في أحدث جهوده المتواصلة للحصول على أكبر قدر من مساعدات التنمية لدول إفريقيا ورفع مستويات معيشة شعوبها وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين من شبابها خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي توجه الرئيس السيسي إلى العاصمة الألمانية برلين للمشاركة في قمة مجموعة العشرين وإفريقيا التي أطلقت مبادرتها ألمانيا الاتحادية عام 2017 بهدف دعم التنمية في البلدان الإفريقية وجذب الاستثمارات إليها ودعم التعاون الاقتصادي بينها وبين دول المجموعة من خلال مشروعات مشتركة تساهم ف ي الإسراع بوتيرة النمو في القارة السمراء. فمنذ تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي قبل نحو عشرة شهور أعلنت الرئاسة المصرية أن أولوياتها تتمثل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتوفير فرص عمل للشباب الإفريقي وتطوير منظومتي التصنيع والزراعة في إفريقيا لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز التعاون بين الاتحاد الإفريقي وشركاء التنمية والسلام الدوليين والإقليميين والمحليين. وفي أبريل الماضي أكد الرئيس السيسي أن أولويات مصر إزاء إفريقيا ترتكز على أمور عدة منها التنمية وتطوير البنية التحتية وتحقيق الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي. كما أكد الرئيس أمام مؤتمر التعاون الإفريقي-الياباني على ضرورة نقل التكنولوجيا ودعم برامج وخطط تطوير قدرات إفريقيا وتنمية مواردها البشرية وتزويدها بأدوات العصر لتحقيق أهداف أجندتها التنموية، وحدد ثلاثة محاور للتركيز عليها أولها تطوير البنية التحتية الإفريقية، والثاني يتعلق بتفعيل المراحل التنفيذية لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بما يزيد من جاذبية الاستثمارات لتصنيع وتحديث اقتصادياتها، أما الثالث فهو أولوية السعي لتوفير المزيد من فرص العمل، لاسيما للشباب، وهو ما يتطلب حشد الاستثمارات الوطنية والدولية وجذب رؤوس الأموال وتوطين التكنولوجيا. وفي ختام منتدى إفريقيا 2018 بشرم الشيخ سبق أن أعلن الرئيس عن إنشاء صندوقين، الأول لضمان مخاطر الاستثمار في إفريقيا لتشجيع المستثمرين المصريين للاستثمار والمشاركة في تنمية دولها والثاني للاستثمار في البنية التحتية المعلوماتية لدعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي لبناء اقتصادات حديثة بالإضافة إلى تقديم 250 منحة تدريبية للكوادر الإفريقية في مجال الوقاية من الفساد وتحفيز وتيسير عمل الشركات الإفريقية في مصر وزيادة التعاون الفني في مجالات الاستثمار في رأس المال البشري والتحول الرقمي الدولية، والتفاوض مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية بما في ذلك الإسراع بالانتهاء من طريق القاهرة–كيب تاون لربط دول القارة وتوسيع حركة التجارة فيما بينها والتعاون المشترك بين مصر وأشقائها في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد من خلال تبادل الخبرات والتدريب والتأهيل للأجهزة المعنية. وسبق أن كلف الرئيس السيسي مؤسسات الدولة بتوحيد جهودها لتأسيس أول مركز إقليمي لريادة الأعمال في مصر بهدف تقديم كل سبل الدعم اللازم للشركات الناشئة في مصر والدول الإفريقية وإعداد وتصميم منهج متكامل لتأهيل الشباب لريادة الأعمال والدعوة لتأسيس صندوق تمويل عربي إفريقي لدعم ريادة الأعمال في المنطقتين وإطلاق مبادرة تدريب 10 آلاف شاب مصري وإفريقي كمطوري تطبيقات وألعاب إلكترونية خلال السنوات الثلاث المقبلة وتحفيز تأسيس100 شركة ناشئة مصرية وإفريقية في هذا المجال. وقبل ذلك أعلن في مارس 2016عن ألف منحة دراسية للدول الإفريقية في الكليات العسكرية وأصدر توجيهاته بتوفير 100 منحة تدريبية عسكرية جديدة للدول الإفريقية خلال عام 2019. وفى ختام منتدى الشباب العربي–الإفريقي بأسوان أعلن الرئيس ضمن إجراءات أخرى عن مبادرة مصرية للقضاء على (فيروس سي) لمليون إفريقي وإطلاق مرحلة جديدة من حملة 100 مليون صحة لمعالجة الضيوف المقيمين في مصر وفتح باب المشاركة للباحثين من الدول العربية والإفريقية للاستفادة من بنك المعرفة المصري وتدريب وتأهيل الشباب على تأسيس مجلس للتعاون بين الجامعات العربية والإفريقية ليكون منصة فاعلة لتعزيز التعاون العلمي والثقافي بين العرب والأفارقة وقيام إدارة منتدى شباب العالم بتشكيل فريق عمل من الشباب العربي والإفريقي لتولى إعداد تصور خاص لتحقيق فرص التكامل العربي الإفريقي في كل المجالات والعمل على تمكين الشباب والمرأة وإعدادهم وتأهيلهم بالارتقاء بالتعليم والتدريب. كما استضافت مصر مؤتمري الاستثمار والتجارة البينية والمعرض التجاري الإفريقي في شرم الشيخوالقاهرة ومن قبل ذلك مؤتمراً في يونيو 2015 تم خلاله تدشين أول منطقة تجارة حرة بين ثلاثة تجمعات اقتصادية تضم 26 دولة إفريقية يسكنها 625 مليون نسمة في الشرق والجنوب الإفريقيين كخطوة على طريق السوق الإفريقية المشتركة التي تم بالفعل تدشينها في نيامي عاصمة النيجر في وقت سابق هذا العام، هذا بخلاف المساعدات الفردية التي قدمتها كمنح لدول إفريقية عديدة في مجالات مختلفة. وتحت رئاسة السيسي والرئيس بوتين أعطت أول قمة إفريقية-روسية دفعة جديدة للدعم الدولي للدول الإفريقية بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة؛ حيث انتهت بتوقيع اتفاقيات تقدر قيمتها بنحو 12,5 مليار دولار والاتفاق على إطلاق صندوق استثماري مشترك بخمسة مليارات دولار. وقبل ذلك بأسابيع استضافت اليابان برئاسة السيسي ورئيس وزرائها شينزو آبي مؤتمرًا تحت شعار النهوض بتنمية إفريقيا عبر الشعوب والتكنولوجيا والابتكار فيما اعتُبر بمثابة نقلة نوعية على طريق التنمية بالدول الإفريقية؛ حيث وعدت طوكيو بتقديم مساعدات كبيرة من بينها رفع إنتاج الأرز الإفريقي إلى 50 مليون طن سنويا خلال 11 عامًا والاتفاق على تشكيل لجنة يابانية-إفريقية للاستثمار واستقبال اليابان 9000 شاب إفريقي للتدريب في مجال الموارد البشرية وبإرسال خبراء لإصلاح الميزانيات المختلة بسبب القروض الأجنبية في كثير من الدول الإفريقية. كما أكدت اليابان أن استثماراتها التي بلغت 7,8 مليار دولار في أواخر 2017 في إفريقيا سوف تتخذ شكلًا جديدًا يتمثل في تطوير الموارد البشرية المحلية والحد من أعباء الاستدانة وشروطها. وتنبع أهمية مبادرات السيسي من كون معظم الدول الإفريقية في حاجة ماسة للمساعدة في مجالات مثل مكافحة الأمراض وتطوير التعليم والتدريب؛ خاصةً فيما يتعلق بإنشاء وإدارة المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب الذين يزيدون على نصف سكان القارة وترتفع نسبة البطالة بينهم في بعض دولها إلى 75% من الذين في سن العمل ولوقف نزيف الأدمغة المتمثل في هجرة الشباب ذوي الكفاءات بنسب تصل في بعض الدول إلى 56% لعدم وجود بيئة مناسبة لتحقيق طموحاتهم الأمر الذي يحرم شعوبهم من جهودهم لتحقيق التنمية ورفع مستوى المعيشة. فبالرغم من أن 40% من موارد العالم الطبيعية توجد في إفريقيا - وفقاً للمعهد الملكي للشئون الدولية في لندن - إلاَّ أن ضَعف الاستثمارات المحلية التي لا تتجاوز 15% من إجمالي الناتج القومي للدول الإفريقية لا يمكِّنها من استغلال تلك الموارد بالكيفية والسرعة اللازمتين لتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية المطلوبة، ولابد من استثمارات ومساعدات مالية وتكنولوجية خارجية. وأوضحت تقارير منظمات متخصصة أن خطط التنمية المستدامة بدول إفريقيا تحتاج إلى 2,5 تريليون دولار منها 150 مليارًا سنويًا لتجهيز البنية الأساسية وحدها لا تَقدر حكوماتها على توفيرها دون مشاركة من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية لمواجهة الزيادة المتوقعة في عدد السكان إلى 2,5 مليار نسمة بحلول عام 2050.