أكد عدد من الخبراء والباحثين أن الاتجار بالبشر والجرائم الإلكترونية، هما أبرز القضايا التى تندرج تحت مسمى الجرائم المستحدثة التى نواجهها فى عالمنا الآن. جاء ذلك خلال مؤتمر "الجرائم المستحدثة- كيفية إثباتها ومواجهتها" الذى نظمه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع وزارة الداخلية على مدار يومين، حيث تم طرح قضية "الاتجار بالبشر" من عدة زوايا اجتماعية وجنائية وحقوقية وغيرها. قدّم القاضى هانى فتحى جورجى رئيس محكمة بمحكمة المنصورة الابتدائية دراسة تحت عنوان "الإطار القانونى والدولى لحماية ضحايا الإتجار بالبشر: حجر الزاوية فى منهج متسق وشامل لمكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص والقضاء عليها". أوضحت الدراسة أن التصدى الناجح لجريمة الاتجار بالأشخاص يستلزم تبنى إستراتيجية توازن بين التنفيذ الصارم للقانون فى مواجهة الجناة، وحماية حقوق الضحايا وكرامتهم الإنسانية والذى لن يتحقق إلا بدعم التطبيق الصارم للقانون ضد مرتكبى تلك الجريمة الشنعاء. أكد جورجى الدور الذى تقوم به النيابة العامة المصرية فى هذا الصدد بوصفها شعبة أصيلة من القضاء ولأنها من أهم السلطات الضامنة للإنفاذ الفعال لجميع الاتفاقيات والمواثيق والصكوك والبروتوكولات الدولية المشتملة على أحكام وتدابير ذات صلة بمكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، حيث تقوم باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمساعدة وحماية ضحايا جريمة الاتجار بالأشخاص على النحو الذى يسمح به القانون والتزامات مصر الدولية مع مراعاة الموازنة بين مقتضيات أمن المجتمع وعدم إفلات مرتكبى تلك الجرائم. قدمّت الدراسة التعريف القانونى لضحايا جريمة الاتجار فى البشر وهم: الأشخاص الذين أصيبوا بضرر فرديا أو جماعيا، بما فى ذلك الضرر البدنى أو العقلى أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية، عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجنائية النافذة فى الدول الأعضاء بما فيها القوانين التى تحرّم الإساءة الجنائية لاستعمال السلطة. كما صنفّت الضحية إلى أربع درجات: الضحية الثانوية، الضحية المستضعفة، الضحية المحتملة، والضحية المفترضة، وهو الشخص الذى تم الاتجار به إلا أنه لم يتم التعرف عليه كضحية. وحددت الدراسة حقوق الإنسان الستة الأساسية التى يتعين كفالتها لضحايا الاتجار بالأشخاص وهم: صون الحرمة الشخصية للضحايا وهويتهم فى الحالات المناسبة وبالقدر الذى يتيحه قانونها الداخلى، ضمان تلقى الضحايا معلومات عن الإجراءات القضائية ذات الصلة فى الحالات المناسبة وتوفر فرصة لهم لعرض آرائهم وأخذها بعين الاعتبار، الحرص على توفير السلامة البدنية للضحايا أثناء وجودهم داخل إقليمها، ضمان وجود تدابير تتيح للضحايا إمكانية الحصول على تعويض عن الأضرار التى لحقت بهم، تيسير وقبول عودة الضحايا الذين هم من الرعايا أو يتمتعون بحق الإقامة الدائمة، مع إيلاء الاعتبار الواجب لسلامتهم، والنظر فى تنفيذ تدابير تتيح التعافى الجسدى والنفسى والاجتماعى لضاحيا الاتجار بالأشخاص. من جانبها، أوضحت الدكتورة سهير عبد المنعم أستاذة القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وعضوة اللجنة التشريعية بالمجلس القومى للمرأة فى تصريح خاص ل "بوابة الأهرام" أن هناك خمسة أنماط للاتجار بالبشر وهم: البغاء، زواج القاصرات، أطفال الشوارع، الاتجار بالأعضاء، والاستغلال الجنسى. وأضافت أن الأبحاث التى تم تنفيذها فى هذا الموضوع كانت على عينة مكونة من 400 طفل شوارع وتكشّف عن أن ما يقرب من ربعهم تم الاتجار بهم، وأن المتسولين منهم هم الأكثر عرضة للاتجار بهم بنسبة 17%، يليها استغلالهم فى ارتكاب جرائم المخدرات ثم السرقة والبغاء وأخيرا نزع أعضائهم. وأكدت الدراسة أن من بين أسباب عدم تعرّض كل العينة من أطفال الشوارع للاتجار ترجع إلى وجودهم فى الشارع الذى أكسبهم القوة.. لدرجة أنهم رفضوا الخضوع لسيطرة الأسرة، وزيادة قوتهم مع تقدم سنهم، بعض منهم يلجأ فى بعض الأحيان إلى أن يؤذى نفسه متعمدا لتخويف شخص ما يحاول إيذاءه، الشارع يعطيهم الحرية والكسب لذلك يرفض معظمهم العودة إلى المنزل رفضا منهم للخضوع والسيطرة مرة أخرى. وطالبت الدراسة بضرورة حماية ودعم الأسر التى تعانى الفقر المدقع حتى لا تكون عاملا مساعدا لفرز مزيد من أطفال الشوارع، بالإضافة إلى ضرورة إعادة تأهيل أطفال الشوارع كى يكونوا من الفتيان الصالحين، احترام خصوصية أطفال الشوارع وحريتهم لتجنب عنادهم. وأشارت د.سهير إلى الجهود التى تقوم بها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الاتجار بالبشر، حيث تقوم بتقديم قروض صغيرة للأسر الفقيرة وتمنح أصحاب الأعمال قروضا لمواجهة عمالة الأطفال. وقالت الدكتورة سهير لطفي أستاذة علم الاجتماع المتفرغ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إن الأطراف المتنازعة فى تجارة الأعضاء كجزء من عملية الاتجار بالبشر يتمثلون فى التالى: الدين، الشرطة، البحث المدنى، الصحة، الطب. وكشفت الدراسة الخاصة بالاتجار فى الأعضاء البشرية فى إطار الاتجار بالبشر عن أن هناك مجتمعات مستهدفة للاتجار داخل مصر مثل محافظتى المنيا والدقهلية وفى القاهرة داخل منطقتى إسطبل عنتر ومنشية ناصر. وقد أكدت الدكتورة عزة كريّم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن من أهم الأسباب وراء رفض أطفال الشوارع العودة إلى منازلهم هو تعودّهم على الربح الكبير الذى قد يتراوح فى اليوم الواحد ما بين 40 و 100 جنيه وفى الأعياد يصل إلى 200 جنيه. كما أشارت إلى أن أخطر جريمتين يتم ارتكابهما فى الشارع هما ممارسة الجنس وتعاطى المخدرات، وأن أطفال الشوارع يعتبرونهما من أكثر المتع لديهم فى الحياة. وأوضحت كريّم أنه كلما ساعدنا طفل الشارع بالمال شجعناه على الخطأ وعلى البقاء بالشارع، وأن أى ممارسات منظمة لتعديل سلوكهم يرفضونها ويعتبرونها مقيدة لهم لذلك فهم يرفضون العودة وبشدة إلى منازلهم حتى فى المستقبل. وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات الخاصة بكيفية مواجهة وإثبات الجرائم المستحدثة التى أصبحت تواجه مجتمعنا فى الوقت الحالى. وفى إطار التعرّف على أنواع جديدة من الجرائم المستحدثة، قدّم اللواء أحمد البدرى مدير كلية الشرطة بحث بعنوان "الإرهاب الإلكترونى... كصورة للجريمة المعلوماتية والمستحدثة". وتضمنّ البحث تعريف "الإرهاب الإلكترونى" فهو كل فعل يستخدم فيه شبكة الإنترنت أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى ويحقق الجانى من خلاله النتيجة المجرمة والمنصوص عليها فى المواد التى تعرّف الإرهاب. فمن يحرّض من خلال الإنترنت على قلب نظام الحكم أو من يدعو إلى تكوين جماعة محظورة أو يرهب المواطنين من خلال بث الرهبة والخوف فى نفوسهم عن طريق بعث الرسائل إلى مواقعهم أو عناوينهم الإلكترونية، يعد بذلك مرتكبا لجريمة الإرهاب الإلكترونى. وركزّت الدراسة على أهم الأشكال التى يتم تطبيقها فى الإرهاب الإلكترونى مثل جرائم تطوير ونشر الفيروسات وكذلك جريمة اختراق برامج وأنظمة المعلومات فى دولة أو مؤسسة كبرى مما يؤدى إلى اضطراب سير العمل، أو اختراق شبكة المعلومات الخاصة بمترو الأنفاق أو شركة طيران مما يعطل حركة السير والسفر. وأشارت الدكتورة نسرين البغدادى، الخبيرة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية إلى أضرار عمليات القرصنة الإلكترونية على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، مما ساعد على سحب عدد من الاستثمارات من مصر، موضحة خطورة الجرائم، التى تسببها الشبكات الاجتماعية لدرجة تصل لحد القتل.