تظل الزيادة السكانية خطرا داهمًا تهدد عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الدولة، كما أنه السبب الأول في تكدس الفصول بالمدارس وزيادة عدد قوائم الانتظار بالمستشفيات وعدم حصول المواطنين على خدمة صحية جيدة، وتولي الحكومة اهتماما كبيرا للحد من الزيادة السكانية، ووصل الأمر حد التهديد بوقف الدعم المقدم للأسر التي لا تكتفي بطفلين فقط. وأولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اهتماما كبيرا لمواجهة هذه القضية، واعتبرها من أهم المعوقات أمام التقدم الاقتصادي، وأكد خلال خطابات متعددة له بضرورة خفض معدل الزيادة السكانية، وأن المواطنين لن يشعروا بأي تأثير إيجابي إلا إذا كان معدل النمو السكاني مناسبا. وقامت وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع وزارة الصحة، بإطلاق حملة "اتنين كفاية" لتنظيم النسل والحد من الزيادة السكانية، والتي تعمل على توعية المرأة المصرية وتصحيح بعض المفاهيم المجتمعية الخاطئة السائدة الخاصة بكثرة الإنجاب، كفكرة ضرورة إنجاب الولد والعزوة. ونظرا للجدل الديني المرتبط بتنظيم الأسرة، فقد أكد شوقي علام مفتي الجمهورية، أن تنظيم الأسرة وخفض المواليد من الأمور الدينية الحتمية وواجب شرعي دخل في نطاق اللازم والضروري، مضيفا أن الشرع يجيز اتخاذ أي أمر من شأنه ألا يحدث الحمل لضرورات الحياة، ووسيلة منع الحمل كانت موجودة عند الصحابة من خلال عدم التلقيح، موضحا أن الزيادة السكانية تتعلق بالأمن القومي ويجب التصدي لها، وتمسك بعض الأسر ب"العزوة" غير مستحب. وتحدثت "بوابة الأهرام" مع عدد من المواطنين الذين يقدسون كثرة الإنجاب ويرغبون في إنجاب الولد، لمعرفة وجهة نظرهم في كثرة الإنجاب: موروثات دينية قال عاطف خليل ل "بوابة عمارة"، أب ل7 أبناء، إنه تربى داخل عائلة ومجتمع ريفي يؤمن بكثرة الأبناء، وإن الاكتفاء بطفلين فقط هو أمر حرام شرعا لأن الأطفال عزوة وسند في الحياة، وعن كيفية تربيتهم، يؤكد أن أبناءه الأولاد الأكبر سنا تركوا التعليم بعد الدبلوم، والبنات تركوا التعليم بعد المرحلة الإعدادية حتى يتزوجوا، أما الأطفال فإنهم يساعدون في أعمال العمارة التي يعمل بها، معقبا "مكنش ينفع أغضب ربنا وأخلف طفلين بس". العزوة فيما قال شعبان خلف "عامل" وأب ل5 أبناء، إنه كان يرغب في إنجاب الولد لذا كان يجعل زوجته تنجب دائما حتى جاء الولد بعد أربع بنات، مردفا "كان لازم أجيب الولد إلي هيشيل اسمي ويساعدني ويبقى سند ليا في الدنيا، وأرفع رأسي بين الناس، والعيل بيجي برزقه". عناد السلايف فيما قالت اعتماد محمد ربة منزل، وأم ل6 أبناء، إنها كانت مضطرة على الإنجاب بكثرة لكي تنجب الولد لتكون مثل باقي سيدات العائلة خاصة "السلايف"، وعقبت قائلة: "كانوا مسميني أم البنات وعند بقى وكان في سباق مين تخلف أكتر، كان لازم أكون زيهم او جوزي يتجوز عليا". عدد السكان وسبق أن أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع عدد السكان في مصر إلى 96.3 مليون نسمة بالداخل في بداية عام 2018 بزيادة قدرها 1.5 مليون نسمة على بيانات آخر تعداد عام 2017. ووفقا لتقديرات الجهاز لعام 2018، ارتفع عدد السكان من 72.8 مليون نسمة عام 2006 إلى 76.1 مليون نسمة في بداية عام 2009، وبلغ 94.8 مليون نسمة عام 2017، وارتفع إلى 96.3 مليون نسمة في بداية عام 2018 بزيادة قدرها 1.5 مليون نسمة على بيانات آخر تعداد، "51.6% ذكور، 48.4% إناث، وتبلغ نسبة النوع 106.4 ذكر لكل 100 أنثى". أفكار الشباب كما تحدثت "بوابة الأهرام" مع عدد من الشباب المتعلم المتزوجين منهم والمقبلين على الزواج، الذين أكدوا أنهم مؤيدون لفكرة تنظيم الأسرة والاكتفاء بطفلين فقط، مؤكدين أن الزيادة السكانية هي السبب الرئيسي لانتشار بعض العادات السلبية كالبطالة والزواج المبكر والتسرب من التعليم وغيرهم، لذا لابد من عمل حملة ضخمة خاصة في الأرياف لتوعية المواطنين بأهمية تنظيم الأسرة. وقال محمد عبد الهادي "37 عاما"، محاسب، إنه قام بالاتفاق مع زوجته على إنجاب طفلين فقط مهما كان النوع، وأصبح لديه طفلتان الآن، موضحا أنه بهذا الشكل سوف يقوم بتربية بناته بشكل جيد وفي مدارس جيدة، وعن فكرة الإنجاب الكثير بسبب العزوة، قال: "الإنجاب الكتير غلط ومش عزوة، بيضر المواطن بشكل خاص والدولة بشكل عام، المفروض نقف جنب الدولة في الفترة دي، خاصة أن الزيادة السكانية بتلتهم أي إصلاح وهي السبب في عدم إحساسنا بأي إصلاح اقتصادي". واتفقت معه هبة علي "32 عاما"، مؤكدة أنها ضد فكرة الإنجاب بكثرة، مشيرة إلى أنها من قبل الزواج وهي قررت أن تنظم حياتها وأنها لن تنجب أكثر من طفل أو آثنين فقط وعلى فترات بعيدة، حتى تقوم بتربيتهم بشكل جيد لا يؤثر على صحتها أو الحالة الاقتصادية الخاصة بها، موضحة أنها لديها طفل الآن ولن تنجب إلا بعد مرور 5 سنوات، ووجهت نصيحة للمواطنين قائلة: "العزوة مش بالعدد، طفلين بس كويس هيتعلموا ويعيشوا عيشة كريمة هيفيدوا أسرتهم ودولتهم، لازم الثقافة تتغير". وأكد علماء الاجتماع أن الموروث الثقافي الخاطئ هو السبب الرئيسي في زيادة معدل الإنجاب في مصر، وأن الزيادة السكانية خطر داهم، ولابد من زيادة التوعية وتفعيل دور الإعلام، كما أكد علماء الدين أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة لبعض الأحاديث النبوية لابد من تصحيحها عن طريق ضبط الخطاب الديني. تهديد الأمن القومي قالت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الزيادة السكانية خطر داهم تهدد عملية الأمن القومي والتنمية والإصلاح الاقتصادي، كما أنها السبب الرئيسي في أزمات المدارس وتكدس الفصول، وكذلك زيادة قوائم الانتظار وعدم حصول المواطنين على خدمة صحية جيدة، مؤكدة أنه لابد من قيام حملة قوية وضخمة تستهدف إقناع الأسر بخفض معدلات الإنجاب والاكتفاء بطفلين فقط في جميع أنحاء الجمهورية تصاحب جميع الفئات والشرائح خاصة الأرياف والقرى، نظرا أنها أكثر الأماكن التي يزيد فيها معدلات الإنجاب. انعدام الوعي وتضيف "خضر" ل"بوابة الأهرام"، أن الدولة أصبحت تعاني من انعدام الوعي والثقافة واختفت إعلانات التوعية التي كانت متواجدة بشكل أساسي في جميع قنوات التليفزيون وفي الشوارع في الفترات السابقة، حيث كانت هناك أفلام ومسلسلات تناقش هذه القضية وإعلانات توعي المواطنين بطريقة صحيحة ومشجعة، نظرا لأن الإعلام يصل لكل مواطن فقير أو غني متعلم وغير متعلم، لافتة إلى أن خفض معدلات الإنجاب لن يتم دون أن يكون هناك ضبط في الخطاب الديني والإعلامي والثقافي والقضاء على نسبة الأمية. وسبق أن أظهر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد الأميين يقدر بنحو 14.3 مليون نسمة عام 2016 منهم 9.1 مليون نسمة من الإناث، أي أن هناك فردًا أميًا بين كل 5 أفراد من السكان، وارتفع عدد الأميين في مصر إلى 18.4 مليون شخص في عام 2017 حسب آخر تعداد. وتؤكد "أستاذ علم الاجتماع"، ضرورة اختلاف أساليب التوعية وتعددها حتى تؤثر في المواطنين خاصة غير المتعلمين منهم، حيث إنه لم يتم العمل على توعية غير المتعلمين منذ فترة كبيرة، مفيدة أن نسبة الأمية وصلت إلى 25% وهذه نسبة خطيرة جدا ويعتبر السبب الأساسي لزيادتها هو الزيادة السكانية، نظرا لأن الكثير من الأسر التي يزيد معدل الإنجاب بها، تقوم بتسريب أبنائها من المدارس لكي يعملوا ويصبحون مصدر رزق للأسرة. تفعيل دور الإعلام وتتابع: أن الإعلام والمساجد والكنائس لهم دور كبير في خفض معدل الإنجاب في الدولة المصرية، موضحة أنه لابد من إحكام السيطرة على أئمة وشيوخ ورجال الفقه، نظرا لأنهم أكثر المؤثرين على المواطنين، منوهة أن بعض الفتاوي القديمة بأن تدخل الأهل في الإنجاب حرام شرعا تمثل مشكلة كبيرة جدا، نظرا لأن بعض الناس لازالوا مؤمنين بها حتى ذلك الوقت، ويؤمنون بفكرة أن الإنجاب الكثير هو "العزوة". ومن الناحية الدينية قالت دكتور أمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بالأزهر الشريف، إن الزيادة السكانية تصبح ثروة إذا كان هناك ما يقابلها من الزيادة الإنتاجية، لافتة إلى أن هناك فجوة كبيرة بين الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي، حيث إنه أي زيادة تحدث في الاقتصاد تبتلعها الزيادة السكانية، فيؤدي إلى عدم الشعور بالإصلاح الاقتصادي. مفهوم خاطئ للسنة وأكدت نصير ل"بوابة الأهرام"، أن هناك مفهوما خاطئا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباه بكم الأمم إلى يوم القيامة"، موضحة أن هذا الحديث كان دعوة للشباب لكي يتزوجوا وينجبوا لكي يزيد عدد المسلمين في هذا الوقت، ولكن في هذا الزمن ليس بحاجة إلى أي زيادة بل إن الزيادة تضر المجتمع والدولة بشكل كبير. وتعجبت أستاذة العقيدة بالأزهر الشريف من أن الأسر الفقيرة هي التي تكثر من إنجاب الأطفال ليكون لهم عزوة في الفقر وبعد ذلك يقومون بتسريحهم لكي يكونوا مصدرا للدخل، منوهة أن تنظيم النسل مسألة ضرورية، ولابد من تفعيل دور رجال الدين خاصة الأئمة في المساجد لشرح النصوص الدينية وحثهم على أهمية تنظيم الأسرة.