الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى" كلمة قالتها الأديبة الرائعة الراحلة رضوى عاشور تلخص حيوات طويلة عشناها ومرت بجانبنا، فمادام في الصدر نفس وفي العقل ذكريات وعلى اللسان كلمات فالحكايات القديمة يمكن أن تولد من جديد لتأخذ قبسا من الحياة، في هذه السلسلة "قبل البداية" نسترجع مع أبطالها القصة من جذورها، نسرح معهم من البداية البعيدة، يقينا منا ان آثارها كانت حتمية على ما آلت إليه حكاياتهم الآن، نبدأ مع الأب والأم، كيف تعرفا وكيف كانت أيام الطفولة، كيف كانت ذكريات ما قبل الشهرة، ذكريات التكوين، ذكريات الأحلام، ذكريات الواقع الوردي عند البعض، والبائس عند الآخرين، بطل هذه الحلقة من السلسلة صدفة قادته للوقوف أمام الكاميرا فأحبها، ليصبح له بصمة خاصة وسط أبناء جيله، هو الفنان كريم عبد العزيز. قد تكون صدفة مدبرة هي الصدفة وراء تعرف المخرج محمد عبد العزيز بسهير عبد العزيز، والتي كانت تعمل موظفة في الثقافة الجماهيرية، كان هناك اصدقاء مشتركون ومجال عمل متقاطع، فتعرفا ليحدث الزواج بعدها بفترة ليست طويلة في سنة 1971، وبدأت حياتهما الجديدة في العجوزة الحي الهادئ في ذلك الوقت، بعد أربع سنوات رزقهما الله بكريم، وبعدها رزقا بياسمين. يتذكر كريم طفولته ويقول: كنت طفل شقياً جداً، وكان زمان فكرة إن الجيران في العمارة 24 ساعة مع بعض، العيال بتلعب على السلم حتي الفجر، وأنا كنت غاوي سرقة مفتاح سيارة والدي، فكرة العمارة اختلفت عن زمان. قبل الاسترسال في ذكريات الماضي، سألته عن شخصية والده فأجاب سريعا: أنا ابويا اتعلمت منه الحياة، تعلمت منه الحزم والحنية في الوقت نفسه، وتعلمت الالتزام، كما انه حكيم جداً ولديه خبرة السنين وقارئ جيد، وتعلمت منه الحكمة واحترام نفسك والناس، لكن بصراحة سببت له مشاكل كثيرة بسبب شقاوتي. أما عن شخصية والدته فقال: أمي حنينة جدا وكريمة جدا وعصبية جدا، ومن يقترب من أولادها "تاكلوا"، كانت ب100 رجل ومثل الجبال. أما أكبر الأزمات التي مرت على الأسرة فكانت الانفصال بين الأب والأم، يقول كريم: والدي انفصل عن أمي وأنا عندي 4 سنين، وأبويا تزوج من أخري ولم ينجب، وأمي ربتني أنا وأختي ولم تتزوج، وهذه كانت أزمة الطفولة، والحكاية استمرت إلى الآن، وسبحان الله الثلاثة معي في البيت اليوم، أمي ووالدي وزوجة والدي، خلاص كبروا ويتعاملون مع بعض عادي. يعود كريم لتذكر فترة طفولته فيقول: أنا كنت أحب الكلاب، وأمي كانت تكرهها، وأنا كان حلمي أشتري كلباً، فكنت واقفاً في البلكونة ورأيت "كلب أسود بلدي"، فنزلت وأحضرته للبيت، ماما قالت لي: ايه ده؟ فقولت لها واحد صاحبي أبوه لواء شرطة عنده كلاب كثيرة فأعطاني واحداً، والكلب قضى معنا في البيت شهراً تسبب في تكسير كل ما يقابله، كلب بلدي ومريض وتسبب في خسائر كثيرة، وكل ما يكبر ديله يلف وملامحه تظهر حتي اكتشفت أمي حقيقة الامر وكان نصيبي علقة بالشبشب لا أنساها. هوس كريم بالسيارات قاده لكثير من المواقف الطريفة والصعبة في نفس الوقت، يحكي بعضها فيقول: أمي كانت عندها سيارة صغيرة وكانت داخلة محطة البنزين وأنا بجانبها وأختي وراءنا، وبمجرد أن نزلت من السيارة قفزت مكانها ووضعت المفتاح وتحركت بينما السيارة يتم تموينها بالبنزين، وفجأة وجدت 4 رجال يجرون ورائي وواحد منهم طار في الهواء ودخل من الشباك وأوقف السيارة. لم يكن هذا هو الموقف الوحيد بسبب هوس السيارات، يحكي موقفا آخر فيقول: وانا عمري 15 سنة سرقت عربية ماما من الجراج وعملت حادثة وكلمت ابويا قولت له إن ماما عملت حادثة هي وياسمين، وغادرت مكان الحادثة قبل وصوله، طبعا كانت النتيجة "علقة محترمة". مواقف "الشقاوة" في حياة كريم عبد العزيز لا تنتهي، يحكي واحدا آخر، يقول: مرة واحد صاحبي كان عنده بيت في الإسكندرية، كنا في تالتة اعدادي، وقال لأبوه عايز اروح انا وكريم بيت الإسكندرية، أنا قلت لأمي احنا طالعين رحلة في المدرسة لأسوان عشان آخد منها فلوس أكتر، وأخدت الفلوس من أمي، وأخدت شنطتي ورايح بيت صاحبي، لكن في الطريق أمي وأم صاحبي تكلموا في التليفون، وبمجرد أن وصلت لبيت صاحبي سمعت أمه وهي تضربه وتقول له "رايح أسوان مع كريم وماتقوليش؟!"، فأمي قالت لأمه إننا سنذهب لأسوان.. بينما قالت أمه لأمي أننا سنذهب للإسكندرية، وطبعاً كانت مشكلة. كريم من بداية دخوله المرحلة الثانوية حصر نفسه في اختيارين فقط، إما دراسة الطيران أو دخول معهد السينما، يقول كريم: "لما جيت سألت نفسي ليه سينما أو طيران اكتشفت انهم مهنتين مفيش فيهم روتين، أنا راجل مش بحب الروتين محبش اصحي في وقت معين وأقابل نفس الناس، فلقيت إن المهنتين مفيش فيهم روتين، الطيران كل يوم في بلد، وكذلك الفن كل يوم شخصية جديدة وعمل جديد وبعد الثانوية العامة فكرت في السفر للدراسة بأمريكا، ولكن بعد أيام فقط رجعت، لاني لما قعدت في أمريكا اكتشفت اني ماقدرش أعيش في الغربة، فقررت ارجع واقعد هنا مع أهلي واصحابي وحبايبي" ليقرر بعدها تقديم أوراقه في معهد السينما، ورفض والده في البداية ولكن عندما تابع ابنه في المعهد اعجب بتفكيره وبارك خطوته، وقتها كان الإخراج هو هدف كريم ومجال دراسته، حيث عمل كمساعد لنادر جلال في فيلم بخيت وعديلة، وفيلم "لماضة" بطولة شيريهان ولكن للصدف رأي آخر. يقول كريم: وإحنا في سنة تالتة معهد سينما بنعمل مشاريع تخرج، واحد سينما وواحد تليفزيون، فساعات مانعرفش نجيب ممثل محترف فنلجأ لبعض، فأحمد سمير فرج طلبني لأشارك في دور في فيلمه، فقولت أجرب الفكرة، عملت معاه مشروع تخرج ووجدت متعة كبيرة في التمثيل، كررتها مرة أخرى وانا في السنة الرابعة مع مروان حامد والذي أكبره بعامين، بعدها كلمني ليقول لي: شريف عرفة بيعمل فيلم "اضحك الصورة تضحك حلوة" وعايز وجوه جديدة وبيعمل اختبارات لاختيارهم، روحت قابلت الاستاذ شريف ومنحني مشهداً لأقرأه، ووجدته المشهد الرئيسي لأحمد زكي في الفيلم، قولت له اديني حاجة على قدي، المهم قعدت أذاكر المشهد وعندما قمت بتأديته في اليوم التالي وافق شريف عرفة على إعطائي الدور لتبدأ رحلتي في التمثيل.