مازالت الزيادة السكانية خطرا داهما تهدد عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الدولة، ويخنق فرص التنمية الذاتية المستدامة، ويعوق مشروعات التطوير التي تقوم بها مصر، ورغم زيادة حملات التوعية لمواجهة هذا الجراد الذي يلتهم الأخضر واليابس، إلا أن معدل النمو السكاني يصل إلى 3%، بحسب إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أعلن تجاوز عدد السكان داخل مصر حاجز ال101 مليون. وعقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء ، اجتماعا اليوم، لاستعراض الإستراتيجية والخطة التنفيذية للمشروع القومي لتنظيم الأسرة 2021- 2023، والتي تستهدف ضبط النمو السكاني، ووجه بالانتهاء من إعداد العرض المتكامل للإستراتيجية، وآليات تنفيذها بالتعاون والتنسيق بين الوزارات المختلفة، لعرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي ، تمهيدا لإطلاقها مع بداية العام الجديد. وبحسب الإحصائيات، فإنه كل 17.9 ثانية يحل مولود جديد في مصر، الأمر الذي دفعها لأن تكون في مصاف الدول الأكثر في أعداد المواليد مقارنة بالوفيات، وتقلدت المرتبة الأولى في تعداد السكان على مستوى الدول العربية، والمرتبة الثالثة إفريقيا بعد نيجيريا وإثيوبيا، فيما تحتل المركز ال14 في الترتيب العالمي، وتشير التوقعات إلى أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة سكانية كبيرة. التأثير الاقتصادي تمثل الزيادة السكانية خطورة حقيقة على المجتمع أجمع، وعلى الاقتصاد المصري بشكل خاص، حيث يؤكد الدكتور على الإدريسي الخبير الاقتصادي، أن النمو السكاني السريع يضغط على موارد الدولة بشكل كبير من حيث الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، أو في توفير السلع الأساسية وفاتورة الدعم، كما أنها تؤثر على برامج الحماية الاجتماعية. ويوضح الخبير الاقتصادي، أن الزيادة السكانية تسبب ضعف في العوائد الاقتصادية، حيث إنه من المفترض أن يعادل النمو الاقتصادي 3 أمثال معدلات النمو السكاني، ومن المستحيل تحقيق هذا الأمر، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم، وما تسببه وباء فيروس كورونا الذي انتشر منذ عام من مشاكل عالمية في اقتصاديات الدول. كما تسبب الزيادة السكانية زيادة البطالة، حيث أن هذا النمو السكاني يتطلب توفير مليون فرصة عمل سنويا لسد احتياجات الشباب العاطل للعمل، وبذلك ترتفع معدلات الفقر في مصر، وتضعف الخدمات العامة في بعض المناطق، كما أن الزيادة السكانية يتطلب أمامها زيادة في مصروفات الدولة، ومن ثم زيادة في معدلات العجز والدين، لأن الزيادة لها متطلبات في التعليم والصحة ودعم السلع التموينية، بجانب الخدمات الأساسية وكل ذلك تكاليف على الدولة. ودعا الدكتور علي الإدريسي، أن يتم وضع خطط مختلفة لتنظيم الأسرة والحد من النمو السكاني، لأن الحملات لم نكتسب منها نتيجة، فنحتاج مشروعا مرتبطا بقوانين على شكل ثواب وعقاب، ليكون هناك حد معين لدعم الأفراد، فيتم الدعم للأسرة التي بها طفلين أو 3 أطفال فقط، وإذا زاد عدد الأفراد تتحمل الأسرة تكلفة كل ما يحتاجه. كما يجب توفير وسائل منع الحمل في كل القرى والمدن بسعر رخيص وبجودة مرتفعة، حيث يشير الخبير الاقتصادي إلى ضعف وسائل منع الحمل المتواجدة، فأغلبها غالية أو مغشوشة، لذلك لابد من توفيرها بكثرة خلال الفترة القادمة في القرى والمراكز والمحافظات، ولابد أن يدعم المجتمع المدني هذه الوسائل ويقوم بتوفيرها للناس، للحد من الزيادة السكانية التي تلتهم موارد الدولة. أسباب الزيادة السكانية أرجع علماء الاجتماع أسباب الزيادة السكانية ، إلى الموروثات الثقافية الخاطئة، مؤكدين أنها السبب الرئيس في زيادة معدل الإنجاب في مصر، التي أصبحت خطرا داهما، ولابد من زيادة حملات التوعية وتفعيل دور الإعلام، كما أكد علماء الدين أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة لبعض الأحاديث النبوية والتي لابد من تصحيحها عن طريق ضبط الخطاب الديني. تقول الدكتور سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الزيادة السكانية خطر داهم تهدد عملية الأمن القومي والتنمية والإصلاح الاقتصادي، كما أنها تسبب عدم حصول المواطنين على خدمة صحية جيدة، لذلك يجب على خطة تنظيم الأسرة أن تستهدف إقناع الأسر بخفض معدلات الإنجاب والاكتفاء بطفلين فقط في جميع أنحاء الجمهورية، تصاحب جميع الفئات والشرائح خاصة الأرياف لأنها أكثر الأماكن التي بها زيادة معدلات الإنجاب. انعدام الوعي وتضيف "خضر" ل"بوابة الأهرام"، أن الدولة أصبحت تعاني من انعدام الوعي والثقافة واختفت إعلانات التوعية التي كانت متواجدة بشكل أساسي في جميع قنوات التليفزيون وفي الشوارع في الفترات السابقة، حيث كانت هناك أفلام ومسلسلات تناقش هذه القضية وإعلانات توعي المواطنين بطريقة صحيحة ومشجعة، نظرا لأن الإعلام يصل لكل مواطن فقير أو غني متعلم وغير متعلم، لافتة إلى أن خفض معدلات الإنجاب لن يتم دون أن يكون هناك ضبط في الخطاب الديني والإعلامي والثقافي والقضاء على نسبة الأمية. وسبق أن أظهر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد الأميين يقدر بنحو 14.3 مليون نسمة عام 2016 منهم 9.1 مليون نسمة من الإناث، أي أن هناك فردًا أميًا بين كل 5 أفراد من السكان، وارتفع عدد الأميين في مصر إلى 18.4 مليون شخص في عام 2017 حسب آخر تعداد. هناك ضرورة لاختلاف أساليب التوعية وتعددها حتى تؤثر في المواطنين خاصة غير المتعلمين منهم، حيث تؤكد أستاذة علم الاجتماع، أنه لم يتم العمل على توعية غير المتعلمين منذ فترة كبيرة، مفيدة أن نسبة الأمية وصلت إلى 25% وهذه نسبة خطيرة جدا ويعتبر السبب الأساسي لزيادتها هو الزيادة السكانية ، نظرا لأن الكثير من الأسر التي يزيد معدل الإنجاب بها، تقوم بتسريب أبنائها من المدارس لكي يعملوا ويصبحوا مصدر رزق للأسرة. دور الإعلام وتشدد على دور الإعلام والمساجد والكنائس، نظرا لدورهم الكبير في خفض معدل الإنجاب في الدولة المصرية، ولابد من إحكام السيطرة على أئمة وشيوخ ورجال الفقه، نظرا لأنهم أكثر المؤثرين على المواطنين، حيث إن بعض الفتاوي القديمة بأن تدخل الأهل في الإنجاب حرام شرعا تمثل مشكلة كبيرة جدا، نظرا لأن بعض الناس مازالوا مؤمنين بها حتى ذلك الوقت، ويؤمنون بفكرة أن الإنجاب الكثير هو "العزوة". وبالفعل فإن السنوات العشر الأخيرة شهدت مصر زيادة في تعداد السكان بشكل متسارع للغاية، في ظل محاولات الحكومة لإطلاق المبادرات المجتمعية للحد من الزيادة السكانية وتحديد النسل، والأرقام الرسمية المعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تدل بالفعل على كارثة وشيكة، حيث إن مصر في خلال الثلاثين عامًا الماضية، ارتفع تعداد سكانها بنسبة زيادة 96.5٪ بواقع 46.5 مليون نسمة، في وقت ارتفع فيه عدد السكان خلال عشر سنوات فقط إلى 22 مليون نسمة. الرأي الديني ونظرا للجدل الديني المرتبط بتنظيم الأسرة، فقد أكد شوقي علام مفتي الجمهورية، أن تنظيم الأسرة وخفض المواليد من الأمور الدينية الحتمية وواجب شرعي دخل في نطاق اللازم والضروري، مضيفا أن الشرع يجيز اتخاذ أي أمر من شأنه ألا يحدث الحمل لضرورات الحياة، ووسيلة منع الحمل كانت موجودة عند الصحابة من خلال عدم التلقيح، موضحا أن الزيادة السكانية تتعلق بالأمن القومي ويجب التصدي لها، وتمسك بعض الأسر ب"العزوة" غير مستحب.