عندما تعلن وزارة الصحة عن اختفاء فيروس إنفلونزا الخنازير من مصر، وأن الإنفلوانزا الموجودة حالياً "موسمية"، ثم تتراجع وتصدر بيانات أسبوعية بأعداد "الضحايا والمصابين" بسبب إنفلونزا الخنازير، فذلك يؤكد التضارب فى التصريحات، وما يدعو للعجب أن وزير الصحة حاتم الجبلى، يخرج بعد ذلك، فى محاولة لطمأنة المصريين ويقول: "المرض تحت السيطرة، ولاداعى للقلق". وزارة الصحة، عندما أعلنت عن اختفاء الفيروس اعتمدت على إعلان منظمة الصحة العالمية بأن إنفلونزا الخنازير لم تعد تمثل أى خطورة، وأن معدلات انتشارها انخفضت بشكل ملحوظ، وأن الفيروس لم يطرأ عليه أى تغير جينى، بل أصبح ضعيفا، الأمر الذى دفع الدكتور عبد الرحمن شاهين المتحدث باسم وزارة الصحة إلى أن يخرج ذات يوم ليوجه كلامه للمواطنين بعبارة "لا تقولوا إنفلونزا الخنازير.. قولوا إنفلونزا موسمية"، لكن إذا كان الدكتور شاهين نصح من يتحدث عن إنفلونزا الخنازير بأن يطلق عليها اسم "موسمية"، لماذا تخرج البيانات الإعلامية من الوزارة مدون بها كلمة "H1N1"، وهو المسمى العلمى لفيروس إنفلونزا الخنازير؟. من هنا يتضح مدى التخبط بين التصريحات، وواقع الضحايا والإصابات، وبات المصريون فى حيرة من أمرهم، فمن يصدقون؟.. تصريحات مسئولى وزارة الصحة، أم بيانات الوزارة حول أعداد الوفيات والمصابين، بسبب هذا الفيروس؟. بداية التخبط كانت يوم 14 ديسمبر الحالى، عندما خرج الوزير حاتم الجبلى ليؤكد أن عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا منذ أول أكتوبر الماضي، حتى هذا اليوم – أى 14 ديسمبر- بلغ 16 حالة، مقارنة ب 134 حالة وفاة فى الفترة نفسها من العام الماضى، وقال :إن هذا العدد طبيعى ومتوقع، فى هذه الفترة نتيجة الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، التى أصبحت تضم إنفلونزا الخنازير، التى انتهت بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية فى 10 أغسطس الماضى، تحولها إلى إنفلونزا موسمية، مضيفا أنه تم رصد 348 حالة إصابة من بداية أكتوبر، وحتى 14 من ديسمبر، مقارنة ب 10 آلاف و599 حالة خلال الفترة نفسها من العام الماضى، وقال: "هذا يؤكد أن المرض مازال تحت السيطرة ولايثير قلقا ". اليوم التالى لتصريحات الوزير، الذى حاول طمأنة المواطنين بتصريحات فى ظاهرها الطمأنينة، وفى باطنها شراسة الفيروس، حيث توفيت سيدة داخل الحجر الصحى بمستشفى الإسماعيلية العام، بعد تدهور حالتها الصحية لإصابتها بمرض إنفلونزا الخنازير، وفى اليوم نفسه أصيب طفل عمره ثلاث سنوات بالمرض فى محافظة الغربية، لتزداد الحيرة والتناقض بين التصريحات، وواقع بيانات المستشفيات، التى أعلنت عن وفاة جديدة لربة منزل بالغربية بسبب الفيروس. مديرية الصحة بالسويس هى الأخرى وفى ذات اليوم، الذي تحدثت بيانات الصحة فيه حول اختفاء الفيروس، أعلنت وفاة سيدة فى عقدها الثالث، متأثرة بإنفلونزا الخنازير، ثم اتخذت مديرية الصحة بالدقهلية نفس نهج نظيرتها بالسويس، وأعلنت عن وفاة سيدة، متأثرة بأعراض الفيروس. بين تصريحات الطمأنينة "الخفية"، وواقع شراسة الفيروس "الواقعية"، أراد الدكتور نصر السيد، مساعد وزير الصحة للطب الوقائى أن يكون له دور فى سد الفجوة، بين واقع "شراسة الفيروس" وخيال "مضمون التصريحات" وقال :إن حالات الإصابة بفيروس والخنازير، التى تم اكتشافها مازالت ضمن الأعداد الآمنة، ولا توجد بوادر لانتشار وبائى. مساعد الوزير تناسى أن جميع الحالات، التى تم الإعلان عن إصابتها بالفيروس جاءت باعتراف المعامل المركزية بالوزارة، ورغم ذلك قال :إن جميع الحالات الموجودة حالياً، أو التى تتردد على المستشفيات، لم تثبت إصابة معظمها بأى من فيروسات الإنفلونزا، وقال :إن ما يحدث فى معظم الحالات، مجرد "اشتباه"، لكن التساؤل هنا: وماذا قال عن الوفيات بسبب إنفلونزا الخنازير؟ . الدكتور نصر السيد من جانبه اتهم انخفاض درجة الحرارة بأنها السبب فى انتشار الإصابة بالإنفلونزا، وقال: "هذا أمر ليس بالجديد ومتوقع تماما، وكل الحالات التى تم رصدها مصابة بفيروس "H1N1" مازالت فى الحدود الآمنة، ولا تشكل وباء بأى حال من الأحوال". حسب تصريحات الدكتور نصر السيد فإن الإصابات الحالية لا تعنى انتشار الوباء، لكن التساؤل الجديد، أليس ذِكر مساعد الوزير لعبارة "الإصابة بفيروس "H1N1" فى حدود آمنة " على لسانه اعتراف ضمنى منه بوجود الفيروس، حتى لو كان فى حدود آمنة، وليس اختفاؤه تماما كما تقول وزارة الصحة فى بياناتها، التى تنشرها يومياً؟. ومن حدود الأمان التى تحدث عنها الدكتور نصر السيد إلى محافظة الدقهلية، التى أعلنت بعد ساعات من تصريحاته، عن وفاة حالتين مصابتين بإنفلونزا الخنازير، وتم فى اليوم نفسه، احتجاز 12 حالة بمستشفيات المحافظة، بعدما ظهرت عليهم أعراض المرض في 19 من ديسمبر الجاري، شهد بياناً للوزارة، أكثر غرابة، عندما كشف عن ارتفاع حالات الوفيات بسبب الإنفلونزا إلى 30 حالة، منذ أول أكتوبر، واكتشاف 218 حالة خلال أسبوع، ليرتفع الإجمالى إلى 533 إصابة مؤكدة بفيروس الإنفلونزا "H1N1"، ووقتها قال المتحدث باسم الوزارة: "عقار التاميفلو المخصص للعلاج متوفر بالمجان بمستشفيات وزارة الصحة، ومتاح فى الصيدليات الخاصة"، وعلى نفس نهج الدكتور نصر السيد قال الدكتور عبد الرحمن شاهين: معدلات انتشار الفيروس تقع فى حدود المعدلات الطبيعية للإنفلونزا الموسمية، وهنا يطفو على السطح تساؤل مهم: لماذا تعلن الوزارة عن توفير عقار التاميفلو المخصص لعلاج حالات إنفلونزا الخنازير، إذا كان الفيروس قد اختفى من مصر، كما ذكر شاهين فى نوفمبر الماضى؟!. كأن "فيروس إنفلونزا الخنازير" يعاند تصريحات مسئولى الصحة، فبعد ساعات من كل تصريح لمسئول بأن المرض فى حدود آمنة، تقع حالات إصابة ووفيات أكثر من التى تقع قبل خروج التصريح، حيث شهد اليوم التالى مباشرة لبيان وزارة الصحة وتصريحات المتحدث باسمها إعلان مديرية الصحة بالغربية وفاة حالتين جديدتين بإنفلونزا الخنازير، واحتجاز 11 حالة جديدة للاشتباه فى إصابتهم بالمرض. "الفيروس" ليس وحده الذى يسير عكس تصريحات "الطمأنة الخفية "، وسار أحمد عرابى وكيل وزارة التربية والتعليم بالسويس، هو الآخر عكس بيانات الصحة، ليعلن بلهجة حادة عن أنه سيقوم بعزل ونقل أى مدير مدرسة من موقعه الوظيفي فى حال تقاعسه عن الإبلاغ فورا عن إصابات مرض إنفلونزا الخنازير بمدرسته، أو تخفيض الإجراءات الوقائية بالمدرسة، وكانت تلك التحذيرات بناء على توجيهات محافظ السويس، الذى بدا هو الآخر أنه يسير عكس اتجاه "تيارالصحة" جاء يوم 21 ديسمبر ليكشف عن دليل جديد ل"تيار التصريحات الوردية بأن المرض تحت السيطرة "لتشهد محافظة الغربية وفاة 3 حالات أصيبوا بأنفلونزا الخنازير، واعترفت المعامل المركزية بالوزارة بذلك، كما تم احتجاز 14 حالة فى نفس اليوم، للاشتباه بإصابتهم بفيروس إنفلونزا الخنازير، وتوفيت سيدة فى محافظة المنيا، متأثرة بأعراض الفيروس، وتم احتجاز 3 حالات فى محافظة أسيوط، ومثلهم فى المنوفية، بالإضافة إلى إصابة نقيب شرطة بنجدة البحر الأحمر. الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم نفسه سار عكس "تيار الصحة" وأصمّ أذنيه عن "تصريحاتها الوردية"، وحذر بشدة من تخفيض إجراءات الوقاية الصحية بالمدارس، بسبب إنفلونزا الخنازير، وقال :إن الوزارة لم تصدر أى توجيهات للمدارس بتخفيف إجراءات الوقاية من المرض، وأن كل مدير تعليم مسئول في نطاق عمله عن تطبيق هذه الإجراءات باستمرار طوال العام، وأنه يجب الاتصال بالخط الساخن رقم 105 المخصص بوزارة الصحة للاستفسار، والإبلاغ عن حالات الاشتباه بإنفلونزا الخنازير. اجتماع "بدر" وتحذيراته من خطورة الفيروس جزمت بها محافظة الغربية، فبعد ساعات من تحذيرات "التربية والتعليم"، وتحديداً يوم 26 و27 ديسمبر، أعلنت مديرية الصحة بالمحافظة عن وفاة أربع حالات بإنفلونزا الخنازير، واحتجاز 23 حالة بالمحافظة للاشتباه فى إصابتهم بالفيروس. اعترف المتحدث الرسمى باسم الصحة، أن فرق رصد مرض إنفلونزا الخنازير بالوزارة أسفرت عن اكتشاف 559 حالة مؤكدة لإنفلونزا الخنازير- الذى يسميها موسمية- خلال أسبوع واحد، ورغم ذلك قال إن معدل انتشار المرض لايزال فى حدود المعدلات الطبيعية للإنفلونزا الموسمية، وأن عدد الوفيات من شهر أكتوبر وحتى اليوم 56 حالة فقط. لم تمر ساعات على تصريحات شاهين إلا وسجلت محافظة البحر الأحمر أول حالة وفاة بالفيروس، لسيدة فى عقدها الثالث، بعدما أثبتت مديرية الصحة بالمحافظة إصابتها بفيروس إنفلونزا الخنازير، الأمر الذى دفع مجلس الوزراء إلى أن يجعل التطور المتلاحق والخطير للفيروس فى مقدمة أعماله فى اجتماعه الخميس المقبل. أعداد الوفيات بالعشرات، والإصابات بالمئات، ورغم ذلك، الصحة "تهون"، وفى المقابل المستشفيات "تهول وتهرول"، لكن الأقلام لا ولن تكف عن تدوين أسماء وعناوين ضحايا الفيروس، ليستمر مسئولو "الطمأنينة" فى عنادهم بأن "حدودالإنتشار آمنة"، ويبقى التساؤل الأهم: هل تريد وزارة الصحة أن يصاب الشعب المصرى كله بفيروس إنفلونزا الخنازير حتى تعترف بوجوده ومخاطره؟!