاكم لبثها أخبار وتقارير لا تحمل الحقيقة عن الأحداث التي تمر بها ليبيا في الشهور الأخيرةوكانت قد سبقت إغلاق هذه القنوات إغلاق لقناة الساعة الليبية التى أثارت جدلا واسعا. وتردد أنذاك أن المملكة العربية السعودية ومصر كانتا وراء قرار غلق القناة، وأنهما هددتا بعدم حضور القمة العربية التى كان المقرر عقدها في مدينة سرت فى فترة ما قبل الثورة الليبية، وبالفعل تم غلق القناة بلا رجعة. وكانت قناة "الساعة" بدأت بثها التلفزيوني عام 2007 من مقرها بمدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، ويرأس مجلس إدارتها الإعلامي الليبي أحمد قذاف الدم. وفى مارس الماضى تم غلق مكاتب الفضائية البغدادية في بغداد وباقي محافظات العراق. وذكر في وسائل الاعلام الحكومية الليبية أن أسباب غلق المكاتب هو ارتباط البغدادية بتنظيمات إرهابية وأصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية قرارا بإغلاق مكاتب قناة البغدادية الفضائية في بغداد وكافة المحافظات العراقية وذلك على خلفية قيامها بالاتصال مع المسلحين الذين اقتحموا كنيسة سيدة النجاة وقتلوا المصلين فيها. وفى محيط القنوات الدينية واجهت معظم القنوات الدينية المصرية شبح الغلق مرات عديدة فأغلقت قناة الناس أكثر من مرة، وكذلك الحكمة وأغلقت قناة 25 يناير مؤخرا. وقد يأتى الغلق لأسباب خارجية كأن تدافع دولة اجنبية عن نظام سياسى أو حتى عن كيان كإسرائيل وهو ما حدث عندما دعت فرنسا الجامعة العربية للتحرك لغلق قنوات فضائية تهاجم الكيان الصهيون، مشيرة إلى بعض محطات التلفزيون التي تبث ما أسمته ب "الدعاية اللاسامية" في الشرق الأوسط وكذلك في أوروبا عبر الأقمار الصناعية. وقال السفير الموكل بحقوق الإنسان في الخارجية الفرنسية فرنسوا زيميري: إنه تطرق بشكل خاص الى وضع تلفزيون الاقصى التابع لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وتلفزيون المنار التابع لحزب الله اللبناني، وذلك في زيارة الى مقر الجامعة العربية وقال: إن برامج "الدعاية اللاسامية" على تلك المحطات "تنشر الكراهية عبر الأقمار الصناعية وتعكس صورة سيئة عن الإسلام ولا تساهم في إنشاء مناخ يدعم السلام. وفى أغسطس الماضى قامت دائرة إدعاء العاصمة عمان بالتحقيق رسميا في حلقة برنامج "في الصميم" الذي بث على محطة "جوسات" الفضائية التابعة للقطاع الخاص والتى كانت قد ناقشت أمورا خاصة بالدولة. واستدعى الادعاء العام خمسة إعلاميين ونشطاء ظهروا في البرنامج وهم مدير المحطة رياض الحروب ومديرة الحلقة رولا الحروب، وضيوف الحلقة لبيب قمحاوي وأمين عام حركة اليسار الاجتماعي الأردني محمد الكفاوين. ووجهت النيابة لضيوف حلقة البرنامج عدة اتهامات من بينها تقويض نظام الحكم والمس بالملك وذم هيئة رسمية والدعوة للعصيان، وإثارة البلبلة. وتوقف بث القناة عقب الحلقة في 26 يوليو الماضي، وسط اتهام من قبل إدارتها بوقوف "جهات رسمية" خلف وقف البث، فيما نفت هيئة المرئي والمسموع مسئوليتها عن توقف بث القناة، حيث أعلنت الشركة التي تزود المحطة بالبث توقيف خدماتها بسبب ما وصفته وقتها بمخالفة شروط الترخيص والقوانين النافذة وهى نفس التهمة التى توجه عادة فى الدول العربية للمحطات التليفزيوينة الخاصة. أما فى الكويت فقد قامت وزارة الإعلام الكويتية يوم الاثنين 24 سبتمبرالماضى بوقف بث قناة نهج التابعة لكتلة الأغلبية بمجلس الأمة المنحل والتي كانت قد بدأت بثها يوم الأحد 23 سبتمبر 2012 أى انه لم يمر على بثها سوى ساعات على القمر الصناعي عربسات نتيجة ضغوط حكومية لمنعها من بث فعاليات ساحة الإرادة الذي تم تنظيمها انذاك لأن السلطات الكويتية كانت قد حذرت منذ بداية الشهر من تنظيم مظاهرات أو اعتصامات بساحة الإرادة واعتبرت أن ذلك يشكل إخلالا بالأمن والنظام العام عقوبته السجن والغرامة, وبرر وزير الإعلام الكويتي الغلق بأنها قناة غير مرخصة، وأن القائمين عليها لم يتقدموا لترخيصها. ولم يكن إغلاق قناة نهج هي المرة الأولى التي تغلق فيها السلطات الكويتية قناة فضائية حيث أغلقت في عام 2009 قناة السور الفضائية التي كان يمتلكها رجل الأعمال والناشط السياسي محمد الجويهل بسبب بثه برنامج عرف باسم السرايا، تناول من خلاله موضوع مزدوجي الجنسية في الكويت، قبل أن يعاد بثها من على القمر الأوربي, لفترة قصيرة قبل أن يعلن “الجويهل" غلق القناة نهائياً في مايو 2011 . وفى أكتوبر الماضى قام مفتشو وزارة الإعلام الكويتية بمصادرة أجهزة بث قناة "مباشر" التلفزيونية، التي تعود ملكيتها للشيخ فهد سالم العلي وأغلق المحطة التى كانت تبث من القمر الصناعى المصرى النايل سات. ولا تخلو بلد عربى من حالة مماثلة بغلق قنوات أو منع برامج ومصادرة اأهزة بث، وكلها لأسباب غير واضحة المعالم، تبررها الأنظمة عادة بمخالفة قوانين أو عدم وجود تصاريح أو ديون لأقمار البث .