مساحات شاسعة تفصل بين الفرحة التي تملأ عيون العروسين ب حفل الزفاف وما قد يلي ذلك، حيث الحزن والغضب بالعيون والقلوب يقيمون بحياة بعض المتزوجين.. نفتش عن المتسبب "الرئيسي" ونجده يبدأ بالعنف الذي يبدأ صغيرًا ثم يتوحش "ويسرطن" الزواج ويصيبه بمقتل، ولو بعد حين، ويؤدي لإفشاله. الفشل لا يكون بالطلاق – كما قد يتبادر للذهن - فالأصعب والأشد مرارة من الطلاق وتوابعه النفسية والعاطفية والاجتماعية؛ استمرار الزواج مع احتفاظ طرف أو الطرفين برصيد "موجع" من ذكريات العنف الزوجي واجترارها من حين لآخر والرد عليها بالأسوأ وتأجيج العنف أو الصمت ومعاقبة الطرف الآخر بالجفاف وحرمانه من كل حقوقه الزوجية أو أدائها بلا مشاعر وبأقل ما يمكن "للهروب" من المحاسبة.. لا ينحصر العنف بالإيذاء الجسدي كما يرى الكثيرون؛ ويتعداه بكل ما يتسبب الإيذاء والألم النفسي والحرمان من الاستمتاع بالمقصد الرئيسي من الزواج وهو "السكن" والاطمئنان لشريك الحياة وأنه، وإن لم يكن السند والصاحب والونس بالحياة، كما يجب أن يكون، فلن يكون "أبدًا" المتسبب بأي إيذاء يترتب عليه الضرر بحياته وبنجاحاته وفقدان الراحة النفسية وتراجع الود والحرمان من مباهج الزواج العاطفية.. والتي يزيدها الود واللطف والابتسامة الحانية والمجاملات وإبداء التقدير للشريك – من الجنسين - وإشعاره بأهميته بحياة الطرف الآخر والسعي لاكتساب صداقته وحبه ومداومة تجديدها وطرد كل الشوائب التي "قد" تعكر صفو علاقتهما أولا بأول، ووضع خطوط حمراء لا يمكن التفكير بتجاوزها في العلاقة معه، وأهمها الاحترام المتبادل وعدم استغلال نقاط ضعفه، أو عيوبه لمضايقته بها أو معايرته بها عند الاختلاف أو أثناء مواجهتهما لل مشكلات الزوجية .. ولا أحد منا بلا نقاط ضعف ولا بلا عيوب، ولا زواج بالكون يخلو من مشكلات ولا علاقة بين طرفين تخلو من خلافات؛ ولكن فقط من "يرغبان" بإنجاح زواجهما وإبعاد أشباح التعاسة من حياتهما يتوقفان بكامل إرادتهما عند احتدام المناقشات ويؤجلانها لمنع العنف اللفظي؛ وهو أول أبواب العنف بين المتزوجين .. ونطالب بمنعه والانتباه إلى لغة الجسد؛ فقد يصمت أحد الزوجين، ولكنه ينظر بإزدراء أو بكراهية للطرف الآخر، أو يشيح بوجهه عنه أو يلقي بأي شيء أمامه، أو يغادر الحجرة ويغلق الباب بعنف، فكل هذه الأمور ترسل رسائل سلبية "جدًا" للطرف الآخر ولن يتقبلها وإن سكت مؤقتًا وسيختزنها داخله، وكما قالت الحكمة الرائعة: لا ترم سهمًا يصعب عليك صده، ولا تفتح بابًا يصعب عليك رده.. فمن الذكاء إغلاق كل الأبواب المؤدية للعنف الزوجي، وإذا حدث؛ فلنسارع بمحو آثاره ونعتذر بصدق ونتعهد بعدم التكرار ونلتزم بذلك مع تعويض الطرف المتضرر عاطفيًا وطمأنته وعدم تبرير العنف؛ فلا شيء يبرره، ومحاولة التبرير تسيء لصاحبها وتخيف الطرف الآخر وتشعره - وهو محق - بعدم جدية الاعتذار.. يختار البعض العنف ليداري ضعفه وقلة حيلته، وأحيانًا للهروب من تحمل مسئولياته ولتجنب محاسبة الطرف الآخر له، "ويتوهم" أنه سينجو من العتاب ولا يدري أنه يضيف مشكلات جديدة لنفسه وسيدفع فواتيرها حتما، وأن القوي لا يلجأ للعنف أبدًا؛ ويفضل التعامل بحسم بلا عدوانية.. لا يوجد جنس ولا جنسية تحتكر العنف؛ وهو ليس دليلًا على القوة؛ بل مؤشر على ضعف المنطق واستبداله باستخدام العنف؛ المعنوي بالإهانات أو السخرية أو الجسدي أو انعدام السيطرة على الذات والشعور بأنه في مأزق أمام الطرف الآخر ولا يستطيع مجابهته فيلجأ للعنف، وبكل الحالات سيخسر ولو بعد حين؛ فلن تنجح علاقة بعد "تسلل" العنف إليها وستتوالى الشروخ النفسية والعاطفية بها حتى يفاجأ من يمارس العنف باهتراء العلاقة وتداعيها، وإن حاول ترميمها.. ولعل أفضل تعريف للعنف أنه ضد الرفق؛ أي التعامل بشدة سواء باللفظ أو بالنظرات أو بالتصرفات ومنها الإساءة لشريك الحياة أو لأهله.. وقد تزايد العنف بين المتزوجين بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي "وسرقتها" لأوقات الكثير من الأزواج والزوجات لمتابعة ما ينشر عليها وتناقصت الأوقات التي يقضيها المتزوجون معًا .. بينما تضاعفت "وبشراسة" المنشورات على الإنترنت المحرضة على مؤسسة الزواج عامة؛ والتي تكاد تحوله لمجموعة من القيود وتتعامى عن مزايا الزواج النفسية والعاطفية والاجتماعية، والتي تحرض على الرجال بشكل خاص، وكأنهم ينتمون لفصيلة مصاصي الدماء الذين يقتاتون على أعمار الزوجات.. ويتفننون بالمبالغة بأي دور تقوم به الزوجات وكأنه ينتقص منهن أو عبء بشع لا يمكن تحمله؛ فيوغر صدور كثير من الزوجات ويجعلهن يتحفزن ضد أزواجهن "وينتظرن" أقل خطأ لتضخيمه وللرد عليه بعنف غير مبرر؛ لأنهن يشعرن أنهن ضحايا للأزواج طوال الوقت بسبب ما يقرأنه معظم الوقت؛ والمؤسف أن كثيرًا من الرجال يدعمون ذلك سعيًا لإعجاب حواء ويؤججون العنف النسائي ضد الرجال بكامل التعمد.. وأخرى تحرض ضد الزوجات وتصورهن وكأنهن "كتلة" من العيوب وبلا مزايا وتسخر منهن بقسوة.. نرفض العنف من الجنسين ونراه خسارة للجميع ويخاصم الذكاء؛ فمن يفعله "ويتوهم" أن الطرف الآخر سيرضخ للأبد يكون كمن "يصر" على زراعة الشوك وينتظر أن يجني الورود..