اقتربت مفاوضات سد النهضة من خط النهاية بإعلان وفود مصر والسودان وإثيوبيا فى ختام اجتماعاتهم بواشنطن الجمعة، اتفاقهم على جدول زمنى لملء بحيرة السد على مراحل، وعلى الآليتين اللتين سيتم من خلالهما التعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد، والأمطار الشحيحة، خلال فترة الملء، وفى أثناء تشغيله. ويبدو من توقيع الوفد المصرى على وثيقة أعدها الجانب الأمريكى حول ما تم الاتفاق عليه، وامتناع وفد إثيوبيا عن التوقيع، أن بنود الاتفاق أخذت مطالب ومخاوف الشعب المصرى، أو على الأقل معظمها فى الاعتبار، فاطمأن وفدها للتوقيع بينما احتاج الطرف الإثيوبى مهلة للتشاور مع قيادته. أما عدم توقيع وفد السودان فورًا، فلا يثير القلق، لأنه ليست هناك خلافات تُذكر مع مصر حول الملء والتشغيل ويبدو أن الوفد احتاج للتشاور أيضًا مع قيادته فى الخرطوم فى ضوء اتفاقات سودانية – إثيوبية موقعة فى عهد الرئيس المعزول عمر البشير بشأن السد تفيد السودان ومازالت سارية. ولوحظ فى البيان أنه تم الفصل بين الآلية المنظمة للتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد، خلال فترة الملء، وبين الآلية المشابهة التى ستنظم التعامل مع تلك الحالات خلال عملية التشغيل وذلك للمزيد من الدقة والتحديد لتبديد مخاوف مصر؛ حيث إن زمن ملء البحيرة يختلف عن زمن تشغيل السد. وبدا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب واثقًا من التوصل لاتفاق نهائى قريبًا عندما اتصل هاتفيًا برئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد معربًا عن ثقته فى أن اتفاقًا بات وشيكًا وسيصب فى صالح كل الأطراف المعنيين وفقًا لما أعلنه البيت الأبيض مساء الجمعة. ومن المرجح أن ترامب أراد أيضًأ طمأنة القيادة الإثيوبية بأن الاتفاق النهائى لن يكون على حساب مصلحة بلدهم وكذلك تشجيعهم على التخلى عن تحفظهم وعلى أن يوقع وفدهم الاتفاق. حِرصُ البيت الأبيض على إعلان تفاؤل الرئيس الأمريكى وثقته فى التوصل لاتفاق نهائى يراعى مصالح كل أطراف النزاع استهدف أيضًا تبديد أى تشاؤم من عجز المتفاوضين عن إنجاز اتفاق نهائى بعد أربعة أيام من المباحثات وبقاء مسائل مختلف عليها تم تكليف اللجان الفنية والقانونية بمواصلة الاجتماعات فى واشنطن لوضع الصياغة النهائية للاتفاق المنتظر تمهيدًا لإقراره من وزراء الخارجية والرى فى اجتماع جديد يومى 12 و13 فبراير الحالى بالعاصمة الأمريكية ثم التوقيع عليه بحلول نهاية الشهر. صحيح أن الوزراء لم يتوصلوا لاتفاق كامل ونهائى ولكن المباحثات لم تفشل، بل أحرزت تقدمًا إضافيًا حول القضايا المختلف عليها أومعظمها.ولو كان هناك فشل لانقطع الأمل بنهاية يومها الثانى ولما تم تمديدها ليومين إضافيين أو تحديد موعد لإقرار الاتفاق فى منتصف الشهر وموعد آخر للتوقيع عليه فى نهايته. وبالرغم من عدم التقليل من أهمية الخلافات المتبقية إلا أنها الآن أقل بكثير مما كانت عليه قبل رعاية واشنطن للمفاوضات بحضور البنك الدولى، يضاف إلى ذلك الرغبة فى منح الوفود مهلة للتشاور مع قياداتها قبل التوقيع على أى اتفاق ملزم لبلدانهم الثلاثة. فمازال يتعين التوصل لاتفاق حول آلية تشغيل السد خلال سنوات الفيضان العادية وحول آلية التنسيق لمتابعة ومراقبة تنفيذ الاتفاق النهائى وتبادل المعلومات وكذلك حول آلية فض المنازعات بالإضافة إلى دراسة مسألة أمان جسم السد وإتمام الدراسات الخاصة بما قد يتخلف عنه من تأثيرات بيئية واجتماعية سلبية فى مصر والسودان.وقد اتفق الوزراء على أهمية التوصل لاتفاق بشأن هذه المسائل. ومازال يتعين الاتفاق على الجهة التى سيتم الرجوع إليها عند حدوث خلاف فى أثناء تنفيذ الاتفاق..هل ستكون البنك الدولى أم الولاياتالمتحدة أم هيئة تحكيم دولية أم محكمة العدل الدولية حتى لا تتكرر مشكلة خلو اتفاقية إعلان المبادئ لعام 2015 من بند اللجوء إلى التحكيم فيتعثر التنفيذ؟. وعلى فرض أن اللجان الفنية أخفقت فى التوصل إلى اتفاق كلى أو جزئى قبل اجتماع وزراء الخارجية والرى فى 12 فبراير سيتعين على الوزراء بحث الخلافات وإيجاد حلول لها حتى لو تطلب الأمر تمديد اجتماعاتهم لأكثر من اليومين المقررين مدعومين بتوجيهات وحلول وسط جديدة من حكوماتهم ولوقوعهم تحت ضغط أمريكى شديد لن يقبل الفشل بعد كل تلك الجهود التى بذلتها الإدارة الأمريكية للخروج باتفاق شامل وعادل ودائم. ومن غير المستبعد أن يحتاج الأمر إلى اجتماع قمة لقادة الدول الثلاث بمشاركة الرئيس الأمريكى لاتخاذ قرار سياسى حاسم ونهائى يذلل العقبات المتبقية بتنازلات محدودة متبادلة قبل التوقيع النهائى، وعندئذ سيشعر كل طرف بأنه حقق على الأقل معظم أهدافه وأزاح شبح ضرر جسيم جثم لسنوات فوق صدور شعبه. يبقى القول إنه لولا رعاية الولاياتالمتحدة لهذه المفاوضات وتدخلها بقوة وعلى أعلى مستوى لتذليل العقبات بمشاركة البنك الدولى ذى الخبرة الواسعة فى إدارة ملفات أحواض الأنهار المشتركة حول العالم وخبرائه وقواعده المنظمة لاستغلال مياه تلك الأنهار من جانب الدول الواقعة فى أحواضها بما فيها نهر النيل لما تم تذليل العقبات التى حالت دون التوصل لاتفاق طوال تسع سنوات. هذا التدخل من طرف قوى ومؤثر مثل واشنطن وآخر يمتلك الخبرة اللازمة مثل البنك الدولى هو ما كانت مصر تسعى إليه منذ فترة طويلة ولكن إثيوبيا لم تبد موافقتها عليه قبل أن تستضيف الإدارة الأمريكية المباحثات بالرغم من أن اتفاقية إعلان المبادىء التى وقعتها الدول الثلاث بالخرطوم عام 2015 تنص فى بندها العاشر على أنه إذا فشلت الأطراف الثلاثة فى التوصل لاتفاق عن طريق التشاور والتفاوض فإنه يجوز لهم مجتمعين طلب وساطة.