بسبب سوء الأحوال الجوية.. قرار هام حول موعد الامتحانات بجامعة جنوب الوادي    ننشر المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي بنقابة أطباء الأسنان في القليوبية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    قبل عودة البنوك غدا.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 27 إبريل 2024    مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار في غضون 5 أشهر.. تفاصيل    صندوق النقد: مصر ستتلقى نحو 14 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة بنهاية أبريل    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    جماعة الحوثي تعلن إسقاط مسيرة أمريكية في أجواء محافظة صعدة    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل    شهداء وجرحى جراء قصف طائرات الاحتلال منزل في مخيم النصيرات وسط غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    ملف يلا كورة.. الأهلي يواصل كتابة التاريخ    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    موعد الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز في إياب نصف نهائي الكونفدرالية    مارسيل كولر: قدمنا مباراة كبيرة.. وسعيد بالتأهل للنهائي وبالحضور الجماهيري    أحمد عبد القادر: الأهلي اعتاد على أجواء رادس    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيطرة على حريق في منزل بمدينة فرشوط في قنا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    تعرض للشطر نصفين بالطول.. والدة ضحية سرقة الأعضاء بشبرا تفجر مفاجأة لأول مرة    برازيلية تتلقى صدمة بعد شرائها هاتفي آيفون مصنوعين من الطين.. أغرب قصة احتيال    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    دينا فؤاد: تكريم الرئيس عن دوري بمسلسل "الاختيار" أجمل لحظات حياتي وأرفض المشاهد "الفجة" لأني سيدة مصرية وعندي بنت    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    ناهد السباعي تحتفل بعيد ميلاد والدتها الراحلة    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    أسعار النفط ترتفع عند التسوية وتنهي سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل عامر يكتب عن : مظلومية الابناء
نشر في الزمان المصري يوم 02 - 11 - 2019

أولادنا هم تلك السنابل الخضراء في صحراء حياتنا، هم فلذات أكبادنا هم قطعة من قلوبنا، هم زينة الحياة الدنيا، قد لا يطلب الإنسان السعادة لنفسه لكنه يرجوها لأولاده، وقد لا يتمنى الإنسان الحياة لنفسه لكنه يطلبها لأولاده، هم قرة أعيننا، ومهج أرواحنا، إذا حللنا كانت سعادتنا في أن تمتع أعيننا كل لحظة برؤيتهم، لا ننام إلا إذا ناموا، ولا نشبع إلا إذا شبعوا، لا تحلوا الحياة إلا بهم، وبوجودهم يستجلب الرزق وتتنزل البركات والرحمات كَم كُنْتُ أطْرَبُ للهدوءِ وأشتَهي لحظاتِ صمتٍ في قرارِ المنزلِ..
وأخاصمُ الأطفالِ حتَّى يسكتواْ لأعيشَ في إطراقه المتأملِ.. وأعود يوماً للصفاءِ كما مضى وأنا أظنُّ بأنه سِيعودُ لي!!.. قدْ ضِقْتُ منْ ألعابهم وضَجِيجِهم وودتُ عوداً للزمانِ الأولِ.. يا طفلي المدلل، إنني في غاية السعادة لأنك صرت ولدًا لي من صلبي وتحمل اسمي وتكتبه في كل مكان تذهب إليه.
أنت ولدي الحبيب العطوف الحنون الذي وهبك الله لي بعد طول انتظار من هذه الحياة، فجئت نورًا لي أنار حياتي. ما أجمل تلك العاطفة التي أستشعرها بداخلي حين أضمك إلى صدري وألمس شعرك الجميل المسترسل على كتفي. ابني الحبيب، إنني أتمنى أن تقوم بكل ما تستطيع أن تقوم به من أجل إثبات نفسك في هذه الحياة،
وأن تفعل ما لم يكن باستطاعتي أنا فعله، فأنا أحب أن تكون أفضل مني عشرات المرات. اللهم بارك لي في ولدي الحبيب، واجعله يا رب من أفضل الناس وأسعد الناس وأتقى الناس. كيف تكون أكون بجانبك يا بني، اذهب حيث شئت ستلقاني عندك لا أبرح.
وامي ذلك المخلوق الرقيق الذي يكافح ويربي ويسهر ويحنو لكي تنشأ الأجيال وترقى الأمم . فهي تحملت ألم الحمل والولادة ، وأرضعت بحب وصفاء ، وصبرت على مشاكل الأبناء التي لا تنتهي ،
وكل همها أن يسعد أبناؤها الذين مهما كبروا فهم في عيونها أطفال صغار . أحيانا يصور الجهل لبعض الآباء أن الحجر على الأبناء في داخل البيوت وتقيد خروجهم والرقابة المفرطة هي الطريقة الأمثل لحمايتهم، التشدد والغلو في المعاملة يدفع الابناء الى التفلت وكسر حاجز القيود والتحرر، وابتكار اساليب جديدة للاتصال والتواصل مع العالم الخارجي.
منذ نعومة أظفارنا تعلمنا أن من أوجد شيئاً صار ملكه، يفعل به ما يريد، حتى ولو حطمه أو تفنّن في اختراع أدوات التعذيب التي تستخرج منه كل مفردات الألم، أو ساقه نحو المذبح مقيداً، لا يهم، فهو السبب في وجود هذا الشيء ولو شاء لما سمح له بتلك النعمة التي يمقتها من أُنعم عليهم بنعمة الوجود. هل نتحدّث عن الأب أو عن الرب أو عن كليهما، أو أن أباً ما في قديم الزمان، صاغ مشاعره على هيئة رواية الرب، فظل كل هذا الشبه يجول في أعماق نفوسنا؟ فلذة الكبد هي القطعة من الكَبِدَ. ونقول فلذة كبدي ونريد بها الولد ذكراً كان أو أنثى أي يا قطعة مني.
ونقول فلذة كبد أبيه أي قطعة منه يفرح لفرحه ويحزن لحزنه ويمرض لمرضه ويهتم به . ولدي فلذة كبدي لعمرك ما ذنبي أم كان ذنبيا. ودعت كبدي، أم ودعني كبديا فدفعني وجعي من البين لا ناديا .. من لي في البعد ولأهلي ساقيا تجنبت الخصوم، لأن فيهم بلاويا.. وخير ما فعلت هجراً…. للذيا عدوي ولأرض أجدادي غازيا. لأبناء عمومتي قاتلٌ، ولشعبيَّ سابيا لكني تركت خلفي شجاعاً شافيا على الجراحات يعظُ رجل ساميا ألا حيو معي الفتى الملك الانسيا. الذي ألوذ به إن جدتْ العواديا حماني من رماح الشرِّ فاديا شديدُ العريكةِ، رائح وغاديا هنأني دوماً ولم يسهُ ثوانيا كشف عن سر معدنه الغاليا شثن البراثم .. ضبارما، قاسيا يذود عن حماه فارساً ضيغميا هو المؤمن الصابر للغفار داعيا بالحق، وبما كتب له الرب راضيا لم ينس فرضاً مذ كان صبيا .. ولم يتخذ إلا طريق الرحمن العليا كف جوارحه ولم يعص الغنيا .
آمن بالقدر وانتظر جزاء المعطيا هذا الشبل ولدي أحمد الشمر يا أباهي به الزمان وهو كل ما لديا أدعوك ربي بالإيمان تجعله قويا
وتقر به عيني ما دمت حيا فذا ولدي المطيع، وانت السخيا بالزهو والعلا والهناء تكتبه يحيا وسلاما وتهنئة لمن كان تقيا في يوم مولده ولجميع محبيه سويا الزواج بداية لحياة جديدة لكل من الشاب والشابة وهذه الحياة على انواع ربما سعيدة ربما متوسطة ربما… وهذا يتوقف على كلا الزوجين ومدى ثقافتهم الفكرية في بناء حياتهم ونرى في مجتمعنا الاسر التي تسودها المشاكل وتكون اسرة مفككة وفي هذه الحالة سيكون الابناء هم الضحية لاختلاف والدهم ووالدتهم
فاحد اسباب الاسرة المفككة هو عدم تلائم الزوج والزوجة فكريا وذلك ناتج عن اختلاف مستوى كل منهم الثقافي وطريقة تفكيره فالتوقف هنا قليلا ما ذنب هؤلاء الابناء الذين حياتهم غير سعيدة بسبب والديهم؟ لماذا هم الضحية؟
في الحقيقة إن فلسفة البشرية في تبجيل فكرة الوجود هي منبع كل الشرور اللاحقة، بأمر التسلط والتحكّم والانقياد دون حرية أو اعتراض، الرب كما الأب، أو الأب كما الرب، لا فرق، فأحدهما أطلق تلك الفلسفة التي استفاد منها دوماً الآخر، ويمكن تلخيص تلك الفلسفة في جملةٍ بسيطةٍ غير معقدة
وهي: “أنا السبب في إعطائك فرصة الحياة، لذا فالطاعة واجبة النفاذ، ولا سبيل لك علي إلا برضاي”. هل تكفي “نعمة الوجود” أو “نعمة الحياة” كما يُطلق عليها، لنيل كل هذه السلطة؟ صدمت المعلمة عندما علمت ان احدي طالباتها تمتلك جوال يحتوي العديد من المقاطع الاباحية، لتكتشف فيما بعد انها شريكة مع زميلاتها الثلاثة في شراء هذا الهاتف وتحميل مواد مخلة بالآداب، دون علم ذويهن بما يفعلن.
لم تكن تتصور المعلمة الموقف وقد اصابتها حالة من الذهول لم تكن تُبرر الا بعد ان كشفت الطالبات كيف يعاملهن اباؤهن في البيوت بإهمال ودون رقابة، بل في اغلب الاحيان بقسوة وحرمان، دون وعي وادراك ومتابعة السلوك التربوي الاسري. كيف تطلب من ابنائك الاقلاع عن التدخين وانت تدفعهم الى شرائها لك..!!.
كيف تطالبهم بالالتزام بحسن الخلق والابتعاد عن رفقة السوء، وانت ترافق اصدقاء السوء وتغرق بالملذات..!! قبل ان تصفع ابناءك على اخطائهم..
اسأل نفسك هل قومت من سلوكهم وارشدتهم الى الطريق الصحيح..!! الحرمان والحجر والاهمال والاضطهاد لم يكن يوما هو الطريق الصحيح للتربية، بل يجب ان ندفع ابناءنا الى استكشاف العالم المحيط ونسلحهم بالعلم والارشاد والنصيحة ونكون نحن مرجعتيهم في ابحار سفينتهم نحو الحياه واكتشاف واقعهم،
فالاضطهاد يدفع نحو التفلت والهروب من خلف الكواليس دون ارشاد ودون توجيه ليؤدي الى التهلكة في النهاية.
سياسة المشاركة والمتابعة والتوجيه، هي السياسة الانجح في تنشئة جيل قادر على تحدي عقبات الحياه ومواجهة الازمات فامنح ابنك الثقة ولا تترك مهمتك في تقويم سلوكه ولا تحاول ان تمارس نهج الغاء الشخصية والدكتاتورية في التربية، او المحاسب دون ان تكون موجه لشراع سفينته نحو الحياه. انت من تشكل سلوك ابنائك فهم انعكاس لشخصيتك، فاجتهد ان تكون في اجمل صورة.
يجمعهم الحب والانتماء إلى ذلك الموطن الذي صنعته أيديهم بإخلاصٍ ووفاء، ونتاجٌ لهذا الحب الجميل يسعون إلى بناء أسرة متحابة ينام الاستقرار بين جدرانها، ويُسنِد الاستقرار أعمدتها، كل شَيءٍ يبقى على ما يرام إلى أن تعصف رياح المشكلات بأسقف هذا الموطن لتبعثر كل شعورٍ قد رَصّ جدرانه، وفي الوقت الذي يحين فيه وقت الطلاق يتلاشى فيه كل شيء.
مع أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، ومع كونه آخر السُّبُل التي يجب على الزوجين اتخاذها عندما لا يكون للعلاقة أي سبيل للتفاهم، إلا أن ذلك لا يعني أن ينسى كلا الزوجين أن الاحترام بينهما إذا تلاشى ذهب الأبناء ضحية لذلك.
ولأنّ الطلاق يرتب على الزوج بعضًا من الالتزامات تجاه طليقته وأبنائه، فإن هذا الأمر يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار قبل أن يتخذ الزوج والزوجة قرار الانفصال. تعسف الكثير من الآباء في مسألة الإنفاق على أبنائهم، إذ تجد الكثيرين ممن يرتادون المحاكم اليوم للتخلص من هذا الالتزام فقط، بأي شكلٍ كان،
ولكن السؤال يكمن في سبب عدم رغبة الآباء في الإنفاق، أيعقل أن ينسى الأب كل ذلك الحب الذي كان يمنحه أبناءه؟! أيعقل أن يدفعه الانتقام من الزوجة إلى حرمان أبنائه من النفقة؟! واجب النفقة هو التزام فرضته أولاً قواعد الأخلاق والإنسانية قبل أن تفرضه أي قاعدة أخرى في الحياة، فعندما يخلّصك الطلاق من رابطة الزوجية؛ لا تجردك أخلاقك ومشاعرك من النفقة على أبنائك.
ولو كانت تلك القواعد لا تجبر البعض على الإنفاق، فإن القانون في الدولة يجبرك على ذلك، فقد نص قانون الأسرة في الفقرة (أ) من المادة (62) على أن «نفقة الولد الصغير الذي لا مال له تجب على أبيه، حتى تتزوج البنت وحتى يصل الابن إلى الحد الذي يتكسب فيه أمثاله». وهذا نص واضح على أهمية النفقة وواجب الأب تجاه أبنائه في الإنفاق.
كثيرٌ من الآباء اليوم يرتادون المحاكم من أجل التخلص من دين النفقة، فيدعي بعضٌ بأنه معسر وغير قادر على دفع نفقة أبنائه لأنه متزوج بزوجة ثانية ولديه أبناء آخرون منها، وبعضٌ آخر منهم يدعي عدم كفاية مرتبه الشهري للإنفاق على أبنائه!
نتساءل جميعنا هنا، هل من العدل والإنصاف أن تُنفق على أبنائك من زوجتك الثانية وتنسى أن لديك أبناءً من زوجتك السابقة؟ أيُعد من الإنسانية أن تفرق بين أبنائك وتدعي أنك معسر؟ هل من المنطق أن الأب يقدر على النفقة في أثناء قيام الزوجية وعندما تُحَل هذه الرابطة يصبح «فجأة» غير قادر على الإنفاق؟!
إذًا، ما دمت غير قادر على الإنفاق على أبنائك، لماذا تتزوج بزوجة ثانية وتُنجب منها أبناءً؟ لماذا تُطلق زوجتك وأنت موقن بحجم الالتزام الذي سيبقى دينًا في رقبتك؟ أو بمعنى أوضح، لماذا يتزوج الشخص أساسًا وهو يعلم تمامًا حجم المسؤوليات التي ستكون على عاتقه بعد الزواج؟ ونحن نعلم جميعًا أن الإنفاق هو واجب على الأب نحو أبنائه، وتلك من أهم الواجبات التي يفرضها الزواج على الزوج،
كما يكون على الزوجة في المقابل التزامات وواجبات نحو زوجها وأبنائها. الحياة الزوجية جميلة، بسيطة جدًا إذا سادها التفاهم في بداية الطريق، ونحن بتعنتنا نجعلها قاسية مرهقة عندما نتهرب من مسؤولياتنا ومن تطبيق القواعد التي تجعل الحياة أجمل بإذن الله.
إنه وفق قانون الأحوال الشخصية الذى نص على أن نفقة الصغار على أبيهم حتى بلوغهم السن القانونية للتكفل بأنفسهم ، حيث إن نفقة التعليم في هذه الحالة نوع من حضانة ورعاية الأب الواجبة لأبنائه “قانون التعليم رقم 139 المعدل جعل التعليم الأساسي إجباريًا وعلى ذلك يلتزم الأب أيًا كانت حالته المالية بالإنفاق على الصغير في هذه المرحلة، ولا يلزم بإلحاقه بالتعليم الخاص أو الأجنبي إلا إذا كانت حالته المالية تسمح بذلك”.
وكشف أن الخطوات الواجب اتباعها لتحصل الأم على المصروفات الدراسية الخاصة بصغارها بأن ترفق المستندات الدالة على المصاريف المطلوب دفعها للمدرسة عند رفع الدعوى وشهادة ميلاد الطفل، والطلاق أو وثيقة الزواج في حال كانت لا تزال على ذمته، وتحريات تتضمن المبالغ المالية التي يتحصل عليها الزوج ومصادر دخله الأخرى وممتلكاته.
معاناة أبناء المطلقات، تشهد عليها محاكم الأسرة، حيث عشرات الدعاوى المسجلة يوميا والتي تعلن وفقا للرصد عن امتناع الآباء عن التكفل بنفقات أبنائهم، ثمنا لطلب الامهات الطلاق أو ردا على منعنهن من رؤية أطفالهم أو بسبب الظروف الاقتصادية.
وطبقا للأرقام الصادرة عن محاكم الاسرة، تستقبل مكاتب تسوية المنازعات لدعاوى مصروفات المدرسية ونفقة الزى المدرسي ونفقة الانتقالات المقدمة لمحاكم الأسرة التى يشهدها العام الدراسي، لتتراوح في المتوسط ل 18 ألف دعوى سنويا، فيما يبلغ عدد أبناء المطلقات 9 ملايين طفل يدفعون الثمن.
وحسب دراسة صادرة عن محاكم الاسرة حوالى40% من التلاميذ يذهبون إلى المدارس دون تناول أي طعام وسط ظروف أسرية غير مستقرة، وحذرت الدراسة من خطورة الطلاق على الأبناء وأن أحوال غالبية أولاد المطلقين المعيشية بعد الطلاق أصبحت سيئة بمعدل 55%، وبلغت نسبة تسرب الأولاد من التعليم بسبب كارثة الطلاق40% بسبب الخلافات الأسرية خلال الأعوام السابقة.
وإذا كان هناك 9 ملايين طفل دون أب وأم بشكل مباشر، يوجد 15 مليون طفل بدون أب وأم بشكل غير مباشر، عن طريق انفصال خفي دون طلاق”. وتصنف مصر ضمن أكثر 5 دول في العالم ارتفاعا في معدلات الطلاق، حيث تحتل المركز الثالث عالميا بعد الأردن والكويت، ووفقًا لتعداد وبيانات 2017 للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد المطلقين في مصر بلغ 710 آلاف و850 نسمة،
وبلغ معدل الطلاق بمصر حالتين لكل ألف شخص، وسجلت محافظة القاهرة أعلى عدد لحالات الطلاق خلال العام الماضي، وتزيد الإناث المطلقات بنسبة 64.9% عن الذكور بنسبة 35.1%، وبلغت حالات الطلاق في الحضر 60.7%، وفى الريف 39.3%.
طبقا للأرقام المعلنة من قبل مركز البحوث الجنائية والاجتماعية، فإن نسبة البلاغات الخاصة بالعنف من أطفال ضد آباء وأمهات منفصلين انقسمت إلى العنف البدني ب68% مقابل 22% للعنف النفسي، و10% للعنف الجنسي،
كما أن 80% من الأطفال يتعرضون للإساءة من أحد أو كلا الوالدين في حالات الانفصال، منهم 26% أصغر من 4 سنوات و27% أعمارهم ما بين 8 – 12 عاما، و23% أعمارهم من 13 – 18 عاما، و52% من ضحايا العنف بعد الطلاق إناث، و 49% من الضحايا ذكور. طفلان في مرحلة التعليم الابتدائي، كلاهما عاني قبل الطلاق
وبعده، من عنف الزوجين وكثرة الشجار، حتي بات كلا الطفلين لديهما مشاكل في النطق والتخاطب وتعثر دراسي “ولادي شافوا كتير من ابوهم، ضرب وشتيمة لي وليهم، وكان علطول يرجع البيت وهو شارب مخدرات وميحسش بنفسه وهو بيضرب فينا، إلا بعد ما الجيران يتدخلوا”،
حسب قول الأم. رغم انفصال الأم، إلا أن الوضع مازال مستمرا، من معاناة الاطفال بسبب صعوبة الحصول علي نفقاتهم الدراسية ومستلزماتهم “حصلت علي نفقة شهرية 800 جنيه وطبعا مش بيكفوا حاجة، وحاولت اطلب منه نفقات الدراسة ولكنه بيرفض، والولاد نفسيتهم تعبت ومستواهم الدراسي بينهار،
لانهم دايما مش بيجيبوا لبس وشنط جديدة ولا بعرف ألحقهم بمجموعات المدرسة عشان احسن مستواهم الدراسي، وحتي مصاريف المدرسة بنضطر نتأخر في دفعها عشان الدعوي القضائية بتاخد وقت لحد ما يتحكم كل سنة” .
سنوات عديدة قضتها والدة الطفلين، خلال رفع الدعاوي القضائية، من دعاوي طلاق، نفقة زوجية، نفقة متعة، نفقة صغار، نفقة عدة، نفقة مؤقتة، إثبات حضانة، ضم الصغار، تبديد منقولات، ولاية تعليمية، وهو ما أنهكها وأثر على نفسية الطفلين “مش معاي فلوس اوديهم لدكتور نفسي او تأهيل
وبحاول قد ما أقدر، ولكن حتي وقت الرؤية لأبوهم بيكون معاملته قاسية جدا وبيعاقبهم عشاني والولاد للأسف هما اللي بيتئذوا”.أن الابناء بعد الطلاق يعانون من مشاكل نفسية عديدة، بسبب الشجار والتوبيخ واستغلالهم في ذلك،
وامتناع احد الاطراف عن التواصل معهم عمدا او غير ذلك، ولهذا يصبح الطفل عنيفا وغير سوي نفسيا، كما أن إخطار الطفل بتفاصيل الخلاف والطلاق يجعله عدوانيا وكارها لفكرة الارتباط، وتظهر عليه أعراض الاكتئاب والعصبية والتوتر والقلق، وضعف التحصيل الدراسي “ما يحدث تجاه الزوجة بعد تطليقها يعد جريمة، بداية من تأخر نفقة السكن، ونفقة الاطفال، أو استمرارها الحياة مع الزوج داخل مسكن الزوجية،
رغم رفع دعوى طلاق، ولا يتم الحكم لها إلا بعد إصدار قرار الطلاق، وهو ما يضطرها للإقامة ربما سنوات بنفس السكن مع الزوج، وصولا لتمكين الزوج من السكن بعد انتهاء مدة حضانة الزوجة، بالإضافة لتأخر الحكم في قضايا الولاية التعليمية ونفقة السكن والاطفال، فقط تظل المرأة واطفالها بلا أي عائل مادي لحين الحكم”.
“لدى مئات الدعاوى القضائية لسيدات لا يستطعن الحصول علي سكن او نفقة من الزوج، ولا يجدن اي عائل مادي لأبنائهن، إما لعدم حصوله على حكم الطلاق، أو لتلاعب الزوج ببيع مسكن الزوجية، أو لانتهاء مدة حضانة الأطفال،
وكل تلك الأسر تتعرض لمشاكل اجتماعية ونفسية خطيرة، بعد سعي الأب لإخراجهم من مسكنهم المرتبطين به، دون مراعاة لمصلحة الأبناء، وكثير من السيدات لا يملكن ثمن استئجار سكن آخر لاستكمال مهمتهن في تربية الأبناء، وتجد الأم تضطر للعمل والاستدانة، في مقابل تعنت الأب في الخصومة، هذا بالإضافة لرفض الاباء دفع نفقات الدراسة وهو ما يؤثر سلبا عليهم معاناة الزوجة والابناء.
ويعكف البرلمان، على النظر لاقتراحات تعديل قانون الأحوال الشخصية، المقدمة من قبل نواب البرلمان المتقدمين بمشاريع قوانين لتعديل قانون “الأحوال الشخصية”، أن البرلمان يعكف على إجراء تعديلات بقانون الأحوال الشخصية ومحاكم الأسرة، لأن تلك القوانين عندما صدرت كانت تواجه حالات اختلفت في الوضع الحالي، وتم تكليف اللجنة بإعداد تعديلات أوسع بقانون محاكم الأسرة بما يتواءم مع ما يفرضه الدين.
العديد منا سيثور على السؤال ذاته هنا، وأقصد هؤلاء الذين لا يرون في الحياة والوجود نعمةً من الأساس، بل سلسلةً من الاختبارات والتجارب المريرة التي لو عُرضت عليهم قبلاً لرفضوها بلا نقاش،
بالتالي فلا معنى أن يُطالب أب أو أم أو حتى رب بواجبات الطاعة، واقعياً قد يقوم هؤلاء بتحميل من تسبب في وجودهم نتاج ما ترتب على هذا القرار من أضرارٍ أصابت النفس والجسد، ومن هنا ربما تبدأ حملة المطالبة بالتعويضات أيضاً:
لا بد وأن يُساعدني الأهل في تجهيزات استقلالي عنهم، لا بد وأن يتحمل الأهل تكاليف الدراسة والمسكن والملبس وغيرها من أمور الحياة الأساسية، فأنا لم أطلب أن أخوض تلك المغامرة حتى يظنَّ البعض بأنه يجب علي فعل كل ذلك بمفردي، وإن اضطررت لفعل ذلك فبالتأكيد لن ترافقني في رحلتي المُزعجة أوامر الطاعة والتبجيل لأهلٍ أو لرب.
منذ شهور قليلة قام أحد الآباء في مصر بقتل نجله إثر مشادة عنيفة بينهما، وكان الحديث حينها عن بضعة أعوام قليلة سيقضيها الأب داخل السجن، على الرغم من أنها جريمة قتلٍ بكلّ الأدلة، بل وباعترافات الجيران والأب نفسه، وحينما بحثت عن سبب ذلك الحكم المُخفّف علمت بأن الشرع يقول “لا يُقتل والد بولده”
وإن كان سرد الحديث به علّة ولكن جمهور علماء الإسلام انتهى إلى أن قتل الأب لنجله إن لم يكن عمداً، أي أضجعه واستخدم سكيناً لضرب رقبته مثلاً، فلا يُقتل الوالد بهذا الإثم، وهكذا فلو تشاجر أب وابنه وانهال الأول على الثاني بالضرب ومات إثر ذلك، فلا يجب عقاب الأب لأنه لم تكن نيته القتل المباشر،
وإن كان هذا فعله لأن الابن وماله لأبيه، وتفسير ذلك بمنتهى الوضوح أن الوالد سبب في وجود الولد، فإن انتفى الوجود فهذا أمر تعود أحقيته للوالد السبب وليس لأي أحد آخر، لذا فلنبحث عن طرقٍ ملتويةٍ تجعل الأب يفلت من العقاب، كما فعل عمر بن الخطاب في قبول دية والد قتل نجله.
تماماً كما هي الفكرة عن الذات الإلهية التي يجب أن نعبدها لأنها أوجدتنا، حتى ولو كرهنا الوجود أو رفضناه فهذا ليس بالأمر المهم، فهو من أوجدنا -كما تقول الأديان- لذا فهو يحق له التصرّف بنا وفينا كما يشاء، وما يفعله هو “العدل والرحمة”، وإن خالف فعله تفسيراتنا للعدالة والرحمة أصلاً، وسيقول أحدهم إنه هو من أوجد العدل والرحمة أيضاً، وله الحق أن تقاس تلك الأمور على فعله وألا يقاس فعله على مفاهيمنا نحن.
لا أنادي هنا بعقوق الوالدين ولكن أطلب بتحجيم الأمور، صحيح أن الأهل هم سبب وجودنا ولكنهم لا يمتلكوننا، ولسنا مضطرين للعيش وفق شروطهم أو تحمل طاعتهم قسراً، وإسراء غريب واحدة من ملايين الفتيات والفتيان الذين كبروا ليجدوا مصير الإذلال والتبعية والحجر على شخصياتهم وحيواتهم، من أجل فلسفةٍ تافهةٍ
تقضي بأن الوجود نعمة يجب أن تدفع ثمنها، وإن لم تطلبها أو تحبذها، وحينما أقرأ عن محكمةٍ أجنبيةٍ ما حكمت بفصل الابن/البنت عن أهلها مع ضمان حقوقها المادية، أجد نفسي راضياً عن هذا التحوّل البشري عن تلك الفلسفة المقيتة.
نثق كل الثقة في المحاكم البحرينية في تحقيق العدالة وإرساء العدل في المجتمع شعرت بالضيق ورق قلبي لهذه الطفلة المسكينة التي تجهل ما فعله والدها وماذا ترك لها من عار ستحمله في مجتمع ربما سيكون قاسياً عليها، مجتمع لا يرحم الضعيف ولا يفهم أنها أصبحت ضحية أبيها، في هذه اللحظات
تذكر أيضاً أبناء القتيل رحمه الله، فالداعم الأول لكلتا الأسرتين الأول قد قتل والثاني في عداد الأموات والأبناء تيتموا والزوجات ترملن
وبدأت مشقة الأسرتين من دون أب. أحياناً لا يدرك بعض أولياء الأمور العواقب الوخيمة التي سيخلفها – الأب أو الأم –
من قرارات خاطئة تعرقل مسيرة الأسرة الواحدة، عواقب تترك أثراً سيئاً في نفوس الأولاد والأهل والأقارب سواء قرار الانفصال والطلاق أو قرار الزواج بامرأة أخرى أو قرار الهجرة لبلد آخر أو قرارات مهمة داخل نطاق الأسرة،
وحتى في حالة ما أقدم عليه القاتل من قرار شيطاني انتهى إلى سفك دم إنسان كانت له مع المقتول مشكلة، فمهما كان حجم المشكلة تبقى صغيرة أمام الشروع بالقتل وتنفيذه بقلب بارد خالٍ من الخوف من الله وهو في بيت من بيوته،
فالقاتل اتخذ قراراً واحداً دون النظر في عواقب هذا الأمر ودون الالتفات إلى ما سيخلفه من هم ومشقة لأطفاله في لحظة زين له الشيطان فعلته
وربط عن قلبه الرحمة والرأفة بالقتيل بل أغمض الشيطان عين القاتل عن المشوار الطويل الذي ستمضي فيه أسرته من دونه والعار الذي سيحمله أبناؤه من بعده، نعم هذه قرارات فردية ولكن عاقبة هذه القرار شملت جميع أهله وأقاربه وحتى مجتمعه وهو بذلك سد باباً كان موارباً لبني جلدته
في وظائف عدة بعد أن تسرب الذعر والخوف من الجنسية التي يحملها هذا القاتل في المجتمعات الخليجية أيضاً.
ربما لا يفقه الزوجان أن في اللحظة التي قررا فيها الزواج والإنجاب أنهما أصبحا أفراداً في أسرة صغيرة وعلى إثر ذلك يجب أن تكون كل القرارات تصب في مصلحة هذه الأسرة وإلا سيكونون قد خانوا الأمانة التي تؤطرها الرعاية والحماية،
فاللحظات الطائشة والشيطانية تؤثر على مستقبل الأطفال وسداد هذه الأخطاء باهظ الثمن ولا يدرك عاقبتها إلا الأبناء الذين قد يعيشون في دوامة من الألم والحرمان والمشقة النفسية، وهذا ما أورثه هذا القاتل لأبنائه وزوجته، العار والحرمان ودرب طويل تطويه الأيام بمشقة وتعب والله المستعان.
الغضب
هو حالة انفعالية يعبّر بها الأبناء بطريقة غير سوية وغير اجتماعية، في إظهار عدم رضاهم عن شيء أو وضع أو تصرف معهم من الآخرين داخل الأسرة، أو في خارجها بالحي أو المدرسة أو مجموعة من الأقران. فيلاحظ على الابن أو الابنة بهذا الصدد، احمرار أو اختناق لون الوجه والضيق النفسي والثورة أو الانفجار الحركي المرفق بالشتم والسباب والذم أو اللوم والنقد اللاذع،، بدون انضباط يذكر لهذه التصرفات السلوكية..
أو وعي ما تسببه أحياناً من أذى مادي نتيجة تخريب أو تكسير الأشياء،، أو أذى جسمي بالضرب والمصادمة واستعمال الأدوات الحادة أو المؤذية.. أو الاستياء النفسي باعتدائهما (أي الابن والابنة) على أخ أو أخت أو قرين أو آخرين غيرهم خطأً بدون وجه حق أو بدون فهم الواقع أو المغالاة في ردود الفعل الغاضبة.
ويقع الوالدان والأبناء أحياناً في دائرة متصلة من الأفعال وردود الأفعال الغاضبة بدون ممارسة صبر وأناة من الوالدين وتوجيههما للأبناء وتهدئة خواطرهم.. وبدون إدراك الأبناء بالحل المشكلة المؤدية للغضب لا يأتي بارتكاب مزيد من الغضب وردود الفعل الغاضبة والنتيجة؟
وصول الطرفين: الوالدين والأبناء إلى طريق مسدود معيق لاستقرار وتقدم الحياة الأسرية.. يفرض في نهايته الوالدين على الأبناء قيوداً أو وسائل عقابية إضافية.. أما الأبناء، فينطوون على أنفسهم صامتين ومغتاظين أكثر،، انتظاراً لموقف غاضب لاحق يُفرّغون فيه كل ما حدث.. أوفي أحيان أخرى، يتمردون على سلطة الوالدين بالعنف اللفظي والخروج عن التعليمات أو الأوامر وعمل ما يريدون أو يصروّن عليه
أسباب عامة لمشكلة غضب الأبناء
إن السبب العام الذي يؤدي لغضب الإنسان كبيراً وصغيراً هو شعوره بالإحباط أو اليأس وخيبة الأمل مما يجري حوله أو معه مباشرة.. والأبناء ليسوا استثناء عن هذه القاعدة السببية للغضب. لكن الإحباط أو اليأس الذي يصل إليه الأبناء يتبلور أيضاً نتيجة عوامل أو مسببات أخرى، تُفجّر انفعالات الغضب النفسية الكافية، وتحولها إلى ردود فعل مدمرة أحياناً. من هذه العوامل المثيرة للتصرفات الغاضبة من الأبناء، الأمثلة التالية:
1-امتلاك الأبناء أحياناً لاستعداد وراثي للشعور بالغضب وارتكاب السلوكيات الغاضبة. يبدو هؤلاء أسرع من غيرهم في الإحساس بالضيق وعدم الرضا والثورة على الموقف أو الوضع.. بردود فعل حادة أو مدمرة أكثر من أقرانهم الذين لا يمتلكون جينات الغضب العصبية في بنية دماغهم الإنساني.
2-الإحساس العارم بالإحراج والوحدة والعزلة عن العالم الاجتماعي للأسرة أو الأقران والقلق والوقوع ضحية الأذى المسيء للنفس أو الجسم. يتصرف الأبناء نتيجة هذه المشاعر ومواقفها السلبية، بالغضب وسلوكياته بسبب عدم قدرتهم على فهم أو تبرير ما يجري معهم، على إحداث التغييرات الإيجابية للتخلص من الآثار النفسية التي تحدثها لديهم.
3-مقاومة الشعور بالإذعان أو الاعتماد على الغير بما فيهم الوالدين وأعضاء الأسرة الآخرين أو الأقران أو المعلمين.
4- مقاومة مشاعر الخوف من فقدان إنسان عزيز من أعضاء الأسرة أو الأقران، أو مكاسب وأدوار أسرية ومحاولتهم بالغضب المحافظة على ما يتمّنون أو يخشون من فقدانه.
5- تعويض الشعور بالأذى نتيجة فقدان إنسان أو شيء أو رغبة هامة، حيث يلجأ الأبناء إلى الغضب هرباً من الإحساس باليأس والحزن والعجز الشخصي.
6- إثارة انتباه الوالدين لأداء ما يتوقع منهم تجاه الأبناء من سد حاجات مادية أحياناً، أو تغذية فضول معرفي بالشرح والتوضيح والإرشاد والتوجيه بتحديد معايير وضوابط يدرك الأبناء دون عناء نفسي المطلوب منهم، أو تغذية حاجة نفسية بإحداث الأسرة لتغييرات محددّة مادية أو إدارية في البيئة الأسرية لتكون بناءة وحيوية أكثر لحياتهم اليومية.
مؤشرات تحذيرية لمشكلة غضب الأبناء
إن الأبناء الذين يشعرون بالغضب وبالاستعداد السلوكي في ارتكاب ردود فعل سلبية في التعبير عنه، يلاحظ عليهم المؤشرات التالية:
1- ضيق التنفس والمزاج العصبي القلق لحركاتهم وتعاملاتهم مع الناس والأشياء والمهام التي يقومون بها.
2-رفض التعليمات والتوجيهات والأوامر الأسرية أو للمعلمين في المدرسة أو مخالفة رغبات الأقران.
3- احمرار أو عبوس وتقطّب الوجه.. واللجوء للصمت المرافق للضيق وتصبّب العرق على الوجه واليدين.
1- التحدث بألفاظ أو سلوك بتصرفات غير معتادة من الأبناء، تميل في مجملها للعنف والغيظ من البيئة.
2- الشكوى من الشعور بالظلم والإحباط من شخص محددّ في الأسرة أو خارجها وبعدم القدرة على عمل شيء لتصحيح الوضع معه.
3- حديث الأبناء عن الرغبة في الانزواء والعزلة جانباً، وعن معاناتهم من الإحراج في التعامل مع عضو أو أكثر بالأسرة أو الأقران أو المعلمين أو غيرهم، وعن مشاعر القلق والأذى التي تعتريهم من جراء ذلك.
4- ميل الأبناء سلوكياً للعزلة والوحدة جانباً، وملاحظة مؤشرات الإحراج والقلق والأذى بادية على مظهرهم الشخصي.
التوجيه الأسري للتغلب على مشكلة غضب الأبناء
يمكن للأسرة اعتبار المبادئ والإجراءات التالية، للتغلب على مشكلة غضب الأبناء:
1- محافظة الأسرة في تصرفاتها ومداخلاتها مع الأبناء والآخرين في الحياة اليومية بعيداً عن الغضب،، وحل المشاكل معهم بدون ارتكاب سلوكيات غاضبة. فتكون بهذا قدوة للأبناء بخصوص حقهم في الشعور بالغضب، لكن بالتعبير الإيجابي عنه دون تخريب الأشياء والعلاقات الإنسانية أو الإساءة للآخرين. إن معالجة الأسرة لمواقف ومشاعر الغضب بأساليب عقلانية ومدنية يزرع في الأبناء نفس هذه الأساليب.
2- دراسة الاسرة بصبر وتعقل دائماً لمواقف غضب الأبناء وفهمها للظروف والعوامل التي أدت للغضب،، ثم تعليم الأبناء بأن تغييرات الغضب المسيئة لفظياً أو نفسياً أو جسدياً هي عدوان على الآخرين، سواء كان هؤلاء أخوة أو أقران أو غيرهم.
وأن لديهم ما يبرر أحياناً الشعور بالغضب، ولكن الاعتداء على الآخرين يشكل انحرافاً مؤذياً منهم يجب تجنبه. ولا يجب من الأسرة في حلها لمشكلة الغضب حصر التعليمات والتوجيهات في سلبيات سلوكيات الغضب، وعلى النواحي أو التصرفات التي يتوقع منهم الابتعاد عنها،، بل أيضاً تقديم البدائل الإيجابية التي تساعد في حل مشاكل الغضب بطرق سلمية مثل: اطلب من أخيك أو قرينك الصديق إعادة الشيء الذي أخذه منك بدون إذن، أو أخبرني عن الأمر للمساعدة في حل المشكلة بدون عنف،
أو أخبرهما بأنك ستقرّر المشكلة لي ( الأب أو الأم ) لاتخاذ الحلول الناجعة لذلك. أو توجيههم لمجرد ضبط النفس والأعصاب والتفاهم بهدوء ومنطق مع الجهة المثيرة للغضب.. ومحاولة التوصل بالحديث وتبادل الآراء والالتزامات، لحلول مقبولة من الطرفين لمشكلة الغضب.
3- ملاحظة السلوك الإيجابي للأبناء في تعاملهم مع مواقف الغضب و تعزيز هفوراً لديهم بالمديح والتشجيع، والمكافأة بشيء أو حاجة أو رغبة يتطلعون إليها.. أو في بعض المواقف غير المتطرفة للغضب وسلوكيات الغضب من الأبناء، تجاهل الأسرة (والمعلمين أيضاً) هذه المواقف وجعلها تمرّ دون شد ورخي معهم.. مؤدياً ذلك إلى انطفائها وتلاشيها لديهم لعدم تحقيق الانتباه الذي يسعى إليه الأبناء في العادة من الأسرة أو المعلمين.
4- توفير مواقف وأنشطة حركية للأبناء يمارسون بها طاقاتهم وإثاراتهم الجسمية حتى الإجهاد أحياناً، حيث تُستنْفذ بذلك قواهم الجسدية بعيداً عن اعتداءات الغضب. كما يمكن للأسرة تهدئة خواطر الغضب لدى الأبناء بضمهّم إلى الحضن أو الصدر أثناء الجلوس في مشاهدة برنامج فضائي أو الحديث مع الأسرة.. إن شعور الأبناء بحنان وتعاطف وتفهم الأسرة، يُطفئ من حدّة الغضب لديهم، ويُعيد وعيهم للتفكير المنطقي والتغلب على مشاكل الغضب بطرق إيجابية أكثر .
5- متابعة إنجازات واهتمامات الأبناء وإظهار مشاعر الاعتزاز أو الافتخار بهم وبما يقومون به والتنويه إليهم ولإنجازاتهم أمام الآخرين من معارف وأقارب وزائرين للأسرة.. واندماج الأسرة كذلك في أنشطة ومسؤوليات الأبناء سواء كانت هذه هوايات لهم أو واجبات دراسية منهم.. والوقوف معهم وتعزيزهم خلال أدائهم لها، والاستجابة لحاجاتهم النفسية أو المادية لتشجيعهم على المواصلة في تحقيق الأهداف.. بدون إحباطات أو خيبات الأمل، وبعيداً عن الغضب والسلوكيات الهدامة أحياناً.
6- استخدام المرح والدعابة مع الأبناء عند غضبهم أحياناً، لتحويل مشاعر الغضب عن الإثارة السلوكية وللتخفيف من حدتها لديهم. إن توفير الأسرة (أو المعلمين في المدرسة أيضاً) للأبناء مخارج إيجابية آمنة خالية من الإحراج والحيرة والاستسلام للواقع، بواسطة الدعابة والمرح،، يُجنبهم تلقائياً عن عواقب الغضب من أنفسهم ومن الآخرين في آن، كما يساعد في الاستقرار والتفاهم الأسري.
والمهم من الأسرة (والمعلمين) التذكر دائماً، تجنب المرح والدعابة للاستخفاف بالأبناء والحط من قدرهم أو السخرية منهم.. لأن مثل هذه التصرفات تزيد من حدّة غيظ وغضب الأبناء،، كما تعدّ انحرافات انفعالية وسلوكية من الأسرة والمعلمين في آن.. مؤدياً ذلك للمعاناة من مشكلتين: مشكلة غضب الأبناء ومشكلة جهل الأسرة في التوجيه والإرشاد المطلوب لخروجهم من مشاعر وتصرفات الغضب.. الأمر الذي نتمنى عدم حدوثه حفاظاً على استقرار العلاقات الأسرية.
7- تزويد الأبناء بظروف وأنشطة ومواقف الأسرة اليومية، والضوابط أو الاعتبارات التي يفضل منهم أخذها في الحسبان خلال القيام بالحياة والأنشطة اليومية الخاصة بهم،، وذلك تجنباً للتعارض الممكن بين رغباتهم وسلوكياتهم، وما تحتاجه الأسرة أيضاً بالمقابل منهم.. ولعدم تعبئة المشاعر سلبياً بالغضب والانفعالات المثيرة للمصادمة والخلاف والعدوان.
8- الضبط الجسدي للأبناء عند الغضب الشديد الخارج عن السيطرة.. المنذر بانفجارات سلوكية عدوانية،، وذلك بسحبهم ( إخراجهم ) من موقف الغضب إلى مكان آمن، يسوده الهدوء والفرصة على استعادة الوعي وإعادة النظر في الموقف الغاضب.
9- التفاوض مع الأبناء وعقد اتفاقات معهم بالساعة واليوم والأسبوع أو أكثر أحياناً،، لضبط مشاعر وتصرفات الغضب لديهم مقابل مكافأة يرغبها أو ينتظرها الواحد منهم.. وعندما يصل الأبناء إلى تكوين عادات ذاتية في التحكم بغضبهم، عندئذ يمكن للأسرة استعمال خطط لسحب المعّززات باستراتيجية التلاشي التدريجي أو غيرها مما يناسب
إدارة وضبط الغضب ومشاعره ومواقفه لدى الأبناء بواسطة أحكام وقواعد ومبادئ وإجراءات إيجابية واضحة وحازمة.. ثم مفهومه ومعلنة معروفة من الأبناء في آن. إن تطبيق الأسرة ( والمعلمين أيضاَ )
لأحكام وضوابط الغضب مع الأبناء بالحزم والمثابرة والحياد وعدم التناقض، يُمكّن الأبناء من التحكم في مشاعر غضبهم ذاتياً أو بقليل من الإرشاد والتوجيه والمتابعة الأسرية المباشرة الكثير من الناس يقولون:
“إن الزواج استقرار ونهاية لمتاعب وفوضى حياة الشباب وقد يكون ذلك صحيحًا”. لكن هناك من الدلائل ما يؤكد أن الزواج قد يكون البداية لمتاعبَ ومشكلاتٍ مختلفة. ماذا يحدث في بداية الزواج؟!
مهما كانت درجة التعارف بين الزوجين في فترة الخطوبة التي تسبق الزواج فإن الأيام الأولى للانتقال إلى حياة الزوجية ووجودهما معًا لها طابع خاص، وسواءً كان الزواج من النوع التقليدي دون فترة كافية من التعارف أو سبقه قصة حب عاطفية في فترة العقد، فإن وجود الزوجين وجهاً لوجه في مكان مغلق والتعامل بينهما في تفاصيل الحياة على مدى ساعات اليوم وتوالي الأيام بما فيها من مواقف مختلفة.
كل هذا من شأنه أن يجعل طِباع وسلوكيات كل منهما مكشوفة أمام الآخر، وبالتالي تبدو الصفات الخافية في شخصية كل من الزوج والزوجة والتي ربما حَرِصَ كل منهما ألا تظهر قبل الزواج أو لم تكن هناك مناسبة لظهورها،
ومن الملاحظ بصفة عامة أن الفترة الأولى للزواج تشهد بعض الشد والجذب من جانب كل من الزوج والزوجة بهدف السيطرة على الطرف الآخر وفرض أسلوب معين، وهنا قد تبدأ الخلافات حتى في فترة الزواج الأولى التي يُطلق عليها “شهر العسل”.
لماذا تحدث المشاكل في الفترة الأولى من الزواج؟ ولعل الأسباب الرئيسية للمشكلات في فترة الزواج الأولى تعود إلي التوقعات التي يحملها الشباب والفتيات والصورة التي يرسمها كل منهما في ذهنه لِما ستكون عليه الحياة الزوجية، وقد تكون هذه التوقعات والفكرة المسبقة عن الحياة الزوجية غير واقعية أو تتسم بالمبالغة والخيال، وهنا تكون الصدمة حين تحدث المواجهة مع المسئوليات والأعباء بدلاً من الأحلام الوردية،
وهذا دليل على أهمية البرامج التي يتم إعدادها للمقبلين على الزواج، وأهمية الإعداد النفسي والصحي لكِلا الزوجين قبل الزواج وتأثير ذلك إيجابياً على التوافق فيما بينهما بعد الزواج. حيل الزوجات والأزواج في حال الخلافات.
حين لا تكون الطرق المباشرة ملائمة للتعامل والحصول على ما تطلبه الزوجة من زوجها أو ما يريده الزوج من زوجته، أو حين يحاول أحد الزوجين تغيير أسلوب الطرف الآخر أو كسب عطفه أو مساندته أو تأييده في موقفٍ ما فإن الحيلة التي يستخدم فيها الدهاء والتمثيل أو الكذب تصبح الأسلوب الذي يتم اللجوء إليه كي يحصل أي من الزوجين على ما يريد. وقد تبدأ الزوجة في استخدام سلاح الأنوثة الطبيعي، أو تحاول السيطرة والتحكم في مشاعر الزوج عن طريق إظهار الود له والمبالغة في تدليله،
أو تلجأ إلي البكاء والخصام من حينٍ لآخر للضغط على الزوج حتى يشعر بالذنب، أما الزوج فإنه يحاول أيضاً التحكم في مشاعر زوجته حسب المفاتيح التي تؤثر فيها من واقع معرفته لها. وقد يصل الأمر إلى العيادة النفسية حين تفشل الحيل المعتادة فيكون الحل هنا هو ادّعاء المرض الجسدي والنفسي،
وتبدأ الشكوى من مشكلات صحية متعددة مثل الصداع وآلام الظهر واضطراب المعدة والقولون، والإجهاد، وغير ذلك من الأعراض المرضية التي عادةً ما تشكو منها الزوجات مما يدفع الزوج إلى التعاطف، وهنا يتم اللجوء للطبيب، وفي نفس الوقت تحصل الزوجة على ما تريد حين تقنع زوجها بأنه تسبب في مرضها، ومن الاضطرابات الشائعة في السيدات حالات الهستيريا التي تتميز بأعراض تشبه المرض العضوي وأسبابها نفسية، وحالات الأمراض النفسية الجسدية Psychosomatic disorders وهي أمراض عضوية تعود في الأصل إلى الانفعالات المكبوتة التي لا يتم التعبير عنها.
لماذا يستمر الزواج حتى مع وجود الصراع بين الزوجين؟ في العلاقات الزوجية قد تكون القاعدة هي الصراع المستمر بين الزوج والزوجة، وقد يصل الأمر إلى حالة من التوتر الدائم تُشبه حافة الحرب التي سادت العالم أثناء الحرب الباردة، وقد يتطور الأمر إلى العنف اللفظي بتبادل السبّ والشتائم، أو العنف البدني باستخدام الضرب للقمع أو التأديب، وكثيراً ما نرى بعض الأزواج والزوجات في هذه الحالة الشديدة من التوتر وعدم الوفاق، ورغم ذلك تستمر الحياة الزوجية،
وهنا قد يتساءل من يلاحظ ذلك عن السبب في الاستمرار لهذه الحالات غير الناجحة من الزواج، وقد تكون أسباب الزواج غير المتوافق اقتصادية أو مادية حيث يكون المال هو الدافع لعدم تخلي أي من الزوجين عن الآخر والمخاطرة بتحمل المتاعب المادية نتيجة ذلك. أو يكون السبب اجتماعيًا حيث أن المرأة مثلًا قد تقبل الحياة في جحيم الزواج بدلًا من مواجهة المجتمع وهي مطلقة، كما يحرص الرجل على الشكل الاجتماعي له كشخص متزوج وربّ أسرة يحظى بالاحترام الاجتماعي.
ومن الناحية النفسية فإن الكثير من الأزواج والزوجات يفضلون الصبر على أمل أو توقع أن يحدث مع الوقت تغيير في الوضع السيئ للحياة الزوجية، وتتفاوت قوة احتمال الأزواج والزوجات في ظل الصبر انتظارًا لأمل قد يأتي أو لا يحدث. كما أننا في ممارسة الطب النفسي نلاحظ أن بعض الحالات الزواج تستمر بحكم العادة فقط، وهنا يتم التعود على أسلوب التعامل غير السوي من جانب كِلا الزوجين مع إدراك كل منهما لمساوئ الآخر،
ويكون هذا الوضع أفضل من وجهة نظر كل منهما من الانفصال ومواجهة نمط آخر غير معلوم من الحياة. وقد تكون هناك احتياجات غير مرئية في بعض النواحي النفسية والعاطفية فيما بين الزوج والزوجة لا يراها الآخرون، تساعد على استمرار الزواج رغم الخلافات الحادة التي تبدو على السطح!
الحياة في ظل الصراعات الزوجية: رغم أن الأصل في الزواج أنه رِباطٌ دائم، وبداية لتكوين الأسرة وهي وحدة بناء المجتمع، فإن الأبحاث تؤكد نتائج أن الحياة في ظل خلافات وصراعات زوجية له تأثير سلبي على طرفي الزواج وعلى الأبناء أيضًا، ويؤدي مع الوقت إلى ظهور الاضطرابات النفسية والمشكلات السلوكية،
وتؤكد نتائج بعض الأبحاث أن الانفصال بالطلاق وتواجد الأبناء مع أحد الأبوين أفضل بكثير من وجودهما مع الأب والأم معاً في جو من التوتر الدائم، ومن هنا كانت أهمية حلّ المشكلات بين الأزواج والزوجات قبل أن تتفاقم
وتؤدي إلي نتائج وخيمة. حل الصراع بين الأزواج؟ حل الخلافات الزوجية أولاً بأول؛ لأن ذلك أفضل من تركها تتعقّد مع الوقت. وعدم السماح لأطراف خارجية بالتدخل؛ حتى لا يكون هناك مجال للمبالغة في الأمور البسيطة.
ومن وجهة نظر الطب النفسي، فإن الوقاية من المشكلات الزوجية المتوقعة يكون بإعداد المقبلين للزواج وتأهيلهم نفسيًا لأعباء الحياة الجديدة بعيدًا عن التوقعات الخيالية. فلا داعي للنظر للزواج على أنه الإنقاذ من الصعوبات والتعويض عن الحرمان في مراحل الحياة السابقة. بل يجب الاهتمام بمهارات التعامل مع الطرف الآخر واحترام مشاعره واحتياجاته. العلاج الزواجي Marital therapy
وفيه يتم التعرف على جذور المشكلة من الزوجين معاً ووضع الأسس لحلها ولضمان العلاقة السليمة فيما بينهما في المستقبل. الاستشارات الزوجية Marital Counselingحل المشكلات التي تسبب الخلاف بين الأزواج والزوجات. ليكن تقديرنا للمواقف فيما يخص الأمور المشتركة واقعياً وموضوعيًا، ولِنُحاول دون انفعال أن نعرِف وجهة نظر الطرف الآخر ونستمع إليه ونتحاور معه.
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى، فالمرأة المطلقة وأطفالها تعتبر أسرة، وكذلك الزوج المطلق وأطفاله، والأرمل أو الأرملة وأطفالهما أيضاً، كما توجد بعض النماذج الأخرى في البلاد الغربية وأمريكا مثل النساء والرجال الذين لم يتزوجوا إطلاقاً إلا أنهم أصبحوا آباء لأطفال غير شرعيين. أو لأطفال بالتبني، وكذلك المنحرفين جنسياً من كلا الجنسين، وكذلك الذين لهم أطفال من زواج سابق يطلق عليهم مسمى أسرة.
من أسس نجاح العلاقة الزوجية:
يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
إنه خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )). ويرى علماء النفس بصفة عامة أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية وخاصة بالنسبة للمرأة هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون:
إن التعاون من السمات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته.
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات.
وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه نحو الاختلافات والصراع. كما أن أنواع النشاط الأسري وما تتضمنه من الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، والهوايات الأسرية، وحالات المرض، والأصدقاء، يمكن أن يشترك فيها الزوجان، أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن ديناميكيات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية ) أو فردية فإنها تضعف الزواج.
أما في حالة توافق الزوجين واحترام وجهات النظر المختلفة وتحقيق المشاركة المتبادلة، فيمكن أن يقوى الزواج بدرجة كبيرة . . ويستمر التوافق والتكيف باعتباره عملية دينامية مستمرة. . ويساد التكيف الزواجي كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته.
وتشير سناء الخولي في كتابها (1983م) إلى أن من النادر أن تكون حياة الأسرة والزواج كاملة Perfectطوال دورة حياتهما، لأن كثيراً من الأحداث التي تتعرض لها الأسرة تؤدي إلى حدوث أزمات، حيث إن الأسرة التي تقابلها المشكلات هي، غالباً تلك الأسرة التي ليس لها الإمكانات الملائمة لمواجهة الأحداث.
ويمكن تقسيم الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب. 4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
أو
1- التمزق أو فقدان أحد أفراد الأسرة Dismembermen ، ويعني (هيل ) بالتمزق فقدان أحد أعضاء الأسرة نتيجة موته في الحرب، أو دخول أحد الزوجين المستشفى، أو موت أحد الوالدين.
2- التكاثر أو الإضافة accession والمقصود بالتكاثر ضم عضو جديد للأسرة دون استعداد مسبق، مثل تبني طفل، أو زوج أم، أو حضور أحد الأجداد للإقامة مع الأسرة، أو المربية، كما في مجتمعات الخليج العربي حالياً.
3- الانهيار الخلقي: Demoralization ويشير إلى فقدان الأسرة والأخلاقية، ويقصد بها (هيل ) فقدان العائل أو الخيانة الزوجية أو إدمان الخمور والمخدرات. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك الأسري، مثل: الطلاق، والانتحار، الهجر.
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
1- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر.
لذا فعلى الرجل أن لا يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل في اتخاذ القرارات.
2- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية. فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته النفسية داخل الأسرة.
3- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية الحديثة نجد عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم التالي.
4- من أسباب الأزمات الأسرية أيضاً، الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
5- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج ((الشرقي )) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية.
6- إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
7- العاهات الجسمية، قد يكون لها تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على الأسرة اعتماداً كبيراً في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة الاستشارة. وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات الأسرية .
ويعتبر التفكك الأسري أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن نلم بها. . وهناك عدة مفاهيم متداخلة ولكنها بمعان متشابهة، مثل التفكك الأسري، الانحلال الأسري، المشكلات الأسرية، ولن ندخل في جدل فلسفي حول الاختلاف بين كل من هذه المفاهيم، حيث إنها تلتقي جميعاً في وصف الأسرة بأنها: غير قادرة أو غير محققة لوظائفها المتوقعة منها.
فيعرف الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) التفكك (الانحلال ) بأنه: اتجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الأسرة ضد مستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الأسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لا بد لها من القيام بها لتوفير الاستقرار والتكامل بين أفرادها. بينما يعرفه (عاطف غيث ) في كتابه ((المشاكل الاجتماعية السلوك الانحراف )) بأنه:
(( أي وهن أو سوء تكيف وتوافق، أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كلاً مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما )).
ويعرفه (كل النحاس ) وآخرون بأنه : ((حالة الاختلال الداخلي أو الخارجي التي تترتب على حاجة غير شديدة عند الفرد عضو الأسرة، أو مجموعة الأفراد، بحيث يترتب عليها نمط سلوكي أو مجموعة أنماط سلوكية يعبر عنها الفرد أو مجموعة الأفراد المتعاملين معه بكيفية تتنافى مع الأهداف المجتمعية )).
وتشير Beckإلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- مرحلة الكمون:
وهي فترة قترة محددة وربما تكون قصيرة جداً بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
2- مرحلة الاستثارة:
وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
3- مرحلة الاصطدام:
وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة، وتظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
4- مرحلة انتشار النزاع:
إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي . . وإذا كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
5- مرحلة البحث عن حلفاء:
إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردها فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء، وإذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
6- مرحلة إنهاء الزواج:
وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء.
إن مصطلح ((تفكك الأسرة )) يشير إلى انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها، عند ما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته ودوره بصورة مرضية. وقد صنف وليام w.Gooke في كتابه الأشكال الرئيسة لتفكك الأسرة، كما يلي:
1- انحلال الأسرة تحت تأثير الرحيل الإرادي لأحد الزوجين عن طريق: الانفصال، أو الطلاق، أو الهجرة، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل وبالتالي عن شريكه لأطول فترة ممكنة.
2- التغيرات في تعريف الدور، التي تنتج عن التأثر المختلف بالمتغيرات الثقافية، وهذه قد تؤثر في مدى ونوعية العلاقات بين الزوج والزوجة، غلا أن الصورة أو النتيجة الأكثر وضوحاً تكون في صراع الآباء مع أبنائهم الذين يكونون في سن الشباب.
3- أسرة (القوقعة الفارغة ) وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ويمكن أن تحل الأزمة العائلية بسبب أحداث خارجية External، وذلك مثل الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين بسبب الموت أو دخول السجن أو أية كوارث أخرى مثل الحرب أو الفيضان. . إلخ.
4- الكوارث الداخلية التي تنتج عن فشل لا إرادي في أداء الدور نتيجة الأمراض النفسية أو العقلية، مثل التخلف العقلي الشديد لأحد أطفال الأسرة، أو الاضطراب العقلي لأحد الأطفال أو لأحد الزوجين، والظروف المرضية الجسمانية المزمنة الخطيرة والتي يكون من الصعب علاجها.
وجدير بالذكر أنه لا ينظر لجميع أنماط تفكك الأسرة في أي مجتمع بنفس الدرجة من الأهمية، إلا أن الطلاق يعتبر أهم أشكال التفكك الأسري في جميع المجتمعات بلا استثناء.
والطلاق هو إنهاء العلاقات الزوجية بحكم الشرع والقانون، ويترتب عليه إزالة ملك النكاح . . ونظراً لخطورة هذه الظاهرة في حياة الأسرة والمجتمع، فقد قيدته المجتمعات بقيود شديدة وأباحته في حالات محددة، وهو مع إباحته شرعاً وقانوناً غير أنه أبغض الحلال إلى الله عز وجل، وهو ظاهرة قديمة قدم عهد الإنسانية بالزواج.
جاء الإسلام وجعل للطلاق ضوابط ومراحل وفرصة للرجوع والمعاودة، لأن الطلاق في نظر الإسلام أبغض الحلال، يقو الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق )) ، ((وما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق )). ويحدد الإسلام الطلاق بثلاث مرات، كما قال سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساكُ بمعروف أو تسريحُ بإحسانٍ ) (البقرة: 229).
ففي المرة الأولى يكون رجعياً، بمعنى: يستطيع الرجل أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، أما إذا طلقها مرة أخرى، ولم يراجعها بعد مضي العدة فإنها لا تحل إلا بعقد ومهر جديدين. وعلى هذا فالطلاق يرتبط في الشريعة الإسلامية بالتصور الإسلامي للأسرة، حيث الأسرة في تصور الإسلام مؤسسة اجتماعية اقتصادية، والأسرة بمعناها المادي هو الشد والربط، وبمعناها الاجتماعي الرابطة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة.
ومما يدل على خطر ظاهرة الطلاق، أن الدين جعله الحل الأخير لإنهاء حالة التوتر العائلي، واعتبره الخاتمة المؤلمة والمصير المحتوم بعد فشل كل جهود الإصلاح.
وتختلف المجتمعات من حيث العوامل الاجتماعية من حيث العوامل الاجتماعية النفسية التي تكمن وراء ظاهرة الطلاق، بحسب اختلاف درجات الثقافة في تلك المجتمعات، ويمكن حصر أهم أسباب الطلاق فيما يلي:
1- الصراعات الزوجية، التي تنجم عن عدم الانسجام النفسي بين الزوجين، تعتبر كما يؤكد علماء النفس من أهم أسباب الطلاق.
2- الجهل بالأمور والثقافة الجنسية.
3- ضعف شخصية المرأة وعدم مشاركتها للزوج مشاركة إيجابية، أو العكس بالنسبة للرجل.
4- انغماس الرجل في السهر والسكر والسفر وأموره الخاصة.
5- عقم أحد الزوجين، أو إصابته بمرض مزمن.
6- اختلاف الزوجين في المستوى الثقافي والاجتماعي، فقد تكون مجموعة الصفات المرغوبة عند الزوجين غير متماثلة مما يودي إلى فك رابطة الزوجية.
7- الخيانة الزوجية والأمور المتعلقة بالشرف.
8- عمل المرأة، في كثير من الأحيان يكون السبب الأساس للطلاق.
9- العوامل المزاجية التي تحدد ردود الفعل الانفعالية والعاطفية للفرد.
10- التفاوت في المستوى العمري بين الزوجين.
11- النظرة إلى الزواج نظرة غير جدية، وعدم تحمل مسؤوليات الزواج، التي تعين على احتمال وبقاء استمرارية الحياة الزوجية.
12- تدخل الأهل في المعيشة بين الزوجين.
13- تعدد الزوجات وسهولة إجراء الطلاق.
إن كل التحولات السريعة والمذهلة دون شك ستكون لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية على واقع الأسرة، وستساهم بشكل أو بآخر في تغيير بنيتها واتجاهاتها وتعقد مسؤوليتها.
ولا ينكر أحد ما تقوم به وسائل الاتصال من دور في إضعاف الهوية الثقافية للإنسان المسلم لأن المواد التلفزيونية التي تنقلها عشرات الفضائيات العالمية تحتوي على مضامين ثقافية تهدد التماسك الأسري وتضعف العلاقات الأسرية، ومن ثم تهديد استقرار وتماسك الأسرة. لقد تعرضت الدول العربية إلى تطورات غير مسبوقة، على أثر اكتشاف الثروة النفطية، مما أدى إلى اتساع عملية التحديث، فيما سارت الكثير من الدول العربية على معدلاتها التدريجية والبطيئة في عملية مخططات التنمية . .
وسبقت دول الخليج بلداناً عربية كثيرة في هذا الجانب، مما أفضى إلى تغيرات بنائية ومجتمعية عميقة نجمت عنها انعكاسات سلبية على واقع الأسرة الخليجية وزيادة المشكلات التي تعاني منها . . من هنا كان تخصيص هذا الجزء من البحث لظاهرة الطلاق في المجتمع الخليجي، لتتبع خصوصيتها والتعرف على حجمها وأسبابها وخلفياتها.
لقد تأثرت الأسرة الخليجية ولا تزال، بما حولها من متغيرات ومؤثرات . . ومقارنة بالأسرة التقليدية المستقرة والمتماسكة، تواجه الأسرة المعاصرة العديد من الصعوبات والمشكلات التي تنعكس سلباً على تماسكها واستقرارها، ولعل مشكلة الطلاق من أهم المشاكل المهددة للكيان الأسري.
فقد أشارت دراسة عن الطلاق في المجتمع القطري، للدكتورة أمينة الجابر لسنة 1994م، بأن نسبة الطلاق إلى الزواج تراوحت في العقد الأخر ما بين 24 -33% وهي نسبة عالية في مجتمع مستقر اقتصادياً ومترابط أسرياً. وتحاول الدراسة التعرف على أسباب الطلاق في المجتمع القطري، فأرجعتها إلى ثلاثة عوامل أساس:
1- التقاليد الموروثة بما تمثله من عدم الرؤية قبل عقد الزواج، وتدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة، وطغيان شخصية الأم على الزوج، وفارق السن الكبير بين الزوجين، وزواج البدل، وتعلق المرأة الزائد بأهلها، ثم إن نظرة الزوج إلى الزوجة نظرة غير صحيحة، فهي نظرة لا ترى فيه إلا مربية لأطفاله وراعية لبيته دون مراعاة لمشاعرها كإنسانة وزوجة.
2- الجهل وعدم الفهم السليم لأحكام الشريعة الخاصة ببناء الأسرة، وما فرضه الله على كل من الزوجين من حقوق نحو الآخر، وما أمر به عند حدوث نشوز أو إعراض أو خلافات بين الزوجين، وما وضعه من قيود على الطلاق بحيث جعله في أضيق الحدود أو عند الضرورة.
3- فساد الأخلاق، والسعي وراء الشهوات، وتبديد الأموال في المحرمات، وسوء التربية، مع انتشار مظاهر الترف الاقتصادي التي تدفع إلى التسابق في شكليات ترهق الزوج مادياً وتدفعه في النهاية إلى الطلاق.
كما استعرضت الدراسة الآثار المترتبة على الطلاق، وهي محاولة نظرية دونت فيها الباحثة الآثار السلبية على كل من المطلقة والمطلق والأبناء، واستعرضت أيضاً تصوراً لوسائل العلاج التي يمكن أن تساهم في تخفيف هذه المشكلة، وترشد الناس إلى مفاهيم يجب أن تسود بينهم حتى لا يصبح الطلاق ظاهرة متفشية مزعجة تهدد المجتمع بمشكلات متنوعة تمتص طاقاته وقدراته، وتؤثر في مسيرته ومستقبله.
وتؤكد الدارسة أن الطلاق من تلك القضايا والمشكلات التي لا يجدي فيها سنّ تشريع للحد من تفاقمها بقدر ما يجدي في علاجها والتغلب على أضرارها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد المتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة، وأن يقدم للناس التصور الصحيح الذي جاء به الدين وحض على التمسك به. وتلخص الدراسة إلى وضع عدد من التوصيات لا بد من مراعاتها للعمل بالتصور المشار إليه سلفاً ووضعه حيز التنفيذ، ومن أهمها:
1- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق.
2- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الدين والاجتماعي والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
3- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
4- اتخاذ قرار يضمن للزوجية بقاءها في منزل زوجها، وذلك بوضع أسس لطلاقها وعدم الإسراع فيه من قبل المحكم.
والآن لنتساءل: ماذا يمكن أن يحدث للأطفال عندما تتقوض دعائم الأسرة وتنهار؟ إنه من غير اليسير تقديم إجابة دقيقة على هذا التساؤل في الوقت الحاضر. ومن الجلي أن الأطفال الذين ينشأون في أحضان أسرة سعيدة يتمتعون بصحة نفسية ووجدانية جيدة، هذا في الوقت الذي يفتقد الأطفال الذين يربون في ظل أسرة تفتقر إلى الحنان والانسجام السعادة وذاك الهناء، حتى ولم لم يحدث طلاق بين الأبوين.
وقد ركزت الدراسات التي أجريت على التفكك الأسري بوجه عام على الفروق بين أطفال المطلقين وغيرهم. وقد أخفقت هذه الدراسات في التحقق من أهم المسائل التي كان ينبغي عليها أن تكشف عن أبعادها، ألا وهي مدى التزام أفراد الأسرة بالقيام بأدوارهم تجاه بعضهم بعضاً.
وتؤكد دراسات الطب النفسي على الصعوبات التي يواجهها الأفراد الذين نشأوا في أسر تفتقر إلى الحنان والانسجام، وقد استطاعت بحوث أجريت مؤخراً أن تزيح الغطاء عن الآثار المدمرة على الأسرة عندما يحجز طفل مصاب بتخلف عقلي في البيت وبالذات على الأخت الكبرى . . وعلى نحو مماثل تنشأ آثار ضارة عندما يصاب الأب أو أحد الإخوة بمرض عصبي. أما العنصر الآخر في هذا الارتباط فإنه يتمثل في تنشئة الأطفال على نحو ملائم، فغياب الأب عن الأسرة سواء كان بالطلاق أو الوفاة يؤدي إلى فقدان النموذج الذي يمكن أن يجتذبه الطفل. وعلى كل حال، فإنه إذا افترضنا ثبات الوضع الطبقي للأبوين فإن معدلات الجناح ترتفع بين أبناء المطلقين أكثر من غيرهم،
وكذلك ترتفع هذه المعدلات بين الأطفال الذين انهار بناؤهم الأسري نتيجة الانفصال أو الطلاق ، مثلما يحدث بالنسبة للأطفال اليتامى. وهو ما يمكن التنبؤ به بسبب الدعم والمساندة الاجتماعية وكذلك الاحتمالات المتضائلة في أن الأطفال الذين يفقدون الأب سبب الموت مثلاً يمكن أن يتعاركوا أو يمروا بمرحلة من النزاع أو المشكلات مثل تحديد الهوية أو الولاء. عند ربط جناح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فوقع الجناح أكثر احتمالاً بين الأطفال الذين انحدروا من أسر تعرضت للطلاق،
كما أن الأطفال الذين ينشأون في أسر مات عائلها تزداد معدلا جناحهم بنسبة (50% ) بالنسبة لغيرهم من الذين ينشأون في أسر مستقرة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين ينحدرون من أسر تعرضت لانفصال الأبوين دون حدوث الطلاق يمثلون نسبة عالية من الجناح حيث تبلغ النسبة (1:2) بالقياس إلى الأسر المستقرة (مع استبعاد الوضع الطبقي ). ويبدوا أن الفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به في البيت (في الأسر ) يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية.
وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي ينحدرون أساساً من أسر تتعرض لصراعات زوجيه ومشاكل لا تنقطع بالقياس إلى نظرائهم الذين ينحدرون من أسر تعرضت للتقويض نتيجة الطلاق أو موت العائل ويتفق الباحثون في مجال الإرشاد والتوعية الأسرية على ضرورة تعاون جميع المهتمين بالدراسات الأسرية من علماء الاجتماع، وعلماء الدين وعلماء النفس، وعلماء الاقتصاد، ورجال القانون، ورجال السياسة في وضع خطط التوعية الأسرية، وبرامج وقائية تعين الشباب وراغبي الزواج على فهم هذه الحياة الزوجية والعائلية، للتعرف على دور كل عضو بالأسرة، والصعوبات التي تعترض هذه الحياة، والعوامل المؤثرة فيها، وأساليب العلاج الصحيح لذلك.
ويمثل العلاج الأسري خطوة متقدمة مهمة في خدمة الفرد والجماعة.
أن برامج التوعية الأسرية يجب أن تشمل ما يلي:
1- التوعية بوظائف الأسرة، وكيفية تنظيم الحياة العائلية من النواحي الاقتصادية، وتدبير شؤون الحياة المنزلية . .. . مثل تخطيط ميزانية الأسرة، والموازنة بين بين مصادر الدخل وبين متطلبات الإنفاق والاستهلاك، بما يحفظ التوازن الاقتصادي للأسرة وكذلك التوعية بشؤون الادخار والاستثمار، وتبادل المصالح، وغير ذلك من المبادئ الاقتصادية. 2- من المهم أن يحاط الآباء والأمهات علماً بالمبادئ القانونية التي ترتبط بالحقوق والواجبات الاجتماعية . . مثل قوانين الأحوال الشخصية، وما يتصل بعقود الزواج والطلاق والنفقة، وكذلك شؤون الميراث، وحقوق أفراد الأسرة في التركات، وأيضاً أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات والعقوبات التي ترتبط ببعض الجرائم، كالسرقة والزنا . . . وبالأخص ما يتعلق بأمور التشرد وانحراف الأحداث وما إلى ذلك.
3- يجب أن تهتم الأسرة بمبادئ التربية الخلقية من حيث الخير والشر، ومن حيث احترام القيم والتقاليد الاجتماعية، والتمسك بالفضائل، والمعايير لاجتماعية السائدة، وتنشئة الأطفال على العادات والصفات الخلقية المرغوبة، والابتعاد عن العادات السيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات والخمور وتعود لعب الميسر وتجنب صحبة السوء . . . إلى غير ذلك.
4- ويجب تثقيف الآباء في الأمور الدينية حتى ينشئوا أبناءهم على المبادئ الدينية، والمعتقدات السليمة، ويتكون لديهم الضمير الإنساني عن طريق العبادات، والتمسك بالفضائل الدينية.
5- ويمكن أن يعرف الآباء أهمية التربية الجمالية حتى يشجعوا أبناءهم وبناتهم على حب الفنون وتذوق الجمال، وعلى ممارسة هواياتهم المختلفة المرتبطة بالتربية الفنية.
ولا بد أن يدرك الآباء والأمهات أهمية التربية الثقافية للأبناء، بحيث يشجعونهم على القراءة والاطلاع، وتدريبهم على استخدام اللغة الصحيحة كتابة وتعبيراً .. وترتبط بذلك الثقافة العلمية، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، بما يساعد على النقد البناء، والأخذ بالأسلوب العلمي في التفكير، وفي محاربة المعتقدات الخاطئة، ومناقشة الأمثال العامية الشائعة.
ومن أهم البرامج توعية الآباء والأمهات ما يرتبط بالنواحي الصحية من حيث الوقاية والتشخيص والعلاج، وأهمية العناية بالتغذية، وتحقيق مبادئ الصحة الجسمية والنفسية.
ثانياً: وسائل العلاج والحلول للتوعية الأسرية
إن جميع برامج وخدمات الرعاية الأسرية، تهدف إلى مساعدة الأفراد للتمتع بحياة نفسية واجتماعية راضية، وإعانتهم للاشتراك في حياة الجماعة ومساهمتهم في المجتمع المساهمة الفعالة.
كما تعمل هذه البرامج والخدمات على زيادة قدراتهم الشخصية والأسرية في عمليات التكيف المطلوبة.
ماذا نقصد بعملية العلاج الأسري:
نقصد بالعمليات العلاجية بصفة عامة العمليات التي تقوم بإحداث تغيير في نظام الأسرة حتى يمكنها أن تؤدي وظائفها المختلفة وتحقيق حاجاتها كوحدة متكاملة، ولا بد أن يدخل في هذا التغيير ويتشابك معه تغيرات من جانب أفراد الأسرة، مثل تغيرات في الاتجاهات والمشاعر والسلوك والأدوار وغيرها.
فالفرد يحتاج إلى أن يشعر بأن الأسرة لها ذات مستقلة، كما أنه تحتاج إلى مساندة أفرادها لوحدتها، وأنها تعتمد على أنشطتهم وتعاملهم . . وفي هذا الإطار يجب أن يحدد المعالج أهداف العلاج بكل عناية، ويختبره من وقت إلى آخر. فقد تحتاج الأسرة إلى أمور غير تلك التي يعتقد المتخصص أنها في حاجة إليها، أو غير تلك التي يريدها لها، ويأتي ذلك عن طريق المحادثة الصريحة بينه وبين الأسرة.
ولابد أن يلاحظ المعالج أن العلاج الفعال هو الذي يبدأ مباشرة في تناول الصراعات والصعوبات الفردية التي لها صفة التكرار، لأن كثيراً من مثل هذه الأسر لا تجد العلاج المبكر وتكون نتيجة ذلك أن تواجه مشكلات متراكمة في حياتها المستقبلية.
والمعالج الأسري يحاول إتاحة الفرصة أمام أفراد الأسرة للتفاعل، سواء كان ذلك عن طريق الاتصالات اللفظية أو غير اللفظية، حتى يمكنه أن يتفهم المشكلات والصعوبات، ليتمكن من ثمّ من تعديل اتجاهات هؤلاء الأفراد واستغلال وإطلاق القدرات المعطلة.
وفيما يلي بعض الطرق التي تساعد في حل المشكلات التي تواجه الزوجين وبالتالي تسبب التفكك الأسري.
1- الاهتمام بوضع سياسة للتوعية الأسرية، تشمل الإجراءات التالية:
* تغيير مفاهيم الآباء والأمهات والأسرة بشكل عام حول أسس الاختيار للزوجين، والاتجاه نحو تدعيم فكرة الزواج المتكافئ.
* تغيير المفاهيم المرتبطة بالعلاقات الزوجية، لكي تتوافق مع التغيير الحادث في نمط العلاقة الزوجية التقليدية، والتي يمكن أن تتم من خلال ما يلي:
– توعية الذكور والإناث بأدوارهم الأسرية المستقبلية، ويمكن أن يبدأ ذلك منذ مراحل التعليم الأولى.
– عقد دورات تدريبية وندوات وحلقات نقاش حول الأدوار الأسرية وتباينها بين الزوجين، ومتطلبات تأسيس علاقة زوجية ناجحة.
2- دور الزوجين في حل مشكلاتهما:
وهي في نظري من أهم الطرق لتفادي حدوث المشكلة.
قد يبدو للبعض أن الزواج الفاشل ينشأ عن وجود مشكلات حادة تعترض الزوجين في بداية حياتهما الزوجية مما يعتذر معه الاستمرار فيها، فتنتهي بانفصالهما عن بعضهما بواقعة الطلاق.
ولكن الحقيقة أن تعذر الاستمرارية في الحياة الزوجية قد لا يكون بسبب وجود هذه المشكلات الحادة، ولكن بسبب تجمد الزوجين عندها، وتحجر فكر كل منهما بسببها.
أن هناك أسساً لحل المشكلات الزوجية تتمثل في:
– المرونة في التفكير واستخدام المنطق في الحوار، فهما يسهمان في حل أية مشكلات تعترض الحياة الزوجية مهما كانت درجة حدتها أو خطورتها. ومن المهم أن يتيح كل منهما للآخر الفرصة للتعبير عن رأيه بصراحة وموضوعية بلا هجوم ولا تجريح، بحيث تستهدف المناقشة معرفة أسباب الخلاف والتغلب عليه بعيداً عن العناد والتكبر الذي يدفع بعضهما للتمسك والتشبث برأيه حتى ولو كان مخطئاً فيه.
– ضبط النفس وكظم الغيظ والتحكم في الانفعالات بحيث لا يصطدمان مع بعضهما بعضاً في طريق بلا عودة.
– تحمل المسؤولية الكاملة من جانب أي من الطرفين فيما يتعلق بسلوكياته الخاطئة تجاه الطرف الآخر، بحيث لا يتمادى أي منهما في صب غضبه ولومه على غيره، واتهامه بأنه السبب في المشكلات، وتبرئة نفسه منها.
– الترويح عن النفس، فعندما يشعر أحد الزوجين أو كليهما بأن الحياة الزوجية بينهما تمر في مرحلة حرجة وخطرة، بصرف النظر عمن تسبب فيها، يجب أن يبادر كل منهما بتجميد هذه المشكلات على ما هي عليه لفترة مرحلية دون الخوض فيها، ومن ثم يحاول أي منهما أو كلاهما خلال فترة الانتقال هذه أن يبحثا عن وسيلة فعالة ومؤثرة للترويح عن نفسيهما بطريقة جيدة.
3- العلاج الديني ودور جمعيات الإصلاح الديني:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا : بلى، قال: إصلاح ذات البين . . وفساد ذات البين هي الحالقة )).
هناك اتجاهات حديثة بين علماء النفس تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة تمد الإنسان بطاقة روحية، تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس في العصر الحالي.
* ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به جمعيات الإصلاح الديني، فهي تهدف إلى تشجيع أعمال البر والخير وبث الأخلاق الحميدة والتعريف بالإسلام ونشر فضائله وآدابه. وتقوم كذلك بتقديم المساعدات النقدية والعينية للمسلمين، وتوزيع الصدقات والزكاة ورعاية الأيتام والفقراء داخل البلاد وخارجها، كما تقوم ببناء المساجد والمدارس والعيادات … وكثير من هذه الجمعيات تصدر المجلات والكتب والنشرات الدينية التي تنشر الكلمة الصادقة وتنشر الفكر الواعي وتبصر المسلمين بأمور دينهم ودنياهم.
* وتضطلع هذه الجمعيات أيضاً بمساعدة أفراد الأسرة على مواجهة الصعوبات والمشاكل والأزمات الأسرية المختلفة، وذلك بإقامة الندوات والمحاضرات التي يدعي لها المتخصصون في مجال الأسرة.
بالإضافة لذلك، فإن الإسلام قد وضع مراحل متدرجة لعلاج التفكك الأسري، هي:
– الوعظ:
ومعناه النصح أو العتاب أو التوجيه سواء من الزواج للزوجة، أو من الزوجة للزوج، أو ممن لهم تأثير قوي على الزوج أو الزوجة كالأب أو الأم أو الإخوة، ويجب أن يتضمن الوعظ الكلمات الطيبة وضرب الأمثلة من الأثر الصالح والسنة النبوية الشريفة، واختيار الأسلوب الملائم لذلك.
– الهجر:
ونعني به فراش الزوجة، وهذا الدرجة هدفها إشعار الطرف الآخر برفض المعاشرة كوسيلة للضغط من أجل التغيير وقد حدد الشرع ألا تزيد مدة الهجر عن شهر إلى أربعة أشهر، والهجر لا يعني ترك المنزل وإنما هو وسيلة لمحاولة الإصلاح داخل المنزل وداخل الأسرة وبدون تدخل الآخرين.
– الضرب غير المبرح:
إن لم ترتدع المرأة بالنصح والوعظ ولم يضغط عليها هجر الفراش لتغير من سلوكها، أباح الشارع الحكيم وسيلة الضرب كعقاب مادي هدفه الإيذاء المعنوي وليس الإيذاء البدني.
– التحكيم:
وهنا يتم اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، ومن رأي الإمام القرطبي أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوج والزوجة، إذ هما أعرف بأحوال الزوجين، ويشترط أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر، فإن لم يوجد من يصلح لذلك فمن غيرهما، وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن جاءت الإساءة، فأما إذا عرف الظالم فإنه يؤخذ منه الحق ويجبر على إزالة الضرر.
4- دور وسائل الإعلام في التوعية الأسرية:
تلعب وسائل الاتصال المختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، من خلال رسائلها الإعلامية، دوراً حيوياً في تنشئة الأسرة التنشئة السليمة التي تضمن استقرارها، وتعمل من خلال شبكة العناصر والمؤثرات الوسيطة، على إحداث التأثير المطلوب بين أفرادها لانتهاج السلوك المقبول حيال أية مشكلات أو نزاعات قد تواجهها، ذلك أنها تضطلع بوظائف مهمة تجاه الجماهير كالتعليم والتثقيف، والتوعية، والإرشاد، والترفيه.
ولقد خلص الباحثون في مجال الإعلام إلى عدة نتائج حول أثر الإعلام وقوته في الإقناع، من أهمها: أن وسائل الإعلام تعزز القيم الاجتماعية وتدعمها، وتصبح في كثير من الأحيان المصدر الرئيس للمعرفة، كما أن المعلومات الواردة من وسائل الإعلام عادة ما تلعب دوراً أساسياً في صنع قرارات الجماهير حيال القضايا المختلفة.
أما فيما يخص الأسرة كجمهور نوعي من جماهير وسائل الإعلام المختلفة، فقد اتفق الباحثون على أن المواقف التي يعتنقها أفراد الأسرة وأصدقاؤهم تحدد بمقدار كبير قبول المعلومات الواردة عبر وسائل الإعلام أو رفضها .. كما يتجلى تأثير وسائل الإعلام بصورة واضحة في تكوين الآراء لديهم حول المواضيع التي لا يعرفون عنها إلا القليل، وبهذا فإن وسائل الإعلام تقل فعاليتها في تغيير الآراء الموجودة فعلاً عند الأفراد.
لقد استنتج عالم الاتصال المشهور ( لاسويل ) أن وسائل الاتصال تقوم بنقل الموروث الاجتماعي ونشره من جيل إلى جيل، والتعرف به، وهو ما عبر عنه بالوظيفة التعليمية لوسائل الاتصال، التي تعني تأهيل الفرد وتنشئته تنشئة مشتقة مع أهداف المجتمع ومثله وقيمه. ولما كانت التنشئة الاجتماعية تعلم الالتزام بأساليب الجماعة، فهي عملية مستمرة مدى الحياة، يكتسب المرء من خلالها المعايير والقيم والسلوكيات المقبولة اجتماعياً، ويمارسها بدوره. وفي المجتمع الحديث تقوم وسائل الإعلام بعملية التنشئة الاجتماعية بصورة موازية ومكملة لما تقوم به المؤسسات الأخرى (التعليمية والعائلية والثقافية ) إن لم تتفوق عليها، خاصة في عالم متغير كعالمنا تكثر فيه الأحداث وتتسارع بطريقة غير مسبوقة. ومما يزيد من فعالية وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية الوقت المتزايد الذي يكرسه المرء لها، فالذهاب إلى المدرسة مثلاً قد يتوقف بعد سنين عديدة، ولكن التعرض لوسائل الإعلام يكون مدى الحياة. لذلك فإن وسائل الإعلام من خلال التزامها بقضايا المجتمع والإنسان توفر رصيداً مشتركاً من المعرفة الاجتماعية يتأثر به كل أفراد المجتمع . . ومن البديهي القول: إن ذلك الرصيد المشترك يمكن الأفراد من القيام بأدوارهم بفاعلية، ويتيح لهم المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وشؤونها.
ويؤكد هذا الاستعراض لبعض خصائص وسائل الاتصال الإعلام، الحاجة لاستخدام هذه الوسائل الاستخدام الأمثل في الإرشاد الأسري، وذلك يتطلب إعداداً مدروساً للرسائل الإعلامية التي تبث للجمهور، من حيث شكلها ومضمونها . . كما يتطلب اختيار وسيلة الاتصال المناسبة التي يمكن بها إحداث التأثير المطلوب في الجمهور المستهدف، واختيار الأوقات المفضلة للجمهور، بوصف ذلك عملاً مهماً في التعرض الاختياري للرسائل الإعلامية . . كذلك التنوع والتوسع في الرسائل الإعلامية فيما يخص تنمية معارف الجمهور، وعرض القضايا الجدلية، ومحاولة مساعدة الجمهور في صنع القرار والاستنتاج، وتقديم الحجج الخاصة بالمواضيع المختلفة للإرشاد، وتوضيح خطورة عدم التقيد بما تحمله الرسائل الإعلامية من تعليمات ومعلومات، فضلاً عن المصداقية والدقة اللتين هما أساس ثقة المتلقي بوسيلة الاتصال.
5- دور المؤسسات الحكومية والأهلية في التوعية الأسرية:
فيما يلي بعض النماذج لمؤسسات حكومية أو أهلية تقدم وتشارك في حل المشكلات الأسرية، ويختلف حجم هذه المؤسسات وأهدافها طبقاً لإمكانياتها واحتياج المجتمع لمثل هذا التخصص:
أ – مراكز التنمية الاجتماعية Social Development
تقوم المراكز التنموية بتقدم الخدمات الإرشادية للأسر، ورفع مستوى التربية الاجتماعية، العمل على استقرار الحياة الأسرية، وإرساء دعائم الأسرة على أسس وقيم دينية وأخلاقية ووطنية، باعتبار تلك القيم من العلامات المهمة في هذا الاستقرار.
ومن برامج مراكز التنمية الاجتماعية ووسائلها في تحقيق أهدافها ما يلي:
– المحاضرات والندوات، التي تتولى التوعية الاجتماعية والثقافة والصحية للمرأة والرجل على السواء.
– تنظيم دورات تدريبية للنساء، ككيفية التعامل مع المشاكل الأسرية، وعن كيفية تربية الأبناء. بالإضافة إلى الاستعانة بالجمعيات الأهلية والتطوعية في إقامة المحاضرات والندوات والدورات التدريبية للعلاقات الأسرية. ويمكن تأسيس تخصصات في الجامعة تقوم بتدريب أخصائيين في مجلا العلاقات الأسرية، يكونون هم القائمين فيما بعد على إدارة وحل مشكلة الزواج.
ب – مكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية:
تتلخص أهداف هذه المكاتب في: علاج المشاكل التي تتعرض لها الأسرة، وتقضي أسبابها، وتهيئة الجو العائلي السليم الذي يكفل للأسرة نشأة اجتماعية سليمة صالحة، وتوجيه الأسرة نحو مصادر الخدمات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المحلي للانتفاع بها، ومعاونة قضاة الأحوال الشخصية في بحث العوامل المسببة للمنازعات الزوجية والعائلية، بالإضافة إلى القيام بالبحوث والدراسات المتصلة بالأسرة والتي تساعد على تحديد الإطار العام للخدمات اللازمة لها. وتعمل هذه المكاتب على تحقيق أهدافها بأسلوبين:
الأول: الأسلوب العلاجي:
وذلك بدارسة الحالات التي تعرض عليها وبحث أسبابها، وتشخيصها تشخيصاً دقيقاً، والعمل على علاجها، واتخاذ الحلول اللازمة لتقديم الخدمات اللازمة التي تساعد على زوال أسباب المشكلة.
الثاني: الأسلوب الوقائي:
وذلك بالتوعية الاجتماعية والأسرية، والاستعانة بوسائل الإعلام المختلفة، وإجراء البحوث والدراسات، وعقد الندوات والمؤتمرات بهدف زيادة الوعي الأسري في المجتمع وتفادي المشاكل والمنازعات قبل وقوعها.
وهناك عدة طرق تقدمها المراكز كوسائل للعلاج من بينها:
* الجلسات الأسرية: وفيها إما أن تكون:
– الاستشارة جماعية (في جو هادئ وخصوصي )،
– أو استشارة جماعية (جماعة الدعم الاجتماعي، جماعة المجهولين ).
* البرامج والدورات التدريبية (الثقة بالنفس، مهارات الاتصال، تطبيقات أسرية، السعادة الزوجية التربية الإيجابية للأولاد، إدارة الضغوط ).
* الإصدارات المرئية والسمعية، الخاصة بالاستشاريين المحليين والعالميين. وهناك أساليب علاجية حديثة تطبق الآن من أجل حل المشكلات الزوجية قبل أن تتفاقم، منها العلاج الزواج المرتبط بالمواقف، والعلاج الزواج السلوكي، والعلاج الزواج الذي يركز على العواطف، وهو أحدث أساليب العلاج حالياً. وكلها أساليب تطبق تحت إشراف أخصائي المشكلات الزوجية الذي يجب أن تتوفر لديه الخبرة العلمية المرتبطة بالإرشاد الاجتماعي والنفسي والسلوكي.
– ويقوم العلاج الزواج المرتبط بالموقف، على إعادة تمثيل الموقف محل الخلاف بين الزوجين، الذي يعتبر مجالاً للتنفيس عن المشاعر السلبية بين الزوجين، حتى يعود الهدوء لحياتهما من جديد.
– أما المنهج السلوكي فيقوم على خلق مواقف التفاعل بين الزوجين، ويستهدف إيجاد التواصل الجيد بينهما، أولاً، وتغيير أساليبهم أو سلوكياتهم في مواجهة المواقف، ثانياً، وذلك من خلال تدريبهم على التعبير عن مشاعرهم، واكتساب القدرة على الاستماع أو الإنصات للطرف الآخر.
– أما الأسلوب الذي يعالج المشكلات الزوجية بالتركيز على العواطف، فيقوم على مساعدة الزوجين على إدراك مشكلاتهم ومشاعرهم الخفية التي يزيد كبتها من حدة الصراع بينهما أو يؤدي إلى التفاعل السلبي بينهما، وبالتالي فإن المنهج يركز على تدعيم:
– العلاقة الإيجابية
– تفادي مناطق الاختلاف.
– إظهار المشاعر الخفية في موقف تفاعلي هادئ.
– تدعيم الثقة بين الزوجين.
العلاقة بين مفهوم الذات وأساليب المعاملة الزوجية:
تتضح أهمية الحاجة إلى الإرشاد الزواج لطرفي العلاقة الزوجية، والقائمين على تربية النشء والشباب. ويمكن في ضوء هذه النتائج اقتراح الخدمات الإرشادية والتطبيقات التربوية التالية:
أولاً: في مجال التربية الزوجية والأسرية:
(أ) بالنسبة للآباء:
– تقديم نموذج طيب لأساليب المعاملة الزوجية يرغب الأبناء في الزواج، وفي اتباع هذه الأساليب السوية في قابل حياتهم الزوجية. فالبنت التي ترى أمها تحترم أباها لا شك أنها ستحترم زوجها في المستقبل والعكس صحيح . . وهذا بالنسبة للابن تماماً، فالابن الذي يجد أباه يحترم أمه ويقدس الحياة الزوجية، لا شك أنه سوف يقدسها ويتكون لديه اتجاه موجب نحوها.
– اتباع أساليب معاملة والديه سوية مع الأبناء، فلا شك أن اتباع مثل هذه الأساليب سوف يساعد على تكوين شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، لديها مفهوم موجب عن ذاتها، مما ينعكس على اتباعها لهذه الأساليب السوية في تعاملها الزواج، وعلى العكس فإن اتباع أساليب معاملة غير سوية مع الأبناء سوف يكوّن شخصيات قلقة مضطربة تفتقر للنضج العاطفي والانفعالي، لدينها مفهوم وسالب عن ذاتها، مما ينعكس على أساليب معاملتها الزوجية مستقبلاً.
– تقديم المعارف والمعلومات الصحيحة والمبسطة عن الحياة الجنسية والزوجية للأبناء بشكل مبسط ومقبول.
– عدم إرغام الأبناء على اختيار شريكة حياة لا يرغبون في الزواج منه، والاكتفاء بالنصح والمشورة.
– عدم المغالاة في المهور عند زواج البنات، ومراعاة الكفاءة والتكافؤ ومستقبل شريك أو شريكة الحياة.
– البعد عن التدخل السافر في حياة الأبناء بعد زواجهم، وتركهم يعيشون هذه الحياة كما يرغبون، مع التدخل بالنصح والإرشاد والصلح عندما تقتضي الظروف ذلك وبرغبة الأبناء.
(ب) بالنسبة للمؤسسات التعليمية والتربوية:
– الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية الفنية، ولطلاب النهائية بالجامعة.
– الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات الأحياء ولم النفس وعلم الاجتماع.
– التركيز في التربية الدينية في المرحلة الثانوية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق، وعقد، ونفقة . . إلخ.
– التركيز في علم الاجتماع على الأسرة، وتكوينها، وأهميتها، والأسباب التي تساعد على تكوين أسرة ناجحة:
(ج) بالنسبة للعاملين بمراكز الأمومة والطفولة ووزارة الصحة:
– الاهتمام بمكاتب فحص الراغبين في الزواج لتقوم بتقديم خدماتها الطبية والإرشادية للراغبين في الزواج من حيث الأمراض الوراثية والتناسلية والعقم وخلافة تجنباً لمشكلات تهدد مستقبل الحياة الزوجية مستقبلاً.
– توسيع نطاق هذه الخدمات بإنشاء مكاتب للعلاقات الزوجية والإرشاد الزواج، وحل المشكلات بعيداً عن المحاكم.
(د) بالنسبة لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ورجال القانون:
– تقديم الإرشادات والتوجيهات والأحكام والفتاوى الدينية السليمة المتعلقة بجميع أمور الزواج.
– تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً يتمشى وروح العصر، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.
– توضيح الغموض حلو زواج المتعة، والزواج العرفي، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص.
– توضيح الأساليب الاجتماعية الرشيدة لقيام حياة زوجية سعيدة.
2- خدمات إرشادية للراغبين في الزواج:
– تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بسيكولوجية المرأة والرجل.
– المساعدة في اختيار شيك/ شريكة الحياة من حيث:
– النضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي.
– التدقيق في الاختيار، وعدم التسرع جرياً وراء نزوة طارئة أو إعجاب عارض مؤقت. – التكافؤ نسبياً من حيث: المستوى التعليمي والعقلي، الوسط الاجتماعي، المهنة، الدخل، المستوي الديني والخلقي.
– اعتبار الدين المقوم الأساس للاختيار الزواج.
– البعد عن زواج المصلحة.
– تقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة، وتربية الأبناء.
3- خدمات إرشادية للمتزوجين فعلاً:
– تقديم المعلومات المتعلقة بمقومات الزواج الناجح.
– تقديم المعلومات المتعلقة بالتوافق الزواج وأساليبه.
– تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بكيفية حل المشكلات الزوجية بأيسر الطرق.
– تقديم الخدمات المتعلقة بطرق التفاعل الاجتماعي مع الزوجة والأبناء.
– تقديم الخدمات المتعلقة بطرق تربية الأبناء ورعاية نموهم.
وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل، فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في قاتم من الشكوك المستمرة، والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل، وإذا كانت الثقة لا تولد إلا الثقة، فإن الريبة أيضاً لا يمكن أن تولد إلا الريبة والشك.
ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام الشاملة واهتمام الدولة بتوفير جميع سبل الرفاهية والتقدم للمجتمع . .
كما أرى أن التخطيط Planningللمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.