* الروائى الإريترى حجى جابر: أرواحنا تحوى حكاياتنا.. والإبداع يمنحنى القوة فى مواجهة الحياة أصبح الروائى الإريترى «حجى جابر» سفيرًا متفرًغا لإبداع بلاده، تميزت أعماله بالرغبة فى رسم صورة للوطن الذى يفتقده، فلفتت رواياته، برغم قلتها، أنظار النقاد والقراء، ووضعته على منصات الجوائز . صدر له 4 روايات هي:«سمراويت»2012 التى حازت جائزة الشارقة للإبداع، و«مرسى فاطمة» 2013، ترجمت إلى الإيطالية، و«لعبة المغزل» 2015، بلغت القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، و«رغوة سوداء» 2018، حصلت على جائزة كتارا للرواية العربية 2019. معه هذا الحوار. من أين تأتى بالحكايات؟ ليتنى أعرف ، لو كنت أعرف لأصبحت الكتابة أسهل، فالأفكار تأتى كشرارة من مكان ما لم أفلح فى تحديده أبدًا، وبرغم أن الحياة مصدر عظيم للحكايات، فإنى أميل إلى أن المفتاح هو البحث فى داخل المرء نفسه عن الحكايات التى تلائمه، فأرواحنا تحوى حكاياتنا، لكن يصعب الوصول إليها مالم نحفر عميقًا فى أنفسنا، وعندما نحظى بالحكاية أخيرًا، نكتشف كم كان الطريق طويلًا وشاقًا نحو أرواحنا وليس من السهل بلوغ نهايته، فى بحثنا عن الفكرة ننحت فى الروح والذهن، لكن الأمر يستحق. لا تكف عن تكرار أن الكتابة فعل مرهق يستنزفك..لماذا إذن لا تزال تكتب؟ لأن الكتابة وحدها هى مايمنحنى فرصة أن أكون المسيطر على ما يجرى فى حياتى، وكأنى بذلك أعوّض ما أفتقده فى الحياة، فالكتابة تمسح على ضعفى وقلة حيلتى، وتحقننى بما يجعلنى أصمد أمام كل ما جرى ويجرى. قلت إنك تعتمد على بناء الرواية ذهنيًا قبل كتابتها..ماذا تقصد؟ لا أستطيع البدء فى كتابة الرواية مالم أصل بها إلى الاكتمال فى عقلى، فأنا أفكر بها منذ لحظة اندلاع شرارتها، وأتدرّج فى بنائها فى عقلى حتى تكاد تكون ماثلة أمامى، لذا عادة ما إن أبدأ الكتابة حتى يرادونى شعور أنى أعيد كتابة شيء حدث من قبل، لأنها جرت بالفعل فى ذهنى. إذا كنت تبذل كل هذا الجهد، فلماذا تظلّ تخاف القارىء كما تكرّر عادة؟ ابتداء يجب أن أعترف أنى أبذل الجهد من الأساس بسبب خوفى من القارىء دون أن أحظى بزواله حين أنتهى من الكتابة، فالخوف من القارىء أمر صحى لكل كاتب، ويجب ألا نسترخى لنجاح سابق؛ لأن القارىء سينسى كل ذلك ويحاسبك على عملك الجديد بقسوة إذا لم يقابل توقعه، على الأقل هذا هو نوع القارىء الذى أضعه فى اعتبارى، قارئ متربص ينتظر عملًا إبداعيًا يرضى ذائقته. كيف نقلت الظروف السياسية والاقتصادية لوطنك من خلال رواياتك؟ حدث هذا بالمصادفة، فقد وضعت إريتريا وإلقاء الضوء على إنسانها وما كان عليه أو يمر به أو يطمح إليه مادة أساسية لحكاياتى، ولا أفعل ذلك وحدى، بل كل الكتاب الإريتريين يفعلون ذلك، فبلادنا تمر بظروف صعبة، يصعب على أيّ كاتب أن يتجاوزها إلى قضايا هامشية. لغتك بسيطة، لكنها مُعبرة وجذابة، هل تأثرت كأديب بعملك الصحفى؟ خدمتنى الصحافة كثيرًا خاصة فيما يتعلق بطرق البحث والتحضير للأعمال التى تحوى أماكن لم أستطع زيارتها، وكثيرًا ما قلت إنى أكتب غالبًا عن المكان من خارجه، وهذا أمرصعب ومرهق لولا المهارات التى قدمتها لى الصحافة. «رغوة سوداء» تبدو متميزة عن كل أعمالك؟ أتحفظ على الوصف، لكن ربما أحسست بذلك بسبب الجائزة التى نالتها الرواية، لكنى أميل إلى أن «مرسى فاطمة» أكثر أعمالى نضجًا، وهى أحبها إلى قلبى، والجهد الذى بذلته فى «لعبة المغزل» كان فارقًا فى تجربتى، لكن نضج "رغوة سوداء" يعود بالأساس إلى أعمالى السابقة. وكل عمل يبدو كذروة النضج سرعان ما يتحول لعتبة يستند إليها العمل التالى. اهتمامك بالمكان فى رواياتك يفوق اهتمامك بالعناصر الأخرى، خاصة فى «سمراويت»؟ لا أدرى إذا كان ذلك صحيحًا أم لا،فأنا لم أنتبه لذلك من قبل، لكن ربما يعود لأنى منذ نشأتى المبكرة أعيش فى غربة عن بلادى، وبالتالى لا مكان يخصنى، ولعل شعورى اللاواعى بالحاجة إلى الانتماء تبدّى من خلال التركيز على المكان ك"تيمة" أساسية فى النصوص، وأعتقد دائمًا أن الروائى يكتب معتقدًا أنه يُحرّك كل قطعة بوعى وقصدية، بينما تتسلل الأشياء من لا وعيه إلى النص وتُكتشف لاحقًا، ولعل بروز المكان فى رواياتى مثال على ذلك.