كما نهتم بالوقاية الصحية من كورونا، فلنهتم بالوقاية من الاكتئاب الذي تزيد (فرصه) مع العزلة الاجتماعية ومع أي تغيير غير متوقع في ظروف الحياة.. من حسن الحظ أن الاكتئاب - كأي وحش - ينمو تدريجيًا، وبإمكاننا استئصاله فور ظهور بداياته.. ولننجح في ذلك؛ نود مراقبة كيف تبدأ مشاعر الاكتئاب ، هل نشعر بها بعد الحديث مع البعض؟ أم للإفراط بمتابعة أخبار كورونا ؟ أم إثر التفكير في مخاوفنا منها أو من تداعياتها المستقبلية؟ أم لتفكيرنا بخسائرنا الحالية منه؟ وهذه الخطوة مهمة لإيقاف هذه المشاعر أولا بأول، وللتحكم فيها ومنعها من السيطرة علينا ومن تلوين حياتنا بالكآبة... من أهم أسباب الاكتئاب الشعور بالعجز وقلة الحيلة؛ وهو يتزامن عند الكثيرين مع كورونا؛ فنشعر بالعجز عن حماية من نحب وأنفسنا، والحقيقة أننا نتوهم أننا من نحمي فكلنا تعرض من نحب لأزمات أو أمراض برغم اهتمامنا بهم، كما واجهنا نحن ذلك أيضًا مثلهم، فلنهتم فقط بالوقاية جيدًا، ونتذكر دائمًا أن الله (وحده) الحافظ.... ومن أسبابه الاكتئاب الاستسلام للضغوط الناجمة عن كورونا، والمبالغة بالتألم منها وتحويلها لكارثة لا تحتمل؛ بدلا من الاقتناع بأنها مرحلة وستمر وسنخرج منها بمشيئة الرحمن سالمين وفائزين أيضًا؛ وسنكتسب صلابة نفسية وقدرة أحسن على التحكم بردود أفعالنا في مواجهة ما نكره بالحياة. من الطبيعي الشعور ببعض الاكتئاب ؛ فهو زائر بغيض ينتهز فرصة أية ضغوط ليتمكن منا؛ فلنتنبه ولا نسمح له بسرقة حيويتنا وطاقتنا وابتساماتنا؛ فهم أسلحتنا بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع لمواجهة المشاعر السلبية والتي لا تخلو منها الحياة أبدًا. إذا شعرت ب الاكتئاب لا تستسلم وتفتح له أبواب حياتك، وسارع بطرده "وتحصين" نفسك منه باللجوء للرحمن أولًا، ثم تنبه ولا تمتص التذمر الزائد على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تبالغ بالتفكير بخسائرك من بقائك بالمنزل، وسارع بكتابتها حتى لا تستمر بالتفكير بها واعمل على تقليصها "وانتزع" أي مكاسب بمكوثك ببيتك لتعويض نفسك؛ ولا تنتظر من أحد إسعادك؛ فالجميع يعانون. لا تقلل من قدرتك على التأقلم مع الوضع الطارئ بسبب كورونا، ولا تركز في التفكير بالأسوأ، وخصص أوقاتًا للقيام بأنشطة تحبها؛ فعدم تخصيص الوقت يجعلنا ننسى أو نتكاسل، ويجعل الوقت يتسرب منا ويتسلل الاكتئاب في غفلة منا. يؤثر الاكتئاب بالسلب على المزاج وعلى التفكير وعلى التعامل مع الآخرين، ومعه يسود الإحساس بالحزن وباليأس وأحيانًا بالغضب وبفقدان الاستمتاع بالحياة وبصعوبة التركيز وتناقص الاهتمام بالمظهر والنظافة والكوابيس، ويصيب جميع الأعمار، وإن كانت النساء أكثر تعرضًا له، وقد تسببت هذه العزلة بزيادته، ولنتذكر أن المطلوب التباعد الاجتماعي، وليس النفسي، وأن بالإمكان؛ بل والمطلوب تحسين العلاقة مع أفراد الأسرة، واستمرار التواصل بالصوت والصورة مع من نحبهم (ونرتاح) للحديث معهم، لنستقبل ونرسل الود الذي (ينعش) القلوب ويرطب الحياة، ويجعلنا نحن وهم أفضل نفسيًا وأكثر قدرة على طرد بوادر الاكتئاب أولًا بأول، وعدم السماح له بالإقامة بقلوبنا وعقولنا.. ونوصي بعدم المسارعة بتناول المهدئات ومضادات الاكتئاب ، ليس لآثارها الجانبية الضارة أو للخوف من اعتيادها ثم الإضطرار لزيادة الجرعات فقط؛ ولكن أيضًا حتى لا نتعامل مع أنفسنا على أننا نعاني كسرًا نفسيًا لا نستطيع الحياة إلا بالاعتماد على الأدوية؛ والأفضل إتقان التدرب على تهدئة النفس وتجنب كل ما يثير مخاوفنا وطمأنة النفس بأننا ومن نحب في أمان، وأن الأخطار دومًا تحيط بكل إنسان، وفعل أي شيء لكسر (دائرة) الاكتئاب ولو بالاستحمام بماء دافئ، وترك الماء الساخن ينساب على الكتفين والرقبة؛ وهما من أماكن التوتر وإغماض العينين عندئذ، والتركيز على التنفس بهدوء من الأنف فقط، مع إغلاق الفم والابتسام للمساعدة على جلب الهدوء للعقل وللجسد، ثم تناول كوبًا من الليمون الدافئ المحلى بالعسل... وتذكر أنك (وحدك) المسئول عن صحتك النفسية وأنها أساس الصحة الجسدية، ولا تنس أن فعل الخير يفيدك نفسيًا؛ فابتسم بنية إسعاد من تراهم، واكتب كلمات تطمئن على التواصل الاجتماعي، وتكلم بالهاتف مع كبار السن بأسرتك وتكلم معهم (بحب) في أمور تعلم أنها تسعدهم، وخفف عليهم وحدتهم. وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن لروائح العطور دورًا مهمًا في مكافحة الاكتئاب وتحسين المزاج، ومنها عطور الياسمين فاحرص على استخدامها واسعد نفسك، ولا تبدأ يومك بمتابعة كورونا، وابدأه بأي شيء يجلب السرور، وخصص وقتًا يوميًا صباحًا ومساءً للاطمئنان؛ لتحمي نفسك من تغول القلق و الاكتئاب ، وتذكر كل ما لديك من نعم بالوقت الحاضر "وامنع" نفسك من التفكير في الماضي والمستقبل عندئذ، وثق أن هذه الدقائق ستمنحك براحًا نفسيًا أنت "بأشد" الاحتياج إليه وستضاعف قدراتك على مقاومة الاكتئاب والانتصار التام عليه كما أدعو لك. واحرص على الدعاء لنفسك وللعالم كله بالأمان والسلامة، وبأن يكون كل يوم أفضل مما يسبقه للجميع، وتذكر القول البديع والصادق جدًا لفيكتور هوجو: "الشكر في العزلة كافٍ"؛ فالشكر لديه أجنحة ويذهب حيث يجب أن يذهب، إن دعاءك يفعل الكثير؛ بل أكثر مما تفعل أنت".